موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: تركُ الإسرافِ في المَلبَسِ


ينبغي تركُ الإسرافِ في المَلبَسِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتاب والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كان في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ، قال رجلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يحِبُّ أن يكونَ ثَوبُه حسَنًا ونَعلُه حَسَنةً، قال: إنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ؛ الكِبرُ بَطَرُ [912] بَطَرُ الحَقِّ: هو دَفعُه وإنكارُه تَرفُّعًا وتجبُّرًا، وألَّا يَراه حَقًّا، ويَتَكَبَّرُ عن قَبولِه. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/ 229)، ((الغريبين)) للهروي (1/ 188)، ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 90). الحَقِّ، وغَمطُ [913] غَمطُ النَّاسِ: أي: احتِقارُهم والإزراءُ والاستِخفافُ بهم وألَّا يَراهم شَيئًا، يُقالُ: غَمِط وغَمِص بمَعنًى واحِدٍ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 197)، ((الغريبين)) للهروي (4/ 1388)، ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 90). النَّاسِ)) [914] أخرجه مسلم (91). .
2- عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كُلُوا واشرَبوا، وتصَدَّقوا والبَسُوا، في غَيرِ مَخِيلةٍ [915] مَخِيلةٍ: أي: خُيَلاءَ وكِبرياءَ، يُقالُ: خال الرَّجُلُ خالًا واختال اختيالًا: إذا تَكَبَّرَ، وهو رَجُلٌ خال، أي: مُتَكَبِّرٌ، وذو خالٍ، أي: ذو تَكَبُّرٍ. يُنظر: ((الغريبين)) للهروي (2/ 606)، ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/ 132). ولا سَرَفٍ؛ إنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُرى نِعمَتُه على عَبدِه)) [916] أخرجه الترمذي (2819)، والنسائي (2559)، وأحمد (6708) واللفظ له. صحَّحه الصنعاني في ((سبل السلام)) (4/272)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2819)، وحسَّنه الترمذي، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32)، وصحَّح إسنادَه الحاكم في ((المستدرك)) (7390). .
ج- مِنَ الآثارِ
قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (كُلْ ما شِئتَ، والبَسْ ما شِئتَ، ما أخطَأَتك اثنَتانِ: سَرَفٌ، أو مَخِيلةٍ) [917] أخرجه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم قبلَ حَديثِ (5783) واللَّفظُ له، وأخرجه مَوصولًا ابنُ أبي شَيبةَ (25375)، وأبو نُعَيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/274). صَحَّح إسنادَه الألباني في ((هداية الرواة)) (4306). .
فوائدُ:
1- قال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: (إذا رَأيتَ شَبابَ أمةٍ يَتَنَبَّلونَ بالثِّيابِ والزِّينةِ فاعلَمْ أنَّها أُمَّةُ كَذِبٍ ونِفاقٍ، يُغَطُّونَ الحَقيقةَ الرَّخيصةَ بالثَّوبِ الغالي، ويَكذِبونَ حتَّى على الأعيُنِ) [918] ((كلمة وكليمة)) (ص: 61). .
2- (الإسلامُ يوصي بالاعتِدالِ في ارتِداءِ المَلابسِ، ويُكرَهُ للرَّجُلِ أن يُباهيَ بها أو يَختالَ فيها، فهو لا يعتَبِرُ حُسنَ البِزَّةِ [919] البِزَّةُ بالكَسرِ: الهَيئةُ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (3/ 865). مِن عناصِرِ الرُّجولةِ، أو مُقَوِّماتِ الخُلُقِ العَظيمِ، فرُبَّ امرِئٍ لا تُساوي ثيابُه دِرهَمًا تَرجَحُ نَفسُه بالقَناطيرِ المُقَنطَرةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رُبَّ أشعَثَ [920] الأشعَثُ: المُتَلبِّدُ الشَّعرِ الذي تَغَيَّرَ شَعرُ رَأسِه واغبَرَّ، البَعيدُ العَهدِ بالدُّهنِ والتَّسريحِ والغَسلِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 93)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 169)، ((المفاتيح)) للمظهري (6/ 355). أغبَرَ [921] الأغبَرُ: الذي عَلَتْه غَبَرةُ الغُبارِ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 169). ذي طِمْرَينِ [922] الطِّمرُ: الثَّوبُ الخَلَقُ الرَّثُّ، والجَمعُ: أطمارٌ، وذو الطِّمرَينِ: الذي عليه ثَوبانِ خَلَقانِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 93)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 169)، ((الميسر)) للتوربشتي (4/ 1354). لو أقسَمَ على اللهِ لأبَرَّه» [923] أخرجه مسلم (2622) باختلاف يسير من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رُبَّ أشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ، لو أقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ)). .
وإنَّه لمِنَ الحَماقةِ أن يَجعَلَ الشَّابُّ مِن جسمِه مَعرِضَ أزياءٍ يَسيرُ بها بَينَ النَّاسِ، يَرتَقِبُ نَظَراتِ الإعجابِ تَنهالُ عليه مِن هنا ومِن هناكَ، إنَّ هناكَ فِتيانًا أغرارًا يَقضونَ السَّاعاتِ الطِّوالَ في البُيوتِ، ليسَ لهم مِن عَمَلٍ إلَّا استِكمالُ وجاهَتِهم، والاطمِئنانُ إلى أناقَتِهم، ولو أنَّهم كُلِّفوا ببَذلِ هذا الوقتِ في التَّزَيُّدِ مِن عِلمِ، أوِ التَّفقُّهِ في دينٍ، لنَفَروا ونَكَصوا! إنَّهم يَحسَبونَ اتِّساقَ المَلابِسِ على أجسامِهم شارةَ الكَمالِ، وكَفى! وقد نَدَّدَ الإسلامُ بهذا الطَّيشِ، ونَفَّرَ المُسلمينَ مِنه... والحَقُّ أنَّ المَفتونينَ والمَفتوناتِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ لمَّا قَلَّت حُظوظُهم مِن آدابِ النَّفسِ ظَنُّوا المُغالاةَ في اللِّباسِ تَستُرُ نَقَصَهم، وهَيهاتَ!) [924] ((خلق المسلم)) لمحمد الغزالي (ص: 146). .

انظر أيضا: