موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: عَدَمُ المَشيِ في نَعلٍ واحِدةٍ


يُكرَهُ المَشيُ في نَعلٍ واحِدةٍ أو خُفٍّ واحِدٍ، مِن غَيرِ عُذرٍ. وحُكِي الإجماعُ على الكراهة وأنَّ النهي عن ذلك ليس على الحظر [1033] وممَّن حكَى الإجماعَ: عِياضٌ، وأبو العبَّاسِ القُرطُبيُّ، والنَّوَويُّ. قال عياضٌ: (قَولُه: «إذا انتَعَل أحَدُكم فليبدَأْ باليمينِ، وإذا خَلَع فليبدَأْ باليُسرى، وليُنعِلْهما جميعًا أو ليَخلَعْهما جميعًا»: في هذا الحديثِ ثلاثُ سُنَنٍ في الانتعالِ: البدايةُ في الانتعالِ باليَمينِ على ما تقدَّم من سُنَّةِ التَّيامُنِ في الأمورِ الشَّرعيَّةِ والاعتياديَّةِ، ولإكرامِ اليَمينِ بالوقايةِ أوَّلًا، والصِّيانةِ لفَضلِها على الشِّمالِ. وبعَكسِ هذا إذا خَلَع، يجعَلُ خَلعَ اليَمينِ آخِرًا؛ إبقاءً لصيانتِها وحِفظِها، وإكرامًا لها. وأمَّا النَّهيُ عن المَشيِ في نَعلٍ واحدةٍ والأمرُ بأن يُنعِلَهما جميعًا أو يخلَعَهما جميعًا؛ فلِما في ذلك من التَّشويهِ والمُثلةِ، ومخالفةِ زِيِّ الوَقارِ، واختلالِ الحالِ في المَشيِ باختلافِ حالِ الرِّجلَينِ، فرُبَّما عَثَر ونزل العَدلُ من جوارِحِه. وهذه جملةٌ لم يختَلِفِ العُلَماءُ فيها، وأنَّها أوامِرُ أدَبٍ وتحضيضٍ لا تجِبُ، إلَّا شيئًا رُوِيَ عن بعضِ السَّلَفِ في المَشيِ في نَعلٍ واحدٍ أو خُفٍّ واحدٍ، أثَرٌ لم يَصِحَّ، وله تأويلٌ في المشيِ اليسيرِ وبقَدرِ ما يُصلِحُ الأخرى، وإن كان نَصُّ الحديثِ يُخالِفُه). ((إكمال المعلم)) (6/ 616، 617). ويُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (12/ 78). وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (لا خِلافَ في أنَّ أوامِرَ هذا البابِ ونواهيَه إنَّما هي من الآدابِ المُكمِلةِ، وليس شيءٌ منها على الوُجوبِ ولا الحَظرِ عِندَ مُعتَبَرٍ بقَولِه من العُلَماءِ). ((المفهم)) (5/ 416). وقال النَّوويُّ في فِقهِ أحاديثِ البابِ: (فيه ثَلاثُ مَسائِلَ: أحَدُها: يُستَحَبُّ البَداءةُ باليُمنى في كُلِّ ما كان مِن بابِ التَّكريمِ والزِّينةِ والنَّظافةِ ونَحوِ ذلك، كلُبسِ النَّعلِ والخُفِّ والمَداسِ، والسَّراويلِ والكُمِّ، وحَلقِ الرَّأسِ وتَرجيلِه، وقَصِّ الشَّارِبِ ونَتفِ الإبطِ، والسِّواكِ والاكتِحالِ، وتَقليمِ الأظفارِ، والوُضوءِ والغُسلِ والتَّيَمُّمِ، ودُخولِ المَسجِدِ، والخُروجِ مِنَ الخَلاءِ، ودَفعِ الصَّدَقةِ وغَيرِها مِن أنواعِ الدَّفعِ الحَسَنةِ، وتَناوُلِ الأشياءِ الحَسَنةِ، ونَحوِ ذلك. الثَّانيةُ: يُستَحَبُّ البَداءةُ باليَسارِ في كُلِّ ما هو ضِدُّ السَّابقِ في المَسألةِ الأولى، فمِن ذلك خَلعُ النَّعلِ والخُفِّ والمَداسِ والسَّراويلِ والكُمِّ، والخُروجِ مِنَ المَسجِدِ، ودُخولِ الخَلاءِ، والاستِنجاءِ، وتَناوُلِ أحجارِ الاستِنجاءِ، ومَسِّ الذَّكَرِ، والامتِخاطِ والاستِنثارِ، وتَعاطي المُستَقذَراتِ وأشباهِها. الثَّالثةُ: يُكرَهُ المَشيُ في نَعلٍ واحِدةٍ أو خُفٍّ واحِدٍ أو مَداسٍ واحِدٍ لا لعُذرٍ، ودَليلُه هذه الأحاديثُ. قال العُلَماءُ: وسَبَبُه أنَّ ذلك تَشويهٌ ومُثْلةٌ ومُخالِفٌ للوَقارِ، ولأنَّ المُنتَعِلةَ تَصيرُ أرفَعَ مِنَ الأُخرى فيَعسُرُ مَشيُه، ورُبَّما كان سَبَبًا للعِثارِ. وهذه الآدابُ الثَّلاثةُ التي في المَسائِلِ الثَّلاثِ مُجمَعٌ على استِحبابِها، وأنَّها ليسَت واجِبةً. واذا انقَطَعَ شِسعُه ونَحوُه فليَخلَعْهما، ولا يَمشي في الأُخرى وحدَها حتَّى يُصلِحَها ويُنعِلَها كَما هو نَصٌّ في الحَديثِ). ((شرح مسلم)) (14/ 74، 75). وقال أيضًا: (يُكْرَهُ المشْيُ في نَعْلٍ واحِدةٍ أو خُفٍّ واحدٍ ونحوِه لغيرِ عُذْرٍ صَرَّح به صاحبُ الإبانةِ وآخرونَ ولا خِلافَ فيه). ((المجموع شرح المهذب)) (4/ 466). لكن في طرح التثريب بعدَ ذكرِ حديثِ أبي هريرةَ: (فيه النَّهْيُ عن المَشْيِ في نَعْلٍ واحِدةٍ وذلك على طريقِ الكراهةِ دونَ التَّحريمِ كما نقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ منهم النَّوَوِيُّ وخالَف فيه ابنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فقال: ولا يَحِلُّ المشيُ في خُفٍّ واحدٍ ولا نعلٍ واحِدَةٍ). ((طرح التثريب)) (8/ 134). يُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (1/ 337). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَمشي أحَدُكُم في نَعلٍ واحِدةٍ، ليُحْفِهما جَميعًا، أو ليُنعِلْهما جَميعًا)) [1034] أخرجه البخاري (5855). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا انتَعَل أحَدُكُم فليَبدَأْ باليُمنى، وإذا خَلعَ فليَبدَأْ بالشِّمالِ، وليُنعِلْهما جَميعًا، أو ليَخلَعْهما جَميعًا)) [1035] أخرجها مسلم (2097). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عنِ المَشيِ في النَّعلِ الواحِدةِ، وقال: إنَّ الشَّيطانَ يَمشي بالنَّعلِ الواحِدةِ)) [1036] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1358). صحَّح إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (348)، وشعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (1358). .
3- عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى أن يَأكُلَ الرَّجُلُ بشِمالِه، أو يَمشيَ في نَعلٍ واحِدةٍ، وأن يَشتَمِلَ الصَّمَّاءَ [1037] قال النَّوويُّ: (أمَّا اشتِمالُ الصَّمَّاءِ بالمَدِّ، فقال الأصمَعيُّ: هو أن يَشتَمِلَ بالثَّوبِ حتَّى يُجَلِّلَ به جَسَدَه لا يَرفعُ مِنه جانِبًا، فلا يَبقى ما يُخرِجُ مِنه يَدَه، وهذا يَقولُه أكثَرُ أهلِ اللُّغةِ. قال ابنُ قُتَيبةَ: سُمِّيَت صَمَّاءَ؛ لأنَّه سَدَّ المَنافِذَ كُلَّها، كالصَّخرةِ الصَّمَّاءِ التي ليسَ فيها خَرقٌ ولا صَدعٌ، قال أبو عُبَيدٍ: وأمَّا الفُقَهاءُ فيَقولونَ: هو أن يَشتَمِلَ بثَوبٍ ليسَ عليه غَيرُه، ثُمَّ يَرفعَه مِن أحَدِ جانِبَيَه فيَضَعَه على أحَدِ مَنكِبَيه، قال العُلماءُ: فعلى تَفسيرِ أهلِ اللُّغةِ: يُكرَهُ الاشتِمالُ المَذكورُ لئَلَّا تَعرِضَ له حاجةٌ مِن دَفعِ بَعضِ الهَوامِّ ونَحوِها أو غَيرِ ذلك فيَعسُرَ عليه أو يَتَعَذَّرَ، فيَلحَقَه الضَّرَرُ. وعلى تَفسيرِ الفُقَهاءِ: يَحرُمُ الاشتِمالُ المَذكورُ إنِ انكَشَف به بَعضُ العَورةِ، وإلَّا فيُكرَهُ). ((شرح مسلم)) (14/ 76، 77). ويُنظر: ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/ 182)، ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (4/ 77)، ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 618، 619). ، وأن يَحتَبيَ [1038] قال النَّوويُّ: (... وأمَّا الاحتِباءُ بالمَدِّ: فهو أن يَقعُدَ الإنسانُ على أليَتَيه ويَنصِبَ ساقَيه ويَحتَويَ عليهما بثَوبٍ أو نَحوِه أو بيَدِه، وهذه القِعدةُ يُقالُ لها الحبوةُ -بضَمِّ الحاءِ وكَسرِها- وكان هذا الاحتِباءُ عادةً للعَرَبِ في مَجالسِهم، فإنِ انكَشَف مَعَه شَيءٌ مِن عَورَتِه فهو حَرامٌ). ((شرح مسلم)) (14/ 76، 77). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 618، 619). في ثَوبٍ واحِدٍ كاشِفًا عن فَرجِه)) [1039] أخرجه مسلم (2099). .
وفي رِوايةٍ: ((إذا انقَطَعَ شِسعُ [1040] الشِّسعُ: مِن سُيورِ النَّعلِ، وهو الذي يَدخُلُ بَينَ الإصبَعَينِ في الثُّقبِ الذي في صَدرِ النَّعلِ المَشدودِ في الزِّمامِ، والزِّمامُ: السَّيرُ الذي يُعقَدُ فيه الشِّسعُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (10/ 652). أحَدِكُم فلا يَمشِ في نَعلٍ واحِدةٍ حتَّى يُصلِحَ شِسعَه، ولا يَمشِ في خُفٍّ واحِدٍ، ولا يَأكُلْ بشِمالِه)) [1041] أخرجها مسلم (2099). .
قال الطَّحاويُّ: (مَن لَبِسَ نَعلًا واحِدةً أو خُفًّا واحِدًا كان بذلك عِندَ النَّاسِ سَخيفًا وسَخِروا مِنه، فمِثلُ هذا لو لم يَكُنْ فيه نَهيٌ وجَبَ أن يُنتَهى عنه) [1042] ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 389). وقال الحَليميُّ: (يحتملُ أن يكونَ وَجهُه أنَّ في ذلك معنى المُثلةِ، كما لو لَبِس خُفًّا أحمَرَ وخُفًّا أسوَدَ، ونعلًا عربيَّةً ونَعلًا أعجمَّيةً، أو خَضَب نِصفَ لِحيَتِه وتَرَك نِصفَها، أو حَلَق بَعضَ رأسِه وخرَج كذلك على النَّاسِ حاسِرًا، لكان هذا كُلُّه من بابِ لَعِبِ الرَّجُلِ بنَفسِه، وهو قريبٌ من الذي يفعَلُ أو يقولُ ليُضحِكَ به النَّاسَ؛ فلا ينبغي تعاطي شيءٍ من ذلك... لا ينبغي للرَّجُلِ أن يمشيَ في إحدى نَعلَيه أو إحدى خُفَّيه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن ذلك. وقال: «لينتَعِلْهما جميعًا أو ليُحفِهما جميعًا». وهذا -واللهُ أعلَمُ- لِما فيه من القُبحِ والشُّهرةِ. وكُلُّ لباسٍ صار صاحِبُه به شُهرةً في القُبحِ فحُكمُه أن يُتَّقى ويُجتَنبَ؛ لأنَّه في معنى المُثلةِ، واللهُ أعلَمُ). ((المنهاج في شعب الإيمان)) (3/ 78، 79). ويُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (8/ 304). .
وقال الخَطَّابيُّ: (هذا قد يَجمَعُ أُمورًا؛ مِنها: أنَّه قد يَشُقُّ عليه المَشيُ على هذه الحالِ؛ لأنَّ وَضعَ أحَدِ القدَمَينِ مِنه على الحَفاءِ إنَّما يَكونُ مَعَ التَّوقِّي والتَّهَيُّبِ لأذًى يُصيبُه أو حَجرٍ يَصدِمُه، ويَكونُ وَضعُه القدَمَ على خِلافِ ذلك مِنَ الاعتِمادِ به والوَضعِ له مِن غَيرِ مُحاشاةٍ أو تَقيَّةٍ، فيَختَلِفُ مِن أجلِ ذلك مَشيُه، ويَحتاجُ مَعَه إلى أن يَنتَقِلَ عن سَجيَّةِ المَشيِ وعادَتِه المُعتادةِ فيه، فلا يَأمَنُ عِندَ ذلك العِثارَ والعنَتَ، وقد يتَصَوَّرُ فاعِلُه عِندَ النَّاسِ بصورةِ مَن إحدى رِجلَيه أقصَرُ مِنَ الأُخرى، ولا خَفاءَ بقُبحِ مَنظَرِ هذا الفِعلِ. وكُلُّ أمرٍ يَشتَهِرُه النَّاسُ ويَرفعونَ إليه أبصارَهم فهو مَكروهٌ مَرغوبٌ عنه.
وقد يَدخُلُ في هذا المعنى كُلُّ لِباسٍ يُنتَفَعُ به، كالخُفَّينِ، وإدخالِ اليَدِ في الكُمَّينِ، والتَّرَدِّي بالرِّداءِ على المَنكِبَينِ. فلو أرسَله على إحدى المَنكِبَينِ وعَرى مِنه الجانِبُ الآخَرُ كان مَكروهًا على مَعنى الحَديثِ، ولو أخرج إحدى يَدَيه مِن كُمِّه وتَرَك الأُخرى داخِلَ الكُمِّ الآخَرِ كان كذلك في الكَراهةِ. واللَّهُ أعلَمُ) [1043] ((معالم السنن)) (4/ 204). وقال الخَطَّابيُّ أيضًا: (أمرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بلُبسِ النَّعلِ في رِجلِه اليُمنى أوَّلًا إنَّما هو لاستِحبابِه التَّيامُنَ في كُلِّ شَيءٍ مِن أمرِه، وتَفضيلِه اليُمنى على اليُسرى، والحِذاءُ كَرامةٌ للرِّجلِ ووِقايةٌ لها مِنَ الأذى، وإذا كانتِ اليُمنى أفضَلَ مِنَ اليُسرى استَحَقَّتِ التَّبديةَ في لُبسِ النَّعلِ بها، والتَّأخيرَ في نَزعِها؛ ليَتَوفَّرَ بدَوامِ لُبسِها حَظُّها مِنَ الكَرامةِ. وأمَّا نَهيُه عنِ المَشيِ في النَّعلِ الواحِدةِ فإنَّ مَعلومًا أنَّ المَشيَ قد يَشُقُّ على هذه الحالِ؛ لأنَّ وَقعَ إحدى الرِّجلينِ مِنَ الماشي على الحَفاءِ إنَّما يَكونُ مَعَ التَّوقِّي لأذًى يُصيبُه وحَجرٍ يَنكُبُه، ويَكونُ في وَضعِه الرِّجلَ الأُخرى على خِلافِ ذلك مِنَ الاعتِمادِ بها الوَضع لها مِن غَيرِ مُحاشاةٍ وتَقيَّةٍ، فيَختَلِفُ مِن أجلِ ذلك مَشيُه ويَحتاجُ لذلك أن يَنتَقِلَ عن سَجيَّةِ المَشيِ المُعتادِ، فلا يَأمَنُ عِندَ ذلك مِنَ العِثارِ، مَعَ سَماجَتِه في الشَّكلِ وقُبحِ مَنظَرِه في العُيونِ؛ إذ كان يُتَصَوَّرُ فاعِلُ ذلك عِندَ النَّاسِ بصورةِ مَن إحدى رِجلَيه أقصَرُ مِنَ الأُخرى. وقد يَدخُلُ في النَّهيِ عن ذلك كُلُّ لباسٍ شَفعٍ، كالخُفَّينِ، ولُبسِ الرِّداءِ على المَنكِبَينِ، لا يُرسِلُ الرِّداءَ على أحَدِ الشِّقَّينِ ويُخلِّي الآخَرَ، وهو فِعلُ الأغثارِ مِن عَوامِّ النَّاسِ. وقد أبدَعَ عَوامُّ النَّاسِ في أواخِرِ الزَّمانِ لُبسَ الخَواتيمِ في اليَدَينِ، وليسَ ذلك مِن جُملةِ هذا البابِ، ولا هو بحَميدٍ في مَذاهِبِ أهلِ الفَضلِ والنُّبلِ، ورُبَّما ظاهَرَ بَعضُهم بلُبسِ العَدَدِ مِنَ الخَواتيمِ زَوجَينِ زَوجَينِ، وكُلُّ ذلك مَكروهٌ ومُستَهجَنٌ في حَميدِ العاداتِ ورَضيِّ الشَّمائِلِ ولُبسِ العِليةِ مِنَ النَّاسِ. وفي الجُملةِ فليسَ يُستَحسَنُ أن يَتَخَتَّمَ الرَّجُلُ إلَّا بخاتَمٍ واحِدٍ مَنقوشٍ، فيُلبَسُ للحاجةِ إلى نَقشِه، لا لحُسنِه وبَهجةِ لَونِه). ((أعلام الحديث)) (3/ 2149، 2150). .
وقال ابنُ هُبَيرةَ: (في هذا الحَديثِ كَراهيةُ أن يَمشيَ الرَّجُلُ في نَعلٍ واحِدةٍ، وذلك مُنافٍ لاستِعمالِ العَدلِ بَينَ الرِّجلَينِ، والعَدلُ في ذلك أن يُنعِلَهما مَعًا أو يُحْفيَهما مَعًا، ولأنَّ الشَّيطانَ قد يَمشي في نَعلٍ واحِدةٍ) [1044] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (6/ 293). .
فائِدةٌ:
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في غَزوةٍ غَزَوناها: ((استَكثِروا مِنَ النِّعالِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لا يَزالُ راكِبًا ما انتَعَل)) [1045] أخرجه مسلم (2096). .
قال عِياضٌ: (قَولُه: «لا يَزالُ الرَّجُلُ راكِبًا ما انتَعَل»: يُريدُ كالرَّاكِبِ فى خِفَّةِ المَشَقَّةِ والتَّعَبِ، والرَّاحةِ مِن مُقاساةِ الرِّجلِ وخُشونةِ الأرضِ، وأذى ما يَطَأُ عليه مِن حِجارةٍ وشَوكٍ ونَحوِه) [1046] ((إكمال المعلم)) (6/ 615). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «استَكثِروا مِنَ النِّعالِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لا يَزالُ راكِبًا ما انتَعَل» هذا كَلامٌ بَليغٌ، ولفظٌ فَصيحٌ، بحَيثُ لا يُنسَجُ على مِنوالِه، ولا يُؤتى بمِثالِه.
وهو إرشادٌ إلى المَصلَحةِ، وتَنبيهٌ على ما يُخَفِّفُ المَشَقَّةَ؛ فإنَّ الحافيَ المُديمَ للمَشيِ يَلقى مِنَ الآلامِ والمَشَقَّاتِ بالعِثارِ والوَجى ما يَقطَعُه عنِ المَشيِ، ويَمنَعُه مِنَ الوُصولِ إلى مَقصودِه، بخِلافِ المُنتَعِلِ؛ فإنَّه لا يَحصُلُ له ذلك فيَدومُ مَشيُه، فيَصِلُ إلى مَقصودِه كالرَّاكِبِ؛ فلذلك شَبَّهَه بالرَّاكِبِ حَيثُ قال: «لا يَزالُ راكِبًا ما انتَعَل») [1047] ((المفهم)) (5/ 414). .

انظر أيضا: