موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: اجتِنابُ الرِّجالِ التَّحلِّيَ بالذَّهَبِ وإن كان يَسيرًا


يَحرُمُ على الرِّجالِ استِعمالُ حُلِيِّ الذَّهَبِ [1242] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (10/21)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/178)، ((المجموع)) للنووي (4/440)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/238). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1243] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (وأجمعوا أنَّ النَّهيَ عن لباسِ الحريرِ إنَّما خوطِبَ به الرِّجالُ دونَ النِّساءِ،... وكذلك التَّحلِّي بالذَّهَبِ لا يختَلِفونَ في ذلك). ((التمهيد)) (14/241). وقال النَّوويُّ: (أجمع العُلماءُ على تحريمِ استِعمالِ حُلِيِّ الذَّهَبِ على الرِّجالِ). ((المجموع)) (4/441). وحُكي عن أبى بكرِ بنِ محمَّدِ بنِ عَمرِو بنِ حَزمٍ أنَّه كان يَتختَّمُ بالذَّهَبِ، حكاه عياضٌ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) (6/604). قال ابن عبد البر: (وهذا إنْ صَحَّ عنه أو عن غيرِه فلا معنَى له لشُذُوذِه ومخالفةِ السُّنَّةِ الثَّابتةِ فيه والحُجَّةُ فيها لا في غيرِها وجائزٌ أنْ لا يَبْلُغَه الخبرُ بالنَّهْيِ عن ذلك). ((التمهيد)) (17/ 109). وقال عياضٌ أيضًا: (وقد ذَهَب بعضُهم إلى أنَّ لُبسَه للرِّجالِ بمعنى الكراهةِ لا التَّحريم). ((إكمال المعلم)) (6/604). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ زُرَيرٍ أنَّه سَمِعَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ: ((إنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخذ حريرًا، فجعَلَه في يمينِه، وأخذ ذهَبًا فجعَلَه في شِمالِه، ثمَّ قال: إنَّ هذَينِ حرامٌ على ذُكورِ أمَّتي)) [1244] أخرجه أبو داود (4057)، والنسائي (5144) واللفظ لهما، وابن ماجه (3595). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5434)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4057)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4057). .
2- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((نهاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن التَّخَتُّمِ بالذَّهَبِ)) [1245] أخرجه مسلم (2078). .
مسائلُ متفرقةٌ:
1- يَحرُمُ على الرَّجُلِ لُبسُ الذَّهَبِ اليسيرِ، وإن كان تابعًا لغَيرِه [1246] وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، وقولُ بعضِ المالِكيَّة، وقولٌ عند الحَنابِلة، واختيارُ الشَّوكانيِّ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/441)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (1/183)، ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (4/159)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 737). وذلك لأن النهي الوارد في الأحاديث يشمَلُ عُمومَ الذَّهَبِ؛ قليلَه وكثيرَه. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/440). .
2- يَحرُمُ على الرجل لُبسُ المَطلِيِّ بالذَّهَبِ [1247] وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قال ابنُ باز، وابنُ عُثيمين. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/441 ،442)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/282)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/72)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/118). لأن النهي الوارد في الأحاديث يشمَلُ عُمومَ الذَّهَبِ؛ قليلَه وكثيرَه. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/440). .
3- وما يُعرَفُ بالذَّهَبِ الأبيضِ حُكمُه حُكمُ الذَّهبِ الأصفَرِ سواءً؛ لأنَّه ذهبٌ أصفرُ، تحوَّل للَّونِ الأبيضِ بإضافةِ بعضِ الموادِّ إليه [1248] جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (الذهبَ إذا خُلِط بغيرِه لا يخرجُ عن أحكامِه مِن... تحريمِ لبسِه على الرجالِ...، وتسميتُه ذهبًا أبيضَ لا يخرجُه عن تلك الأحكامِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (24/60). .
4- يجوزُ اتِّخاذُ الأنفِ والسِّنِّ مِن الذَّهَبِ إذا دَعَت الضَّرورةُ إلى ذلك [1249] وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو قولُ مُحمَّدِ بنِ الحسَنِ، وقولٌ عندَ أبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/181)، ((المجموع)) للنووي (1/256)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/238)، ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (8/533). .
فعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ طَرَفةَ: ((أنَّ جَدَّه عَرفَجةَ بنَ أسعدَ قُطِعَ أنفُه يومَ الكُلابِ [1250] يَومُ الكُلابِ يَومٌ مَعروفٌ مِن أيَّامِ الجاهليَّةِ ووقعةٌ مَذكورةٌ مِن وقائِعِهم. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 215). ، فاتَّخَذ أنفًا مِن وَرِقٍ [1251] الوَرِقُ -مَكسورةُ الرَّاءِ- الفِضَّةُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/ 281)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 215). ، فأنتَنَ عليه، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاتَّخَذ أنفًا مِن ذهَبٍ)) [1252] أخرجه أبو داود (4232) واللفظ له، وأحمد (19006). حسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (6/226)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4232)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4232). وأخرجه الترمذي (1770)، والنسائي (5161)، وأحمد (20270) من حديثِ عَرفَجةَ بنِ أسعَدَ، ولفظُ الترمذيِّ: عن عَرفَجةَ بنِ أسعَدَ، قال: ((أُصِيبَ أنفِي يومَ الكُلابِ في الجاهليَّةِ فاتَّخذتُ أنفًا من وَرِقٍ فأنتنَ عَلَيَّ، فأمرَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلمَّ أن أتَّخِذ أنفًا من ذَهَبٍ)). حسَّنه النووي في ((المجموع)) (1/254)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1770). .
فدلَّ الحديثُ على إباحةِ استِعمالِ اليسيرِ مِن الذَّهَبِ للرِّجالِ عندَ الضَّرورةِ، كرَبطِ الأسنانِ به [1253] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/215). .
ولأنَّه جاز ذلك في الذَّهَبِ للضَّرورةِ إليه؛ لِما فيه مِن الخاصِّيَّةِ التي لا تكونُ لغَيرِه [1254] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (1/66). .

انظر أيضا: