موسوعة الآداب الشرعية

واحدٌ وعِشرون: الدُّعاءُ عِندَ السَّحَرِ


يُستَحَبُّ أن يَقولَ المُسافِرُ عِندَ السَّحَرِ: سَمِعَ سامِعٌ بحَمدِ اللهِ وحُسنِ بَلائِه علينا، رَبَّنا صاحِبْنا وأفضِلْ علينا، عائِذًا باللهِ مِنَ النَّارِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا كان في سَفَرٍ وأسحَرَ [2007] أسحَرَ: أي: قامَ في السَّحَرِ ورَكبَ في السَّحَرِ، أوِ انتَهى في سَيرِه إلى السَّحَرِ، وهو آخِرُ اللَّيلِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 214). يَقولُ: سَمِعَ سامِعٌ [2008] قال عِياضٌ: (وقَولُه: «يَقولُ: سَمَّعَ سامِعٌ بحَمدِ اللهِ وحُسنِ بَلائِه عَلينا» أي: بَلَّغَ مَن سَمِع قَولي وقال مِثلَه، ودَعا بمِثلِ ما دَعَوتُ به؛ تَنبيهًا لهم على الذِّكرِ والدُّعاءِ في ذلك الوَقتِ. وضَبطَه الخَطَّابيُّ: «سَمِعَ سامِعٌ» قال: ومَعناه: شَهِدَ شاهِدٌ، أيِ: استَمَعَ سامِعٌ وشَهدَ شاهدٌ بحَمدِنا رَبَّنا على نِعَمِه). ((إكمال المعلم)) (8/ 214). ويُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 145). وقال النَّوويُّ: (وأمَّا "سَمع سامِعٌ" فرُوِيَ بوجهَينِ؛ أحَدُهما: فتحُ الميمِ مِن سَمعَ وتَشديدُها، والثَّاني: كَسرُها مَعَ تَخفيفِها، واختارَ القاضي هنا وفي المَشارِقِ وصاحِبُ المَطالعِ: التَّشديدَ، وأشارَ إلى أنَّه رِوايةُ أكثَرِ رواةِ مُسلمٍ: قالا: ومَعناه، بَلَّغَ سامِعٌ قَولي هذا لغَيرِه، وقال مِثلَه تَنبيهًا على الذِّكرِ في السَّحَرِ والدُّعاءِ في ذلك، وضَبطه الخَطَّابيُّ وآخَرونَ بالكَسرِ والتَّخفيفِ، قال الخَطَّابيُّ: مَعناه: شَهِدَ شاهدٌ على حَمدِنا للهِ تعالى على نِعَمِه وحُسنِ بَلائِه). ((شرح مسلم)) (17/ 39). قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (وعلى هَذَينَ التَّقييدَينِ والتَّفسيرَينِ، فهو خَبَرٌ بمَعنى الأمرِ، أي: ليَسمَعْ سامِعٌ وليُبَلِّغْ، وهذا نَحوُ قَولِه: تَصدَّق رَجُلٌ بدينارِه ودِرهَمِه، أي: ليَتَصَدَّقْ. وجَمَعَ عَليه ثيابَه. أي: ليَجمَعْ). ((المفهم)) (7/ 47). بحَمدِ اللهِ وحُسنِ بَلائِه [2009] حُسنُ البَلاءِ: النِّعمةُ. والبَلاءُ: الاختِبارُ والامتِحانُ؛ فالاختِبارُ بالخَيرِ: ليَتَبَيَّنَ الشُّكرُ، والابتِلاءُ بالشَّرِّ: ليَظهَرَ الصَّبرُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 289). علينا، رَبَّنا صاحِبْنا [2010] صاحِبْنا أي: بحِفظِك، وكِفايَتِك، وهدايَتِك. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (7/ 47). وأفضِلْ علينا [2011] أمرٌ مِنَ الإفضالِ، أي: تَفَضَّلْ عَلينا بجَزيلِ نِعَمِك وإدامَتِها والتَّوفيقِ للقيامِ بحُقوقِها. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (17/ 39)، ((عون المعبود)) للمباركفوري (13/292). ، عائِذًا باللهِ مِنَ النَّارِ [2012] مَنصوبٌ على الحالِ، أي: أقولُ هذا في حالِ استِعاذَتي واستِجارَتَي باللهِ مِنَ النَّارِ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (17/40). وقال ابن الأثير: (وقَولُه: «عائِذًا باللهِ» يَحتَمِلُ وجهَينِ؛ أحَدُهما: أن يُريدَ: أنا عائِذٌ باللهِ مِنَ النَّارِ. والآخَرُ: أن يُريدَ: مُتَعَوَّذٌ باللهِ، كما يُقالُ: مُستَجارٌ باللهِ، فوَضَع الفاعِلَ مَكانَ المَفعولِ، كقَولِهم: ماءٌ دافِقٌ، أي: مَدفوقٌ). ((جامع الأصول)) (4/ 289).   ) [2013] أخرجه مسلم (2718). .
فائِدةٌ:
عن يَزيدَ الفقيرِ (أنَّ ابنَ عُمَرَ كان إذا كان غَشيَه الصُّبحُ وهو مُسافِرٌ، قال: -قُلتُ- مَرَّاتٍ: «سَمِع سامِعٌ بحَمدِ اللهِ ونِعمتِه علينا، اللهُمَّ صاحِبْنا وأفضِلْ علينا، عائِذًا باللهِ مِن جَهَنَّمَ) [2014] أخرجه عبد الرزاق (9237) واللَّفظُ له، وابن أبي شيبة (30227)، والبخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/259). .
وعن مُجاهدٍ، قال: (صَحِبتُ نُعَيمَ بنَ مَسعودٍ -أو مَسعودَ بنَ نُعَيمٍ- حاجًّا، فكان إذا صَلَّى الصُّبحَ رَكب راحِلتَه فتَقدَّم، فيَرفعُ صَوتَه، فيَقولُ: سَمِع سامِعٌ...) ثُمَّ ذَكَرَ نَحوَه [2015] أخرجه المحاملي في ((الدعاء)) (56). .
وعن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه: (أنَّ الحَسَنَ بنَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ كان يَقولُ إذا طَلعَتِ الشَّمسُ: سَمعَ سامِعٌ بحَمدِ اللهِ الأعظَميِّ، لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، سَمع سامِعٌ بحَمدِ اللهِ الأكبَريِّ، لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، سَمع سامِعٌ بحَمدِ اللهِ الأمجديِّ، لا شَريكَ له، له المُلكُ وله الحَمدُ وهو على كُلِّ شَيءٍ قديرٌ) [2016] أخرجه ابن أبي شيبة (30221). .

انظر أيضا: