موسوعة الآداب الشرعية

ثانيًا: رَحمَتُه والإشفاقُ عليه


مِنَ الأدَبِ مَعَ الحيَوانِ: رَحمَتُه والإشفاقُ عليه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ إنِّي لأذبَحُ الشَّاةَ، وأنا أرحَمُها -أو قال: إنِّي لأرحَمُ الشَّاةَ أن أذبَحَها- فقال: والشَّاةُ إن رَحِمتَها رَحِمَك اللهُ، والشَّاةُ إن رَحِمتَها رَحِمَك اللهُ)) [2598] أخرجه أحمد (15592) واللفظ له، والطبراني (19/23) (46)، والحاكم (7770). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (287)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1077)، وصحَّح إسنادَه الحاكم، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (5/283)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15592). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فانطلق لحاجتِه، فرَأَينا حُمَّرةً [2599] الحُمَّرةُ: طائِرٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 283). معها فرخانِ، فأخَذْنا فرْخَيها، فجاءت الحُمَّرةُ فجعَلَت تُفَرِّشُ [2600] قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: تُفَرِّشُ أو تُعَرِّشُ، مَعناه: تُرَفرِفُ. والتَّفريشُ: مَأخوذٌ مِن فَرشِ الجَناحِ وبَسطِه، والتَّعريشُ: أن يَرتَفِعَ فوقَهما ويُظَلِّلَ عليهما، ومِنه أخذُ العَريشِ). ((معالم السنن)) (2/ 283). ، فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: من فجَّع [2601] فَجَّعَ: أي: فَزَّعَ وآذى، والتَّفجيعُ: الإيجاعُ، يُقالُ: فجَعَته المُصيبةُ وفجَّعَته، أي: أوجَعَته. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 235)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/ 2314). هذه بولَدِها؟ ردُّوا ولَدَها إليها [2602] قال المظهَريُّ: (قَولُه: "رُدُّوا": أمرُ استِحبابٍ لا أمرُ إيجابٍ؛ لأنَّ اصطيادَ فَرخِ الطَّائِرِ جائِزٌ). ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 235). . ورأى قريةَ نملٍ قد حرَقْناها، فقال: مَن حرَق هذه؟ قُلْنا: نحن. قال: إنَّه لا ينبغي أن يُعَذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ [2603] قال ابنُ عُثَيمين: (إذا كان عِندَك نَملٌ فإنَّك لا تَحرِقُها بالنَّارِ، وإنَّما تَضَعُ شَيئًا يَطرُدُها...، وإذا لم يُمكِنِ اتِّقاءُ شَرِّها إلَّا بمُبيدٍ يَقتُلُها نِهائيًّا، أعني النَّملَ، فلا بَأسَ؛ لأنَّ هذا دَفعٌ لأذاها، وإلَّا فالنَّملُ مِمَّا نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قَتلِه، لكِن إذا آذاك ولم يَندَفِعْ إلَّا بالقَتلِ فلا بَأسَ بقَتلِه). ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 301). !)) [2604] أخرجه أبو داود (2675) واللفظ له، وأحمد (3835) بنحوِه. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2675)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((رياض الصالحين)) (455)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/689)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2675). .
قَولُه: ((فجَعَلت تُفرِّشُ)) (يَعني تَحومُ حَولَهم، كَما هو العادةُ أنَّ الطَّائِرَ إذا أخَذَ أولادَه جَعَل يَعرِضُ ويَحومُ ويَصيحُ لفقدِ أولادِه؛ لأنَّ اللَّهَ سُبحانَه وتعالى جَعَل في قُلوبِ البَهائِمِ رَحمةً لأولادِها، حتَّى إنَّ البَهيمةَ لتَرفَعُ حافِرَها عن ولدِها خَشيةَ أن تُصيبَه، وهذا مِن حِكمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُطلِقَ ولدَيها لها، فأطلَقوا ولَدَيها) [2605] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 301). .
3- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الرَّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمنُ، ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمُكُم مَن في السَّماءِ)) [2606] أخرجه أبو داود (4941)، والترمذي (1924) واللفظ له، وأحمد (6494). صححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (127)، والعراقي في ((الأربعون العشارية)) (125)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1924)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4941)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
4- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ارحَموا تُرحَموا، واغفِروا يَغفِرِ اللهُ لكُم، وَيلٌ لأقماعِ القَولِ [2607] قال الخَطَّابيُّ: (أقماعُ القَولِ: هم الذين يَسمَعونَ ولا يَعمَلونَ به، شَبَّه آذانَهم بالأقماعِ يُصَبُّ فيها الكلامُ صَبَّ الماءِ في الإناءِ). ((غريب الحديث)) (1/ 168). وقال ابنُ رَجَبٍ: (أقماعُ القَولِ: الذينَ آذانُهم كالقُمعِ يَدخُلُ فيه سَماعُ الحَقِّ مِن جانِبٍ ويَخرُجُ مِن جانِبٍ آخَرَ، لا يَستَقِرُّ فيه). ((فتح الباري)) (1/ 197). وقال أيضًا: (فُسِّرَ أقماعُ القَولِ بمَن كانت أذُناه كالقُمعِ لِما يَسمَعُ مِنَ الحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ، فإذا دَخَل شيءٌ مِن ذلك في أذُنِه خَرَجَ في الأخرى، ولم يَنتَفِعْ بشيءٍ مِمَّا سَمِعَ). ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 416). ، وَيلٌ للمُصِرِّينَ الذينَ يُصِرُّونَ على ما فعَلوا وهم يَعلَمونَ)) [2608] أخرجه أحمد (6541) واللفظ له، والطبراني (13/651) (14579)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7236). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (897)، وحسَّن إسناده ابنُ حَجَر في ((فتح الباري)) (1/137). .
5- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا تُنزَعُ الرَّحمةُ إلَّا مِن شَقيٍّ)) [2609] أخرجه أبو داود (4942)، والترمذي (1923)، وأحمد (8001). صَحَّحَه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (466)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (6/117)، وحَسَّنه الترمذي، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4942)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4942). .

انظر أيضا: