موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: إطعامُه وسَقيُه


مِن حُقوقِ الحيَوانِ: إطعامُه إذا جاعَ، وسَقيُه إذا عَطِشَ، وللمُسلمِ بذلك أجرٌ، وحَبسُه مَعَ تَركِ إطعامِه وسَقيِه حَرامٌ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ رَجُلًا رَأى كلبًا يَأكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فأخَذَ الرَّجُلُ خُفَّه، فجَعَل يَغرِفُ له به حتَّى أرَواه، فشَكرَ اللَّهُ له، فأدخَلَه الجَنَّةَ)) [2610] أخرجه البخاري (173) واللفظ له، ومسلم (2244). .
وفي رِوايةٍ: ((بينا رجُلٌ يمشي، فاشتَدَّ عليه العَطَشُ، فنَزَل بِئرًا، فشَرِب منها، ثمَّ خرج فإذا هو بكَلبٍ يلهَثُ يأكُلُ الثَّرَى من العطَشِ، فقال: لقد بلغَ هذا مِثلُ الذي بلَغ بي، فملأَ خُفَّه، ثمَّ أمسَكَه بفيه، ثمَّ رَقِيَ، فسقى الكَلبَ؛ فشَكَر اللهُ له، فغَفَر له، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في البهائِمِ أجرًا؟ قال: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أجرٌ)) [2611] أخرجها البخاري (2363). .
وفي أخرى: ((أنَّ امرَأةً بَغيًّا رَأت كلبًا في يَومٍ حارٍّ يُطيفُ [2612] يُطيفُ ببئر: أي: يَدورُ حَولَها. يُنظر: ((مشارق الأنوار)) لعياض (1/ 323)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 459). ببئرٍ، قَد أدلعَ [2613] أدلَعَ لِسانَه: إذا أخرَجَه مِنَ العَطَشِ، وكذلك دَلَعَه. يُنظر: ((الفائق)) للزمخشري (1/ 434)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 525). لسانَه مِنَ العَطَشِ، فنَزَعَت [2614] نَزَعَت له: أي: استَقَت، يُقالُ: نَزَعتُ بالدَّلوِ: استَقَيتُ به مِنَ البئرِ ونَحوِها، ونَزَعتُ الدَّلوَ أيضًا. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 242). له بمُوقِها [2615] الموقُ هاهنا: الخُفُّ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 525). فغَفَرَ لها)) [2616] أخرجها مسلم (2245). .
2- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن مُسلمٍ يَغرِسُ غَرسًا، أو يَزرَعُ زَرعًا، فيَأكُلُ مِنه طيرٌ أو إنسانٌ أو بَهيمةٌ، إلَّا كان له به صَدَقةٌ)) [2617] أخرجه البخاري (2320)، ومسلم (1553). .
3- عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَل على أمِّ مُبَشِّرٍ الأنصاريَّةِ في نَخلٍ لها، فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن غَرَس هذا النَّخلَ؟ أمُسلمٌ أم كافِرٌ؟ فقالت: بل مُسلِمٌ، فقال: لا يَغرِسُ مُسلِمٌ غَرسًا، ولا يَزرَعُ زَرعًا، فيَأكُلُ مِنه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا شيءٌ، إلَّا كانت له صَدَقةٌ)) [2618] أخرجه مسلم (1552). .
4- عن عَمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أنزِعُ في حَوضي، حتَّى إذا مَلأتُه لأهلي، ورَدَ علَيَّ البَعيرُ لغَيري فسَقيتُه، فهل لي في ذلك مِن أجرٍ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ حَرَّى [2619] الحَرَّى: فَعْلَى مَن الحَرِّ، وهي تَأنيثُ حَرَّان، وهما للمُبالغةِ، يُريدُ أنَّها لشِدَّةِ حَرِّها قَد عَطِشَت ويَبسِت مِنَ العَطَشِ. والمَعنى: أنَّ في سَقيِ كُلِّ ذي كَبِدٍ حَرَّى أجرًا. وقيل: أرادَ بالكَبِدِ الحَرَّى حياةَ صاحِبِها؛ لأنَّه إنَّما تَكونُ كَبِدُه حَرَّى إذا كان فيه حياةٌ، يَعني في سَقيِ كُلِّ ذي روحٍ مِنَ الحيَوانِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 364). قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: («في كُلِّ كبدٍ حَرَّى» يَعني بها: حَرارةَ الحياةِ، أو حَرارةَ العَطَشِ). ((المفهم)) (5/ 546). أجرٌ)) [2620] أخرجه أحمد (7057). حسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (6/168). .
5- عن سُراقةَ بنِ جُعشُمٍ، قال: ((سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الضَّالَّةِ مِنَ الإبِلِ تَغشى حياضي، هل لي مِن أجرٍ أسقيها؟ قال: نَعَم، في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ حَرَّى أجرٌ)) [2621] أخرجه ابن ماجه (3686)، وأحمد (17581) واللفظ له. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (542)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3686)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17581). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: «في كُلِّ كَبِدٍ رَطبةٍ أجرٌ» أي: حيَّةٍ، يَعني بها: رُطوبةَ الحياةِ...
وفي هذه الأحاديثِ ما يَدُلُّ على أنَّ الإحسانَ إلى الحيَوانِ، والرِّفقَ به، تُغفَرُ به الذُّنوبُ، وتَعظُمُ به الأجورُ.
ولا يُناقِضُ هذا أنَّا قَد أُمِرنا بقَتلِ بَعضِها، أو أُبيحَ لنا؛ فإنَّ ذلك إنَّما شُرِعَ لمَصلحةٍ راجِحةٍ على قَتلِه، ومَعَ ذلك فقَد أُمِرنا بإحسانِ القِتلةِ، والرِّفقِ بالذَّبيحةِ) [2622] ((المفهم)) (5/ 546). .
6- عن سَهلِ بنِ الحَنظَليَّةِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((مَرَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعيرٍ قَد لحِقَ ظَهرُه ببَطنِه، فقال: اتَّقوا اللَّهَ في هذه البَهائِمِ المُعجَمةِ، فاركبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً)) [2623] أخرجه أبو داود (2548) واللفظ له، وأحمد (17625). صحَّحه ابنُ خزيمة في ((الصحيح)) (2545)، وابن حبان في ((صحيحه)) (545)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2548)، وقال ابنُ القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/347): حسنٌ أو صحيحٌ. .
قَولُه: (لحِقَ ظَهرُه ببَطنِه) أي: مِن شِدَّةِ الجوعِ والعَطَشِ. وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((البَهائِمُ المُعجَمةُ)) أي: التي لا تَقدِرُ على النُّطقِ؛ فإنَّها لا تُطيقُ أن تُفصِحَ عن حالِها، وتَتَضَرَّعَ إلى صاحِبِها مِن جوعِها وعَطَشِها. وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فاركَبوها صالحةً)) تَرغيبٌ إلى تَعَهُّدِها بالعَلفِ لتَكونَ مُهيَّئةً لائِقةً لِما تُريدونَ مِنها، فإن أرَدتُم أن تَركبوها فاركَبوها وهي صالحةٌ للرُّكوبِ قَويَّةٌ على المَشيِ، وإن أرَدتُم أن تَترُكوها للأكلِ فتَعَّهَدوها؛ لتَكونَ سَمينةً صالحةً للأكلِ [2624] يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (7/ 2387)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/ 2204). .
7- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((عُذِّبَتِ امرَأةٌ في هرَّةٍ، لم تُطعِمْها، ولم تَسقِها، ولم تَترُكْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ [2625] خَشاشُ الأرضِ: هَوامُّها وحَشَراتُها وما أشبَهَ ذلك. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (2/ 400)، ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1574). ) [2626] أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2243) واللفظ له. .
وفي رِوايةٍ: ((دَخَلتِ امرَأةٌ النَّارَ مِن جَرَّاءِ هِرَّةٍ لها -أو هِرٍّ- رَبطَتها، فلا هي أطعَمَتها، ولا هي أرسَلَتها تُرَمرِمُ [2627] تُرَمرِمُ: أي تَتَناولُ ذلك بشَفتَيها وتَأكُلُ، مَأخوذٌ مِنَ المِرَمَّةِ، وهيَ الشَّفةُ، ويُقالُ: البَقَر تُرَمرِمُ مِن كُلِّ الشَّجَرِ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (3/ 304)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 154)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (8/ 29)، ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 173). مِن خَشاشِ الأرضِ حتَّى ماتَت هَزلًا)) [2628] أخرجها مسلم (2619). .
8- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((عُذِّبَتِ امرَأةٌ في هرَّةٍ سَجَنتها حتَّى ماتَت، فدَخَلت فيها النَّارَ؛ لا هي أطعَمَتها ولا سَقَتها إذ حَبَسَتها، ولا هي تَرَكتها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ)) [2629] أخرجه البخاري (3482) واللفظ له، ومسلم (2242). .
9- عن نافِع بن عُمَر، قال: حَدَّثَني ابنُ أبي مَليكةَ، عن أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى صَلاةَ الكُسوفِ، فقامَ فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ قامَ فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَد، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ قامَ، فأطال القيامَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال الرُّكوعَ، ثُمَّ رَفعَ فأطال القيامَ ثُمَّ رَكعَ، فأطال الرُّكوع، ثُمَّ رَفعَ، فسَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فأطال السُّجودَ، ثُمَّ انصَرَف، فقال: " قَد دَنَت مِنِّي الجَنَّةُ، حتَّى لوِ اجتَرَأت عليها، لجِئتُكُم بقِطافٍ مِن قِطافِها، ودِنت مِنِّي النَّارُ حتَّى قُلتُ: أيُّ رَبِّ، وأنا مَعَهم؟ فإذا امرَأةٌ -حَسِبَت أنَّه قال- تَخدِشُها هرَّةٌ، قُلت: ما شَأنُ هذه؟ قالوا: حَبَسَتها حتَّى ماتَت جوعًا، لا أطعِمَتُها، ولا أرسَلتها تَأكُلُ -قال نافِعٌ: حَسِبَت أنَّه قال: مِن خشيشِ- أو خشاشِ الأرضِ)) [2630] أخرجه البخاري (745). .
10- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يَومٍ شَديدِ الحَرِّ، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه، فأطال القيامَ، حتَّى جَعَلوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكعَ فأطال، ثُمَّ رَفعَ فأطال، ثُمَّ رَكعَ فأطال، ثُمَّ رَفعَ فأطال، ثُمَّ سَجَدَ سَجدَتينِ، ثُمَّ قامَ فصَنَعَ نَحوًا مِن ذاك، فكانت أربَعَ رَكعاتٍ، وأربَعَ سَجَداتٍ، ثُمَّ قال: إنَّه عُرِضَ عليَّ كُلُّ شيءٍ تُولَجونَه [2631] تولَجونَه: أي: تُدخَلونَه وتَصيرونَ إليه مِن جَنَّةٍ ونارٍ وقَبرٍ ومَحشَرٍ وغَيرِها. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (3/ 341)، ((مشارق الأنوار)) لعياض (2/ 286)، ((شرح مسلم)) للنووي (6/ 207). ، فعُرِضَت عليَّ الجَنَّةُ، حتَّى لو تَناوَلتُ مِنها قِطفًا أخَذتُه -أو قال: تَناوَلتُ مِنها قِطْفًا- فقَصُرَت يَدي عنه، وعُرِضَت عليَّ النَّارُ، فرَأيتُ فيها امرَأةً مِن بَني إسرائيلَ تُعَذَّبُ في هرَّةٍ لها، رَبَطَتها فلم تُطعِمْها، ولم تَدَعْها تَأكُلُ مِن خَشاشِ الأرضِ، ورَأيتُ أبا ثُمامةَ عَمرَو بنَ مالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَه [2632] القُصْبُ: مُفرَدُ الأقصابِ، وهيَ الأمعاءُ. يُنظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام (3/ 388)، ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (8/ 294). في النَّارِ، وإنَّهم كانوا يَقولونَ: إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ لا يَخسِفانِ إلَّا لمَوتِ عَظيمٍ، وإنَّهما آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ يُريكُموهما، فإذا خَسَفا فصَلُّوا حتَّى تَنجَليَ)) [2633] أخرجه مسلم (904). .

انظر أيضا: