موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: عَدَمُ ضَربِ وَجهِه ووَسمِه


لا يَجوزُ ضَربُ وَجهِ الحيَوانِ أو وَسمُه [2639] الوَسمُ: الكَيُّ بالنَّارِ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 437). قال ابنُ عثيمين: (والوَسمُ: هو عِبارةٌ عن كَيٍّ يَكويَ الحَيَوانَ ليَكونَ عَلامةً؛ ولهذا هو مُشتَقٌّ مِنَ السِّمةِ، وهيَ العَلامةُ، يَتَّخِذُ أهلُ المَواشي عَلامةً لهم، كُلُّ قَبيلةٍ لها وسمٌ مُعَيَّنٌ، إمَّا شَرطَتانِ، أو شَرطةٌ مُرَبَّعةٌ، أو دائِرةٌ، أو هلالٌ، المُهمُّ أنَّ كُلَّ قَبيلةٍ لها وسمٌ مُعَيَّنٌ، والوَسمُ هذا يَحفَظُ الماشيةَ، إذا وُجِدَت ضالَّةٌ -يَعني ضائِعةً- عَرَف النَّاسُ أنَّها لهَؤُلاءِ القَبيلةِ، فذَكَروها لهم، وكذلك أيضًا هيَ قَرينةٌ في مَسألةِ الدَّعوى، لو أنَّ إنسانًا وجَدَ بَهيمةً عليها وسمٌ في يَدِ إنسانٍ وادَّعى أنَّها له، فإنَّ هذه قَرينةٌ تَدُلُّ على صِدقِ دَعواه تُرَجِّحُ بها دَعوى المُدَّعي، وهيَ مِنَ الأُمورِ الثَّابتةِ بالسُّنَّةِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقةِ، وكذلك الخُلفاءُ مِن بَعدِهم، لكِنَّ الوَسمَ لا يَجوزُ أن يَكونَ في الوَجهِ؛ لأنَّ الوَجهَ لا يُضرَبُ ولا يُوسَمُ ولا يُقطَعُ، هو جَمالُ البَهيمةِ، أينَ يَكونُ الوَسمُ؟ في الرَّقَبةِ، يَكونُ في العَضُدِ، يَكونُ في الفَخِذِ، يَكونُ في أيِّ مَوضِعٍ مِنَ الجِسمِ إلَّا الوَجهَ). ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 298) . فيه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الضَّربِ في الوَجهِ، وعَنِ الوَسمِ في الوَجهِ)) [2640] أخرجه مسلم (2116). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ عليه حِمارٌ قَد وُسِمَ في وَجهِه، فقال: لعَنَ اللهُ الذي وسَمَه!)) [2641] أخرجها مسلم (2117). .
وفي رِوايةٍ: ((مَرَّ حِمارٌ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَد كُوِيَ في وَجهِه، تَفورُ مِنخَراه مِن دَمٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لعَنَ اللهُ مَن فَعَل هذا! ثُمَّ نهى عنِ الكَيِّ في الوَجهِ، والضَّربِ في الوَجهِ)) [2642] أخرجها ابنٌ حبان (5626). صحَّحها ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (2295)، وصحَّح إسنادَها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5626). .
وفي رِوايةٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بحِمارٍ قَد وُسِمَ في وَجهِه، فقال: أما بَلغَكُم أنِّي قَد لعَنتُ مَن وسَمَ البَهيمةَ في وَجهِها أو ضَرَبها في وَجهِها؟! فنَهى عن ذلك)) [2643] أخرجها أبو داود (2564). صحَّحها الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2564)، وصحَّح إسنادَها شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2564) .
3- عن ناعِمٍ أبي عَبدِ اللَّهِ، مَولى أمِّ سَلَمةَ، أنَّه سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقولُ: ((رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِمارًا مَوسومَ الوَجهِ، فأنكرَ ذلك))، قال: فواللهِ لا أسِمُه إلَّا في أقصى شيءٍ مِنَ الوَجهِ، فأمَرَ بحِمارٍ له فكُوِيَ في جاعِرَتَيه؛ فهو أوَّلُ مَن كوى الجاعِرَتينِ [2644] أخرجه مسلم (2118). .
قال النَّوويُّ: (أمَّا الجاعِرَتانِ فهما حَرفا الوَرِك المُشرِفانِ مِمَّا يَلي الدُّبُرَ، وأمَّا القائِلُ: "فواللهِ لا أسِمُه إلَّا أقصى شيءٍ مِنَ الوَجهِ"... فهو العَبَّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ... وحينَئِذٍ يَجوزُ أن تَكونَ القَضيَّةُ جَرَت للعَبَّاسِ ولابنِه.
وأمَّا الضَّربُ في الوَجهِ فمَنهيٌّ عنه في كُلِّ الحيَوانِ المُحتَرَمِ مِنَ الآدَميِّ والحَميرِ والخَيلِ والإبِلِ والبِغالِ والغَنَمِ وغيرِها، لكِنَّه في الآدَميِّ أشَدُّ؛ لأنَّه مَجمَعُ المَحاسِنِ، مَعَ أنَّه لطيفٌ؛ لأنَّه يَظهَرُ فيه أثَرُ الضَّربِ ورُبَّما شانَه، ورُبَّما آذى بَعضَ الحَواسِّ.
وأمَّا الوَسمُ في الوَجهِ فمَنهيٌّ عنه بالإجماعِ؛ للحَديثِ، ولما ذَكَرْناه، فأمَّا الآدَميُّ فوَسمُه حَرامٌ؛ لكرامَتِه ولأنَّه لا حاجةَ إليه، فلا يَجوزُ تَعذيبُه، وأمَّا غيرُ الآدَميِّ فقال جَماعةٌ مِن أصحابِنا: يُكرَهُ، وقال البَغويُّ مِن أصحابِنا: لا يَجوزُ [2645] قال البَغَويُّ بَعدَ رِوايَتِه حَديثَ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((دَخَلتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأخٍ لي يُحَنِّكُه، وهو في مِربَدٍ له، فرَأيتُه يَسِمُ شاةً في آذانِها)) أخرجه البخاري (5542) واللفظ له، ومسلم (2119): (المِربَدُ: المَوضِعُ الذي يُحبَسُ فيه الإبِلُ والغَنَمُ، والرَّبدُ: الحَبسُ. وفي الحَديثِ دَليلٌ على إباحةِ وسمِ الدَّوابِّ، وهو مَسنونٌ في نَعَمِ الصَّدَقةِ والجِزيةِ؛ حتَّى لا تَختَلِطَ بغَيرِها، وتَتَميَّزَ إحداهما عَنِ الأخرى؛ فإنَّ مُستَحِقَّ المالَينِ مُختَلِفٌ، وفي وَسمِ نَعَمِ الصَّدَقةِ مَعنًى آخَرُ، وهو ألَّا يَشتَريَها مالِكُها على تَوهُّمِ أنَّها غيرُ صَدَقَتِه، فإنَّه يُكرَهُ للرَّجُلِ أن يَتَصَدَّقَ بشيءٍ ثُمَّ يَشتَريَه. ومِيسَمُ الغَنَمِ يَكونُ ألطَفَ مِن مِيسَمِ الإبِلِ والبَقَرِ، ويَسِمُ الإبِلَ والبَقَرَ على أفخاذِها، ويَسِمُ الغَنَمَ في أصولِ آذانِها، ولا يَجوزُ وسمُ الوَجهِ). ((شرح السنة)) (11/ 231). ، فأشار إلى تَحريمِه، وهو الأظهَرُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَعَن فاعِلَه، واللَّعنُ يَقتَضي التَّحريمَ) [2646] ((شرح مسلم)) (14/ 97). .

انظر أيضا: