موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في عِنايةِ الإسلامِ بالمساجِدِ، وفَضلِ المَشيِ إليها وانتِظارِ الصَّلاةِ والمُكثِ فيها


المَساجِدُ هيَ أفضَلُ البقاعِ على الأرضِ وأطهَرُها، وأحَبُّها إلى اللهِ؛ فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحَبُّ البلادِ إلى اللهِ مَساجِدُها، وأبغَضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها)) [325] أخرجه مسلم (671). .
وقد حَثَّ الإسلامُ على بناءِ المَساجِدِ؛ فعن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن بَنى مَسجِدًا يَبتَغي به وجهَ اللهِ بَنى اللهُ له مِثلَه في الجَنَّةِ)) [326] أخرجه البخاري (450). ، وفي لفظٍ: ((بَنى اللهُ له بَيتًا في الجَنَّةِ)) [327] أخرجه مسلم (533). .
وعن عَمرِو بنِ عَبَسةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن بَنى مَسجِدًا يَذكُرُ اللَّهَ فيه بَنى اللهُ عَزَّ وجَلَّ له بَيتًا في الجَنَّةِ)) [328] أخرجه النسائي (688) واللَّفظُ له، وأحمد (19440). صَحَّحَ إسناده الألبانيُّ في ((هداية الرواة)) (3319)، وقوَّاه وجَوَّده ابنُ كثير في ((التفسير)) (8/429). وذَهَبَ إلى تَصحيحِه لغَيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (19440). .
كَما ورَدَ ما يَدُلُّ على العِنايةِ بها والاهتِمامِ بأمرِها ونَظافتِها؛ فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ امرَأةً سَوداءَ كانت تَقُمُّ [329] تَقُمُّ المَسجِدَ، أي: تَكنُسُه وتُنَظِّفُه، والقُمامةُ: الكُناسةُ، والمِقَمَّةُ: المِكنَسةُ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (1/ 490)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 487)، ((غريب الحديث)) لابن الجوزي (2/ 265). المَسجِدَ -أو شابًّا- ففقدَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَأل عنها -أو عنه- فقالوا: ماتَ، قال: أفلا كُنتُم آذنتُموني [330] آذَنتُموني: أي: أعلَمتُموني، والإيذانُ: الإعلامُ بالأمرِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 237)، ((شرح مسلم)) للنووي (7/ 26). ؟ قال: فكَأنَّهم صَغَّروا أمرَها -أو أمرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِه، فدَلُّوه، فصَلَّى عليها، ثُمَّ قال: إنَّ هذه القُبورَ مَملوءةٌ ظَلمةً على أهلِها، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُنَوِّرُها لهم بصَلاتي عليهم)) [331] أخرجه البخاري (1337)، ومسلم (956) واللفظ له. .
وعن شُعبةَ، قال: سَألتُ قتادةَ عنِ التَّفلِ في المَسجِدِ، فقال: سَمِعتُ أنَسَ بنَ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((التَّفلُ في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارَتُها دَفنُها [332] قال النَّوويُّ: (المُرادُ بدَفنِها إذا كان المَسجِدُ تُرابًا أو رَملًا ونَحوَه، فيواريها تَحتَ تُرابِه. قال أبو المَحاسِنِ الرُّويانيُّ مِن أصحابِنا في كِتابِه "البَحر": وقيل: المُرادُ بدَفنِها إخراجُها مِنَ المَسجِدِ، أمَّا إذا كان المَسجِدُ مُبَلَّطًا أو مُجَصَّصًا، فدَلكَها عليه بمَداسِه أو بغَيرِه، كَما يَفعَلُه كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ، فليسَ ذلك بدَفنٍ، بَل زيادةٌ في الخَطيئةِ، وتَكثيرٌ للقَذَرِ في المَسجِدِ، وعلى مَن فعَل ذلك أن يَمسَحَه بَعدَ ذلك بثَوبِه أو بيَدِه أو غَيرِه، أو يَغسِلَه). ((رياض الصالحين)) (ص: 474). ) [333] أخرجه مسلم (552). .
وفي رواية: ((البُزاقُ [334] البُزاقُ: لغةٌ في البُصاقِ، وهو معروفٌ. ((تاج العروس)) للزبيدي (25/77). في المَسجِدِ خَطيئةٌ، وكَفَّارَتُها دَفنُها)) [335] أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552). .
وعن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((عُرِضَت عليَّ أعمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فوجَدتُ في مَحاسِنِ أعمالِها الأذى يُماطُ عنِ الطَّريقِ، ووجَدتُ في مَساوي أعمالِها النُّخاعةَ تَكونُ في المَسجِدِ لا تُدفَنُ)) [336] أخرجه مسلم (553). .
وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ هذه المَساجِدَ لا تَصلُحُ لشَيءٍ مِن هذا البَولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والصَّلاةِ وقِراءةِ القُرآنِ)) أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [337] أخرجه مسلم (285). .
وحَضَّ الشَّرعُ الحَنيفُ على عِمارَتِها بالصَّلاةِ والذِّكرِ ومُدارَسةِ العِلمِ، ونَحوِ ذلك.
قال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور: 36 - 38] .
وعن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَحنُ في الصُّفَّةِ [338] الصُّفَّةُ: مَوضِعٌ مُظَلَّلٌ مِنَ المَسجِدِ كان الفُقَراءُ يَأوونَ إليه. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجَوزيِّ (4/ 142). ، فقال: أيُّكُم يُحِبُّ أن يَغدوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطحانَ [339] بُطحانُ: مَوضِعٌ مَعروفٌ، وسُمِّي بذلك لسَعَتِه، وكذلك الأبطحُ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجَوزيِّ (4/ 142). أو إلى العَقيقِ [340] العَقيقُ: مَوضِعٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجَوزيِّ (4/ 142). ، فيَأتيَ مِنه بناقَتَينِ كَوماوَينِ [341] الكَوماءُ مِنَ الإبل: العَظيمةُ السَّنامِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجَوزيِّ (4/ 142). في غَيرِ إثمٍ، ولا قَطعِ رَحِمٍ؟ فقُلْنا: يا رَسولَ اللهِ نُحِبُّ ذلك! قال: أفلا يَغدو أحَدُكُم إلى المَسجِدِ فيَعلَمَ أو يَقرَأَ آيَتَينِ مِن كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، خَيرٌ له مِن ناقَتَينِ، وثَلاثٌ خَيرٌ له مِن ثَلاثٍ، وأربَعٌ خَيرٌ له مِن أربَعٍ، ومِن أعدادِهنَّ مِنَ الإبِلِ)) [342] أخرجه مسلم (803). .
ورَغَّبَ الشَّرعُ الشَّريفُ في المَشيِ إليها وانتِظارِ الصَّلاةِ والمُكثِ فيها؛ فعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تَزيدُ على صلاتِه في بيتِه وصلاتِه في سُوقِه بِضعًا وعِشرين درجةً؛ وذلك أنَّ أحدَكم إذا توضَّأ فأحْسَنَ الوضوءَ، ثمَّ أتى المسجدَ لا تَنْهَزُه [343] أي: لا تُنهِضُه وتُقيمُه، وهو بمعنى قولِه بعدَه: «لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ». يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (5/ 166). إلَّا الصَّلاةُ، لا يُريد إلَّا الصَّلاةَ، فلم يَخطُ خطوةً إلَّا رفَعَ اللهُ له بها درجةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً، حتَّى يدخُلَ المسجدَ، فإذا دخَلَ المسجدَ كان في صلاةٍ ما كانتِ الصَّلاةُ هي تحبسُه، والملائكةُ يُصلُّونَ على أحدِكم ما دامَ في مجلسِه الَّذي صَلَّى فيه، يقولون: اللَّهمَّ ارحَمْه، اللَّهمَّ اغفِرْ له، اللَّهمَّ تُبْ عليه، ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحْدِثْ فيه)) [344] أخرجه البخاري (477)، ومسلم (649) واللفظ له. .
وعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه أيضًا، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تطهَّرَ في بيتِه، ثمَّ مَشَى إلى بيتٍ من بيوتِ اللهِ؛ ليقضيَ فريضةً مِن فرائضِ اللهِ، كانتْ خُطواتُه: إحداهما تحطُّ خطيئةً، والأخرى ترفعُ درجةً)) [345] أخرجه مسلم (666). .
وفي حديثِ عبدِ الله بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن راح إلى مسجدِ جماعةٍ فخطوَتاه خطوةٌ تَمحو سيِّئةً، وخطوةٌ تكتُبُ حسنةً، ذاهبًا وراجعًا)) [346] أخرجه أحمد (6599)، وابن حبان (2039)، والطبراني (14/78) (14683). صححه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6599)، وحسنه الألباني في ((صحيح الموارد)) (357)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/103)، وجوده العراقي في ((طرح التثريب)) (2/358)، وحسنه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/166). وذهب إلى تصحيحه ابن حبان. .
وعن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إذا تَطَهَّرَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أتى المَسجِدَ يَرعى الصَّلاةَ [347] يَرعى الصَّلاةَ: أي: يُريدُها. يُنظر: ((حاشية السندي على مسند الإمام أحمد)) (4/ 206). كَتَبَ له كاتِباه -أو كاتِبُه- بكُلِّ خُطوةٍ يَخطوها إلى المَسجِدِ عَشرَ حَسَناتٍ، والقاعِدُ يَرعى الصَّلاةَ كالقانِتِ [348] قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((القاعِدُ)): أي: في المَسجِدِ بلا صَلاةٍ ((يَرعى)) أي: يُريدُ الصَّلاةَ ((كالقانِتِ)) أي: كالقائِمِ في الصَّلاةِ. يُنظر: ((حاشية السندي على مسند الإمام أحمد)) (4/ 206). وقال المُنذِريُّ: (القُنوتُ يُطلَقُ بإزاءِ مَعانٍ؛ مِنها: السُّكوتُ، والدُّعاءُ، والطَّاعةُ، والتَّواضُعُ، وإدامةُ الحَجِّ، وإدامةُ الغَزوِ، والقيامُ في الصَّلاةِ، وهو المُرادُ في هذا الحَديثِ، واللهُ أعلمُ). ((الترغيب والترهيب)) (1/ 207). وقال أيضًا: (قَولُه: «القاعِدُ على الصَّلاةِ كالقانِتِ»: أي: أجرُه كَأجرِ المُصَلِّي قائِمًا ما دامَ قاعِدًا يَنتَظِرُ الصَّلاةَ؛ لأنَّ المُرادَ بالقُنوتِ هنا القيامُ في الصَّلاةِ). ((الترغيب والترهيب)) (1/ 287). ، ويُكتَبُ مِنَ المُصَلِّينِ مِن حينِ يَخرُجُ مِن بَيتِه حتَّى يَرجِعَ إليه)) [349] أخرجه أحمد (17440) واللفظ له، وابن خزيمة (1492)، وابن حبان (2045). صحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (861)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (434)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17440). .
وعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألَا أدُلُّكم على ما يَمْحو اللهُ به الخطايا، ويرفعُ به الدَّرجاتِ؟ قالوا: بلي يا رسولَ الله، قال: إسباغُ الوُضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ؛ فذَلِكُم الرِّباط [350] فذَلِكُم الرِّباطُ: الرِّباط في الأصل: الإقامةُ على جهاد العدوِّ بالحرب، وارتباطُ الخيل وإعدادها، فشُبِّه به ما ذُكِر من الأفعال الصالحة والعبادة، يعني: أنَّ ذلك هو الرِّباط المرغَّبُ فيه، وأصل الرباط الحبسُ على الشيء، كأنَّه حبَسَ نفسه على هذه الطَّاعة. يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (2/55- 56)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/185). ، فذَلِكُم الرِّباط)) [351] أخرجه مسلم (251). .
وعنه أيضًا رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن غَدا إلى المَسجِدِ أو راحَ، أعَدَّ اللهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا [352] النُّزُلُ: ما يُهَيَّأُ للضَّيفِ عِندَ قُدومِه. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (5/ 170). كُلَّما غَدا أو راحَ)) [353] أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669) واللفظ له. .
وعنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما توطَّنَ رَجُلٌ مُسلمٌ المَساجِدَ للصَّلاةِ والذِّكرِ إلَّا تَبَشبَشَ [354] والأصلُ في تَبَشبَشَ: تَبشَّشَ. فاستَثقَلوا الجَمعَ بَينَ ثَلاثِ شِيناتٍ، فأبدَلوا مِنَ الثَّانيةِ باءً. وهو مَأخوذٌ مِنَ البَشاشةِ، وهيَ الانبساطُ والسُّرورُ، والبَشُّ: فرَحُ الصَّديقِ بالصَّديقِ، واللُّطفُ في المَسألةِ والإقبالُ عليه. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/ 414)، ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لابن الأنباري (1/ 226)، ((الغريبين)) للهروي (1/ 181). وينظر أيضًا: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) للسقاف (ص: 85). اللَّهُ له كَما يَتبَشبَشُ أهلُ الغائِبِ بغائبِهم إذا قَدِمَ عليهم)) [355] أخرجه ابن ماجه (800) واللَّفظُ له، وأحمد (8350). صَحَّحه ابنُ خُزَيمة في ((صحيحه)) (3/31)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2278)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (771)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (800). .
وعن أبي مُوسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعظمُ النَّاسِ أجرًا في الصَّلاة أبعدُهم فأبعدُهم ممشًى، والَّذي ينتظرُ الصَّلاةَ حتَّى يُصلِّيَها مع الإمامِ أعظمُ أجرًا مِن الَّذي يُصلِّي ثم ينامُ)) [356] أخرجه البخاري (651) واللفظ له، ومسلم (662). .
وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كانتْ دِيارُنا نائيةً عن المسجدِ، فأردْنا أن نَبيعَ بُيوتَنا، فنقتربَ من المسجدِ، فنهانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ لكم بكلِّ خُطوةٍ درجةً)) [357] أخرجه مسلم (664). .
وعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أراد بنو سَلِمةَ أن ينتقلوا إلى قُربِ المسجدِ، فبلَغَ ذلك رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لهم: ((إنَّه بلَغَني أنَّكم تُريدون أنْ تَنتقِلوا قربَ المسجدِ، قالوا: نعمْ يا رسولَ الله، وقد أَرَدْنا ذلك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا بني سَلِمةَ، دِيارَكم تُكتَبْ آثارُكم! دِيارَكم تُكتَبْ آثارُكم)) [358] أخرجه مسلم (665). .
وعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رجُلٌ لا أعلمُ رجُلًا أَبْعَدَ مِن المسجدِ منه، وكان لا تُخْطِئُه صلاةٌ، فقيل له، أو قلتُ له: لوِ اشتريتَ حِمارًا تَركَبُه في الظَّلْماءِ وفي الرَّمْضاءِ! قال: ما يَسُرُّني أنَّ منزلي إلى جنبِ المسجدِ؛ إنِّي أُريدُ أن يُكتَبَ لي مَمْشايَ إلى المسجدِ، ورُجوعي إذا رجَعتُ إلى أهلي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قد جمَع اللهُ لك ذلك كلَّه)) [359] أخرجه مسلم (663). .
وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((احتَبَسَ عنَّا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ غَداةٍ مِن صَلاةِ الصُّبحِ حتَّى كِدنا نَتَراءى عَينَ الشَّمسِ، فخَرَجَ سَريعًا، فثوبَ بالصَّلاةِ [360] التَّثويبُ هاهنا إقامةُ الصَّلاةِ، والأصلُ في التَّثويبِ أن يَجيءَ الرَّجُلُ مُستَصرِخًا فيُلوِّحَ بثَوبِه ليُرى ويَشتَهرَ، فسُمِّيَ الدُّعاءُ تَثويبًا لذلك، وكُلُّ داعٍ مُثَوِّبٌ. يُنظر: ((الغريبين)) للهروي (1/ 301)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 226). ، فصَلَّى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَجوَّز [361] تَجوَّز في صَلاتِه: أي: خَفَّفها وأسرَعَ بها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 315). في صَلاتِه، فلمَّا سَلَّمَ دَعا بصَوتِه، فقال لنا: على مَصافِّكم [362] على مَصافِّكم، أي: اثبُتوا عليها، وهيَ جَمعُ مَصَفٍّ، وهو مَوضِع الصَّفِّ. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (3/ 959). كَما أنتُم، ثُمَّ انفتَلَ [363] انفتَلَ، أي: انصَرَف مِنَ الصَّلاةِ، أو أقبَل مِنَ القِبلةِ إلينا. يُنظر: ((مُرَقَّاة المَفاتيح)) للقاري (2/ 625). إلينا فقال: أمَا إنِّي سَأُحَدِّثُكُم ما حَبَسَني عنكُمُ الغَداةَ: إنِّي قُمتُ مِنَ اللَّيلِ فتَوضَّأتُ فصَلَّيتُ ما قُدِّرَ لي، فنَعَستُ في صَلاتي فاستَثقَلتُ، فإذا أنا برَبِّي تَبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقال: يا مُحَمَّدُ، قُلتُ: لبَّيكَ رَبِّ، قال: فيمَ يَختَصِمُ المَلأُ الأعلى؟ قُلتُ: لا أدري رَبِّ، قالها ثَلاثًا، قال: فرَأيتُه وَضَع كَفَّه بَينَ كَتِفيَّ حتَّى وجَدتُ بَردَ أنامِلِه بَينَ ثَدييَّ، فتَجَلَّى لي كُلُّ شَيءٍ وعَرَفتُ، فقال: يا مُحَمَّدُ، قُلتُ: لبَّيكَ رَبِّ، قال: فيمَ يَختَصِمُ المَلأُ الأعلى؟ قُلتُ: في الكَفَّاراتِ، قال: ما هنَّ؟ قُلتُ: مَشيُ الأقدامِ إلى الجَماعاتِ، والجُلوسُ في المَساجِدِ بَعدَ الصَّلواتِ، وإسباغُ الوُضوءِ في المَكروهاتِ...)) الحَديثَ [364] أخرجه الترمذي (3235) واللَّفظُ له، وأحمد (22109). صححه البخاري كما في ((العلل الكبير)) للترمذي (356)، وابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/73)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3235)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ. .
وأثنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المُتَعَلِّقةِ قُلوبُهم بها، وبَيَّنَ ما لهم مِن فضلِ يَومِ القيامةِ؛ فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: الإمامُ العادِلُ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادةِ رَبِّه، ورَجُلٌ قَلبُه مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في الله اجتَمَعا عليه وتَفَرَّقا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْه امرَأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ، فقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ أخفى حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضَت عَيناه)) [365] أخرجه البخاري (660) واللفظ له، ومسلم (1031). .
وفيما يَلي بَيانُ أهَمِّ الآدابِ المُتَعَلِّقةِ بالمَساجِدِ:

انظر أيضا: