موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: استقبالُ الخطيبِ إذا خطَب


يُستحَبُّ للمصلِّينَ استقبالُ الإمامِ إذا خطبَ [1068] وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ للمالكيَّة. ينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/54)، ((المجموع)) للنووي (4/528)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/37)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/371). قال ابنُ المُنذِرِ: (كلُّ مَن أحفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ يَرى أن يُستقبلَ الإمامُ يومَ الجمعةِ إذا خطَب، فمِمَّن رأى ذلك: ابنُ عُمرَ، وأنسُ بنُ مالكٍ، وشُرَيحٌ، وعَطاءٌ... وهذا قولُ مالكِ بنِ أنسٍ، وسُفْيانَ الثَّوْريِّ، والأَوْزاعيِّ، وسعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، وابنِ جابرٍ، ويزيدَ بنِ أبي مريمَ، والشَّافِعيِّ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأيِ، لا أعلَمُهم يَختَلِفون فيه). ((الأوسط)) (4/ 82، 83). وقال ابنُ قُدامةَ: (قال الأثرمُ: قلتُ لأبي عبدِ الله: يكونُ الإمامُ عن يميني مُتباعِدًا، فإذا أردتُ أن أنحرِفَ إليه حوَّلتُ وجهي عن القِبلةِ؟ فقال: نعمْ؛ تنحرِفُ إليه. وممَّن كان يستقبلُ الإمامَ: ابنُ عُمرَ، وأنسٌ. وهو قولُ شُرَيحٍ، وعَطاءٍ، ومالكٍ، والثَّوْريِّ، والأوزاعيِّ، وسعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، وابنِ جابرٍ، ويَزيدَ بنِ أبي مريمَ، والشَّافِعيِّ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأيِ). ((المغني)) (2/225). وقال ابنُ القيِّم: (كان إذا جلس عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -يعني: المِنبرَ- في غيرِ الجُمُعةِ، أو خطَب قائمًا في الجُمعةِ، استدار أصحابُه إليه بوُجوهِهم). ((زاد المعاد)) (1/430). وقال العَيْنيُّ: (فإن قلتَ: ما المرادُ باستقبالِ النَّاسِ الخطيبَ؟ هل المرادُ مَن يواجِهُه؟ أو المرادُ جميعُ أهلِ المسجدِ، حتَّى إنَّ مَن هو في الصَّفِّ الأوَّلِ والثَّاني -وإن طالت الصُّفوفُ- يَنحرِفونَ بأبدانِهم، أو بوُجوهِهم لسَماعِ الخُطبةِ؟ قلتُ: الظَّاهِرُ أنَّ المراد بذلك مَن يسمعُ الخُطبةَ دون مَن بَعُدَ فلمْ يسمَعْ؛ فاستقبالُ القِبلةِ أَوْلى به مِن تَوَجُّهِه لجهةِ الخطيبِ). ((عمدة القاري)) (6/221). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1069] قال الأوزاعيُّ: (هَدْيُ المسلمينَ إذا جلَس الإمامُ على المنبرِ يومَ الجُمُعةِ، أن يَستقبِلوه بوُجوهِهم). يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/50). وقال التِّرمذيُّ: (العملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغيرِهم؛ يَستحِبُّون استقبالَ الإمامِ إذا خطَب، وهو قولُ سُفْيانَ الثَّوْريِّ، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ. قال الترمذيُّ: ولا يصحُّ في هذا البابِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيءٌ). ((سنن الترمذي)) (2/383). وقال ابنُ المنذر: (هذا كالإجماعِ). ((الإشراف)) (2/105). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/225). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا قولُه: "السُّنَّةُ عندَنا أن يَستقبلَ الناسُ الإمامَ يومَ الجُمعةِ إذا أراد أن يخطُبَ؛ مَن كان منهم يلِي القِبلةَ أو غيرَها"، فهو -كما قال- سُنَّةٌ مسنونةٌ عندَ العُلماءِ، لا أَعلَمُهم يختلِفون في ذلك، وإن كنتُ لا أعلمُ فيها حديثًا مُسنَدًا، إلَّا أنَّ وكيعًا ذكَر عن يونسَ عن الشَّعبيِّ، قال: مِن السُّنَّةِ أن يُستقبَلَ الإمامُ يومَ الجُمعةِ، ووكيعٌ عن أبانَ بنِ عبدِ الله البَجَليِّ، عن عَديِّ بن ثابتٍ، قال: كان النَّبيُّ عليه السَّلامُ إذا خطَب استقبله أصحابُه بوُجوهِهم. وذكرها أيضًا ابنُ أبي شَيْبةَ، عن وكيعٍ، ورَوَى استقبالَ الإمامِ إذا خطَب يومَ الجُمعةِ عن جماعةٍ مِن العُلماءِ بالحجازِ والعراقِ). ((الاستذكار)) (2/50). وقال النَّوويُّ: (ويُستحَبُّ للقومِ الإقبالُ بوُجوهِهم على الخطيبِ، وجاءت فيه أحاديثُ كثيرةٌ؛ ولأنَّه الَّذي يقتضيه الأدبُ، وهو أبلغُ في الوعظِ، وهو مُجمَعٌ عليه). ((المجموع)) (4/528). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الآثارِ:
عن أبي الجويرية قال: (رأيت أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ الإمام يوم الجمعة في الخطبة يستقبله بوجهه حتى يفرغ الإمام من خطبته) [1070] أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (921) مختصرًا، وأخرجه موصولًا البيهقي (5780) واللفظ له. صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/467). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- أنَّه الذي يَقتضيه الأدَبُ، وهو أبلغُ في الوعظِ [1071] ((المجموع)) للنووي (4/528). .
2- أنَّ ذلِك أبلغُ في سماعِهم، فاستُحِبَّ، كاستقبالِ الإمامِ إيَّاهم [1072] ((المغني)) لابن قدامة (2/225). .

انظر أيضا: