موسوعة الآداب الشرعية

ثلاثٌ وعِشرونَ: الإكثارُ مِن الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ الجُمُعةِ ولَيْلَتَها


يُستحَبُّ الإكثارُ مِن الصَّلاةِ والسَّلامِ على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يومَ الجُمعةِ ولَيْلَتَها.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي أُمامةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((أكثِروا علَيَّ مِنَ الصَّلاةِ في كلِّ يومِ جُمُعةٍ؛ فإنَّ صلاةَ أُمَّتي تُعرَضُ علَيَّ في كلِّ يومِ جُمُعةٍ، فمَنْ كان أكثَرَهم علَيَّ صلاةً؛ كان أقرَبَهم مِنِّي مَنزِلةً)) [1135] أخرجه البيهقي (6062). حسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1673)، وحسن إسناده الشوكاني في ((تحفة الذاكرين)) (57)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/172): لا بأس بسنده .
2- عن أنسٍ رضيَ الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أكثِروا الصَّلاةَ علَيَّ يومَ الجُمُعةِ؛ فإنَّه أتاني جِبريلُ آنِفًا عن ربِّه عزَّ وجلَّ فقال: ما على الأرضِ مِن مُسلِمٍ يُصلِّي عليك مرَّةً واحدةً، إلَّا صلَّيتُ أنا وملائكتي عليه عَشْرًا)) [1136] أخرجه الطبراني كما في ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (2/326) واللفظ له، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (109)، وقوام السنة في ((الترغيب والترهيب)) (1678). حسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1662). .
فوائدُ:
1- قال ابنُ القيِّمِ: (رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّدُ الأنامِ، ويومُ الجُمُعةِ سيِّدُ الأيَّامِ [1137] عن أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((خيرُ يومٍ طلَعَتْ عليه الشَّمسُ يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِق آدَمُ، وفيه أُدخِلَ الجنَّةَ، وفيه أُخرِج منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعةِ)). أخرجه مسلم (854). وعنه رضيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ما تَطلُعُ الشَّمسُ بيومٍ ولا تَغرُبُ، بأفضَلَ -أو أعظَمَ - مِن يَومِ الجُمُعةِ، وما مِن دابَّةٍ إلَّا تَفزَعُ ليومِ الجُمُعةِ، إلَّا هذان الثَّقَلانِ مِن الجِنِّ والإنسِ، وعلى كلِّ بابٍ مَلَكانِ يَكتُبانِ الأوَّلَ فالأوَّلَ؛ كرَجُلٍ قدَّم بدَنةً، وكرجُلٍ قدَّم بقرةً، وكرجُلٍ قدَّم شاةً، وكرجُلٍ قدَّم طَيرًا، وكرجُلٍ قدَّم بَيضةً، فإذا قعَد الإمامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ)). أخرجه أحمد (9896)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11920) واللفظ لهما، وابن خزيمة (1770). صححها ابن خزيمة، وابن حبان في ((صحيحه)) (2774)، والبغوي في ((شرح السنة)) (2/568)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (1/399)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4032). وعنه رضيَ الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم قال: ((ما طلعَتِ الشَّمسُ ولا غربَتْ على يومٍ خيرٍ مِن يومِ الجُمُعةِ، هدانا اللهُ له، وضلَّ النَّاسُ عنه، والنَّاسُ لنا فيه تبَعٌ؛ فهو لنا، واليهودِ يومُ السَّبتِ، وللنَّصارى يومُ الأحدِ، إنَّ فيه لَساعةً لا يوافِقُها مؤمنٌ يُصَلِّي يَسألُ اللهَ شيئًا إلَّا أعطاه)). أخرجه أحمد (10723)، وابن خزيمة (1726) واللفظ له. صححه ابن خزيمة، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (695)، وصحح إسناده على شرط الشيخين شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10723). ؛ فللصَّلاةِ عليه في هذا اليومِ مَزيَّةٌ ليست لغيرِه، مع حكمةٍ أخرى؛ وهي: أنَّ كلَّ خَيرٍ نالَتْه أُمَّتُه في الدُّنيا والآخرةِ فإنَّما نالَتْه على يدِه، فجمَع اللهُ لأُمَّتِه به بيْن خيرَيِ الدُّنيا والآخرةِ، فأعظَمُ كرامةٍ تحصُلُ لهم فإنَّما تحصُلُ يومَ الجُمُعةِ؛ فإنَّ فيه بَعْثَهم إلى منازلِهم وقُصورِهم في الجنَّةِ، وهو يومُ المَزيدِ لهم إذا دخَلوا الجنَّةَ، وهو يومُ عيدٍ لهم في الدُّنيا، ويومٌ فيه يُسعِفُهم اللهُ تعالى بطلَباتِهم وحوائجِهم، ولا يرُدُّ سائلَهم، وهذا كلُّه إنَّما عرَفوه وحصَل لهم بسببِه وعلى يدِه، فمِنْ شُكرِه وحَمدِه، وأداءِ القليلِ مِن حقِّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن نُكثِرَ مِن الصَّلاةِ عليه في هذا اليَومِ ولَيلتِه) [1138] ((زاد المعاد)) (1/ 364). .
2- يُشرَعُ أنْ يُصلَّى على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سرًّا عندَ ذِكرِه في الخُطبةِ [1139] وهو مذهبُ المالِكيَّةِ، والحَنابِلةِ، وقولُ أبي يوسفَ، واختارَه الكمالُ ابنُ الهُمامِ، وابنُ عُثيمين. ينظر: ((مواهب الجليل)) (2/546، 547)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/160)، ((المبسوط)) (2/51)، ((فتح القدير)) (2/69)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/100). قال ابنُ رجب: (اختلَفوا في الإمامِ إذا صلَّى على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجُمعةِ: هل يوافِقُه المأمومُ؟ فقالت طائفةٌ: يُصلِّي المأمومُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نفْسِه، وهو قولُ مالكٍ، وأبي يوسفَ، وأحمدَ، وإسحاقَ). ((فتح الباري)) (5/497، 498). ؛ وذلك لأنَّ الصَّلاةَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الجُمُعةِ خصوصًا متأكِّدةُ الاستحبابِ، ومختلَفٌ في وُجوبِها كلَّما ذُكِر؛ فيُشرَعُ الإتيانُ بها في حالِ الخُطبةِ عندَ ذِكْرِه؛ لأنَّ سببَها موجودٌ، فهو كالتَّأمينِ على دُعاءِ الإمامِ، وأَوْلَى [1140] ((فتح الباري)) لابن رجب (5/497). .

انظر أيضا: