موسوعة الآداب الشرعية

خمسٌ وعشرونَ: تحرِّي ساعةِ الإجابةِ


ينبغي تحرِّي ساعةِ الإجابةِ يومَ الجُمُعةِ والدُّعاءِ فيها [1143] قال النوويُّ: (يُستحبُّ إكثارُ الدعاء يوم الجمعة بالإجماعِ) ((المجموع)) (4/548). .
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَرَ يومَ الجُمُعةِ فقال: فيه ساعةٌ لا يُوافِقُها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يُصلِّي يسألُ اللهَ شيئًا إلَّا أعطاه إيَّاه، وأشار بيدِه يُقلِّلها)) [1144] رواه البخاري (935)، ومسلم (852). .
تعيينُ ساعةِ الإجابةِ
اختلَفَ أهلُ العِلمِ في ساعةِ الإجابةِ يومَ الجُمُعةِ على أقوالٍ، أقواها قولانِ [1145] قال ابنُ باز: (أرجى السَّاعاتِ للإجابةِ، وهو ما بيْن أن يجلسَ الإمامُ على المنبرِ إلى أن تقومَ الصَّلاةُ، وما بيْن صلاةِ العصرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (13/240، 241). وقال ابنُ عثيمين: (اختلَف العُلماءُ في هذه السَّاعةِ على أقوالٍ كثيرةٍ، وأرجاها ساعتان؛ السَّاعةُ الأولى: إذا خرَج الإمامُ لصلاةِ الجُمُعةِ،... والسَّاعةُ الثَّانيةُ الَّتي تُرجَى فيها إجابةُ الدُّعاءِ: ما بعدَ صلاةِ العصرِ إلى أن تغرُبَ الشَّمسُ). ((الموقع الرسمي للشيخ محمد بن صالح العثيمين)). :
القول الأوَّل: أنَّها مِن جلوسِ الإمامِ إلى انقضاءِ الصَّلاةِ [1146] واختارَه ابنُ العربيِّ، والبَيْهَقيُّ، وأبو العبَّاسِ القُرْطُبيُّ، والنَّوَويُّ، وابنُ رجب، وابنُ عابدين. ينظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/174)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/421)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (2/493، 494)، ((المجموع)) للنووي (4/549)، ((فتح الباري)) لابن رجب (5/520، 521)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/164). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي بُردَةَ بنِ أبي موسى، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال له: أسمِعتَ أباك يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شأنِ ساعةِ الجُمُعة شيئًا؟ قال: نعَم، سمِعتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((هي ما بَينَ أن يجلِسَ الإمامُ إلى أنْ تُقضَى الصَّلاةُ)) [1147] أخرجه مسلم (853). .
القول الثَّاني: أنَّها بعدَ العصرِ [1148] وبه قال أحمدُ، وإسحاقُ، ورجَّحه ابنُ القيِّم، والحَجَّاويُّ. ينظر: ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (2/44). ((فتح الباري)) (2/421، 422) ((زاد المعاد)) (1/389، 390). ((الإقناع)) (1/197). قال ابنُ القيِّم: (كان سعيدُ بنُ جُبَيرٍ إذا صلَّى العصرَ لم يُكلِّمْ أحدًا حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ، وهذا هو قولُ أكثرِ السَّلفِ، وعليه أكثرُ الأحاديثِ. ويليه القولُ بأنَّها ساعةُ الصَّلاةِ، وبقيَّةُ الأقوالِ لا دليلَ عليها). ((زاد المعاد)) (1/394). وقال ابنُ رجب: (وقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: النَّهار اثنَتَا عَشْرةَ ساعةً، والسَّاعةُ الَّتي تُذكَرُ مِن يومِ الجُمعةِ آخِرُ ساعاتِ النَّهارِ). ((فتح الباري)) (5/506). وقال ابنُ القيِّم: (وهو قولُ عبدِ الله بنِ سلَامٍ، وأبي هُرَيرةَ). ((زاد المعاد)) (1/389، 390). وقال ابنُ حجرٍ: (حكى التِّرمذيُّ عن أحمدَ أنَّه قال: أكثرُ الأحاديثِ على ذلك. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: إنَّه أثبتُ شيءٍ في هذا البابِ. ورَوى سعيدُ بنُ منصورٍ بإسنادٍ صحيحٍ إلى أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ أنَّ ناسًا مِن الصَّحابةِ اجتمَعوا فتَذاكروا ساعةَ الجُمعةِ، ثمَّ افترَقوا، فلمْ يختلِفوا أنَّها آخِرُ ساعةٍ مِن يومِ الجُمعةِ. ورجَّحه كثيرٌ مِن الأئمَّةِ أيضًا، كأحمدَ وإسحاقَ، ومِن المالكيَّةِ الطُّرْطُوشيُّ، وحكى العلائيُّ أنَّ شيخه ابنَ الزملكاني شَيخ الشافعيَّة في وقته كان يختاره ويَحكيه عن نصِّ الشافعي) ((فتح الباري)) (2/421، 422). .
الدَّليلُ على ذلك مِن السنةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُلتُ ورَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ إنَّا لنجِدُ في كتابِ اللَّهِ في يومِ الجمُعةِ ساعةً لا يوافِقُها عبدٌ مؤمنٌ يصلِّي يَسألُ اللَّهَ فيها شيئًا إلَّا قضَى لَه حاجتَهُ، قالَ عبدُ اللَّهِ فأشارَ إليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أو بعضُ ساعةٍ فقلتُ صدَقتَ أو بعضُ ساعةٍ، قلتُ أيُّ ساعةٍ هيَ قالَ هيَ آخرُ ساعاتِ النَّهارِ، قلتُ إنَّها ليسَتْ سَاعةَ صَلاةٍ قالَ بلَى، إنَّ العبدَ المُؤْمِنَ إذا صلَّى ثمَّ جلسَ لا يحبِسُهُ إلَّا الصَّلاةُ فَهوَ في الصَّلاةِ)) [1149] أخرجه ابن ماجه (1139) واللفظ له، وأحمد (23781). قال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (941): حسن صحيح، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (582)، وقوى إسناده شعيب في ((تخريج سنن أبي داود)) (2/279). .
3- عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خيرُ يومٍ طلَعَتْ فيه الشَّمسُ يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُهبِطَ، وفيه تِيبَ عليه، وفيه ماتَ، وفيه تقومُ السَّاعةُ، وما مِن دابَّة إلَّا وهي مُصِيخةٌ [1150] مُصِيخَة: أي: مُستَمِعةٌ مُنصِتةٌ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/64)، ((لسان العرب)) لابن منظور (3/35). يومَ الجُمُعةِ، مِن حِينِ تُصبِحُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ؛ شفقًا مِن السَّاعةِ، إلَّا الجِنَّ والإنسَ، وفيه ساعةٌ لا يُصادِفُها عبدٌ مسلمٌ وهو يُصلِّي يسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ حاجةً إلَّا أعطاه إيَّاها، قال كعبٌ: ذلك في كلِّ سَنةٍ يومٌ؟ فقلتُ: بل في كلِّ جُمُعةٍ، قال: فقرأ كعبٌ التَّوراةَ، فقال: صدَق رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو هُريرةَ: ثمَّ لَقيتُ عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ، فحدَّثتُه بمَجْلِسي مع كعبٍ، فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: وقد علِمتُ أيَّةُ ساعةٍ هي. قال أبو هُريرةَ: فقلتُ: أخبِرْني بها، فقال عبدُ الله بنُ سَلَامٍ: هي آخِرُ ساعةٍ مِن يومِ الجُمُعةِ، فقلتُ: كيف هي آخرُ ساعةٍ مِن يومِ الجُمُعةِ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا يُصادِفُها عبدٌ مسلمٌ وهو يُصلِّي، وتلك السَّاعةُ لا يُصلَّى فيها؟! فقال عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ: ألمْ يَقُلْ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن جَلَس مجلسًا يَنتظِرُ الصَّلاةَ فهو في صلاةٍ حتَّى يُصلِّيَ؟ قال: فقلتُ: بلى، فقال: هو ذاك)) [1151] أخرجه أبو داود (1046) واللفظ له، والترمذي (491)، والنسائي (1430). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (2772)، وابنُ القيِّم في ((جلاء الأفهام)) (157)، وابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/432)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1046). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن أبي سَلمةَ بنِ عَبدِ الرحمنِ أنَّ ناسًا من الصَّحابةِ اجتمَعوا فتذاكروا ساعةَ الجُمُعة، ثم افترَقوا فلم يختلفوا أنَّها آخِرُ ساعةٍ من يومِ الجُمُعةِ [1152] أخرجه سعيد بن منصور، كما في ((فتح الباري)) لابن حجر (2/489). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/489)، والصَّنعانيُّ في ((سبل السلام)) (2/88). .

انظر أيضا: