تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
لقد بلَغ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غايةَ الحِلمِ والعَفوِ، والسُّنَّةُ النَّبويَّةُ حافِلةٌ بمواقِفِ الرَّسولِ الكريمِ في الحِلمِ، ومِن ذلك: 1- قصَّةُ الأعرابيِّ الذي جبَذ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برِدائِه جَبذةً شديدةً؛ فعن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه قال: ((كنْتُ أمشي معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشِيةِ، فأدرَكه أعرابيٌّ، فجبَذه برِدائِه جبذةً شديدةً، حتَّى نظرْتُ إلى صَفْحةِ عاتِقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أثَّرَت بها حاشِيةُ البُردِ مِن شِدَّةِ جَبذتِه! ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، مُرْ لي مِن مالِ اللهِ الذي عندَك، فالتفَت إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ ضحِك، ثُمَّ أمَر له بعَطاءٍ)) [3764] أخرجه البخاري (3149) واللفظ له، ومسلم (1057). . 2- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ رجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتقاضاه فأغلَظ، فهمَّ به أصحابُه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعوه؛ فإنَّ لصاحِبِ الحقِّ مقالًا، ثُمَّ قال: أعطوه سِنًّا [3765] أعطوه سنا أي ناقة لها سن معين. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 134). مِثلَ سِنِّه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، لا نجِدُ إلَّا أمثَلَ مِن سِنِّه، فقال: أعطوه؛ فإنَّ مِن خيرِكم أحسَنَكم قَضاءً)) [3766] أخرجه البخاري (2306) واللفظ له، ومسلم (1601). . 3- وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه قال: ((كأنِّي أنظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحكي نَبيًّا مِن الأنبياءِ ضرَبه قومُه فأدمَوه، فهو يمسَحُ الدَّمَ عن وَجهِه، ويقولُ: ربِّ اغفِرْ لقومي؛ فإنَّهم لا يعلَمونَ)) [3767] أخرجه البخاري (6929) واللفظ له، ومسلم (1792). . قال النَّوَويُّ: (فيه ما كانوا عليه -صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليهم- مِن الحِلمِ والتَّصبُّرِ والعَفوِ والشَّفقةِ على قومِهم، ودُعائِهم لهم بالهِدايةِ والغُفرانِ، وعُذرِهم في جِنايتِهم على أنفُسِهم بأنَّهم لا يعلَمونَ، وهذا النَّبيُّ المُشارُ إليه مِن المُتقدِّمينَ، وقد جرى لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلُ هذا يومَ أحُدٍ) [3768] ((شرح النووي على مسلم)) (12/150). . 4- وعن أنسٍ رضِي اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أحسَنِ النَّاسِ خُلقًا، فأرسَلني يومًا لحاجةٍ، فقلْتُ: واللهِ لا أذهَبُ، وفي نَفسي أن أذهَبَ لِما أمَرني به نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، قال: فخرجْتُ حتَّى أمرَّ على صِبيانٍ وهم يلعَبونَ في السُّوقِ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم قابِضٌ بقَفاي مِن وَرائي، فنظرْتُ إليه وهو يضحَكُ، فقال: يا أُنَيسُ، اذهَبْ حيثُ أمرْتُك، قلْتُ: نعَم، أنا أذهَبُ يا رسولَ اللهِ، قال أنسٌ: واللهِ لقد خدَمْتُه سبعَ سنينَ أو تِسعَ سنينَ ما علمْتُ قال لشيءٍ صنعْتُ: لِمَ فعلْتَ كذا وكذا؟ ولا لشيءٍ تركْتُ: هلَّا فعلْتَ كذا وكذا!)) [3769] أخرجه مسلم (2309، 2310). . 5- وعن عائِشةَ رضِي اللهُ عنها زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ((أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل أتى عليك يومٌ كان أشَدَّ مِن يومِ أحُدٍ؟ قال: لقد لَقِيتُ مِن قومِك ما لقيتُ، وكان أشَدُّ ما لقيتُ منهم يومَ العَقَبةِ؛ إذ عرضْتُ نَفسي على ابنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عَبدِ كُلالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أردْتُ، فانطلقْتُ وأنا مهمومٌ على وَجهي، فلم أستفِقْ إلَّا وأنا بقَرنِ الثَّعالِبِ [3770] هو ميقاتُ أهلِ نجدٍ. يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (6/ 169). ، فرفعْتُ رأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرْتُ فإذا فيها جِبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ قد سمِع قولَ قومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعَث اللهُ إليك ملَكَ الجِبالِ لتأمُرَه بما شئْتَ فيهم، فناداني ملَكُ الجِبالِ، فسلَّم عليَّ، ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، فقال: ذلك فيما شئْتَ، إن شئْتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ [3771] هما جَبَلا مكَّةَ قُعَيقِعانَ وأبو قُبَيسٍ سُمِّيَا بذلك لعِظَمِهما وخشونتِهما. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 76). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابِهم مَن يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [3772] أخرجه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). . 6- وعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضِي اللهُ عنه قال: ((بَينَما نحن عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقسِمُ قَسمًا أتاه ذو الخُوَيصرةِ -وهو رجُلٌ مِن بَني تميمٍ-، فقال: يا رسولَ اللهِ، اعدِلْ، فقال: وَيلَك! ومَن يعدِلُ إذا لم أعدِلْ؟! قد خِبْتَ وخسِرْتَ إن لم أكنْ أعدِلُ! فقال عُمرُ: يا رسولَ اللهِ، ائذَنْ لي فيه فأضرِبَ عُنقَه، فقال: دَعْه؛ فإنَّ له أصحابًا يحقِرُ أحدُكم صلاتَه معَ صلاتِهم، وصِيامَه معَ صِيامِهم، يقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ تراقيَهم [3773] جمعُ تَرْقُوةٍ، وهي العَظمُ الذي بين ثُغرةِ النَّحرِ والعاتِقِ. وهما تَرقُوتانِ من الجانبينِ ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/187). ، يمرُقونَ مِن الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّميَّةِ [3774] الرَّمِيَّةُ: الصَّيدُ المرميُّ، شَبَّه مروقَهم من الدِّينِ بالسَّهمِ الذي يصيبُ الصَّيدَ، فيدخُلُ فيه ويخرجُ منه، ومن شِدَّةِ سرعةِ خروجِه لقُوَّةِ الرَّامي لا يَعلقُ من جسَدِ الصَّيدِ شيءٌ. ((فتح الباري)) لابن حجر (6/618). ، ينظُرُ إلى نَصلِه [3775] النَّصلُ: حديدةُ السَّهمِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 195). فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى رِصافِه [3776] الرِّصافُ: عَصَبٌ يُلوى فوقَ مَدخَلِ النَّصلِ. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (12/ 3775). فما يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى نَضِيِّه -وهو قِدحُه- فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ ينظُرُ إلى قُذَذِه [3777] القُذَذُ: ريشُ السَّهمِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/28). فلا يوجَدُ فيه شيءٌ، قد سبَق الفَرْثَ [3778] الفَرْثُ هو ما في الكَرِشِ. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 118). والدَّمَ، آيتُهم: رجُلٌ أسوَدُ إحدى عَضُدَيه مِثلُ ثَديِ المرأةِ، أو مِثلُ البَضعةِ تَدَرْدَرُ [3779] تضطرِبُ وتذهَبُ وتجيءُ. ((شرح النووي على مسلم)) (7/166). ، ويخرُجونَ على حينِ فُرقةٍ مِن النَّاسِ، قال أبو سعيدٍ: فأشهَدُ أنِّي سمعْتُ هذا الحديثَ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشهَدُ أنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ قاتَلهم وأنا معَه، فأمَر بذلك الرَّجلِ، فالتُمِس، فأُتِي به حتَّى نظرْتُ إليه على نَعتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي نعَته)) [3780] أخرجه البخاري (3610) واللفظ له، ومسلم (1064). . 7- وعن زيدِ بنِ أرقَمَ رضِي اللهُ عنه قال: ((سحَر النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجُلٌ مِن اليَهودِ، فاشتكى لذلك أيَّامًا، قال: فجاءه جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: إنَّ رجُلًا مِن اليَهودِ سحَرك، عقَد لك عُقَدًا في بِئرِ كذا وكذا، فأرسِلْ إليها مَن يجيءُ بها، فبعَث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليًّا رضِي اللهُ تعالى عنه، فاستخرَجها، فجاء بها فحلَّها، قال: فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كأنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ [3781] أي: حُلَّ من عقالٍ، وهو حبلٌ يُشَدُّ به ذراعُ البهيمةِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/ 138). ، فما ذكَر لذلك اليَهوديِّ، ولا رآه في وَجهِه قطُّ حتَّى مات)) [3782] رواه النسائي (4080)، وأحمد (19267) واللفظ له. صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (351)، وصحَّح إسنادَه العراقيُّ في ((تخريج الإحياء)) (2/465)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4091)، وذكر الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/284) أنَّه رُويَ بأسانيدَ، ورجالُ أحدِها رجالُ الصَّحيحِ. . قولُه: (فما ذكَر لذلك اليَهوديِّ) أي: لم يذكُرِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لليهوديِّ السَّاحِرِ سِحرَه الذي شاهَده، والظَّاهِرُ أنَّه أراد: لم يُعاتِبْه على ذلك، بل عفا عنه، كما هو هَديُه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم في العَفوِ والصَّفحِ عمَّن اعتدى عليه، فلا يُنافي ما ورَد: أنَّه صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أخَذه، فاعترَف [3783] ((ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)) للأثيوبي (32/ 57). . 8- وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ امرأةً يهوديَّةً أتَت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشاةٍ مسمومةٍ، فأكل منها، فجيء بها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردْتُ لأقتُلَك، قال: ما كان اللهُ لِيُسلِّطَكِ على ذاك -قال: أو قال: عَلَيَّ- قال: قالوا: ألا نقتُلُها؟ قال: لا، قال: فما زلْتُ أعرِفُها في لَهَواتِ [3784] اللَّهَواتُ: جَمعُ لَهاةٍ: وهي اللَّحمةُ المتدَلِّيةُ من الحنَكِ الأعلى، فهي حمراءُ مُتعَلِّقةٌ. يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 198). رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [3785] أخرجه البخاري (2617)، ومسلم (2190) واللفظ له. . 9- عن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه قال: ((قيل للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أتَيتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، قال: فانطلَق إليه، وركِب حِمارًا، وانطلَق المُسلِمونَ وهي أرضٌ سَبخةٌ [3786] هي الأرضُ التي تعلوها الملوحةُ، ولا تكادُ تُنبِتُ إلَّا بعضَ الشَّجَرِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 333). ، فلمَّا أتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إليك عنِّي، فواللهِ لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، قال: فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أطيَبُ ريحًا منك، قال: فغضِب لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، قال: فغضِب لكلِّ واحِدٍ منهما أصحابُه، قال: فكان بَينَهم ضَربٌ بالجَريدِ وبالأيدي وبالنِّعالِ، قال: فبلَغنا أنَّها نزَلَت فيهم: وِإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا[الحجرات: 9] )) [3787] أخرجه البخاري (2691)، ومسلم (1799) واللفظ له. . وفي هذا الحديثِ بيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الحِلمِ والصَّفحِ والصَّبرِ على الأذى في اللهِ تعالى [3788] ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 159). . 10- قال جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما: ((كنَّا في غَزاةٍ، فكسَع [3789] أي: ضَرَب دُبُرَه وعجيزتَه بيَدٍ أو رِجلٍ أو سيفٍ وغيرِه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 138). رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رجُلًا مِن الأنصارِ، فقال الأنصاريُّ: يا لَلْأَنصارِ! وقال المُهاجِريُّ: يا لَلْمُهاجِرينَ! فسمَّعها اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ما هذا؟ فقالوا: كسَع رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رجُلًا مِن الأنصارِ، فقال الأنصاريُّ: يا لَلْأَنصارِ! وقال المُهاجِريُّ: يا لَلْمُهاجِرينَ! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعوها؛ فإنَّها مُنتِنةٌ، قال جابِرٌ: وكانت الأنصارُ حينَ قدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَ، ثُمَّ كثُر المُهاجِرونَ بَعدُ، فقال عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ: أوَقد فعَلوا؟ واللهِ لَئِنْ رجَعْنا إلى المدينةِ ليُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فقال عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه: دَعْني يا رسولَ اللهِ أضرِبْ عُنقَ هذا المُنافِقِ! قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْه؛ لا يتحدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحمَّدًا يقتُلُ أصحابَه)) [3790] أخرجه البخاري (4907) واللفظ له، ومسلم (2584). . قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وكان على خُلُقٍ عظيمٍ مِن الحِلمِ والتَّجاوُزِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [3791] ((التمهيد)) (2/ 190). . 11- عن المِقدادِ بنِ الأسوَدِ رضِي اللهُ عنه قال: ((أقبلْتُ أنا وصاحِبانِ لي، وقد ذهبَت أسماعُنا وأبصارُنا مِن الجَهدِ، فجعلْنا نعرِضُ أنفُسَنا على أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فليس أحدٌ منهم يقبَلُنا، فأتَينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانطلَق بنا إلى أهلِه، فإذا ثلاثةُ أعنُزٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: احتلِبوا هذا اللَّبنَ بَينَنا، قال: فكنَّا نحتلِبُ، فيشرَبُ كُلُّ إنسانٍ منَّا نَصيبَه، ونرفَعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصيبَه، قال: فيجيءُ مِن اللَّيلِ، فيُسلِّمُ تسليمًا لا يوقِظُ نائِمًا، ويُسمِعُ اليَقظانَ، قال: ثُمَّ يأتي المسجِدَ، فيُصلِّي، ثُمَّ يأتي شرابَه فيشرَبُ، فأتاني الشَّيطانُ ذاتَ ليلةٍ وقد شرِبْتُ نَصيبي، فقال: مُحمَّدٌ يأتي الأنصارَ فيُتحِفونَه [3792] أي: يُوَجِّهون إليه التُّحَفَ من طُرَفِ الفاكهةِ وغَيرِها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 92). ، ويُصيبُ عندَهم، ما به حاجةٌ إلى هذه الجُرعةِ، فأتَيتُها فشرِبْتُها، فلمَّا أن وغَلَت [3793] أي: دخَلَت وتمكَّنَت منه. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 14). في بَطني، وعلِمْتُ أنَّه ليس إليها سبيلٌ، قال: ندَّمني الشَّيطانُ، فقال: وَيحَك، ما صنَعْتَ؟ أشرِبْتَ شرابَ مُحمَّدٍ؟ فيجيءُ فلا يجِدُه، فيدعو عليك، فتَهلِكُ، فتذهَبُ دُنياك وآخِرتُك، وعَلَيَّ شَمْلةٌ [3794] الشَّملةُ: كِساءٌ صغيرٌ يُشتَمَلُ به، أي: يُلتَحَفُ به على كيفيَّةٍ مخصوصةٍ. يُنظر: ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للمازري (5/ 333). إذا وضعْتُها على قَدَمَيَّ خرَج رأسي، وإذا وضعْتُها على رأسي خرَج قَدَماي، وجعَل لا يجيئُني النَّومُ، وأمَّا صاحباي فناما، ولم يصنَعا ما صنعْتُ، قال: فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسلَّم كما كان يُسلِّمُ، ثُمَّ أتى المسجِدَ فصلَّى، ثُمَّ أتى شرابَه، فكشَف عنه، فلم يجِدْ فيه شيئًا، فرفَع رأسَه إلى السَّماءِ، فقُلْتُ: الآنَ يدعو عليَّ فأهلِكُ! فقال: اللَّهمَّ أطعِمْ مَن أطعَمني، وأسْقِ مَن أسقاني)) [3795] أخرجه مسلم (2055). . قال النَّوَويُّ: (وفيه ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الحِلمِ والأخلاقِ المُرضِيَّةِ، والمحاسِنِ المُرضِيةِ، وكَرَمِ النَّفسِ، والصَّبرِ، والإغضاءِ عن حُقوقِه؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يسألْ عن نَصيبِه مِن اللَّبنِ) [3796] ((شرح مسلم)) (14/ 15). . 12- عن عائِشةَ رضِي اللهُ عنها قالت: ((ما انتقَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنَفسِه في شيءٍ قطُّ إلَّا أن تُنتهَكَ حُرمةُ اللهِ، فينتقِمَ بها للهِ)) [3797] أخرجه البخاري (6126) واللفظ له، ومسلم (2327). . قال القاضي عِياضٌ: (فيه ما كان عليه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- مِن الحِلمِ والصَّبرِ) [3798] ((إكمال المعلم)) (7/ 292). .