تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
- محبَّةُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للرِّفْقِ وتَرْغيبُه فيه: - كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رفيقًا هَيِّنًا لَيِّنًا سَهلًا في تعامُلِه، وفي أقوالِه وأفعالِه، وكان يحِبُّ الرِّفْقَ، ويحثُّ النَّاسَ على الرِّفْقِ، ويرغِّبُهم فيه؛ فعن عُبادةَ بنِ شُرَحبيلَ قال: ((قَدِمتُ مع عمومتي المدينةَ فدخَلتُ حائطًا من حيطانِها، ففرَكتُ من سنبُلِه، فجاء صاحِبُ الحائطِ فأخذ كسائي وضرَبني، فأتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أستعدي [4286] أستعدي عليه، أي: أطلُبُ منه أن ينتَقِمَ منه لي. يُنظَر: ((حاشية السندي على سنن النسائي)) (8/ 240). عليه، فأرسل إلى الرَّجُلِ، فجاؤوا به، فقال: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّه دخل حائطي، فأخَذ من سنبُلِه ففَرَكه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما علَّمْتَه إذ كان جاهِلًا، ولا أطعَمْتَه إذ كان جائعًا، اردُدْ عليه كساءَه، وأمر لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بوَسقٍ [4287] الوَسقُ: ستُّون صاعًا. يُنظَر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 13). أو نِصفِ وَسقٍ)) [4288] رواه أبو داود (2621)، والنسائي (5409) واللفظ له، وابن ماجه (2298). صحَّحه القرطبي في ((التفسير)) (3/37)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5409)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند)) (534)، وحسَّنه ابنُ كثير في ((جامع المسانيد والسنن)) (5882)، وصحَّح إسناده ابن حجر في ((الإصابة)) (2/265)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2621)، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (1/402): (إسنادُه صحيحٌ غريبٌ). . وعن مالِكِ بنِ الحُوَيرثِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: أتينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن شَبَبةٌ متقارِبون، فأقَمْنا عندَه عِشرين ليلةً، فظَنَّ أنَّا اشتَقْنا أهلَنا، وسأَلَنا عمَّن ترَكْنا في أهلِنا فأخبَرْناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: ((ارجِعوا إلى أهليكم، فعَلِّموهم ومُروهم...)) الحديث [4289] أخرجه البخاري (6008). . قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: «وكان رقيقًا رحيمًا» وهو للأكثَرِ بقافينِ، من الرِّقَّةِ، وللقابِسيِّ والأصيليِّ والكُشْمِيهَنيِّ: بفاءٍ ثمَّ قافٍ، مِنَ الرِّفْقِ) [4290] ((فتح الباري)) (10/ 438). . - رِفقُه بقَومِه رَغْمَ أذيَّتِهم له: كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رفيقًا بقَومِه رَغمَ أذيَّتِهم له؛ فعن عروةَ أنَّ عائشةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حدَّثَتْه أنَّها قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا رسولَ اللهِ، هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [4291] رواه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). . و(العجيبُ في مسلَكِ الرِّفْقِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يخُصَّ به مواقِفَ دونَ أخرى، وظروفًا دونَ غيرِها، وإنَّما جعله سلوكًا دائمًا وعامًّا لا ينفَكُّ عنه المسلِمُ في كُلِّ شُؤونِ حياتِه، حتى في الظُّروفِ الاجتماعيَّةِ التي يَظُنُّ الظَّانُّ أنَّها تستلزِمُ شيئًا من العُنفِ) [4292] ((عقوبة التلاميذ البدنية)) لعدنان باحارث (ص: 88، 89). . - رِفقُه في تعليمِ الجاهِلِ: - كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رفيقًا في تعليمِه للجاهِلِ؛ فعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه قال: ((بينما نحن في المسجِدِ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ جاء أعرابيٌّ، فقام يبولُ في المسجدِ، فقال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْ مَهْ [4293] مَهْ: اسمٌ لفِعلِ الأمرِ، ومعناه اكفُفْ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 300). ! قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُزْرِموه [4294] لا تُزْرِموه: أي: لا تَقطَعوا عليه بولَه. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 136). دعوه، فتركوه حتَّى بال، ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعاه، فقال له: إنَّ هذه المساجِدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ والصَّلاةِ وقراءةِ القُرآنِ، أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال فأمر رجلًا من القومِ فجاء بدَلوٍ من ماءٍ فشَنَّه عليه [4295] الشَّنُّ: الصَّبُّ المتقَطِّعُ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/242). ) [4296] رواه البخاري (219) مختصرًا، ومسلم (285) واللفظ له. . - عن معاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ، قال: ((بينا أنا أُصَلِّي مع رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ عَطَس رجُلٌ من القومِ، فقُلتُ: يرحمُك اللَّهُ! فرماني القومُ بأبصارِهم، فقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاه [4297] الثُّكْلُ: هو فِقدانُ المرأةِ وَلَدَها، وأصلُه: ثَكِلَت أمِّي، أي: وافَقْدَ أمِّي إيَّاي؛ فإنِّي هلَكْتُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 20)، ((شرح أبي داود)) للعيني (4/ 178)، ((شرح السيوطي على مسلم)) (2/ 217). ! ما شأنُكم تَنظُرون إليَّ؟! فجَعَلوا يَضرِبون بأيديهم على أفخاذِهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتُونني لكِنِّي سكَتُّ، فلمَّا صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ مُعَلِّمًا قَبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، فواللهِ ما كَهَرني [4298] الكَهْرُ: الانتهارُ. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/154). ، ولا ضرَبني، ولا شتَمَني. قال: إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وقراءةُ القرآنِ)) [4299] رواه مسلم (537) مطوَّلًا. . عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ الله عنه قال: ((كنَّا في سفَرٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... الحديث، وفيه: ثمَّ نزل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدعا بالوَضوءِ فتوَضَّأ، ونودِيَ بالصَّلاةِ فصَلَّى بالنَّاسِ، فلمَّا انفتل من صلاتِه إذا هو برجُلٍ معتَزِلٍ لم يصَلِّ مع القومِ، قال: ما منعك يا فلانُ أن تصلِّيَ مع القومِ؟ قال: أصابتني جنابةٌ ولا ماءَ. قال: عليك بالصَّعيدِ؛ فإنَّه يكفيك ... )) الحديثَ [4300] أخرجه البخاري (344) واللفظ له، ومسلم (682). . قال ابنُ حَجَرٍ: (فيه: حُسنُ الملاطفةِ، والرِّفْقُ في الإنكارِ) [4301] ((فتح الباري)) (1/ 451). . رِفقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في معاتبةِ المخطِئين والمقَصِّرين: عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لم يكُنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبَّابًا ولا فحَّاشًا ولا لعَّانًا، كان يقولُ لأحَدِنا عِندَ المَعتِبةِ: ما له، تَرِب جبينُه؟!)) [4302] أخرجه البخاري (6031). . وعن عائشةَ رَضِيَ الله عنها قالت: صنَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا فترخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ، فبلغ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخطب فحمِدَ اللهَ، ثمَّ قال: ((ما بالُ أقوامٍ يتنزَّهون عن الشَّيءِ أصنعُه؟! فواللهِ إنِّي لأعلَمُهم باللَّهِ، وأشَدُّهم له خشيةً)) [4303] أخرجه البخاري (6101) واللفظ له، ومسلم (2356). . وعن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّ نفرًا من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألوا أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عَمَلِه في السِّرِّ، فقال بعضُهم: لا أتزوَّجُ النِّساءَ، وقال بعضُهم: لا آكُلُ اللَّحمَ، وقال بعضُهم: لا أنامُ على فِراشٍ، فحمِدَ اللهَ وأثنى عليه، فقال: ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟! لكنِّي أُصَلِّي وأنامُ، وأصومُ وأفطِرُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِب عن سنَّتي فليس منِّي)) [4304] أخرجه مسلم (1401). . ولفظُ البخاريِّ: ((فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أنتم الذين قُلتُم كذا وكذا؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكنِّي... )) [4305] أخرجه البخاري (5063). . وهذا فيه المواجهةُ لهم وظاهِرُه يعارِضُ ما تقَدَّمَ من التَّعريضِ وعدمِ مواجهتِهم بأخطائِهم. (ويجابُ بأنَّه منع من ذلك عمومًا جهرًا مع عدَمِ تعيينِهم، وخصوصًا فيما بينه وبَيْنَهم؛ رِفقًا بهم) [4306] ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 105). . - رِفقهُ بنِسائِه: - وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رفيقًا بنسائِه؛ فعن أنسٍ قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، وغلامٌ أسوَدُ -يُقالُ له أنجَشةُ- يحدو. فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا أنجَشةُ رُوَيدك سوقًا بالقواريرِ [4307] رويدًا، أي: مهلًا. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/154). ) [4308] رواه البخاري (6149)، ومسلم (2323) واللفظ له. . وفي روايةٍ: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ارفُقْ يا أنجَشةُ -ويحَكَ!- بالقواريرِ) [4309] البخاري (6209). . وعن عائشةَ قالت: ((كان الحَبَشُ يلعَبون بحِرابِهم، فسَتَرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أنظُرُ، فما زِلتُ أنظُرُ حتَّى كنتُ أنا أنصرِفُ، فاقدُروا قَدْرَ الجاريةِ الحديثةِ السِّنِّ، تَسمَعُ اللَّهْوَ)) [4310] أخرجه البخاري (5190) واللفظ له، ومسلم (892). . وفي قِصَّةِ حادثةِ الإفكِ قالت عائشةُ رَضِيَ الله عنها: (ويَريبُني في وجعي أنِّي لا أرى من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اللُّطفُ الذي كنتُ أرى منه حينَ أمرَضُ) [4311] البخاري (2661). . والمرادُ باللُّطفِ الرِّفْقُ [4312] ((فتح الباري)) لابن حجر (8/ 465). . - رِفقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصِّغارِ: كما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يرفُقُ بالصِّغارِ؛ فعن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ الله عنهما قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأخُذُني فيُقعِدُني على فَخِذِه، ويُقعِدُ الحَسَنَ على فَخِذه الأخرى، ثمَّ يضُمُّهما، ثمَّ يقولُ: اللَّهم ارحَمْهما؛ فإنِّي أرحَمُهما)) [4313] أخرجه البخاري (6003). . - رِفقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّيرِ وَقتَ الزِّحامِ: عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما أنَّه دفع مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ عَرَفةَ، فسمع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وراءه زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشار بسَوطِه إليهم، وقال: ((أيُّها النَّاسُ، عليكم بالسَّكينةِ؛ فإنَّ البِرَّ ليس بالإيضاعِ)) [4314] أخرجه البخاري (1671). . قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: ((عليكم بالسَّكينةِ))، أي: في السَّيرِ، والمرادُ: السَّيرُ بالرِّفْقِ وعَدَمُ المزاحمةِ، قولُه: "فإنَّ البِرَّ ليس بالإيضاعِ"، أي: السَّيرِ السَّريعِ) [4315] ((فتح الباري)) (3/ 522). . وقال جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنه في صِفةِ حَجَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ودفع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أي: من الموقِفِ - وقد شنق للقصواءِ الزِّمامَ، حتَّى إنَّ رأسَها ليُصيبُ مَورِكَ رَحلِه، ويقولُ بيَدِه اليُمنى: أيُّها النَّاسُ، السَّكينةَ السَّكينةَ!)) [4316] أخرجه مسلم (1218). . قال النَّوويُّ: (وفي هذا استحبابُ الرِّفْقِ في السَّيرِ من الرَّاكِبِ بالمشاةِ وبأصحابِ الدَّوابِّ الضَّعيفةِ. قولُه: ((ويقولُ بيَدِه: السَّكينةَ السَّكينةَ)) مرَّتينِ، منصوبًا، أي: الزَموا السَّكينةَ، وهي الرِّفْقُ والطُّمأنينةُ ...) [4317] ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 186). . وسُئِل أسامةُ -وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أردَفه من عَرَفاتٍ-: (كيف كان يسيرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ أفاض من عَرَفةَ؟ قال: كان يسيرُ العَنَقَ، فإذا وَجَد فجوةً نَصَّ) [4318] أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (1286) واللفظ له. . قال النَّوويُّ: (العَنَقُ والنَّصُّ: نوعانِ من إسراعِ السَّيرِ، وفي العَنَقِ نوعٌ من الرِّفْقِ ... وفيه من الفِقهِ: استحبابُ الرِّفْقِ في السَّيرِ في حالِ الزِّحامِ، فإذا وَجَد فُرجةً استُحِبَّ الإسراعُ) [4319] ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 34). . - رِفقُه بأمَّتِه ودفعُه للحَرَجِ والمشَقَّةِ عنهم: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي -أو: على النَّاسِ- لأمَرْتُهم بالسِّواكِ مع كُلِّ صلاةٍ)) [4320] أخرجه البخاري (887) واللفظ له، ومسلم (252). . قال ابنُ حَجَرٍ: (وفيه: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه من الشَّفَقةِ على أمَّتِه) [4321] ((فتح الباري)) (2/ 376). . وعنه رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والذي نفسُ محمَّدٍ في يَدِه، لولا أن أشُقَّ على المُؤمِنين ما قعَدْتُ خَلفَ سَريَّةٍ تغزو في سبيلِ اللَّهِ، ولكِنْ لا أجِدُ سَعةً أحمِلُهم، ولا يجِدون سَعةً فيَتْبَعوني، ولا تطيبُ أنفُسُهم أن يقعُدوا بَعدي)) [4322] أخرجه مسلم (1876) واللفظ له. . قال النَّوويُّ: ((فيه: ما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الشَّفَقةِ على المُسلِمين والرَّأفةِ بهم، وأنَّه كان يترُكُ بعضَ ما يختارُه للرِّفقِ بالمُسلِمين، وأنَّه إذا تعارضت المصالحُ بدأ بأهمِّها، وفيه: مراعاةُ الرِّفْقِ بالمُسلِمين، والسَّعيُ في زوالِ المكروهِ والمشقَّةِ عنهم)) [4323] ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 22). . عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: ((قَدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه، فقال المُشرِكون: إنَّه يَقدَمُ عليكم وقد وَهَنهم حُمَّى يَثرِبَ، فأمَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَرمُلوا الأشواطَ الثَّلاثةَ، وأن يمشُوا ما بَيْنَ الرُّكنينِ، ولم يمنَعْه أن يأمُرَهم أن يَرمُلوا الأشواطَ كُلَّها إلَّا الإبقاءُ عليهم)) [4324] أخرجه البخاري (1602) واللفظ له، ومسلم (1266). . قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: ((إلَّا الإبقاءُ عليهم))، أي: الرِّفْقُ بهم والإشفاقُ عليهم، والمعنى: لم يمنَعْه من أمرِهم بالرَّمَلِ في جميعِ الطَّوفاتِ إلَّا الرِّفْقُ بهم) [4325] ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 509). . ومن ذلك أمرُه بتأخيرِ الظُّهرِ في شِدَّةِ الحَرِّ، وتخفيفُ الصَّلاةِ رِفقًا بالمأمومين، والنَّهيُ عن الوِصالِ في الصِّيامِ، والنَّهيُ عن قيامِ اللَّيلِ كلِّه وصيامِ الدَّهرِ كُلِّه، وأمرُه بالسُّحورِ مع استحبابِ تأخيرِه، وتعجيلِ الفِطرِ، إلى غيرِ ذلك؛ رِفقًا بالأمَّةِ وتخفيفًا بهم ودَفعًا للمشقَّةِ عنهم. - رِفقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه في اختيارِ أوقاتِ النَّشاطِ لتعليمِهم وتذكيرِهم: عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ الله عنه قال: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتخوَّلُنا بالموعِظةِ في الأيَّامِ، كراهةَ السَّآمةِ علينا) [4326] أخرجه البخاري (68) واللفظ له، ومسلم (2821). . قال ابنُ حَجَرٍ: (فيه: رِفقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه، وحُسنُ التَّوصُّلِ إلى تعليمِهم وتفهيمِهم؛ ليأخُذوا عنه بنشاطٍ، لا عن ضَجَرٍ ولا مَلَلٍ، ويُقتدى به في ذلك؛ فإنَّ التَّعليمَ بالتَّدريجِ أخفُّ مُؤنةً وأدعى إلى الثَّباتِ مِن أخذِه بالكَدِّ والمغالبةِ) [4327] ((فتح الباري)) (11/ 228). .