هـ- عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمين والمتأخِّرين
1- عن أبي عَمرٍو عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أحمَدَ السِّمسارِ وأبي القاسِمِ بنِ عَقيلٍ الورَّاقِ: (أنَّ
أبا جَعفَرٍ الطَّبَريُّ قال لأصحابِه: أتنشَطونَ لتَفسيرِ القُرآنِ؟ قالوا: كم يكونُ قَدْرُه؟ فقال: ثَلاثونَ ألفَ وَرَقةٍ. فقالوا: هذا مِمَّا تَفنى الأعمارُ قَبلَ تَمامِه! فاختَصَرَه في نَحوِ ثَلاثةِ آلافِ ورَقةٍ.
ثُمَّ قال: هَل تَنشَطونَ لتاريخِ العالَمِ مِن آدَمَ إلى وقتِنا هذا؟ قالوا: كم قَدرُه؟ فذَكَرَ نَحوًا مِمَّا ذَكَرَه في التَّفسيرِ، فأجابوه بمِثلِ ذلك، فقال: إنَّا للَّهِ، ماتَتِ الهمَمُ!)
[6677] ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (2/ 550، 551)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (52/ 198). .
2- قال
الخَطيبُ البغداديُّ في ترجمةِ إسماعيلَ الحِيريِّ: (لَمَّا ورَد بغدادَ كان قد اصطحَب معه كتُبَه عازِمًا على المجاوَرةِ بمكَّةَ، وكانت وِقْرَ بعيرٍ وفي جُملتِها "صحيحُ البُخاريِّ"، وكان سَمِعه من أبي الهيثَمِ الكُشْمِيهَنيِّ عن
الفِرَبْريِّ، فلم يُقضَ لقافلةِ الحَجيجِ النُّفوذُ في تلك السَّنةِ لفَسادِ الطَّريقِ، ورَجَع النَّاسُ، فعاد إسماعيلُ معهم إلى نَيْسابورَ، ولَمَّا كان قَبلَ خُروجِه بأيَّامٍ خاطَبْتُه في قراءةِ كِتابِ "الصَّحيح"فأجابني إلى ذلك، فقرأتُ جميعَه عليه في ثلاثةِ مجالِسَ؛ اثنانِ منها في ليلتَينِ كُنتُ أبتدئُ بالقراءةِ وَقتَ صلاةِ المغرِبِ وأقطَعُها عِندَ صلاةِ الفَجرِ، وقَبلَ أن أقرَأَ المجلِسَ الثَّالِثَ عَبَر الشَّيخُ إلى الجانِبِ الشَّرقيِّ مع القافِلةِ ونَزَل الجزيرةَ بسُوقِ يحيى، فمَضَيتُ إليه مع طائفةٍ من أصحابِنا كانوا حَضَروا قِراءتي عليه في اللَّيلتَينِ الماضيتَينِ، وقرأتُ عليه في الجزيرةِ من ضَحوةِ النَّهارِ إلى المغرِبِ، ثمَّ من المغربِ إلى وَقتِ طُلوعِ الفَجرِ، ففرَغْتُ من الكتابِ، ورَحَل الشَّيخُ في صَبيحةِ تلك اللَّيلةِ مع القافِلةِ)
[6678] ((تاريخ بغداد)) (7/ 318، 319). .
قال
الذَّهَبيُّ مُعَلِّقًا: (وهذا شيءٌ لا أعلَمُ أحدًا في زمانِنا يستطيعُه)
[6679] ((تاريخ الإسلام)) (10/ 182). .
3- قال رجاءُ بنُ محمَّدٍ المُعَدِّلُ: (قلتُ للدَّارَقُطنيِّ: هل رأيتَ مِثلَ نَفسِك؟ فقال: قال اللهُ تعالى:
فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ [النجم: 32] ، قال: فألحَحْتُ عليه، فقال: لم أرَ أحَدًا جمَع ما جمَعْتُ)
[6680]((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (43/ 100). .
4- وعن ابنِ خفيفٍ أنَّه كان به وَجَعُ الخاصرةِ، فكان إذا أخَذَه أقعَدَه عن الحركةِ، فكان إذا أقيمَت الصَّلاةُ يُحمَلُ على الظَّهرِ إلى المسجِدِ، فقيل له: لو خفَّفْتَ على نفسِك! قال: إذا سمِعْتُم: حيَّ على الصَّلاةِ ولم تَرَوني في الصَّفِّ، فاطلُبوني في المقابِرِ
[6681]((تاريخ الإسلام)) للذهبي (8/ 367). !
5- كان لمحمَّدِ بنِ أبي الحُسَينِ اليونينيُّ أورادٌ لو جاء مَلِكٌ من الملوكِ ما أخَّرها عن وَقتِها
[6682]((تاريخ الإسلام)) للذهبي (14/ 892). .
6- ل
أبي الوفاءِ بنِ عقيلٍ كِتابُ (الفُنونِ)، قال أبو حَفصٍ القَزوينيُّ: (سَمِعتُ بعضَ مشايخِنا يقولُ: هو ثمانِمائةِ مُجلَّدةٍ!)
[6683]((مشيخة أبي حفص القزويني)) (ص: 533). ، يقولُ أبو الوفاءِ عن نفسِه: (ما خالَطْتُ لعَّابًا قطُّ، ولا عاشَرْتُ إلَّا أمثالي من طَلَبةِ العِلمِ، وأنا في عَشرِ الثَّمانينَ، أجِدُ من الحرصِ على العِلمِ أشَدَّ ممَّا كنتُ أجِدُه وأنا ابنُ عِشرين!)
[6684]((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (1/ 322). .
قال
ابنُ عَقيلٍ: (إنِّي لا يحِلُّ لي أن أُضَيِّعَ ساعةً مِن عُمري، حتَّى إذا تعَطَّل لساني عن مُذاكرةٍ ومُناظَرةٍ، وبَصري عن مُطالعةٍ، أُعمِلُ فِكري في حالِ راحتي وأنا مُستَطرِحٌ، فلا أنهَضُ إلَّا وقد خَطَرَ لي ما أسطُرُه، وإنِّي لأجِدُ مِن حِرصي على العِلمِ وأنا في عَشرِ الثَّمانينَ أشَدَّ مِمَّا كُنتُ أجِدُه وأنا ابنُ عِشرينَ!)
[6685] ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) لابن الجوزي (17/ 181). .
وقال أيضًا: (أنا أُقصِّرُ بغايةِ جُهدي أوقاتِ أكلي، حتَّى أختارَ سَفَّ الكَعكِ وتَحَسِّيَه بالماءِ على الخُبزِ؛ لأجلِ ما بَينَهما مِن تفاوُتِ المَضغِ؛ توَفُّرًا على مُطالَعةٍ، أو تسطيرِ فائِدةٍ لم أدرِكْها)
[6686] ((ذيل طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (1/ 325). .
7-ويصِفُ
ابنُ الجَوزيِّ عُلوَّ همَّتِه في طَلَبِ العِلمِ وهو يُخاطِبُ ابنَه، فيقولُ:
(وانظُرْ يا بُنيَّ إلى نَفسِك عِندَ الحُدودِ، فتَلمَّحْ كيف حَفِظُك لها؟ فإنَّه مَن راعى رُوعِيَ، ومَن أهمَلَ تُرِك... فإنِّي أذكُرُ نَفسي ولي همَّةٌ عاليةٌ، وأنا في المَكتَبِ ولي نَحوٌ مِن سِتِّ سِنينَ، وأنا قَرينُ الصِّبيانِ الكِبارِ قد رُزِقتُ عَقلًا وافِرًا في الصِّغَرِ يزيدُ على عَقلِ الشُّيوخِ، فما أذكُرُ أنِّي لَعِبتُ في طَريقٍ مَعَ صَبيٍّ قَطُّ، ولا ضَحِكتُ ضَحِكًا جارِحًا، حتَّى إنِّي كُنتُ ولي سَبعُ سِنينَ أو نَحوُها أحضُرُ رَحبةَ الجامِعِ، ولا أتَخَيَّرُ حَلقةَ مُشَعبِذٍ، بل أطلُبُ المُحَدِّثَ، فيتَحَدَّثُ بالسَّنَدِ الطَّويلِ، فأحفظُ جَميعَ ما أسمَعُ، وأرجِعُ إلى البَيتِ فأكتُبُه.
ولقد وُفِّقَ لي شَيخُنا أبو الفَضلِ ابنُ ناصِرٍ رَحِمَه اللَّهُ، فكان يحمِلُني إلى الأشياخِ، وأسمَعَني "المُسنَدَ" وغَيرَه مِنَ الكُتُبِ الكِبارِ، وأنا لا أعلَمُ ما يُرادُ مِنِّي، وضَبط لي مسموعاتي إلى أن بَلَغتُ، فناولَني ثَبتَها، ولازَمتُه إلى أن توفِّيَ رَحِمَه اللَّهُ، فأدرَكتُ به مَعرِفةَ الحَديثِ والنَّقلِ.
ولقد كان الصِّبيانُ ينزِلونَ دِجلةَ، ويتَفرَّجونَ على الجِسرِ، وأنا في زَمَنِ الصِّغَرِ آخُذُ جُزءًا، وأقعُدُ حُجزةً مِنَ النَّاسِ إلى جانِبِ الرَّقَّةِ فأتَشاغَلُ بالعِلمِ)
[6687] ((لفتة الكبد في نصيحة الولد)) لابن الجوزي (ص10). .
ثُمَّ قال: (ولَم أقنَعْ بفنٍّ واحِدٍ مِنَ العِلمِ، بَل كُنتُ أسمَعُ الفِقهَ والوَعظَ والحَديثَ، وأتبَعُ الزُّهَّادَ. ثُمَّ قَرَأتُ اللُّغةَ ولَم أترُكْ أحَدًا مِمَّن قدِ انزَوى أو يعِظُ، ولا غَريبًا يَقدَمُ إلَّا وأحضُرُه وأتَخَيَّرُ الفضائِلَ... ولقد كُنتُ أدورُ على المَشايِخِ لسَماعِ الحَديثِ، فينقَطِعُ نَفَسي مِنَ العَدوِ لئَلَّا أُسبَقَ، وكُنتُ أُصبِحُ وليس لي ما آكُلُ، وأُمسي وليس لي شَيءٌ! وما أذَلَّني اللَّهُ لمَخلوقٍ، ولَكِنَّه ساقَ رِزقي لصيانةِ عِرضي، ولو شَرَحتُ أحوالي لَطالَ الشَّرحُ)
[6688] يُنظر: ((لفتة الكبد في نصيحة الولد)) لابن الجوزي - بتصرف (ص 11). .
8- وكان
النَّوويُّ عاليَ الهمَّةِ في طَلَبِ العِلمِ مُنذُ صِغَرِه، فقد ذَكرَ ابنُ داوُدَ العَطَّارُ عن ياسينَ بنِ يوسُفَ المراكشيِّ قال: (رَأيتُ الشَّيخَ مُحيي الدِّينِ وهو ابنُ عَشرِ سِنينَ بنَوى، والصِّبيانُ يُكرِهونَه على اللَّعِبِ مَعَهم، وهو يهرُبُ مِنهم ويبكي لإكراهِهم، ويقرَأُ القُرآنَ في هذه الحالةِ، فوقَعَ في قَلبي مَحَبَّتُه، وجَعله أبوه في دُكَّانٍ، فجَعل لا يشتَغِلُ بالبَيعِ والشِّراءِ عنِ القُرآنِ، قال: فأتَيتُ الذي يُقرِئُه القُرآنَ، فوصَّيتُه به، وقُلتُ له: هذا الصَّبيُّ يُرجى أن يكونَ أعلَمَ أهلِ زَمانِه وأزهَدَهم، وينتَفِعُ النَّاسُ به، فقال لي: أمُنَجِّمٌ أنتَ؟! فقُلتُ: لا، وإنَّما أنطَقَني اللَّه بذلك، فذَكَر ذلك لوالدِه، فحَرَصَ عليه، إلى أن خَتمَ القُرآنَ وقد ناهَزَ الاحتِلامَ)
[6689] يُنظر: ((تحفة الطالبين)) لابن العطار (ص: 44، 45)، ((طبقات الشافعية الكبرى)) للسبكي (8/396-397). .
قال ابنُ العَطَّارِ في ترجمةِ
النَّوَويِّ: (وذَكَر لي -رحمه اللهُ- أنَّه كان لا يُضِيعُ له وقتًا في ليلٍ ولا نهارٍ إلَّا في وظيفةٍ من الاشتغالِ بالعِلمِ، حتَّى في ذَهابِه في الطُّرُقِ ومجيئِه يشتَغِلُ في تكرارِ مَحفوظِه، أو مُطالَعةٍ، وأنَّه بَقِيَ على التَّحصيلِ على هذا الوَجهِ نحوَ سِتِّ سِنينَ. ثمَّ إنَّه اشتغل بالتَّصنيفِ، والإشغالِ والإفادةِ، والمناصَحةِ للمُسلِمين ووُلاتِهم، مع ما هو عليه من المجاهَدةِ لنَفسِه، والعَمَلِ بدَقائِقِ الفِقهِ)
[6690] ((تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين)) (ص: 64). .
وقال أيضًا: (وذَكَر لي الشَّيخُ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَه- قال: "كُنتُ أقرأُ كُلَّ يومٍ اثني عَشَرَ دَرسًا على المشايخِ؛ شَرحًا وتصحيحًا: درسينِ في "الوسيطِ"، ودرسًا في "المهَذَّبِ"، ودرسًا في "الجمعِ بَينَ الصَّحيحينِ"، ودرسًا في "صحيحِ مُسلِم"، ودرسًا في "اللُّمَعِ"ل
ابنِ جِنِّي في النَّحوِ، ودرسًا في "إصلاحِ المَنطِقِ"لابنِ السِّكِّيتِ في اللُّغةِ، ودروسًا في التَّصريفِ، ودرسًا في أصولِ الفِقهِ؛ تارةً في "اللُّمَعِ"لأبي إسحاقَ، وتارةً في "المُنتَخَبِ"
لفَخرِ الدِّينِ الرَّازيِّ، ودرسًا في أسماءِ الرِّجالِ، ودرسًا في أصولِ الدِّينِ". قال: "وكنتُ أُعَلِّقُ جميعَ ما يتعَلَّقُ بها؛ من شَرحِ مُشكِلٍ، ووضوحِ عِبارةٍ، وضَبطِ لُغةٍ". قال: "وبارك اللهُ لي في وقتي، واشتِغالي، وأعانني علي")
[6691] ((تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين)) (ص: 49، 50). .