تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
- عن النَّعمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلَمُها كثيرٌ من النَّاسِ، فمن اتَّقى المشَبَّهاتِ استبرأ لدينِه وعرضِه، ومن وقَع في الشُّبُهاتِ كراعٍ يرعى حولَ الِحمى، يوشِكُ أن يواقِعَه، ألا وإنَّ لكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا إنَّ حِمى اللهِ في أرضِه محارِمُه، ألا وإنَّ في الجسَدِ مُضغةً إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كُلُّه، وإذا فسَدَت فسَد الجَسَدُ كُلُّه، ألا وهي القَلبُ)) [8861] رواه البخاري (52) واللفظ له، ومُسلِم (1599). . قال ابنُ رجبٍ: (من اتَّقى الأمورَ المُشتَبِهةَ عليه التي لا تتبيَّنُ له أحلالٌ هي أو حرامٌ، فإنَّه مستبرئٌ لدينِه، بمعنى: أنَّه طالبٌ له البراءَ والنَّزاهةَ ممَّا يُدنِّسُه ويَشينُه) [8862] ((فتح الباري)) (1/229، 230). . - وعن عليِّ بنِ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ صفيَّةَ زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبرتْه أنَّها جاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تزورُه في اعتكافِه في المسجِدِ في العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ، فتحدَّثَت عنده ساعةً، ثمَّ قامت تنقَلِبُ، فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معها يَقلِبُها، حتَّى إذا بلغت بابَ المسجِدِ عندَ بابِ أمِّ سَلَمةَ مرَّ رجلانِ من الأنصارِ، فسَلَّما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على رِسْلِكما [8863] الرِّسْلُ: السُّكونُ والسَّيرُ اللَّيِّنُ، أي: على هِينتِكما في المشيِ، فما هنا شيءٌ تَكرَهانِه. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مُسلِم)) للقاضي عياض (7/ 64)، ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 157). ، إنما هي صفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ. فقالا: سبحانَ اللهِ، يا رسولَ اللهِ! وكَبُر عليهما. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الشَّيطانَ يَبلُغُ من الإنسانِ مَبلَغَ الدَّمِ، وإني خَشيتُ أن يقذِفَ في قلوبِكما شيئًا)) [8864] رواه البخاري (2035) واللفظ له، ومسلم (2175). . (في الحديثِ تأكيدُ الابتعادِ عن مواضِعِ الرِّيبةِ) [8865] ((منة المنعم في شرح صحيح مسلم)) للمباركفوري (3/ 442). . قال الماوَرْديُّ: (هذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أبعدُ خَلقِ اللهِ من الرَّيبِ وأصونُهم من التُّهَمِ... فكيف من تخالجَت فيه الشُّكوكُ، وتقابلت فيه الظُّنونُ؟ فهل يعرى مَن في مواقِفِ الرَّيبِ من قادحٍ محَقَّقٍ، ولائمٍ مُصَدَّقٍ؟!) [8866] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 327). . - عن أبي الحوراءِ السَّعديِّ قال: ((قُلتُ للحَسَنِ بنِ عَليٍّ: ما حَفِظتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: حَفِظتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك..)) [8867] أخرجه مطوَّلًا: الترمذي (2518) واللفظ له، والنسائي (5711) مختصَرًا، وأحمد (1723) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (722)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (14/42). . فالنَّزاهةُ أن نصونَ النَّفسَ عن مواقِفِ الرِّيبةِ، ونتنَزَّهَ عن مساوئِ الأخلاقِ، ونترفَّعَ عمَّا يُذَمُّ منها. (قولُه: ((دَعْ)) أي: اترُكْ ((ما يَريبُك)) أي: ما يَلحَقُك به رَيبٌ وشَكٌّ وقَلَقٌ إلى ((ما لا يَريبُك)) أي: إلى شيءٍ لا يَلحَقُك به ريبٌ ولا قَلَقٌ، وهذا الحديثُ من جوامِعِ الكَلِمِ، وما أجودَه وأنفَعَه للعبدِ إذا سار عليه! فالعبدُ يَرِدُ عليه شُكوكٌ في أشياءَ كثيرةٍ، فنقولُ: دَعِ الشَّكَّ إلى ما لا شَكَّ فيه حتَّى تستريحَ وتَسلَمَ، فكُلُّ شيءٍ يَلحَقُك به شَكٌّ وقلَقٌ ورَيبٌ، اتركْه إلى أمرٍ لا يلحَقُك به ريبٌ، وهذا ما لم يَصِلْ إلى حَدِّ الوَسواسِ، فإن وَصَل إلى حَدِّ الوَسواسِ فلا تلتَفِتْ له) [8868] ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 154). . - عن حَكيمِ بنِ حزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ سألتُه فأعطاني، ثمَّ قال: يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، فمَن أخَذه بطِيبِ نَفسٍ بورِكَ له فيه، ومَن أخَذه بإشرافِ نَفسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ، اليدُ العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفلى)) [8869] رواه البخاري (1472) واللفظ له، ومسلم (1035). . قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: إشرافُ النَّفسِ تطَلُّعُها إليه وتعَرُّضُها له، وطمَعُها فيه. وأمَّا طِيبُ النَّفسِ فذكَر القاضي فيه احتمالينِ، أظهَرُهما: أنَّه عائِدٌ على الآخِذِ، ومعناه: مَن أخَذَه بغيرِ سُؤالٍ ولا إشرافٍ وتَطَلُّعٍ، بوركَ له فيه. والثَّاني: أنَّه عائدٌ إلى الدَّافعِ، ومعناه: من أخَذَه ممَّن يدفَعُ مُنشَرِحًا بدَفعِه إليه طيِّبَ النَّفسِ، لا بسؤالٍ اضطَرَّه إليه، أو نحوِه ممَّا لا تطيبُ معه نَفسُ الدَّافِعِ) [8870] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (3/486). ويُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (3/ 568). . وفي هذا الحديثِ: الحثُّ على النَّزاهةِ، والقناعةِ والرِّضا بما تيسَّرَ، وإن كان قليلًا، والإجمالِ في الكَسبِ، وأنَّه لا يغتَرُّ الإنسانُ بكثرةِ ما يحصُلُ له بإشرافٍ ونحوِه؛ فإنَّه لا يبارَكُ له فيه. - وعن أبي حميدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يحِلُّ للرَّجُلِ أن يأخُذَ عصا أخيه بغيرِ طِيبِ نَفسِه)) وذلك لشِدَّةِ ما حرَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من مالِ المُسلِم على المُسلِمِ [8871] أخرجه أحمد (23605) واللفظ له، وابن حبان (5978)، والبيهقي (11875). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (1871)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (39/ 19)، وحسَّنه البزار في ((البحر الزخار)) (9/167). . (والحديثُ فيه دلالةٌ على تحريمِ مالِ المُسلِمِ إلَّا بطيبةٍ منه وإن قَلَّ) [8872] ((البدر التمام شرح بلوغ المرام)) للمغربي (6/275). .