سادسًا: أسبابُ الوُقوعِ في البُغْضِ والكَراهيَةِ
1- الغِيبةُ والنَّميمةُ من الأسبابِ الرَّئيسةِ للكَراهيَةِ والبَغْضاءِ والتَّشاحُنِ.
قال بعضُ الحُكَماءِ: (النَّميمةُ تَهدي إلى القُلوبِ البَغْضاءَ، ومَن واجَهك فقد شتَمَك، ومَن نَقَل إليك فقد نَقَل عنك، والسَّاعي بالنَّميمةِ كاذِبٌ لِمن يسعى إليه، وخائِنٌ لِمن يسعى به)
[1253] ((بحر الدموع)) لابن الجوزي (ص: 130). .
وقال أحمَدُ بنُ عاصِمٍ الأنطاكيُّ: (أشَرُّ مَكِنةِ الرَّجُلِ البَذاءُ -وهو الوقيعةُ منه، وهي الغِيبةُ- وذلك أنَّه لا ينالُ بذلك منفعةً في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، بل يُبغِضُه عليه المتَّقون ويَهجُرُه الغافِلون، وتجتَنِبُه الملائكةُ، وتَفرَحُ به الشَّياطينُ ... والغِيبةُ والنَّميمةُ قرينتانِ، ومخرَجُهما من طريقِ البَغيِ، والنَّمَّامُ قاتِلٌ، والمغتابُ آكِلُ الميتةِ، والباغي مُستكبِرٌ، ثلاثتُهم واحِدٌ، وواحِدُهم ثلاثةٌ، فإذا عوَّد نفسَه ذلك رفَعَه إلى دَرَجةِ البُهتانِ، فيَصيرُ مُغتابًا مباهِتًا كذَّابًا، فإذا ثَبَت فيه الكَذِبُ والبُهتانُ صار مجانِبًا للإيمانِ. ولا يَكسِبُ بالغِيبةِ تعجيلَ ثَناءٍ، ولا يبلُغُ به رئاسةً، ولا يَصِلُ به إلى مزيَّةٍ في دُنيا من مَطعَمٍ أو مَلبَسٍ ولا مالٍ، وهو عِندَ العُقَلاءِ منقوصٌ، وعندَ العامَّةِ سَفيهٌ، وعندَ الأمناءِ خائِنٌ، وعندَ الجُهَّالِ مذمومٌ)
[1254] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (9/ 291). .
2- الكَذِبُ والغِشُّ؛ فإنَّه يترُكُ أثَرَ الكَراهيَةِ بَيْنَ الغاشِّ والمغشوشِ.
3- قَسوةُ القَلبِ والغِلظةُ والفَظاظةُ: فهذه الأخلاقُ تُنفِّرُ بَيْنَ القلوبِ، وتُشيعُ الكَراهيَةَ والبَغْضاءَ. قال تعالى:
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] .
4- التَّجَسُّسُ: فالتَّجَسُّسُ سَبيلٌ إلى الكراهةِ والبُغْضِ بَيْنَ النَّاسِ. قال
ابنُ عُثَيمين: (التَّجَسُّسُ أذِيَّةٌ، يتأذَّى به المتجَسَّسُ عليه، ويؤدِّي إلى البَغْضاءِ والعداوةِ)
[1255] ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 251، 252). .
5- الغَيرةُ: قال
ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ الغَيرةَ تتضَمَّنُ البُغْضَ والكراهةَ)
[1256] ((الصواعق المرسلة)) (4/1497). .
6- عدَمُ العَدلِ عُمومًا سبَبٌ من أسبابِ البُغْضِ؛ فعَدَمُ العَدلِ بَيْنَ الزَّوجاتِ يُوَلِّدُ الحِقدَ والكَراهيَةَ بَيْنَ الزَّوجاتِ، وبينَ الزَّوجِ وزَوجاتِه، وعَدَمُ العَدلِ بَيْنَ الأبناءِ يُوَلِّدُ الشَّحناءَ والبَغْضاءَ، وتَسودُ بَيْنَهم رُوحُ الكَراهيَةِ.
7- التَّعدِّي على حقوقِ الإنسانِ بأيِّ نوعٍ من أنواعِ التَّعدِّي.
8- الاستِئثارُ بالمنافِعِ، وعَدَمُ إعطائِها لمن يستَحِقُّها.
9- الجِدالُ والمِراءُ: حيثُ يُورِّثُ البَغْضاءَ والكَراهيَةَ.
10- الخيانةُ وعَدَمُ الأمانةِ.
11- الكِبرُ سَبَبٌ من أسبابِ البُغْضِ؛ فالمتكَبِّرُ يبغِضُ النَّاسَ ويُبغِضونه.
قال
الجاحِظُ: (ولم تَرَ العُيونُ ولا سَمِعَت الآذانُ ولا توَهَّمَت العقولُ عَمَلًا اجتباه ذو عَقلٍ، أو اختاره ذو عِلمٍ، بأَوْبَأَ مغبَّةً، ولا أنكَدَ عاقِبةً، ولا أوخَمَ مَرعًى، ولا أبعَدَ مَهوًى، ولا أضَرَّ على دينٍ، ولا أفسَدَ لعِرضٍ، ولا أوجَبَ لسَخطِ اللَّهِ، ولا أدعى إلى مَقتِ النَّاسِ، ولا أبعَدَ مِن الفلاحِ، ولا أظهَرَ نفورًا عن التَّوبةِ، ولا أقَلَّ دَرَكًا عِندَ الحقيقةِ، ولا أنقَضَ للطَّبيعةِ، ولا أمنَعَ من العِلمِ، ولا أشَدَّ خلافًا على الحِلمِ- من التَّكبُّرِ في غيرِ مَوضِعِه، والتَّنبُّلِ في غيرِ كُنْهِه)
[1257] ((الرسائل)) (4/ 178). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا الكِبرُ فأثَرٌ من آثارِ العُجبِ والبَغيِ من قَلبٍ قد امتلأَ بالجَهلِ والظُّلمِ، ترحَّلَت منه العبوديَّةُ، ونزل عليه المقتُ، فنَظَرُه إلى النَّاسِ شَزْرٌ، ومَشيُه بَيْنَهم تبختُرٌ، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثارِ لا الإيثارِ ولا الإنصافِ، ذاهِبٌ بنفسِه تِيهًا، لا يبدَأُ مَن لَقِيَه بالسَّلامِ، وإن رَدَّ عليه رأى أنَّه قد بالَغ في الإنعامِ عليه، لا ينطَلِقُ لهم وجهُه، ولا يسَعُهم خُلُقُه، ولا يرى لأحَدٍ عليه حَقًّا، ويرى حقوقَه على النَّاسِ، ولا يرى فَضْلَهم عليه، ويرى فَضْلَه عليهم، لا يزدادُ من اللَّهِ إلَّا بُعدًا، ومن النَّاسِ إلَّا صَغارًا وبُغضًا)
[1258] ((الروح)) (ص: 235، 236). .
12- إخلافُ الوعدِ: قال
سُفيانُ الثَّوريُّ: (لا تَعِدَنَّ أحَدًا شيئًا فتُخلِفَه فتَستبدِلَ بالمودَّةِ بُغضًا)
[1259] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (7/ 61). .
13- الحَسَدُ، وهو من أقوى الأسبابِ التي تثيرُ البُغْضَ بَيْنَ النَّاسِ؛ لذا قال الشَّاعِرُ:
ليس للحاسِدِ إلَّا ما حَسَد
وله البَغْضاءُ من كُلِّ أَحَد
وأرى الوَحدةَ خيرًا للفتى
من جليسِ السُّوءِ فانهَضْ إن قَعَد
[1260] ((روضة العقلاء)) لابن حبان (136). 14- كثرةُ العتابِ واللَّومِ، ومن أمثالِ العَرَبِ: (كثرةُ العتابِ تُوجِبُ البَغْضاءَ)
[1261] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 37). .