ثامنًا: حُكمُ سُوءِ الظَّنِّ
يَحرُمُ سُوءُ الظَّنِّ، أمَّا سُوءُ الظَّنِّ باللهِ تعالى فهو من أعظَمِ الذُّنوبِ؛ قال
ابنُ القيِّمِ: (أعظَمُ الذُّنوبِ عِندَ اللهِ إساءةُ الظَّنِّ به)
[4140] ((الداء والدواء)) (1/138)، ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/150). . وعدَّه
الهيتمي في الكبائِرِ
[4141] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 150). ، وقال
الماوَرديُّ: (سُوءُ الظَّنِّ هو عدَمُ الثِّقةِ بمن هو لها أهلٌ، فإن كان بالخالِقِ كان شكًّا يؤولُ إلى ضلالٍ)
[4142] يُنظَر: ((أدب الدنيا والدين)) (1/186). .
وكذلك يحرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بالأنبياءِ. قال
النَّوويُّ: (ظنُّ السَّوءِ بالأنبياءِ كُفرٌ بالإجماعِ)
[4143] ((شرح النووي على مسلم)) (14/156، 157). ويُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (7/63). .
ويَحرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بمن ظاهِرُه العدالةُ من المسلمين، وقد عدَّه
الهيتمي في الكبائِرِ
[4144] يُنظَر: ((الزواجر)) لابن حجر الهيتمي (1/130). .
قال
الغزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ سُوءَ الظَّنِّ حرامٌ مِثلَ سُوءِ القولِ؛ فكما يحرُمُ عليك أن تحدِّثَ غيرَك بلسانِك بمساوئِ الغيرِ، فليس لك أن تحدِّثَ نفسَك وتسيءَ الظَّنَّ بأخيك، ولستُ أعني به إلَّا عقدَ القلبِ وحُكمَه على غيرِه بالسُّوءِ، فأمَّا الخواطِرُ وحديثُ النَّفسِ فهو معفوٌّ عنه، بل الشَّكُّ أيضًا معفوٌّ عنه، ولكِنَّ المنهيَّ عنه أن يَظُنَّ، والظَّنُّ عبارةٌ عمَّا تركَنُ إليه النَّفسُ، ويميلُ إليه القَلبُ)
[4145] ((إحياء علوم الدين)) (3/ 150). .
وقال أيضًا: (لا يُستباحُ ظَنُّ السَّوءِ إلَّا بما يُستباحُ به المالُ، وهو نفسُ مشاهدتِه أو بيِّنةٌ عادلةٌ، فإذا لم يكُنْ كذلك وخطر لك وِسواسُ سُوءِ الظَّنِّ فينبغي أن تدفَعَه عن نفِسك وتقَرِّرَ عليها أنَّ حاله عندك مستورٌ كما كان، وأنَّ ما رأيتَه منه يحتَمِلُ الخيرَ والشَّرَّ، فإن قُلتَ: فبماذا يُعرَفُ عقدُ الظَّنِّ، والشُّكوكُ تختَلِجُ والنَّفسُ تحدِّثُ، فنقولُ: أمارةُ عَقدِ سُوءِ الظَّنِّ أن يتغَيَّرَ القَلبُ معه عمَّا كان، فينفِرُ عنه نفورًا ما ويستثقِلُه، ويفتُرُ عن مراعاتِه وتفقُّدِه وإكرامِه والاغتمامِ بسَبَبِه، فهذه أماراتُ عقدِ الظَّنِّ وتحقيقِه)
[4146] ((إحياء علوم الدين)) (3/ 151). .
فيَجِبُ على المسلِمِ إذا عرَض له خاطرٌ بسُوءِ الظَّنِّ أن يقطعَه إلَّا إذا دعت إلى الفكرِ في ذلك مصلحةٌ شرعيَّةٌ، فإذا دعت جاز الفكرُ في نقيصتِه والتَّنقيبِ عنها، كما في جَرحِ الشُّهودِ والرُّواةِ وغيرِ ذلك
[4147] ((الأذكار)) للنووي (ص: 346). .
ويجوزُ سُوءُ الظَّنِّ بالكافرِ وبمن اشتَهَر بَيْنَ النَّاسِ بمخالطةِ الرِّيَبِ، والمجاهرةِ بالمعاصي؛ قال
ابنُ عُثَيمين: (يحرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بمسلمٍ، أمَّا الكافرُ فلا يحرُمُ سُوءُ الظَّنِّ فيه؛ لأنَّه أهلٌ لذلك، وأمَّا من عُرِف بالفسوقِ والفجورِ فلا حرَجَ أن نسيءَ الظَّنَّ به؛ لأنَّه أهلٌ لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسانِ أن يتتبَّعَ عوراتِ النَّاسِ، ويبحثَ عنها؛ لأنَّه قد يكون متجَسِّسًا بهذا العَمَلِ)
[4148] ((الشرح الممتع)) (5/300). .
وقال ابنُ بطَّالٍ: (سُوءُ الظَّنِّ جائزٌ عِندَ أهلِ العِلمِ لِمن كان مظهِرًا للقبيحِ ومجانِبًا لأهلِ الصَّلاحِ...)
[4149] ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 262). .
وكذلك لا يُمنعُ الإنسانُ من سُوءِ الظَّنِّ بعدوِّه؛ قال أبو حاتمٍ البُستيُّ: (أما الذي يُستحَبُّ من سُوءِ الظَّنِّ فهو كمن بينَه وبينَ آخَرَ عداوةٌ أو شَحناءُ في دينٍ أو دنيا، يخافُ على نفسِه من مَكرِه، فحينَئذٍ يلزَمُه سوءُ الظَّنِّ بمكائِدِه ومَكرِه؛ كي لا يصادِفَه على غِرَّةٍ بمَكْرِه فيُهلِكَه)
[4150] ((روضة العقلاء)) لابن حبان (1/127). .
قال
الزَّمخشريُّ: (والذي يميِّزُ الظُّنونَ التي يجِبُ اجتنابُها عمَّا سواها: أنَّ كُلَّ ما لم تُعرَفْ له أمارةٌ صحيحةٌ وسبَبٌ ظاهرٌ كان حرامًا واجبَ الاجتنابِ، وذلك إذا كان المظنونُ به ممَّن شوهِدَ منه السَّترُ والصَّلاحُ، وأونِسَت منه الأمانةُ في الظَّاهِرِ؛ فظَنُّ الفسادِ والخيانةِ به محرَّمٌ، بخلافِ من اشتَهَر بيْنَ النَّاسِ بتعاطي الرِّيَبِ والمجاهَرةِ بالخبائِثِ)
[4151] ((الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل)) (4/ 371). .