حادِيَ عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
التَّوسُّطُ في كُلِّ أمرٍ محمودٌ: قال
ابنُ القَيِّمِ : (طلاقةُ الوَجهِ والبِشرُ المحمودُ وَسَطٌ بَيْنَ التَّعبيسِ والتَّقطيبِ وتصعيرِ الخَدِّ وطَيِّ البِشرِ عن البَشَرِ، وبَينَ الاسترسالِ مع كُلِّ أحدٍ بحيثُ يُذهِبُ الهِيبةَ، ويُزيلُ الوقارَ، ويُطمِعُ في الجانبِ، كما أنَّ الانحرافَ الأوَّلَ يُوقِعُ الوحشةَ والبِغضةَ والنُّفرةَ في قلوبِ الخَلقِ. وصاحِبُ الخُلُقِ الوَسَطِ مَهيبٌ محبوبٌ، عزيزٌ جانبُه، حبيبٌ لِقاؤه)
[4742] ((مدارج السالكين)) (2/ 296، 297). .
وقال مِسكَوَيهِ: (... ولا بُدَّ من المُزاحِ المُستعذَبِ والأحاديثِ المُستطابةِ والفُكاهةِ المحبوبةِ، وإصابةِ اللَّذَّةِ التي تطيقُها الشَّريعةُ ويُقَدِّرُها العقلُ حتَّى لا يتجاوَزَها إلى الإسرافِ فيها، ولا يَقصُرَ عنها تهاوُنًا بها؛ ذلك أنَّ الخُروجَ إلى أحَدِ الطَّرفينِ إن كان إلى جانبِ الزِّيادةِ سُمِّيَ مُجونًا
[4743] المجونُ: ألَّا يُباليَ الإنسانُ ما صَنَع، وقيل: خَلطُ الجِدِّ بالهَزلِ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 290)، ((تاج العروس)) للزبيدي (36/ 148). وفِسقًا وخَلاعةً وما أشبَهَها من أسماءِ الذَّمِّ، وإن كان إلى جانِبِ النُّقصانِ سُمِّيَ فَدامةً
[4744] يقال: فَدُم، ككَرُم، فَدامةً وفُدومةً: ثَقُل وتبَلَّدَ، والفَدْمُ من النَّاسِ: العَيِيُّ عن الحُجَّةِ والكلامِ في ثِقلٍ ورخاوةٍ وقِلَّةَ فَهمٍ. وهو أيضًا: الغليظُ السَّمينُ الأحمقُ الجافي. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (33/ 200). وعُبوسًا وشَكاسةً
[4745] الشَّكاسةُ: سوءُ الخُلُقِ. يُنظَر: ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (6/ 675)، ((شمس العلوم)) لنشوان (6/3526). وما أشبَهَها من أسماءِ الذَّمِّ أيضًا. والمتوَسِّطُ بَيْنَهما هو الظَّريفُ الذي يوصَفُ بالهَشاشةِ والطَّلاقةِ وحُسنِ العِشرةِ)
[4746] ((تهذيب الأخلاق)) (ص: 187). .
وقال
الذَّهبيُّ : (ينبغي لمن كان ضَحوكًا بسَّامًا أن يَقصُرَ من ذلك، ويلومَ نفسَه حتَّى لا تمجَّه الأنفُسُ، وينبغي لمن كان عَبوسًا منقَبِضًا أن يتبَسَّمَ، ويحسِنَ خُلُقَه، ويمقُتَ نفسَه على رداءةِ خُلُقِه، وكلُّ انحرافٍ عن الاعتدالِ فمذمومٌ، ولا بُدَّ للنَّفسِ من مجاهَدةٍ وتأديبٍ)
[4747] ((سير أعلام النبلاء)) (10/ 141). .
اليومُ العَبُوسُ: قال اللَّهُ تعالى:
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان: 10] ، قال
البَغَويُّ في تفسيرِ هذه الآيةِ: (تَعبِسُ فيه الوُجوهُ من هَولِه وشِدَّتِه، ونُسِبَ العُبوسُ إلى اليومِ كما يقالُ: يومٌ صائمٌ وليلٌ قائمٌ. وقيل: وُصِف اليومُ بالعُبوسِ لِما فيه من الشِّدَّةِ،
قَمْطَرِيرًا قال قتادةُ ومجاهِدٌ ومُقاتِلٌ: القَمْطَريرُ الذي يقبِضُ الوُجوهَ والجِباهَ بالتَّعبيسِ. وقال الكَلبيُّ: العَبوسُ: الذي لا انبِساطَ فيه، والقَمْطَريرُ: الشَّديدُ، قال الأخفَشُ: القَمْطَريرُ: أشَدُّ ما يكونُ من الأيَّامِ وأطوَلُه في البلاءِ، يقالُ: يومٌ قَمْطَريرٌ وقُماطِرٌ: إذا كان شديدًا كريهًا، واقمَطَرَّ اليومُ فهو مُقْمَطِرٌّ.
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، الذي يخافون،
وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً حُسنًا في وجوهِهم،
وَسُرُورًا [الإنسان: 11] في قلوبِهم)
[4748] ((تفسير البغوي)) (5/ 192). . نسألُ اللَّهَ أن يجعَلَنا منهم.
عُبوسُ الوَليدِ بنِ المُغيرةِ: قال اللَّهُ تعالى في الوليدِ بنِ المُغيرةِ
[4749] نقَل غيرُ واحدٍ اتِّفاقَ المفَسِّرين على أنَّ هذه الآياتِ نزلت في الوليدِ بنِ المغيرةِ. يُنظَر: ((تفسير ابن عطية)) (5/394(، ((البسيط) للواحدي (22/416)، ((تفسير الرازي)) (30/704). ونسبه السَّمعانيُّ إلى أكثَرِ المفَسِّرين. يُنظَر: ((تفسير السمعاني)) (6/91). الذي أعمَلَ فِكرَه ليقولَ قَولًا يُبطِلُ به القرآنَ:
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر: 18 - 26] .
قيل: عَبَس في وجوهِ المُؤمِنين. وقيل: عَبَس في وَجهِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[4750] ((تفسير الشوكاني)) (5/392). .
قال ابنُ جُزَيٍّ: (فَعَل ذلك مِن حَسَدِه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: عَبَس في وَجهِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أو عَبَس لَمَّا ضاقت عليه الحِيَلُ ولم يَدْرِ ما يقولُ)
[4751] ((تفسير ابن جزي)) (2/429). .
وقيل: عَبَس وبَسَر كالمُهتَمِّ المتفَكِّرِ في شيءٍ
[4752] يُنظَر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/130). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش