سادِسًا: أسبابُ الوَهَنِ
1- ضَعفُ الإيمانِ؛ فهو سَبَبٌ لاستِمراءِ الهَوانِ، والرِّضا بالذُّلِّ والقُعودِ عن العَمَلِ.
2- حُبُّ الدُّنيا والتَّعَلُّقُ بها والحِرصُ عليها، والانغِماسُ في مَلذَّاتِها وشَهَواتِها، كُلُّ ذلك يولِّدُ الوَهَنَ في القَلبِ؛ لذا لمَّا سُئِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الوَهَنِ قال:
((حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ المَوتِ)) [7339] أخرجه من طرق: أبو داود (4297) واللفظ له، وأحمد (22397) مطوَّلًا من حديثِ ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4297)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4297)، وحسَّن إسنادَه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (5/106). .
3-كراهيةُ المَوتِ، والحِرصُ على حَياةٍ، أيَّ حَياةٍ كانت، حتَّى لو غُمِسَت بذُلٍّ، وكُسِيَت بعارٍ، وهذه صِفةٌ مِن صِفاتِ اليهودِ الأذِلَّةِ، ومَن اتَّصَف بها كان مُشابهًا لهم فيها؛ قال اللهُ تَبارَك وتعالى:
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة: 96] ، وقال تعالى أيضًا:
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7-8] . قال
السَّعديُّ: (أي: رَكنوا إليها وجَعَلوها غايةَ مَرامِهم ونِهايةَ قَصدِهم، فسَعَوا لها وأكبُّوا على لذَّاتِها وشَهَواتِها، بأيِّ طَريقٍ حَصَلت حَصَّلوها، ومِن أيِّ وجهٍ لاحَت ابتَدَروها، قد صَرَفوا إرادَتَهم ونيَّاتِهم وأفكارَهم وأعمالَهم إليها. فكأنَّهم خُلِقوا للبَقاءِ فيها، وكأنَّها ليست دارَ مَمَرٍّ يتَزَوَّدُ مِنها المُسافِرونَ إلى الدَّارِ الباقيةِ التي إليها يرحَلُ الأوَّلونَ والآخِرونَ، وإلى نَعيمِها ولذَّاتِها شَمَّرَ الموفَّقونَ.
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ فلا ينتَفِعونَ بالآياتِ القُرآنيَّةِ ولا بالآياتِ الأُفُقيَّةِ والنَّفسيَّةِ، والإعراضُ عن الدَّليلِ مُستَلزِمٌ للإعراضِ والغَفلةِ عن المَدلولِ المَقصودِ،
أُولَئِكَ الذين هذا وصفُهم
مَأْوَاهُمُ النَّارُ أي: مَقَرُّهم ومَسكَنُهم التي لا يرحَلون عنها)
[7340] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 358). .
4- التَّنازُعُ والاختِلافُ.فالتَّنازعُ يوجِبُ الفشَلَ والوَهَنَ، وهو جُندٌ يُقَوِّي به المُتَنازِعونَ عَدوَّهم عليهم، فإنَّهم في اجتِماعِهم كالحُزمةِ مِن السِّهامِ لا يستَطيعُ أحَدٌ كَسرَها، فإذا فرَّقَها وصارَ كُلٌّ مِنهم وحدَه كسرَها كُلَّها
[7341] يُنظَر: ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 506). .
وقال سِنانُ بنُ خالدِ بنِ منقرٍ لولَدِه في وصيَّتِه: (يا بَنيَّ، إيَّاكم والتَّخاذُلَ؛ فإنَّه لم يجتَمِعْ ضُعَفاءُ إلَّا قَوُوا حتَّى يمنَعوا، ولم يفتَرِقْ أقوياءُ إلَّا ضَعُفوا حتَّى يَخضَعوا)
[7342] ((نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب)) لابن سعيد الأندلسي (ص: 433). .
وقد أوصى
عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ عِندَ مَوتِه بَنيه لمَّا رَأى أنَّ الرَّحِمَ لا تَنفعُهم إلَّا بالتَّآلُفِ والتَّوازُرِ، والقَرابةُ لا يحفَظُها إلَّا التَّودُّدُ والتَّناصُرُ، وأنشَدَهم مُتَمَثِّلًا:
انفُوا الضَّغائِنَ والتَّحاسُدَ بَينَكم
عِندَ المَغيبِ وفي حُضورِ المَشهَدِ
بصَلاحِ ذاتِ البَينِ طولُ بَقائِكم
إنْ مُدَّ في عُمري وإن لم يُمدَدِ
فلمِثلِ رَيبِ الدَّهرِ ألَّف بَينَكم
بتَواصُلٍ وتَراحُمٍ وتَودُّدِ
إنَّ القِدَاحَ
[7343] القِدْحُ: السَّهمُ قبلَ أن يُراشَ ويُركَّبَ نَصلُه. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (1/394). إذا اجتَمَعْنَ فرامَها
بالكَسرِ ذو حَنَقٍ وبَطشِ أَيِّدِ
عَزَّت فلم تُكسَرْ وإن هي بُدِّدَت
فالوَهْنُ والتَّكسيرُ للمُتَبَدِّدِ
[7344] يُنظَر: ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (1/ 378، 379)، ((التذكرة)) لابن حمدون (4/ 355)، ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (1/ 31). .
5- التَّربيةُ السَّيِّئةُ، والتَّنشِئةُ الخاطِئةُ على الرِّضا بالذُّلِّ والضَّعفِ والوَهَنِ.
6- اليأسُ والقُنوطُ مِن الأسبابِ التي تُؤَدِّي إلى وَهَنِ العَزائِمِ وضَعفِ الهِمَمِ.7- مُصاحَبةُ المُخَذِّلينَ، والاستِماعُ للمُرجِفينَ، ومُجالسةُ البَطَّالينَ والمُثَبِّطينَ: (فمَجالسُ البَطَّالينَ والقاعِدينَ تُوهِنُ العَزائِمَ وتُضعِفُ الهِمَمَ بما يعلَقُ في القَلبِ مِن أقوالِهم مِن الشُّبَهِ، وما يحصُلُ بمُجالسَتِهم مِن ضَياعٍ للوقتِ، وإشغالٍ بتَوافِهِ الأُمورِ.. وكُلَّما أرَدتَ العَمَلَ ثَبَّطَك
[7345] من التَّثبيطِ: وهو التَّعويقُ والشُّغلُ عن المرادِ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/207). وقال: أمامَك ليلٌ طَويلٌ فارقُدْ)
[7346] يُنظَر: ((الرائد.. دروس في التربية والدعوة)) لمازن الفريح (4/274). . فإيَّاك إيَّاك ومُجالسةَ البَطَّالينَ (فإنَّ طَبعَك يَسرِقُ مِنهم وأنت لا تَدري، وليس إعداءُ الجَليسِ جَليسَه بمَقالِه وفِعالِه فقَط، بل بالنَّظَرِ إليه، والنَّظَرُ في الصُّورِ يورِثُ في النُّفوسِ أخلاقًا مُناسِبةً لخُلُقِ المَنظورِ إليه، فإنَّ مَن دامَت رُؤيتُه للمَسرورِ سُرَّ، أو للمَحزونِ حَزِن... ومِن المُشاهَدِ أنَّ الماءَ والهَواءَ يفسُدانِ بمُجاوَرةِ الجيفةِ، فما الظَّنُّ بالنُّفوسِ البَشَريَّةِ التي مَوضِعُها لقَبولِ صُوَرِ الأشياءِ خَيرِها وشَرِّها؟)
[7347] يُنظَر: ((فيض القدير)) للمناوي (5/506). .
8- ارتِكابُ المَعاصي: فإنَّ المَعاصيَ أحَدُ أسبابِ انحِطاطِ الهمَمِ والوَهَنِ؛ إذ كيف ينطَلِقُ الإنسانُ إلى المَعالي وهو مُكبَّلٌ بالشَّهَواتِ، مُثقَلٌ بالذُّنوبِ، مُنهَكُ القوى بالمَعاصي، يقولُ
ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّةِ: (فالذَّنبُ يحجُبُ الواصِلَ، ويقطَعُ السَّائِرَ، ويُنَكِّسُ الطَّالِبَ، والقَلبُ إنَّما يسيرُ إلى اللهِ بقوَّتِه، فإذا مَرِضَ بالذُّنوبِ ضَعُفت تلك القُوَّةُ التي ستُسَيِّرُه، فإذا زالت بالكُلِّيَّةِ انقَطَعَ عن اللهِ انقِطاعًا يبعُدُ تَدارُكُه، فاللهُ المُستَعانُ)
[7348] يُنظَر: ((الجواب الكافي)) لابن القيم (73). .
وقال مُحَمَّد الخضر حُسَين: (صَلاحُ حالِ الجَيشِ -ولا سيَّما مَن بيَدِهم قيادَتُه- يستَدعي تَأييدَ اللهِ تعالى لهم تَأييدًا مُؤَزَّرًا، وقد يأتيهم النَّصرُ بَعدَ استِعدادِهم مِن حَيثُ لا يَحتَسِبونَ، فإذا تَفشَّت فيهم المَعاصي لم يأمَنوا أن يكونَ مِن عُقوبةِ مَعاصيهم ابتِلاؤُهم بالوَهَنِ والفشَلِ أمامَ سَطوةِ عَدوِّهم)
[7349] ((موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)) (10/ 1/ 21). .
9- الخَوفُ والهَمُّ والحُزنُ: وهذه الثَّلاثةُ مِن الآفاتِ التي تُوهِنُ الهِمَّةَ، وتُضعِفُ العَزيمةَ.
10- الغَفلةُ:إنَّ الغَفلةَ مِن أسبابِ ضَعفِ الهمَّةِ والوَهَنِ، فكيف يرتَقي الإنسانُ مَعاليَ الأُمورِ، وهو في غَفلةٍ عن مَصالحِه وأسبابِ سَعادَتِه؟
11- إهدارُ الوقتِ.12- التَّسويفُ والتَّمَنِّي: وهما صِفةُ بَليدِ الحِسِّ، عَديمِ المُبالاةِ، الذي كُلَّما هَمَّت نَفسُه بخَيرٍ، إمَّا يُعيقُها بـ (سوف) حتَّى يَفجَأَه المَوتُ
فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون: 10] ، وإمَّا يركَبُ بها بَحرَ التَّمَنِّي، وهو بَحرٌ لا ساحِلَ له، يُدمِنُ رُكوبَه مَفاليسُ العالَمِ.
كما قيل: إذا تَمَنَّيتَ بِتَّ اللَّيلَ مُغتَبطًا
إنَّ المُنى رَأسُ أموالِ المَفاليسِ
[7350] يُنظَر: ((علو الهمة)) لمحمد إسماعيل المقدم (338). .
13- المَناهجُ التَّربَويَّةُ والتَّعليميَّةُ الهَدَّامةُ.
14- توالي الضَّرَباتِ وازديادُ اضطِهادِ العامِلينَ للإسلامِ: وينتُجُ عنه الشُّعورُ بالوَهَنِ والإحباطِ.