ج- نماذِجُ من التَّثَبُّتِ عِندَ السَّلَفِ
تَثَبُّتُ ثابِتِ بنِ أسلَمَ البُنانيِّ وتَكرارُه سُؤالَه لابنِ عُمَرَ للتَّأكُّدِ من نِسبةِ حديثٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عن ثابتٍ، قال: (قُلتُ ل
ابنِ عُمَرَ: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نبيذِ الجَرِّ؟ قال: فقال: قد زَعَموا ذاك، قلتُ: أنهى عنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: قد زعَموا ذاك)
[1616] أخرجه مسلم (1997). .
تَثَبُّتُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ مِن وشايةِ رَجُلٍ:دَخَل رَجُلٌ على
عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، فذَكَر له عن رَجُلٍ شيئًا، فقال له عُمَرُ: إن شِئتَ نظَرْنا في أمرِك، فإن كُنتَ كاذِبًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ:
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وإن كُنتَ صادِقًا فأنت من أهلِ هذه الآيةِ:
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم: 11] ، وإن شِئتَ عَفَونا عنك. فقال: العَفوُ يا أميرَ المُؤمِنينَ، لا أعودُ إليه أبَدًا
[1617] ((الأذكار)) للنووي (ص: 802). .
تَثَبُّتُ أيمنَ بنِ خُرَيمٍ في أمرِ القِتالِ والإقدامِ عليه:عن قَيسِ بنِ أبي حازمٍ، وعامرٍ الشَّعبيِّ، قالا: قال مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ لأيمَنِ بنِ خُرَيمٍ: ألا تخرُجُ فتقاتِلُ معنا؟ فقال: إنَّ أبي وعمِّي شَهِدا بدرًا، وإنَّهما عَهِدا إليَّ أن لا أقاتِلَ أحَدًا يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، فإنْ أنت جِئْتني ببراءةٍ من النَّارِ، قاتَلْتُ معك، قال: فاخرُجْ عنَّا، قال: فخَرَج وهو يقولُ:
ولستُ بقاتِلٍ رَجُلًا يُصَلِّي
على سُلطانِ آخَرَ مِن قُريشِ
له سُلطانُه وعَلَيَّ إثمي
معاذَ اللهِ مِن جَهلٍ وطَيْشِ
أأقتُلُ مُسلِمًا في غيرِ جُرمٍ
فليس بنافعي ما عِشتُ عَيشي
[1618] ((المستدرك)) للحاكم (2/170). عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يأمُرُ عَدِيَّ بنَ أرطأةَ أميرَه على البصرةِ بالتَّثَبُّتِ في قَتيلٍ وُجِد عِندَ بيتٍ ولم يُعرَفْ قاتِلُه:فكتب إليه
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يقولُ: (إن وَجَد أصحابُه بيِّنةً وإلَّا فلا تَظلِمِ النَّاسَ؛ فإنَّ هذا لا يُقضى فيه إلى يومِ القيامةِ)
[1619] ((صحيح البخاري)) معلقًا (9/8). .
بلالُ بنُ أبي بُردةَ لَمَّا وُشِي برجُلٍ عِندَه:وُشِيَ برجُلٍ إلى بلالِ بنِ أبي بُردةَ، فلمَّا أُتِيَ به قال: قد أتاك كتابٌ من اللهِ في أمرِنا، فاعمَلْ به، قال اللهُ تعالى:
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] فقال: صدَقْتَ
[1620] ((الذخائر والعبقريات)) للبرقوقي (2/ 193). .
- عن
ابنِ سيرينَ، قال: (لم يكونوا يسألونَ عن الإسنادِ، فلمَّا وقَعَت الفتنةُ قالوا: سمُّوا لنا رجالَكم، فيُنظَرُ إلى أهلِ السُّنَّةِ فيُؤخَذُ حديثُهم، ويُنظَرُ إلى أهلِ البِدَعِ فلا يؤخَذُ حديثُهم)
[1621] ((صحيح مسلم- المقدمة)) (1/15). .
- عن أبي إسحاقَ إبراهيمَ بنِ عيسى الطَّالِقانيِّ قال: قلتُ ل
عبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ، يا
أبا عبدِ الرَّحمنِ: الحديثُ الذي جاء «إنَّ من البِرِّ بعدَ البِرِّ أن تُصَلِّيَ لأبويك مع صلاتِك، وتصومَ لهما مع صَومِك». قال: فقال عبدُ اللَّهِ: يا أبا إسحاقَ، عمَّن هذا؟ قال: قلتُ له: هذا من حديثِ شِهابِ بنِ خِراشٍ، فقال: ثقةٌ، عمَّن قال؟ قلتُ: عن الحَجَّاجِ بنِ دينارٍ، قال: ثقةٌ، عمَّن قال؟ قُلتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! قال: يا أبا إسحاقَ، إنَّ بَيْنَ الحَجَّاجِ بنِ دينارٍ وبَينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مفاوِزَ تنقَطِعُ فيها أعناقُ المطِيِّ! ولكِنْ ليس في الصَّدَقةِ اختِلافٌ
[1622] ((صحيح مسلم- المقدمة)) (1/16). .
- وعن نَصرِ بنِ حَمَّادٍ الوَرَّاقِ، قال: (كنَّا قُعودًا على بابِ شُعبةَ نتذاكَرُ، قال: فقُلتُ: حدَّثَنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، عن عُقبةَ بنِ عامرٍ، قال: كنَّا نتناوَبُ رِعْيةَ الإبِلِ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجِئتُ ذاتَ يومٍ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ وحولَه أصحابُه، فسَمِعتُه يقولُ:
((من توضَّأ فأحسَنَ الوُضوءَ، ثمَّ دَخَل مسجِدًا فصَلَّى ركعتينِ فاستغفَرَ اللهَ، غَفَر اللهُ له)) قال: فقُلتُ: بَخٍ بَخٍ! قال: فجَذَبني رجُلٌ مِن خلفي، فالتَفَتُّ فإذا هو عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فقال: الذي قال قَبلُ أحسَنُ، قال:
((مَن شَهِد أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، قيل له: ادخُلْ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتَ)). قال: فخرج إليَّ شُعبةُ فلطَمَني، ثمَّ دخل ثمَّ خرج، فقال: ما له بَعدُ يبكي؟ فقال له عبدُ اللهِ بنُ إدريسَ: إنَّك أسأْتَ إليه، فقال: أمَا تنظُرُ ما يحَدِّثُ عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عطاءٍ، عن عُقبةَ؟ أنا قُلتُ لأبي إسحاقَ: مَن حَدَّثك؟ قال: حدَّثَني عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ عن عُقبةَ، قُلتُ: سَمِع عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ من عُقبةَ؟ قال: فغَضِبَ، ومِسعَرُ بنُ كِدامٍ حاضِرٌ، فقال: أغضَبْتَ الشَّيخَ! فقال مِسعَرٌ: عبدُ اللهِ بنُ عطاءٍ بمكَّةَ، فرحَلْتُ إلى مكَّةَ لم أُرِدِ الحَجَّ، أردتُ الحديثَ، فلَقِيتُ عبدَ اللهِ بنَ عطاءٍ فسألتُه، فقال سعدُ بنُ إبراهيمَ حَدَّثني، فقال لي
مالِكُ بنُ أنسٍ: سَعدٌ بالمدينةِ لم يَحُجَّ العامَ، فرَحَلتُ إلى المدينةِ، فلَقِيتُ سَعدًا، فقال: الحديثُ مِن عندِكم، زيادُ بنُ مِخراقٍ حَدَّثني، قال شُعبةُ: فقُلتُ: أيشٍ هذا؟! الحديثُ بينا هو كوفيٌّ إذ صار مدَنيًّا، إذ رَجَع إلى البصرةِ! قال: فرجَعتُ إلى البصرةِ فلَقِيتُ زيادَ بنَ مِخراقٍ فسأَلتُه، فقال: ليس هو من بابتِك، قلتُ: حَدِّثْني به، قال: لا تَرُدُّه؟ قُلتُ: حَدِّثْني به، قال: حَدَّثني شَهرُ بنُ حَوشَبٍ عن أبي رَيحانةَ عن عُقبةَ، قال شُعبةُ: فلمَّا ذَكَر شَهرًا قُلتُ: دَمِّرْ على هذا الحديثِ، لو صَحَّ لي مِثلُ هذا الحديثِ كان أحبَّ إليَّ من أهلي ومالي ومن النَّاسِ أجمعين!)
[1623] ((الكفاية في علم الرواية)) للخطيب البغدادي (ص: 400، 401)، ((الرحلة في طلب الحديث)) للخطيب البغدادي (ص: 148-153). .