المَبحَثُ الثَّاني: جِنسُ الرُّسُلِ المَبعوثينَ إلى الجِنِّ
هَل بُعثَ إلى
الجِنِّ رُسُلٌ مِنهم، أم أنَّ الرُّسُلَ المَبعوثينَ إليهم مِنَ الإنسِ فقَط
[4458] يُنظر: ((عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة)) لعبد الكريم عبيدات (ص: 209). ؟
اختَلَفَ العُلَماءُ في هذه المَسألةِ، والجُمهورُ بأنَّ رُسُلَ
الجِنِّ مِنَ البَشَرِ ولَيسُوا مِنَ
الجِنِّ.
قال
ابنُ القَيِّمِ: (لَمَّا كانَ الإنسُ أكمَلَ مِنَ
الجِنِّ وأتَمَّ عُقولًا ازدادوا عليهم بثَلاثةِ أصنافٍ أُخَرَ لَيسَ شَيءٌ مِنها للجِنِّ، وهم: الرُّسُلُ، والأنبياءُ، والمُقَرَّبونُ، فلَيسَ في
الجِنِّ صِنفٌ من هَؤُلاءِ، بَل حِلْيَتُهمُ الصَّلاحُ)
[4459] يُنظر: ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 416). .
وقال
ابنُ مُفلِحٍ الحَنبَليُّ في
الجِنِّ: (لَيسَ مِنهم رَسولٌ، ذَكَرَه القاضي، و
ابنُ عَقيلٍ وغَيرُهُما)
[4460] يُنظر: ((الفروع)) (2/ 460). .
وقال الشبليُّ: (جُمهورُ العُلَماءِ سَلَفًا وخَلفًا على أنَّه لَم يَكُنْ مِنَ
الجِنِّ قَطُّ رَسولٌ، ولَم تَكُنِ الرُّسُلُ إلَّا مِنَ الإنسِ، ونُقِلَ مَعنى هَذا عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ جُرَيجٍ، ومُجاهِدٍ، والكَلبيِّ، وأبي عُبَيدٍ، والواحِديِّ)
[4461] يُنظر: ((آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: 63). .
وقال ابنُ نُجيم: (الجُمهورُ على أنَّه لَم يَكُن مِنَ
الجِنِّ نَبيٌّ)
[4462] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) (ص: 284). .
وقال
ابن حجر الهيتمي: (جُمهورُ الخَلفِ والسَّلَفِ أنَّه لَم يَكُن مِنهم رَسولٌ ولا نَبيٌّ خِلافًا للضَّحَّاكِ)
[4463] يُنظر: ((الفتاوى الحديثية)) (ص: 51). .
واستَدَلَّ الجُمهورُ بأدِلَّةٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
مِنها: قَولُ اللهِ تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف: 109] .
قال
القُرطُبيُّ: (هَذا رَدٌّ على القائِلِينَ:
لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الأنعام: 8] أي: أرسَلْنا رِجالًا لَيسَ فيهمُ امرَأةٌ ولا جِنِّيٌّ ولا مَلكٌ... قال الحَسَن: لَم يَبعَثِ اللهُ نَبيًّا من أهلِ الباديةِ قَطُّ، ولا مِنَ النِّساءِ، ولا مِنَ
الجِنِّ ... وقال العُلَماءُ: من شَرطِ الرَّسولِ أن يَكونَ رَجُلًا آدَميًّا مَدَنيًّا، وإنَّما قالوا: آدَمِيًّا تَحَرُّزًا من قَولِه:
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجِنِّ: 6] ، والله أعلَمُ)
[4464] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/274). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (هَذا يَدُلُّ على أنَّه لَم يُرسِلْ جِنِّيًّا، ولا امرَأةً، ولا بَدَويًّا، وأمَّا تَسميَتُه تعالى
الجِنَّ رِجالًا في قَولِه:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ [الجن: 6] فلَم يُطلَقْ عليهمُ الرِّجالُ، بَل هيَ تَسميةٌ مُقَيَّدةٌ بقَولِه:
مِنَ الجِنِّ فهم رِجالٌ مِنَ
الجِنِّ، ولا يَستَلزِمُ دُخولَهم في الرِّجالِ عِندَ الإطلاقِ، كما تَقولُ: رِجالٌ من حِجارةٍ، ورِجالٌ من خَشَبٍ ونَحوِه)
[4465] يُنظر: ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 416). .
وأمَّا قَولُ اللهِ تعالى:
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا [الأنعام: 130] .
فقد قال
القُرطُبيُّ: (لَمَّا كانَتِ
الجِنُّ مِمَّن يُخاطَبُ ويَعقِلُ قال:
مِنْكُمْ، وإن كانَتِ الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ، وغُلِّبَ الإنسُ في الخِطابِ كما يُغلَّبُ المُذكَّرُ على المُؤَنَّثِ... فمَعنى: «مِنكُم» أي: من أحَدِكُم، وكانَ هَذا جائِزًا؛ لأنَّ ذِكرَهُما سَبَقَ، وقيلَ: إنَّما صيَّرَ الرُّسُلَ في مخرَجِ اللَّفظِ مِنَ الجَميعِ؛ لأنَّ الثَّقَلَينِ قد ضَمَّتهُما عَرَصةُ القيامةِ، والحِسابُ عليهم دونَ الخَلقِ، فلمَّا صاروا في تِلكَ العَرَصةِ في حِسابٍ واحِدٍ، في شَأنِ الثَّوابِ والعِقابِ خُوطِبوا يومَئِذٍ بمُخاطَبةٍ واحِدةٍ، كأنَّهم جَماعةٌ واحِدةٌ؛ لأنَّ بَدءَ خَلقِهم للعُبُوديَّةِ والثَّوابِ والعِقابِ على العُبوديَّةِ، ولِأنَّ
الجِنَّ أصلُهم من مارِجٍ من نارٍ، وأصْلُنا من تُرابٍ، وخَلْقُهم غَيرُ خَلْقِنا، فمِنهم مُؤْمِنٌ وكافِرٌ، وعَدوُّنا
إبليسُ عَدُوٌّ لَهم، يُعادي مُؤْمِنَهم، ويُوالي كافِرَهم، وفيهم أهواءٌ: شِيعةٌ، وقَدَريَّةٌ، ومُرجِئةٌ، يَتلونَ كِتابَنا)
[4466] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/86). .
وقال
الألوسيُّ: (
مِنْكُمْ أي: من جُملَتِكم، لَكِن لا على أن يَأتيَ كُلُّ رَسولٍ كُلَّ واحِدةٍ مِنَ الأمَمِ، ولا على أنَّ أولَئِكَ الرُّسُلَ عليهمُ السَّلامُ من جِنسِ الفَريقَينِ مَعًا، بَل على أن يَأتيَ كُلَّ أمَّةٍ رَسولٌ خاصٌّ بها، وعلى أن تَكونَ مِنَ الإنسِ خاصَّةً؛ إذِ المَشهورُ أنَّه لَيسَ مِنَ
الجِنِّ رُسُلٌ وأنبياءُ)
[4467] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (4/272). .
وقال
الشِّنْقيطيُّ: (قَولُه:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ظاهِرُ قَولِه:
مِنْكُمْ أنَّ مِنَ الإنسِ رُسُلًا ومِنَ
الجِنِّ رُسُلًا، هَذا هوَ المُتَبادِرُ مِنَ الآيةِ. ولِأجلِ هَذا الظَّاهِرِ تَمسَّك قَومٌ قَليلون بأنَّ اللهَ بَعثَ مِنَ
الجِنِّ رُسُلًا إلى
الجِنِّ. وزَعَمَ بَعضُهم أنَّه ما أرسَلَ للجِنِّ مِنهم إلَّا رَسولًا واحِدًا، واسمُه يوسُفُ.
والَّذي عليهِ جَماهيرُ العُلَماءِ خَلَفًا وسَلَفًا أنَّ الرُّسُلَ جَميعَهم إنَّما هم مِنَ الإنسِ، وإنَّما قال:
رُسُلٌ مِنْكُمْ لمَجموعِ الإنسِ و
الجِنِّ نَظَرًا إلى أنَّ العَربَ تُطلِقُ المَجموعَ وتُريدُ بَعضَه. أي: من مَجموعِكم الصَّادِقِ بالإنسِ دونَ
الجِنِّ. وهوَ كثيرٌ في القُرآنِ وفي كَلامِ العَرَبِ؛ فمِنه في القُرآنِ قَولُه تعالى:
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا [نوح: الآيتان 15، 16]، أي: في مَجموعِهِنَّ الصَّادِقِ بواحِدةٍ مِنها. وأظهَرُ الآياتِ الدَّالَّةِ عليهِ في القُرآنِ قِراءةُ
حَمزةَ و
الكِسائيِّ:
وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يَقتُلوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ [البَقرةُ: الآيةُ 191]؛ لأنَّ المُرادَ هُنا: بأنَّه لا يَصِحُّ أن تَقولَ: «فإنْ قَتلوكُم ومِتُّم وخَرجْتُم مِنَ الدُّنيا فاقتُلوهم» وعلى هَذا المَعنى يُحمَلُ قَولُ الشَّاعِرِ:
فإنْ تَقتُلونا عِندَ حَرَّةِ واقِمٍ ... فلَسْنا على الإسلامِ أوَّلَ مَن قُتِل
هوَ حَيٌّ يَتَكَلَّمُ، ويَقولُ: «فإنْ تَقتُلونا» يَعني: تَقتُلوا بَعضَنا. هَذا هوَ المَعروفُ في كَلامِ العَرَبِ، أي: من مَجموعِكُم الصَّادِقِ بالإنسِ، بناءً على أنَّ
الجِنَّ لَم تُرسَل مِنهم رُسُلٌ.
وجَمع بَعضُ العُلَماءِ بَينَ القَولَين فقال: رُسُلُ الإنسِ هُمُ الَّذينَ يُرسِلُهُمُ اللهُ بواسِطةِ المَلَكِ، ورُسُلُ
الجِنِّ هُمُ الَّذينَ يُنذِرونَ قَومَهم بما سَمِعوا مِنَ الأنبياءِ، فهم رُسُلُ الرُّسُلِ؛ ولِذا أُطلِقَ عليهم (الرُّسُلُ) هُنا. ويُطلَقُ عليهم (النُّذرُ)، كما يَأتي في قَولِه:
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعوُنَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف: الآية 29]، فالنُّذُرُ كأنَّهم جاؤوهم مُنذِرِين مُرسَلينَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد ثَبَتَ في الأحاديثِ -وكَما يَأتي في سورةِ
الجِنِّ- أنَّ
الجِنَّ جاؤوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكادوا يَكونونَ عليهِ لِبَدًا، وأنَّه دَعاهم إلى الإسلامِ، وعَلَّمَهمُ الدِّينَ، وأمرَهم أن يُبَلِّغوا قَومَهم. ومن هُنا قال جُمهورُ العُلَماءِ: الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ، و
الجِنُّ لَيسوا برُسُلٍ وإنَّما يَكونُ مِنهم نُذُرٌ إلى قَومِهم، كما قال:
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
وقد أجمَعَ جَميعُ المُسْلِمينَ أنَّ نَبِيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرْسَلٌ إلى
الجِنِّ والإنسِ مَعًا، وأنَّه بَلَّغَ الرِّسالةَ لِمَنِ استَطاعَ أن يُبَلِّغَه مِنَ الجِنسَينِ، وأمرَ كُلًّا مِنهم أن يُبَلِّغَ من لَقِيَ...
وتَحَصَّلَ أنَّ قَولَه:
أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمُ جُمهورُ العُلَماءِ على أنَّ الرُّسُلَ كُلَّهم مِنَ الإنسِ، وأنَّه أُطلِقَ المَجموعُ مُرادًا بَعضُه، لا أنَّ
الجِنَّ رُسُلٌ أُرسِلوا إلى قَومِهم.
وخالَفَ بَعضٌ قَليلٌ من أهلِ العِلمِ وقالوا: أُرسِلَتِ للجِنِّ رُسُلٌ مِنهم لظاهِرِ هذه الآيةِ الكَريمةِ، قالوا: ولِأنَّ كونَ الرُّسُلِ مِنهم أدرى بأحوالِهم، وأقدَرَ على تَبليغِهم، وذلك لَيسَ بقاطِعٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا جاءَه جِنُّ نَصِيبِينَ تَكَلَّمَ مَعَهم وخاطَبوه في كُلِّ ما يُفيدُ، وأباحَ لَهم ما أباحَ لَهم مِنَ الزَّادِ، كما هوَ مَعروفٌ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ، ودَعاهم إلى الإسلامِ)
[4468] يُنظر: ((العذب النمير)) (2/ 267). .
وقيلَ بأنَّ في
الجِنِّ نُذُرًا لا رُسُلًا، وهوَ مَرويٌّ عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ ومُجاهِدٍ وغَيرِهم مِنَ السَّلَفِ.
قال
القُرطُبيُّ: (قال
ابنُ عَبَّاسٍ: رُسُلُ
الجِنِّ هُمُ الَّذينَ بَلَّغوا قَومَهم ما سَمِعوه مِنَ الوَحيِ كما قال:
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ... وقال مُجاهِدٌ: الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ، والنُّذُرُ مِنَ
الجِنِّ، ثُمَّ قَرَأ:
إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، وهوَ مَعنى قَولِ
ابنِ عَبَّاسٍ، وهوَ الصَّحيحُ)
[4469] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/86). .
وقال
السُّبكيُّ: (الأكثُرون خالَفوا الضَّحَّاكَ وقالوا: لَم يَكُن مِنَ
الجِنِّ قَطُّ رَسولٌ ولَم تَكُن رُسُلٌ إلَّا مِنَ الإنسِ...قال
ابنُ عَبَّاسٍ ومُجاهِدٌ وابنُ جُرَيجٍ وأبو عُبَيدٍ ما مَعناه: إنَّ رُسُلَ الإنسِ رُسُلٌ مِنَ اللَّهِ إليهم، ورُسُلَ
الجِنِّ قَومٌ مِنَ
الجِنِّ لَيسوا رُسُلًا عَنِ اللَّهِ، ولَكِن بثَّهمُ اللَّهُ في الأرضِ، فسَمِعوا كلامَ رُسُلِ اللَّهِ، الَّذينَ هم من بني آدَمَ، وجاؤوا إلى قَومِهم مِنَ
الجِنِّ فأخبَروهم، كما اتَّفَقَ للَّذينَ صَرفَهُمُ اللهُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستَمَعوا القُرآنَ ووَلَّوا إلى قومِهم مُنذِرِينَ، فهم رُسُلٌ عَنِ الرُّسُلِ، لا رُسُلٌ عَنِ اللَّهِ تعالى، ويُسَمَّونَ نُذُرًا، ويَجوزُ تَسميَتُهم رُسُلًا؛ لتَسميةِ رُسُلِ عيسى رُسُلًا في قَولِه تعالى:
إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يَـس: 14]، وجاءَ قَولُه:
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ على ذلك، فالرُّسُلُ على الإطلاقِ مِنَ الإنسِ، وهم رُسُلُ اللَّهِ، والنُّذُرُ مِنَ
الجِنِّ، وهم رُسُلُ الرُّسُلِ، ويَجوزُ تَسميَتُهم رُسُلًا)
[4470] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (2/618). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (قال غَيرُ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ، وأمَّا
الجِنُّ ففيهمُ النُّذُرُ)
[4471] يُنظر: ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: 416). .
وهَذا القَولُ لا يُخالِفُ رَأيَ الجُمهورِ، بَل يُؤَيِّدُه ويَدعَمُه، فيَكونُ كِلا القَولَين بمَعنًى واحِدٍ، وهوَ أنَّه لَم يُبعَثْ إلى
الجِنِّ رُسُلٌ مِنهم، وإنَّما الرُّسُلُ مِنَ الإنسِ فقَط.
وأمَّا القَولُ بأنَّ في
الجِنِّ رُسُلًا مِنهم، فقَولٌ قاله مُقاتِلٌ والضَّحَّاكُ و
ابنُ حَزْمٍ.
قال
ابنُ جَريرٍ: (أمَّا الَّذينَ قالوا بقَولِ الضَّحَّاكِ فإنَّهم قالوا: إنَّ اللهَ تعالى ذِكرُه أخبَرَ أنَّ مِنَ
الجِنِّ رُسُلًا أُرسِلوا إليهم، كما أخبَرَ أنَّ مِنَ الإنسِ رُسُلًا أُرسِلوا إليهم)
[4472] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/561). .
وقال
القُرطُبيُّ: (قال مُقاتِلٌ والضَّحَّاكُ: أرسَلَ اللهُ رُسُلًا مِنَ
الجِنِّ كما أرسَلَ مِنَ الإنسِ)
[4473] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/86). .
وقال
ابنُ حَزْمٍ: (لَم يُبعَثْ إلى
الجِنِّ نَبيٌّ مِنَ الإنسِ البَتَّةَ قَبلَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّه لَيسَ
الجِنُّ من قَومِ إنسيٍّ، وبِاليَقينِ نَدري أنَّهم قد أُنذِروا؛ فصَحَّ أنَّهم جاءَهم أنبياءُ مِنهم. قال تعالى:
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ)
[4474] يُنظر: ((الفصل)) (3/147). .
وقال
السُّبكيُّ مُوَضِّحًا مَعنى هَذا القَولِ: (مَن نَقَلَ عَنِ الضَّحَّاكِ مُطلَقًا أنَّ رُسُلَ
الجِنِّ مِنهم فهوَ مَحمولٌ على هَذا التَّقييدِ أي: قَبلَ نَبِيِّنا عليهِ السَّلامُ ولَم يَنقُلْ أحَدٌ عَنه أنَّ ذلك في هذه المَسألةِ، وإنْ تَوَهَّمَ ذلك أحَدٌ عليهِ فقد أخطَأ، ويَجِبُ عليهِ النُّزوعُ عَنه وعَدَمُ اعتِقادِهِ، وأنْ لا يَنسُبَ إلى رَجُلٍ عالِمٍ ما يُخالِفُ الإجماعَ، فيَكونَ قد جَنى عليهِ جِنايةً يُطالِبُه بها بَينَ يَدَيِ اللَّهِ تعالى)
[4475] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (2/619). .
وقال أيضًا: (لَم يَقُلِ الضَّحَّاكُ ولا أحَدٌ غَيرُه باستِمرارِ ذلك في هذه المَلَّةِ، وإنَّما مَحَلُّ الخِلافِ في ذلك في المِلَلِ المُتَقدِّمةِ خاصَّةً، وأمَّا في هذه المَلَّةِ فمُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هوَ المُرْسَلُ إليهم وإلى غَيرِهم، والِاستِدلالُ بالإجماعِ في ذلك صَحيحٌ، ومِمَّن نَصَّ على الإجماعِ في ذلك أبو طالِبٍ عَقيلُ بنُ عَطِيَّةَ القُضاعيُّ، وقد نَبَّهَ على ذلك
أبو عُمرَ ابنُ عَبدِ البَرِّ في التَّمهيدِ وكَذلك فَعلَ أبو
مُحَمَّدِ بنُ حَزْمٍ في كِتابِ «الفَصْلِ»، وكَثيرًا ما يَذكُرُ العُلَماءُ في مُصَنَّفاتِهم كونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَبعوثًا إلى الثَّقَلَين، ورُبَّما يُوجَدُ ذلك في صُدورِ تَواليفِهم)
[4476] يُنظر: ((فتاوى السبكي)) (2/609). .