الفَرعُ الثَّالِثُ: أرواحُ المُؤمِنينَ
وهيَ تَكونُ طُيورًا تَعْلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ.
عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بن كَعبِ بن مالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ )) [1682] أخرجه النسائي (2073)، وابن ماجه (4271)، وأحمد (15777) باختلاف يسير، ومالك (1/240) واللَّفظُ له. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4657)، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (2/614)، وابن القيم في ((الروح)) (1/381). .
فأرواحُ الشُّهداءِ في حَواصِلِ طَيرٍ خُضْرٍ تَسرَحُ مُتَنَقِّلةً في رياضِ الجَنةِ، وتأوي إلَى قَناديلَ مُعَلَّقةٍ في العَرْشِ، أمَّا أرواحُ المُؤمِنينَ فإنَّها طَيرٌ يُعلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ ولا يَنتَقِلُ في أرجائِها.
قال
ابنُ القَيِّمِ: (لا تَنافي بينَ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((نَسَمةُ المُؤمِنِ طائِرٌ يَعلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ))، وبينَ قَولِه:
((إنَّ أحَدَكُم إذا ماتَ عُرِضَ عليه مَقعَدُه بالغَداةِ والعَشيِّ؛ إن كانَ من أهلِ الجَنةِ فمِن أهلِ الجَنةِ، وإن كانَ من أهلِ النَّارِ، فمن أهلِ النَّارِ ))، وهَذا الخِطابُ يَتَناولُ المَيِّتَ على فِراشِه والشَّهيدَ، كَما أنَّ قَولَه:
((نَسَمةُ المُؤمِنِ طائِرٌ يَعلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ))، يَتَناولُ الشَّهيدَ وغَيرَه، ومَعَ كَونِه يُعرَضُ عليه مَقعَدُه بالغَداةِ والعَشِيِّ تِرِدُ رُوحُه أنهارَ الجَنةِ، وتأكُلُ من ثِمارِها.
وأمَّا المَقعَدُ الخاصُّ به والبَيتُ الَّذي أُعِدَّ لَه فإنَّه إنَّما يَدخُلُه يَومَ القيامةِ، ويَدُلُّ عليه أنَّ مَنازِلَ الشُّهداءِ ودُورَهم وقُصورَهم الَّتي أعَدَّ اللَّهُ لَهم لَيسَت هيَ تِلكَ القَناديلَ الَّتي تأوي إلَيها أرواحُهم في البَرزَخِ قَطعًا، فهم يَرَونَ مَنازِلَهم ومَقاعِدَهم مِنَ الجَنةِ، ويَكونُ مُستَقَرُّهم في تِلكَ القَناديلِ المُعَلَّقةِ بالعَرشِ، فإنَّ الدُّخولَ التَّامَّ الكامِلَ إنَّما يَكونُ يَومَ القيامةِ، ودُخولَ الأرواحِ الجَنَّةَ في البَرزخِ أمرٌ دونَ ذلك.
ونَظيرُ هَذا: أهلُ الشَّقاءِ، تُعرَضُ أرواحُهم على النَّارِ غُدُوًّا وعَشيًّا، فإذا كانَ يَومُ القيامةِ دَخلوا مَنازِلَهم ومَقاعِدَهمُ الَّتي كانوا يُعرَضونَ عليها في البَرزَخِ؛ فتَنعُّمُ الأرواحِ بالجَنةِ في البَرزَخِ شَيءٌ، وتَنعُّمُها مَعَ الأبدانِ يَومَ القيامةِ بها شَيءٌ آخَرُ، فغِذاءُ الرُّوحِ مِنَ الجَنةِ في البَرزَخِ دونَ غِذائِها مَعَ بَدنِها يَومَ البَعثِ؛ ولِهَذا قال:
((تَعْلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ)) أي: تأكُلُ العُلقةَ، وأمَّا تَمامُ الأكلِ والشُّربِ واللُّبسِ والتَّمَتُّعِ فإنَّما يَكونُ إذا رُدَّتْ إلَى أجسادِها يَومَ القيامةِ، فظَهَرَ أنَّه لا يُعارِضُ هَذا القَولَ مِنَ السُّنَّةِ شَيءٌ، وإنَّما تُعاضِدُه السُّنَّةُ وتَوافُقُه....
وأمَّا ما عُلِّقَ فيه الجَزاءُ بالإيمانِ فإنَّه يَتَناولُ كُلَّ مُؤمِنٍ شَهيدًا كانَ أو غَيرَ شَهيدٍ.
وأمَّا النُّصوصُ والآثارُ الَّتي ذُكِرَت في رِزقِ الشُّهداءِ وكَونِ أرواحِهم في الجَنَّةِ فكُلُّها حَقٌّ، وهيَ لا تَدُلُّ على انتِفاءِ دُخولِ أرواحِ المُؤمِنينَ الجَنةِ، ولا سَيَّما الصِّدِّيقينَ الَّذينَ هم أفضَلُ مِنَ الشُّهداءِ بلا نِزاعٍ بينَ النَّاسِ، فيُقالُ لِهَؤُلاءِ: ما تَقولونَ في أرواحِ الصِّدِّيقينَ: هَل هيَ في الجَنةِ أم لا؟
فإنَّ قالوا: إنَّها في الجَنَّةِ، ولا يَسوغُ لَهم غَيرُ هَذا القَولِ. قيلَ: فثَبتَ أنَّ هَذِه النُّصوصَ لا تَدُلُّ على اختِصاصِ أرواحِ الشُّهداءِ بذلك، وإن قالوا: لَيسَت في الجَنَّةِ لَزِمَهم من ذلك أن تَكونَ أرواحُ ساداتِ الصَّحابةِ؛ ك
أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وأُبيِّ بنِ كَعبٍ، و
عَبدِ اللَّه بنِ مَسعودٍ، وأبي الدَّرداءِ، وحُذَيفةَ بنِ اليَمانِ وأشباههم، لَيسَت في الجَنةِ، وأرواحُ شُهداءِ زَمانِنا في الجَنةِ! وهَذا مَعلومُ البُطْلانِ ضَرورةً.
فإنْ قيلَ: فإذا كانَ هَذا حُكمًا لا يَختَصُّ بالشُّهداءِ، فما الموجِبُ لِتَخصيصِهم بالذِّكرِ في هَذِه النُّصوصِ؟
قيلَ: تَخصيصُهم بالذِّكرِ في هَذِه النُّصوصِ دَلَّ على التَّنبيه على فضلِ الشَّهادةِ وعُلوِّ دَرَجَتِها، وأنَّ هَذا مُضمونٌ لِأهلِها ولا بُدَّ، وأنَّ لَهمَ مِنها أوفرَ نَصيبٍ، فنَصيبُهم من هَذا النَّعيمِ في البَرزخِ أكمَلُ من نَصيبِ غَيرِهم مِنَ الأمواتِ على فُرُشِهم، وإن كانَ المَيِّتُ على فِراشِه أعلَى دَرَجةً من كَثيرٍ مِنهم، فلَه نَعيمٌ يَختَصُّ به لا يُشارِكُه فيه مَن هو دونَه.
ويَدُلُّ على هَذا أنَّ اللَّهَ سُبحانَه جَعل أرواحَ الشُّهداءِ في أجوافِ طَيرٍ خُضْرٍ
[1683] أخرجه مسلم (1887) من حَديثِ عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عنه. ، فإنَّهم لَمَّا بذَلوا أبدانَهم لِلَّهِ حَتَّى أتلَفَها أعداؤُه فيه، أعاضَهم مِنها في البرزخِ أبَدانًا خَيرًا مِنها تَكونُ فيها إلَى يَومِ القيامةِ، ويَكونُ تَنَعُّمُها بواسِطةِ تِلكَ الأبَدانِ أكمَلَ من نَعيمِ الأرواحِ المُجَرَّدةَ عَنها؛ ولِهَذا كانَت نَسَمةُ المُؤمِنِ في صورةِ طَيرٍ أو كَطيرٍ، ونَسَمةُ الشَّهيدِ في جَوفِ طيرٍ.
وتأمَّلْ لَفظَ الحَديثينِ فإنَّه قال:
((نَسَمةُ المُؤمِنِ طيرٌ)) فهَذا يُعَمُّ الشَّهيدَ وغَيرَه، ثُمَّ خَصَّ الشَّهيدَ بأنْ قال:
((هيَ في جَوفِ طَيرٍ)) ومَعلومٌ أنَّها إذا كانَت في جَوفِ طَيرٍ صَدَقَ عليها أنَّها طيرٌ، فصَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُه على مَن يُصَدِّقُ كَلامُه بَعضُه بَعضًا، ويَدُلُّ على أنَّه حَقٌّ من عِندِ اللَّهِ)
[1684] يُنظر: ((الروح)) (1/294). .
وقال
ابنُ كَثيرٍ: (قَد رُوِّينا في مُسنَدِ
الإمامِ أحمَدَ حَديثًا فيه البشارةُ لِكُلِّ مُؤمِنٍ بأنَّ رُوحَه تَكونُ في الجَنةِ تَسرَحُ أيضًا فيها، وتأكُلُ من ثِمارِها، وتَرَى ما فيها مِنَ النَّضرةِ والسُّرورِ، وتُشاهِدُ ما أعَدَّه اللَّهُ لَها مِنَ الكَرامةِ، وهو بإسنادٍ صَحيحٍ عَزيزٍ عَظيمٍ، اجتَمَعَ فيه ثَلاثةٌ مِنَ الأئِمَّةِ الأربَعةِ أصحابِ المَذاهِبِ المُتَّبَعةِ؛ فإنَّ
الإمامَ أحمَدَ رَحِمَه اللَّه رَوَاهُ عَنِ الإمامِ
مُحَمَّدِ بنِ إدريسَ الشَّافِعيِّ رَحِمَه اللَّه عَن
مالِكِ بنِ أنسٍ الأصبَحيِّ رَحِمَه اللَّه عَنِ
الزُّهريِّ عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بن كَعبِ بن مالِكٍ عَن أبيه رَضيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((نَسَمةُ المُؤمِنِ طائِرٌ يَعلُقُ في شَجَرِ الجَنةِ، حَتَّى يَرجِعَه اللَّهُ إلَى جَسَدِه يَومَ يَبعَثُه )). قَولُه:
((يَعلُقُ)) أي: يأكُلُ. وفي هَذا الحَديثِ: أنَّ رُوحَ المُؤمِنِ تَكونُ على شَكلِ طائِرٍ في الجَنةِ، وأمَّا أرواحُ الشُّهداءِ فكَما تَقَدَّمَ، في حَواصِلِ طَيرٍ خُضْرٍ، فهيَ كالكَواكِبِ بالنِّسبةِ إلَى أرواحِ عُمومِ المُؤمِنينَ)
[1685] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 164). .
إنَّ الرُّوحَ تُعادُ إلَى الجَسَدِ بَعدَ رِحلَتِها إلَى السَّماءِ، ثُمَّ تُسأَلُ، ثُمَّ تَكونُ طَيرًا يَعلُقُ بشَجَرِ الجَنةِ إلَى أن يُبعَثَ العِبادُ، ومَعَ كَونِها في الجَنةِ فإنَّه يَبقَى لَها تَعَلُّقٌ بالجَسدِ، كَحالِ الإنسانِ في النَّومِ، فرُوحُ النَّائِمُ تَجولُ في مَلكوتِ السَّمَواتِ والأرضِ، مَعَ أنَّ لَها تَعَلُّقًا بالجَسَدِ، فالرُّوحُ مُخالِفةٌ للأجسادِ ولِلمَعهودِ من حالِ المَخلوقاتِ الدُّنيويَّةِ
[1686] يُنظر: ((القيامة الصغرى)) لعمر الأشقر (ص: 102). .
عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((...ثمَّ يُفسَحُ له في قَبْرِه سَبعونَ ذِراعًا في سَبعينَ ثمَّ يُنَوَّرُ له فيه، ثمَّ يُقالُ له: نَمْ، فيقولُ: أرجِعُ إلى أهلي فأخبِرُهم؟ فيقولانِ: نَمْ كنَومةِ العَروسِ الذي لا يُوقِظُه إلَّا أحَبُّ أهلِه إليه، حتى يبعَثَه اللهُ مِن مَضجَعِه ذلك )) [1687] أخرجه مُطَوَّلًا الترمذي (1071) واللفظ له، والبزار (8462)، وابن حبان (3117). صَحَّحه ابنُ حبان، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (1071)، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/491)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3117). .
قال
ابنُ تيميَّةَ: (أرواحُ المُؤمِنينَ في الجَنةِ، وإن كانَت مَعَ ذلك قَد تُعادُ إلَى البَدَنِ، كَما أنَّها تَكونُ في البَدَنِ، ويُعرَجُ بها إلَى السَّماءِ كَما في حالِ النَّومِ، أمَّا كَونُها في الجَنةِ ففيه أحاديثُ عامَّةٌ، وقَد نَصَّ على ذلك
أحمَدُ وغَيرُه مِنَ العُلَماءِ، واحتَجُّوا بالأحاديثِ المأثورةِ العامَّةِ وأحاديثَ خاصَّةٍ في النَّومِ وغَيرِه)
[1688] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/447). .
وقال أيضًا بَعدَ أن ذَكَرَ أنَّ مُستَقَرَّ أرواحِ المُؤمِنينَ الجَنةُ: (ومَعَ ذلك فتَتَّصِلُ بالبَدَنِ مَتَى شاءَ اللَّهُ، وذلك في اللَّحظةِ بمَنزِلةِ نُزولِ المَلَكِ، وظُهورِ الشُّعاعِ في الأرضِ، وانتِباهِ النَّائِمِ)
[1689] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (24/365). .
قال ابنُ أبيِ العِزِّ: (الرُّوحُ لَها بالبَدَنِ خَمسةُ أنواعٍ مِنَ التَّعَلُّقِ، مُتَغايِرةُ الأحكامِ:
أحَدُها: تَعَلُّقُها به في بَطنِ الأمِّ جَنَينًا.
الثَّاني: تَعَلُّقُها به بَعدَ خُروجِه إلَى وَجهِ الأرضِ.
الثَّالِثُ: تَعَلُّقُها به في حالِ النَّومِ، فلَها به تَعَلُّقٌ من وجهٍ، ومُفارَقةٌ من وجهٍ.
الرَّابعُ: تَعَلُّقُها به في البَرزَخِ، فإنَّها وإنْ فارَقَتْه وتَجَرَّدَت عنه، فإنَّها لَم تُفارِقْه فِراقًا كُلِّيًّا بحَيثُ لا يَبقَى لَها إليه التِفاتٌ البتَّةَ، فإنَّه ورَدَ رَدُّها إلَيه وقتَ سَلامِ المُسَلِّم، وورَدَ أنَّه يَسمَعُ خَفقَ نِعالِهم حينَ يُوَلُّونَ عَنه. وهَذا الرَّدُّ إعادةٌ خاصَّةٌ لا يوجِبُ حَياةَ البَدَنِ قَبلَ يَومِ القيامةِ.
الخامِسُ: تَعَلُّقُها به يَومَ بَعْثِ الأجسادِ، وهو أكمَلُ أنواعِ تَعَلُّقِها بالبَدَنِ، ولا نِسبةَ لِما قَبلَه من أنواعِ التَّعَلُّقِ إلَيه؛ إذ هو تَعَلُّقٌ لا يَقبَلُ البَدنُ مَعَه مَوتًا ولا نَومًا ولا فسادًا، فالنَّومُ أخو المَوتِ. فتأمُّلُ هَذا يُزيحُ عَنكَ إشكالاتٍ كَثيرةً)
[1690] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 578). .
تلاقي أرواحِ المُؤمِنينَ:عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفيه:
((أنَّ المَلائِكةَ تَقبِضُ رُوحَ العَبدِ المُؤمِنِ، وتَرْقَى به إلَى السَّماءِ، فتَقولُ المَلائِكةُ: ما أطيبَ هَذِه الرِّيحَ الَّتي جاءَتكُم مِنَ الأرضِ! فيأتونُ به أرواحَ المُؤمِنينَ، فلَهم أشَدُّ فَرَحًا من أحَدِكِم بغائِبه يَقَدَمُ عليه، فيَسألونَه: ماذا فعل فُلانٌ؟ ماذا فعل فُلانٌ؟ فيَقولونَ: دَعوه؛ فإنَّه كانَ في غَمِّ الدُّنيا، فيَقولُ: قَد مات، أمَا أتاكُم؟ قالوا: ذُهِبَ به إلَى أمِّه الهاويةِ! )) [1691] أخرجه النسائي (1833)، وابن حبان (3014)، والحاكم (1302) باختلاف يسير مُطَوَّلًا. صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1833)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1331)، وصَحَّح إسناده الحاكم، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/212)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3014). .
قال
علي القاري: (
((فلَهم)) الفاءُ لِلتَّعقيب، والضَّميرُ لِلمُؤمِنينَ أو لِأرواحِهم.
((أشَدُّ فَرَحًا)) وفي رِوايةٍ: فلَهم أفرَحُ...
((به)) أي: بقُدومِه.
((من أحَدِكُم)) أي: من فَرَحِه.
((بغائِبه)) أيِ: المَخصوصِ به.
((يَقْدَمُ عليه)) أي: حالَ قُدومِه.
((فيَسألونَه)) أي: بَعضُ أرواحِ المُؤمِنينَ.
((ماذا فَعَل فُلانٌ؟)) أي: كيف حالُه وشأنُه؟ أي: في الطَّاعةِ ليَفرَحوا به ويَدْعوا له بالاستِقامةِ أو في المَعصيةِ ليَحزَنوا عليه، ويَستَغفِروا له.
((ماذا فَعل فُلانٌ؟)) تأكيدٌ، أوِ المُرادُ شَخصٌ آخَرُ، وهو الأظهَرُ.
((فيَقولونَ)) أي: بَعضٌ آخَرُ مِنَ الأرواحِ، وفي نُسخةٍ صَحيحةٍ: فيَقولُ: أي: بَعضُهم أو أحَدُهم.
((دَعوه)) أيِ: اترُكوه.
((الآنَ)) وفي رِوايةٍ: حَتَّى يَستَريحَ)
[1692]يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (3/ 1175). .
قال
ابنُ القَيِّمِ: (المَسألةُ الثَّانيةُ، وهيَ: أنَّ أرواحَ الموتَى هَل تَتَلاقَى وتَتَزاورُ وتَتَذاكَرُ أم لا؟
فهيَ أيضًا مَسألةٌ شَريفةٌ كَبيرةُ القَدْرِ، وجَوابُها أنَّ الأرواحَ قِسْمانِ: أرواحٌ مُعَذَّبةٌ وأرواحٌ مُنَعَّمةٌ؛ فالمُعذَّبةُ في شُغلٍ مِمَّا هيَ فيه مِنَ العَذابِ عَنِ التَّزاوُرِ والتَّلاقي، والأرواحُ المُنَعَّمةُ المُرسَلةُ غَيرُ المَحبوسةِ تَتَلاقَى وتَتَزاورُ وتَتَذاكَرُ ما كانَ مِنها في الدُّنيا وما يَكونُ من أهلِ الدُّنيا، فتَكَونُ كُلُّ رُوحٍ مَعَ رَفيقِها الَّذي هو على مِثلِ عَمَلِها، ورُوحُ نَبَيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ في الرَّفيقِ الأعلَى؛ قال اللَّهُ تعالى:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] ، وهذه المَعيَّةُ ثابتةٌ في الدُّنيا، وفي دارِ البَرزَخِ، وفي دارِ الجَزاءِ، والمَرءُ مع من أحَبَّ في هَذِه الدُّورِ الثَّلاثةِ)
[1693] يُنظر: ((الروح)) (1/44). .