المَبحَثُ السَّادِسُ: خُروجُ الدَّجَّالينَ أدعياءِ النُّبوَّةِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يُبعَثَ دَجَّالونُ كَذَّابون قَريبٌ مِن ثَلاثينَ، كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه رَسولُ اللَّهِ! )) [1868] أخرجه البخاري (3609)، ومسلم (157) واللَّفظُ له. .
قال النَّوويُّ: (مَعنَى
((يُبعَثَ)): يَخرُجَ ويَظهَرَ، وسَبَقَ في أوَّلِ الكِتابِ تَفسيرُ الدَّجالِ، وأنَّه مِنَ الدَّجَلِ، وهو التَّمويهُ، وقَد قيلَ غَيرُ ذلك، وقَد وُجِدَ مِن هَؤُلاءِ خَلقٌ كَثيرون في الأعصارِ، وأهلَكَهمُ اللهُ تعالى وقَلَعَ آثارَهم، وكَذلك يَفعَلُ بمِن بَقِيَ مِنهم)
[1869] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 45). .
وعَن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى تَلحَقَ قَبائِلُ مِن أمَّتي بالمُشرِكينَ، وحَتَّى يَعبُدوا الأوثانَ، وإنَّه سَيَكونُ في أمَّتي ثَلاثونَ كَذَّابونَ، كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ، وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ، لا نَبيَّ بَعْدي )) [1870] أخرجه أبو داود (4252) باختلاف يسير، والترمذي (2219) واللَّفظُ له، وابن ماجه (3952)، وأحمد (22395) مُطَوَّلًا باختلاف يسير. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (7238)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (105). .
قال ابنُ رسلانٍ: (
((وأنا خاتَمُ النَّبِيِّينِ)) أي: آخِرُ الأنبياءِ
((لا نَبيَّ بَعْدي))، وإنَّما يَنزِلُ عيسَى عليه السَّلامُ في آخِرِ الزَّمانِ داعيًا إلَى شَريعةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والإجماعُ على ذلك، ولَم يُخالِفْ إلَّا مَن لا يُعتَدُّ بقَولِه مِنَ الزَّنادِقةِ والفلاسِفةِ)
[1871] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (16/ 674). .
وفي حَديثِ ثَوبانَ السَّابقِ أنَّهم ثَلاثونَ بالجَزمِ، وفي حَديثِ أبي هُرَيرةَ أنَّهم قَريبٌ مِنَ الثَّلاثينَ؛ فلَعَلَّ رِوايةَ ثوبانَ على طَريقةِ جَبرِ الكَسرِ
[1872] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (13/87). .
ومِن هَؤُلاءِ الكَذَّابينَ أربَعُ نِسوَةٍ.عَن حُذيفةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((في أمَّتي كَذَّابون ودَجَّالونَ سَبعةٌ وعِشرونَ، مِنهم أربَعُ نِسوةٍ، وإنِّي خاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبيَّ بَعْدي)) [1873] أخرجه أحمد (23358) واللَّفظُ له، والبزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (7/335)، والطبراني (3/170) (3026). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4258)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23358)، وجوَّده ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/93). .
قال
ابنُ حَجَرٍ: (قَد ظَهَرَ مِصداقُ ذلك في آخِرِ زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فخَرجٌ مُسَيلِمةُ باليمامةِ، والأسوَدُ العَنسيُّ باليَمَنِ، ثُمَّ خَرجَ في خِلافةِ
أبي بَكرٍ طُلَيحةُ بنُ خُويلِدٍ في بَني أسَدِ بنِ خُزَيمةَ، وسَجاحُ التَّميميَّةُ في بَني تَميمٍ، وفيها يَقولُ شَبيبُ بنُ رَبعيٍّ، وكانَ مُؤَدِّبَها: أضَحَت نَبيَّتُنا أُنثَى نُطيفُ بها وأصبَحَت أنبياءُ النَّاسِ ذُكْرانَا.
وقُتِلَ الأسوَدُ قَبلَ أن يَموتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقُتِلَ مُسَيلِمةُ في خِلافةِ
أبي بَكرٍ، وتابَ طُلَيحةُ ومات على الإسلامِ -على الصَّحيحِ- في خِلافةِ عُمرَ، ونُقِلَ أنَّ سَجاحَ أيضًا تابت، وأخبارُ هَؤُلاءِ مَشهورةٌ عِندَ الإخباريِّينَ، ثُمَّ كانَ أوَّلَ مَن خَرجَ مِنهمُ المُختارُ بنُ أبي عبيدٍ الثَّقَفيُّ، غَلبَ على الكوفةِ في أوَّلِ خِلافةِ
ابنِ الزُّبَيرِ، فأظهَرَ مَحَبَّةَ أهلِ البَيتِ، ودَعا النَّاسَ إلَى طَلَبِ قَتلةِ الحُسينِ، فتَبِعَهم، فقَتَل كَثيرًا مِمَّن باشَرَ ذلك أو أعانَ عليه، فأحَبَّه النَّاسُ، ثُمَّ إنَّه زَيَّنَ لَه
الشَّيطانُ أنِ ادَّعَى النُّبوَّةَ، وزَعَمَ أنَّ
جِبريلَ يأتيه، فروى أبو داوُدَ الطَّيالِسيُّ بإسنادٍ صَحيحٍ عَن رفاعةَ بنِ شَدَّادٍ قال: كُنتُ أبطَنَ شَيءٍ بالمُختارِ، فدَخَلْتُ عليه يَومًا فقال: دَخَلْتَ وقَد قامَ
جِبريلُ قَبلُ مِن هَذا الكُرسيِّ!
[1874] أخرجه الطيالسي (1382)، والبيهقي (18889) مُطَوَّلًا. صَحَّحه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (6/714). وأخرجه الحاكم (8040) عن عامر بن شدَّاد بدلًا من رفاعة بن شداد. وصحَّح إسنادَه. [1875] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 617). .
وظَهَرَ في العَصرِ الحَديثِ مِيرزَا أحمد القاديانيُّ بالهندِ وادَّعَى النُّبوَّةَ، وأنَّه المَسيحُ المُنتَظَرُ، وأنَّ عيسَى لَيسَ بحيٍّ في السَّماءِ، إلَى غَيرِ ذلك مِنَ الادِّعاءاتِ الباطِلةِ، وصارَ لَه أتباعٌ وأنصارٌ، وانبَرَى لَه كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ، فرَدُّوا عليه وبَيَّنوا أنَّه أحَدُ الدَّجَّالينَ
[1876] يُنظر: ((أشراط الساعة)) للوابل (ص: 105). .
ولا يَزالُ خُروجُ هَؤُلاءِ الكَذَّابينَ واحِدًا تِلوَ آخَرَ حَتَّى يَظهَرَ آخِرُهمُ الأعوَرُ الدَّجَّالُ.
ومِن أقوالِ أهلِ العِلمِ في هَذِه العَلامةِ:1- قال
ابنُ تيميَّةَ: (مَن لَم يُمَيِّزْ بينَ الأحوالِ الرَّحمانيَّةِ والنَّفسانيَّةِ اشتَبَهَ عليه الحَقُّ بالباطِلِ، ومَن لَم يُنوِّرِ الله قَلبَه بحَقائِقِ الإيمانِ واتِّباعِ القُرآنِ، لَم يَعرِفْ طَريقَ المُحِقِّ مِنَ المُبطِلِ، والتَبَسَ عليه الأمرُ والحالُ، كَما التَبَس على النَّاسِ حالُ مُسَيلِمةَ صاحِبِ اليَمامةِ وغَيرِه مِنَ الكَذَّابينَ في زَعمِهم أنَّهم أنبياءُ، وإنَّما هم كَذَّابون، وقَد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَكونَ فيكُم ثَلاثونَ دَجَّالونَ كَذَّابونَ كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه رَسولُ اللَّه)). وأعظَمُ الدَّجاجِلةِ فتنةً الدَّجَّالُ الكَبيرُ الَّذي يَقتُلُه عيسى بنُ مَريَمَ... فهَذا هو الدَّجَّالُ الكَبيرُ، ودونَه دَجاجِلةٌ، مِنهم مَن يَدَّعِي النُّبوَّةَ، ومِنهم مَن يَكذِبُ بغَيرِ ادِّعاءِ النُّبوَّةِ، كَما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ دَجَّالونَ كَذَّابونَ يُحدِّثونَكُم بما لَم تَسمَعوا أنتُم ولا آباؤُكُم، فإيَّاكُم وإيَّاهم)) [1877] أخرجه مسلم في ((مقدمة الصحيح)) (6)، وأحمد (8267)، وابن حبان (6766) باختلاف يسير. صَحَّحه ابنُ حبان، وصَحَّحه الحاكم على شرطهما في ((المستدرك)) (351)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (8151)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/245)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8267). [1878] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (35/ 117-119). .
2- قال
عَبدُ الحَميدِ بنُ باديس: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم يُعرِّفُ أصحابَه بما يَكونُ في أمَّتِه مِن بَعْدِه، وهو تَعريفٌ لِلأمَّةِ بما يَكونُ فيها، يُعرِّفُهم بذلك ليَحذَروه ويَجتَنِبوا أسبابَه ويُبادِروا إلَى مُعالَجَتِه عِندَ وُقوعِه، لا يَستَبعِدُ مُسلِمٌ صُدورَ الشِّركِ والوثنيَّةِ ودَعوى النُّبوَّةِ مِن غَيرِ المُسلِمينَ، وإنَّما يَستَبعِدُ ويَستَنكِرُ أن يَكونَ شَيءٌ مِن هَذا مِمَّن يَقولونَ: إنَّهم مُسْلِمونَ! ولِهَذا قَدَّمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ هَذا التَّعريفَ والإنذارَ، حَتَّى إذا وقَعَ شَيءٌ مِن هَذا مِن هَذِه الأمَّةِ بودِرَ إلَى إنكارِه وعِلاجِه ولَم يُتَساهَلْ مَعَهم في شَيءٍ مِن ذلك؛ لِأنَّهم يَقولونَ: إنَّهم مُسْلِمونَ...
قَد ضَلَّت وهَلَكت باتِّباعِ أشخاصٍ ادَّعوا النُّبوَّةَ مِن هَذِه الأمَّةِ طَوائِفُ كَثيرةٌ، وقَد كانَ مِنهم أوَّلَ الإسلامِ مُسَيلِمةُ الكَذَّابُ، والأسوَدُ العَنسيُّ، ثُمَّ كانَ المُختارُ بنُ عبيدٍ الثَّقَفيُّ، ثُمَّ كانَ مِنهم في عَصرِنا قَبيلة الباب، وإلَيه تُنسَبُ البابيَّةُ، والبهاءُ وإلَيه تُنسَبُ البهائيَّةُ، وغُلامُ القادياني وإلَيه تُنسَبُ القاديانيَّةُ، وقَد كادَت هَذِه القاديانيَّةُ تَدخُلُ الجَزائِرَ على يَدِ طائِفةِ الحُلولِ وشَيخِها، لَولا أنْ قامَ في وُجوهِهمُ العُلَماءُ المُصلِحونَ، وفَضَحوهم على صَفحاتِ «الشِّهاب» أيَّامَ كانَ أُسبوعيًّا، فردَّ اللهُ كَيدَهم، ووقَى اللهُ الجَزائِرَ شَرًّا عَظيمًا.
وقَد أخبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم عَن هَؤُلاءِ الكَذَّابينَ بأنَّهم ثَلاثونَ فلا بُدَّ أن يَصِلوا إلَى هَذا العَدَدِ، وقَد تَكونُ بَقيَّتُهم في أحشاءِ الأيَّامِ.
وقَد أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم كَذَّابون، وأنَّه لا نَبيَّ بَعدَه، وقَد صَدَقَ قَولُه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم؛ فما مِن واحِدٍ مِنم إلَّا وقَد ظَهَرَ مِن كَذِبه ما عَسُرَ تأويلُه على أصحابِه، ومِن غَلَطِه وخَلْطِه ما يَدُلُّ على أنَّه لا مُستَنَدَ لَه مِنَ اليَقينِ، فصَلَّى اللهُ على خاتَمِ الأنبياءِ وإمامِ المُرسَلينَ)
[1879] يُنظر: ((آثار ابن باديس)) (2/ 237-239). .
3- قال ابنُ قاسِمٍ في حَديثِ:
((وإنَّه سَيَكونُ في أمَّتي كَذَّابون ثَلاثونَ، كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ، وأنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ، لا نَبيَّ بَعْدي )): (وفي رِوايةٍ
((دَجَّالونَ))، والدَّجَلُ: التَّمويهُ، والمُرادُ مِمَّن تَقومُ لَهم شَوكةٌ وتَبدو لَهم شُبهةٌ، وأمَّا مُطلَقًا فلا يُحْصَونَ... وقَد ظَهَرَ مِصداقُ ذلك في زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَعدَه، مِمَّن كانَ لَهم أصحابٌ يُصدِّقونَهم ويأخُذونَ بطَريقِهم، كَمُسَيلِمةَ باليمامةِ، والأسوَدِ باليَمنِ، وطُلَيحةَ في بني أسَدٍ، وسَجاح في تَميمٍ، والمُختارِ بن أبي عبيدٍ في عَصرِ
ابنِ الزُّبيرِ، والحارِثِ في عَصرِ
عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانٍ، وفي عَصرِ بني العَبَّاسِ جَماعةٌ، وصارَ لِكُلٍّ مِنهم شَوكةٌ. وأمَّا مَنِ ادَّعاها مُطلَقةً فكثيرون، وغالِبُهم يَنشأ فيهم عَن جُنونٍ وسَوداءَ، وقَد أهلَكَ اللهُ مَن وقَعَ مِنهم ذلك، واتَّضَحَ كَذِبُهم، وآخِرُهمُ الدَّجَّالُ الأكبَرُ، أعاذَنا اللهُ مِن فتنَتِه)
[1880] يُنظر: ((حاشية كتاب التوحيد)) (ص: 184). .
وقال
الألبانيُّ مُعَلِّقًا على قَولِ
الطَّحاويِّ: (وكُلُّ دَعوى النُّبوَّةِ بَعدَه فغَيٌّ وهَوًى): (قَد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتُه نُصحًا لَهم وتَحذيرًا في أحاديثَ كَثيرةِ أنَّه سَيَكونُ بَعدَه دَجَّالونَ كَثيرونَ، وقال في بَعضِها:
((كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ، وأنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبيَّ بَعْدي)). أخرجه مُسلِمٌ وغَيرُه... ومِن هَؤُلاءِ الدَّجَّالينَ مِيرزا غلام أحمد القادياني الَّذي ادَّعَى النُّبوَّةَ، ولَه أتباعٌ مُنتَشِرونَ في الهندِ وألمانيا وإنكِلترا وأمريكا، ولَهم فيها مَساجِدُ يُضِلُّونَ بها المُسلِمينَ، وكانَ مِنهم في سوريا أفرادٌ استأصَلَ اللهُ شأفَتَهم، وقَطَعَ دابِرَهم، ولَهم عَقائِدُ كَثيرةٌ غَيرُ اعتِقادِهم بَقاءَ النُّبوَّةِ بَعدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وسَلَفُهم فيه
ابنُ عَرَبي الصُّوفي، ولَهم في ذلك رِسالةٌ جَمَعوا فيها أقوالَه في تأييدِ اعتِقادِهمِ المَذكورِ، لَم يَستَطِعِ المَشايِخُ الرَّدَّ عليها؛ لِأنَّها مِمَّا قاله
ابنُ عَربي مَعَ جَزْمِهم بتَكفيرِهم، ولا مَجالَ لِذِكرِ شَيءٍ مِن عَقائِدِهمُ الآنَ، وهم بلا شَكٍّ مِمَّن عَناهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَديثِ الصَّحيحِ عَنه:
((يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ دَجَّالونَ كَذَّابونَ يأتونَكُم مِنَ الأحاديثِ بما لَم تَسمَعوا أنتُم ولا آباؤُكُم، فإيَّاكُم وإيَّاهم، لا يُضِلُّونَكُم ولا يَفتِنونَكُم )) [1881] أخرجه مسلم في ((مقدمة الصحيح)) (6)، وأحمد (8267)، وابن حبان (6766) باختلاف يسير. صَحَّحه ابنُ حبان، وصَحَّحه الحاكم على شرطهما في ((المستدرك)) (351)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (8151)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/245)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8267). ... وإنَّ مِن أبرَزِ عَلاماتِهم أنَّهم حينَ يَبدَؤُونَ بالتَّحَدُّثِ عَن دَعوتِهم إنَّما يَبتَدِئونَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ بإثباتِ مَوتِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فإذا تَمَكَّنوا مِن ذلك بزَعمِهم انتَقَلوا إلَى مَرحَلةٍ ثانيةٍ، وهيَ ذِكرُ الأحاديثِ الوارِدةِ بنُزولِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويَتَظاهَرونَ بالإيمانِ بها، ثُمَّ سُرعانَ ما يَتأوَّلونَها ما دامَ أنَّهم أثبَتوا بزَعمِهم موتَه بأنَّ المَقصودَ نُزولُ مَثيلِ عيسى، وأنَّه هو غلام أحمد القادياني!)
[1882] يُنظر: ((متن الطحاوية)) بتعليق الألباني (ص: 39). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (قَولُه:
((وإنَّه سَيَكونُ في أمَّتي كَذَّابونَ ثَلاثونَ)): حَصَرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَدَدٍ، وكُلُّهم يَزعُمُ أنَّه نَبيٌّ أُوحِيَ إلَيه، وهم كَذَّابون؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النَّبِيِّينَ، ولا نَبيَّ بَعدَه، فمَن زَعَمَ أنَّه نَبيٌّ بَعدَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو كاذِبٌ كافِرٌ حَلالُ الدَّمِ والمالِ، ومَن صَدَّقَه في ذلك فهو كافِرٌ حَلالُ الدَّمِ والمالِ، ولَيسَ مِنَ المُسلِمينَ ولا مِن أمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن زَعَمَ أنَّه أفضَلُ مِن مُحَمَّدٍ، وأنَّه يَتَلَقَّى مِنَ اللهِ مُباشَرةً ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَلَقَّى مِنه بواسِطةِ المَلَكِ؛ فهو كاذِبٌ كافِرٌ حَلالُ الدَّمِ والمالِ. وقَولُه:
((كَذَّابونَ ثَلاثونَ)) هَل ظَهَروا أم لا؟ الجَوابُ: ظَهَرَ بَعضُهم، وبَعضُهم يَنتَظِرُ؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَحصُرْهم في زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وما دامَتِ السَّاعةُ لَم تَقُمْ فهم يَنتَظِرونَ. قَولُه:
((كُلُّهم يَزعُمُ)) أي: يَدَّعي. قَولُه:
((وأنا خاتَمُ النَّبِيِّينَ)) أي: آخِرُهم، وأكَّدَ ذلك بقَولِه:
((لا نَبيَّ بَعْدِي)) [1883] يُنظر: ((القول المفيد)) (1/ 479). .