الْمَبحَثُ الثَّالِثُ والثَّلاثونَ: كثرةُ الزَّلازِلِ
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يُقبَضَ العِلمُ، وتَكثُرَ الزَّلازِلُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الهَرْجُ، وهو القَتْلُ القَتْلُ ... )) [2199] أخرجه البخاري (1036) واللَّفظُ له، ومسلم (157). .
قال الْمظهريُّ: (
((حَتَّى تَكثُر الزَّلازِلُ)) الزَّلازِلُ: جَمعُ زَلزَلةٍ، وهيَ تَحريكُ الأرضِ. يَعني: يَكونُ تَحريكُ الأرضِ في آخِرِ الزَّمانِ كثيرًا)
[2200] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 369). .
وقال
ابنُ رَجَبٍ في شَرحِ الحَديثِ: (أمَّا كثرةُ الزَّلازِلِ، فهو مَقصودُ
البُخاريِّ في هذا البابِ مِنَ الحَديثِ.
والظَّاهِرُ: أنَّه حَملَه على الزَّلازِلِ الْمَحسوسةِ، وهيَ ارتِجافُ الأرضِ وتَحَرُّكُها.
ويُمكِنُ حَملُه على الزَّلازِلِ الْمَعنَويَّةِ، وهيَ كثرةُ الفِتَنِ الْمُزعِجةِ الْمُوجِبةِ لارتِجافِ القُلوبِ.
والأوَّلُ أظهَرُ؛ لأنَّ هذا يُغني عَنه ذِكرُ ظُهورِ الفِتَنِ)
[2201] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 323). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (نَصٌّ في الخَبَرِ على أنَّ أكثَرَ الزَّلازِلِ من
أشراطِ السَّاعةِ)
[2202] يُنظر: ((فتح الباري)) (2/ 521). .
وقال أيضًا: (قَولُه:
((وتَكثُر الزَّلازِلُ)) قَد وقَعَ في كثيرٍ مِنَ البِلادِ الشَّماليَّةِ والشَّرقيَّةِ والغَربيَّةِ كثيرٌ مِنَ الزَّلازِلِ، ولَكِنَّ الذي يَظهَرُ أنَّ الْمُرادَ بكَثرَتِها شُمولُها ودَوامُها، وقَد وقَعَ في حَديثِ سَلَمةَ بنِ نفيلٍ عِندَ
أحمَدَ:
((وبينَ يَدَيِ السَّاعةِ سَنَواتُ الزَّلازِلِ)) [2203] أخرجه أحمد (16964)، والدارمي (55)، وابن حبان (6777) مُطَولًا. صحَّحه ابن حبان، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (452)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16964) على غرابة في متنه، ووثق رواته الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/309)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/120). [2204] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 87). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (أخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى تَكثُر الزَّلازِلُ، وهيَ نَوعانِ: زَلازِلُ حِسِّيَّةٌ تَهُزُّ الأرضَ، فتُدَمِّرُ القُرى والمَساكِنَ، وزَلازِلُ مَعنَويَّةٌ تُزَلزِلُ الإيمانَ والعَقيدةَ والأخلاقَ والسُّلوكَ، حَتَّى يَضطَرِبَ النَّاسُ في عَقائِدِهم وأخلاقِهم وسُلوكِهم، فيَعودَ الحَليمُ العاقِلُ حيرانَ، والحَديثُ مُحتَمِلٌ لكُلٍّ مِنهما، وهو في الأوَّلِ أظهَرُ)
[2205] يُنظر: ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) (8/ 638). .
وعَن سَلَمةَ بنِ نفيلٍ السكونيِّ -وكان من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((بينَ يَديِ السَّاعةِ مُوْتانٌ شَديدٌ، وبَعدَه سَنَواتُ الزَّلازِلِ)) [2206] أخرجه أحمد (16964)، والدارمي (55)، وابن حبان (6777) مُطَولًا. صحَّحه ابن حبان، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (452)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16964) على غرابة في متنه، ووثق رواته الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/309)، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/120). .
قال
القُرطُبيُّ: (قَد ذَكَرَ
أبو الفَرجِ ابنُ الجَوزيِّ أنَّه وقَعَ مِنها بعِراقِ العَجمِ كثيرٌ، وقَد شاهَدنا بَعضَها بالأندَلُسِ)
[2207] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 343). قال ابن الجوزي: (زلزلت بغداد مرارًا لا أحصيها). ((المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)) (17/ 296). .
وقال البَرزنجيُّ في
أشراطِ السَّاعةِ: (قَد وقَعَ في أوَّلِ خِلافةِ الْمُتَوَكِّلِ سَنةَ اثنَتين وثَلاثينَ ومِئَتين زَلزَلةٌ مَهولةٌ بدِمشقَ، سَقَطَت مِنها دُورٌ، وهَلَكَ تَحتَها خَلقٌ، وامتَدَّت إلى أنطاكيَّةَ فهدَمَتْها، وإلى الجَزيرةِ فأحرَقَتْها، وإلى الْمَوصِلِ، فيُقالُ: هَلَكَ من أهلِها خَمسونَ ألفًا. وفي سَنةِ اثنَتين وأربَعينَ ومِئَتين: زُلزِلَتِ الأرضُ زَلزَلةً عَظيمةً بتونُسَ وأعمالِها، وخُراسان، ونَيسابور، وطبرسْتانَ، وأصبَهانَ، وتَقَطَّعَت جِبالٌ، وتَشَقَّقَتِ الأرضُ بقَدرِ ما يَدخُلُ الرَّجُلُ في الشَّقِّ، وكان بينَ الزَّلزَلَتينِ عَشْرُ سِنينَ. وفي سَنةِ خَمسٍ وأربَعينَ ومِئَتين: عَمَّتِ الزَّلازِلُ الدُّنيا، فأخرَبَتِ الْمُدُنَ والقِلاعَ والقَناطِرَ، وسَقَطَ من أنطاكيةَ جَبَلٌ في البَحرِ. وفي خِلافةِ الْمُعتَضِدِ سَنة مِئَتين وثَمانينَ: وقَعَت في الديبلِ زَلزَلةٌ عَظيمةٌ هَدَمَت عامَّةَ البَلَدِ، فكان عِدَّةُ من أُخرِجَ من تَحتِ الرَّدْمِ مِئةَ ألفٍ وخَمسينَ ألفًا. وفي سَنةٍ أربَعِمِئةٍ وسِتِّينِ: وقَعَ بالرَّملةِ زَلزَلةٌ هائِلةٌ خَرَبَّتْها حَتَّى طَلَع الْماءُ من رُؤوسِ الآبارِ، وهَلَكَ من أهلِها خَمسةٌ وعِشرونَ ألفًا، وبَعُدَ البَحرُ عَن ساحِلِه مَسيرةَ يَومٍ، فنَزلَ النَّاسُ إلى أرضِه يَلتَقِطونَ؛ فرَجعَ الْماءُ عليهم فأهلَكَهم.
وفي سَنةِ أربَعٍ وأربَعينَ وخَمسِمِئةٍ: وقَعَت زَلزَلةٌ عَظيمةٌ، وماجَت بغدادُ نَحوَ عَشرِ مَرَّاتٍ، وتَقطَّعَ بحُلوان مِنها جَبَلٌ.
وفي سَنةِ سَبعٍ وتِسعين وخَمسِمِئةٍ: جاءَت زَلزَلةٌ كُبرى بمِصرَ والشَّامِ والجَزيرةِ، فأخرَبَت أماكِنَ كثيرةً، وقِلاعًا مُتَعَدِّدةً.
وفي سَنةِ اثنَتين وخَمسِمِئةٍ: وقَعَت زَلازِلُ عَظيمةٌ بالشَّامِ، وحَلبٍ، وشِيراز، وأنطاكيةَ، وطَرابلسَ، وهَلَكَ خَلقٌ كثيرٌ حَتَّى إنَّ مُعَلِّمًا بحَماةَ قام مِنَ الْمَكتَبِ، ثُمَّ عادَ فوجدَ الْمَكتَبَ قَد وقَعَ على الصِّبيانِ فماتوا كُلُّهم، ولَم يَأتِ أحَدٌ يَسألُ عَن ولَدِه؛ لأنَّ أهلَهم ماتوا أيضًا! وهَلَكَ كُلُّ من في شيراز إلَّا امرَأةً وخادِمًا واحِدًا، وانشَقَّ تَلٌّ في حرَّان فظَهَرَ فيه بيوتٌ، وعَمائِرُ، ونَواويسُ، وانشَقَّ في اللَّاذِقيَّةِ مَوضِعٌ، فظَهَر فيه صنَمٌ قائِمٌ في الماءِ. وخَرِبَت صيدا، وبيروت، وطَرابلس، وعكار، وصُور، وجَميعُ بلادِ الفِرِنجِ، وانفَرَقَ البَحرُ إلى قُبرُص، وقَذَفَ بالمَراكِبِ إلى ساحِلِه، وتَعَدَّى إلى ناحيةِ الشَّرقِ، ومات خَلقٌ كثيرٌ. قال صاحِبُ «الْمِرآةِ»: مات في هذه السَّنةِ نَحوُ ألفِ ألفٍ ومِئةِ ألفِ إنسانٍ. كذا في «السكردان». وفي سَنةِ اثنَتين وسِتِّينَ وسِتِّمِئةٍ: زُلزِلَت مِصرُ زَلزَلةً عَظيمةً، وقَد مَرَّتِ الزَّلزَلةُ الواقِعةُ بالمَدينةِ قَبلَ خُروجِ النَّارِ بها. ووَقَعَت في سَنةِ ثَلاثٍ وثَلاثينَ وأربَعِمِئةٍ بحترةَ زَلزَلةٌ عَظيمةٌ عَشَرةَ فراسِخَ في مِثلِها، فأهلَكَت خَلائِقَ كثيرةً. وفي سَنةٍ اثنَتين وعِشرينَ وتِسعِمِئةٍ: وقَعَ بأزرنكان زَلزَلةٌ عَظيمةٌ، وهَلَكَ بسَبَبِها عالمٌ كثيرٌ، والله يَفعَلُ ما يَشاءُ. وفي سَنةِ ألفٍ وقَعَت ببَلدةٍ لار زَلزَلةٌ عَظيمةٌ، انهَدَمَت مِنها البُيوتُ كُلُّها واندَكَّت، بحَيثُ لا يَكادونَ يَعرِفونَ مَحَلَّ بُيوتِهم. وكانت قَبلَها بأيَّامٍ زَلازِلُ صِغارٌ في كُلِّ يَومٍ، فخَرجوا مِنها، فمَن خَرجَ مِنها نَجا، ومَن لا هَلَكَ. ووَقَعَت بَعدَ تَأليفِ هذا الكِتابِ بنَحوِ سِتَّةِ أشهُرٍ زَلزَلةٌ هائِلةٌ ما نَجا مِنها إلَّا القَليلُ، فألحَقناها بهذا الْمَحَلِّ. فهَذِه هيَ الزَّلازِلُ العِظامُ والرَّجَفاتُ الَّتي اعتُني بنَقلِها في كُتُبِ التَّواريخِ، وأمَّا الزَّلازِلُ الصِّغارُ فلا تَكادُ تَنحَصِرُ، وبِالله التَّوفيقُ)
[2208] يُنظر: ((الإشاعة لأشراط الساعة)) (ص: 106-108). .