الْمَطْلَبُ الخامِسُ: طَبيعةُ الحَياةِ في عَهدِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
عَهْدُ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَبتَدئُ كما تَقَدَّم بقَتْلِ
الْمَسيحِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ بالدُّعاءِ على يَأجُوجَ ومَأجوجَ، فيُهلِكُهم اللهُ تعالى وتَنتَهي شُرورُهم.
ويَعُمُّ في زَمَنِه الأمنُ والأمان؛ فلا خَوفَ ولا عُدْوان.عَن
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ الله عَنهما قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يَخرُجُ الدَّجَّالُ في أمَّتي فيَمكُثُ أربَعينَ، لا أدري: أربَعينَ يَومًا، أو أربَعينَ شَهرًا، أو أربَعينَ عامًا، فيَبعَثُ الله عيسى بنَ مَريمَ كأنَّه عُروةُ بنُ مَسعودٍ، فَيطلُبُه فيُهلِكُه، ثُمَّ يمكُثُ النَّاسُ سبعَ سنينَ، ليسَ بين اثنينِ عَداوةٌ )) [2811] أخرجه مسلم (2940) مُطَولًا. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ في حَديثِ
((إذا اقتَرَبَ الزَّمانُ لَم تَكَدْ رُؤيا الْمُسْلِمِ تَكذِبُ )): (ويَعني -واللهُ أعلَمُ- بآخِرِ الزَّمانِ الْمَذكورِ في هذا الحَديثِ: زَمانَ الطَّائِفةِ الباقيةِ مَعَ عيسى عليه السَّلامُ بَعدَ قَتلِه الدَّجَّالَ الْمَذكورَ في حَديثِ
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، الذي قال فيه: فيَبعَثُ اللهُ عيسى بنَ مَريَم، ثُمَّ يَمكُثُ في النَّاسِ سَبعَ سِنينَ لَيسَ بينَ اثنين عَداوةٌ، ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ ريحًا بارِدةً من قِبَلِ الشَّامِ، فلا تُبقي على وجهِ الأرضِ أحَدًا في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ من خَيرٍ أو إيمانٍ إلَّا قَبَضَتْه، فكان أهلُ هذا الزَّمانِ أحسَنَ هَذِه الأمَّة بَعدَ الصَّدرِ الْمُتَقَدِّمِ حالًا، وأصدَقَهم أقوالًا، وكانت رُؤياهم لا تَكذِبُ)
[2812] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 11). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَمَّا يَكونُ من شَأنِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعدَ نُزولِه:
((ويُرجِعُ السَّلْمَ، ويَتَّخِذُ السُّيوفُ مَناجِلَ، وتَذهَبُ حُمَةُ كُلِّ ذاتِ حُمَةٍ، وتُنزِلُ السَّماءُ رِزْقَها، وتُخرِجُ الأرضُ برَكَتَها، حَتَّى يَلعَبَ الصَّبيُّ بالثُّعبانِ فلا يَضُرُّه، ويُراعي الغَنَمَ الذِّئبُ فلا يَضُرُّها، ويُراعي الأسَدُ البَقَرَ فلا يَضُرُّها!)) [2813] أخرجه أحمد (10261)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/496) مُطَولًا. صحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10261)، وجود إسناده وقواه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/169). وأخرجه من طريق آخر بنحوه: أحمد (9632)، والطيالسي (2698)، وابن حبان (6814). صحَّحه ابن حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (9632). .
قال
الخَطابيُّ: (قَولُه:
((يَتَّخِذُ السُّيوفَ مَناجِلَ)) يُريدُ أنَّ النَّاسَ يَتْركونَ الجِهادَ، ويَشتَغِلونَ بالحَرْثِ والزِّراعةِ)
[2814] يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 559). .
ويَكونُ عَهدُه زَمانَ خَيراتٍ وبَرَكاتٍ.وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَن عَهدِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
((ويَفِيضُ المالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ )) [2815] أخرجه البخاري (2222)، ومسلم (155) مُطَولًا. .
قال
النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ويَفيضُ الْمالُ)) فهو بفَتحِ الياءِ، ومَعناه: يَكثُرُ وتَنزِلُ البَرَكاتُ وتَكثُرُ الخَيراتُ بسَبَبِ العَدْلِ وعَدَمِ التَّظالُمِ وتَقيءُ الأرضُ أفلاذَ كَبِدِها كما جاءَ في الحَديثِ الآخَرِ
[2816] أخرجه مسلم (1013) مُطَولًا. ، وتَقِلُّ أيضًا الرَّغَباتُ لقِصَرِ الآمالِ وعِلمِهم بقُربِ السَّاعةِ؛ فإنَّ عيسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَمٌ من أعلامِ السَّاعةِ، واللهُ أعلَمُ)
[2817] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 190). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي: على الأديانِ كُلِّها، ومِنَ الْمَشهورِ أنَّ عيسى عليه السَّلامُ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ، ويَكسِرُ الصَّليبَ، ويَقتُلُ الخِنزيرَ، ولا يَبقى يَهوديٌّ ولا نَصرانيٌّ إلَّا أسلَمَ، وحينَئِذٍ تَضَعُ الحَربُ أوزارَها، ويَفيضُ الْمالُ حَتَّى لا يَقبَلَه أحَدٌ. وقَولُه:
وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا أي: شاهِدًا)
[2818] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 208). .
وعَنِ النَّواسِ بن سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال بَعدَ ذَهابِ يَأجوجَ ومَأجوجَ وانتِهاءِ أمرِهم:
((ثُمَّ يُقالُ للأرضِ: أنبِتي ثَمَرَتَكِ، ورُدِّي بَرَكَتَكِ، فيومَئِذٍ تَأكُلُ العِصابةُ مِنَ الرُّمَّانةِ، ويَستَظِلُّونَ بقِحْفِها، ويُبارَكُ في الرِّسْلِ، حَتَّى إنَّ اللِّقْحةَ مِنَ الإبلِ لتَكفي الفِئامَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقحةَ مِنَ البَقَرِ لتَكفي القَبيلةَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقْحةَ مِنَ الغَنَمِ لتَكفي الفَخْذَ مِنَ النَّاسِ )) [2819] أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا. .
قال
النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تَأكُلُ العِصابةُ مِنَ الرُّمَّانةِ ويَستَظِلُّونَ بقِحْفِها)) العِصابةُ الجَماعةُ، وقِحْفُها -بكَسرِ القافِ- هو مُقَعَّرُ قِشْرِها، شَبَّهَها بقِحْفِ الرَّأسِ، وهو الذي فوقَ الدِّماغِ، وقيلَ: ما انفَلَقَ من جُمجُمَتِه وانفَصَلَ.
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ويُبارَكُ في الرِّسْلِ حَتَّى إنَّ اللِّقحةَ مِنَ الإبلِ لتَكفي الفِئامَ مِنَ النَّاسِ)) الرِّسْلُ -بكَسرِ الرَّاءِ وإسكانِ السِّينِ- هو اللَّبَنُ، واللِّقْحةُ بكَسرِ اللَّامِ وفَتحِها لُغَتانِ مَشهورَتانِ، والكَسرُ أشهَرُ، وهيَ القَريبةُ العَهدِ بالوِلادةِ، وجَمعُها لِقَحٌ بكَسرِ اللَّامِ وفَتحِ القافِ، كبِركةٍ وبِرَكٍ، واللَّقوحُ: ذاتُ اللَّبَنِ وجَمعُها لِقاحٌ، والفِئامُ -بكَسرِ الفاءِ وبَعدَها هَمزةٌ مَمدودةٌ- وهيَ الجَماعةُ الكَثيرةُ، هذا هو الْمَشهورُ والمَعروفُ في اللُّغةِ وكُتُبِ الغَريبِ...
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لتَكفي الفَخْذَ مِنَ النَّاسِ)) قال أهلُ اللُّغةِ: الفَخْذُ الجَماعةُ مِنَ الأقارِبِ وهم دونَ البَطنِ، والبَطنُ دونَ القَبيلةِ، قال القاضي: قال
ابنُ فارِسٍ: الفَخْذُ هنا بإسكانِ الخاءِ لا غَيرُ، فلا يُقالُ إلَّا بإسكانِها، بخِلافِ الفَخِذِ الَّتي هيَ العُضوُ؛ فإنَّها تُكْسَرُ وتُسَكَّنُ)
[2820] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 69). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَمَّا يَكونُ من شَأنِ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بَعدَ نُزولِه:
((وتُنزِلُ السَّماءُ رِزْقَها، وتُخرِجُ الأرضُ بركَتَها)) [2821] أخرجه أحمد (10261)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/496) مُطَولًا. صحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10261)، وجود إسناده وقواه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/169). .