الْمَطْلَبُ الخامِسُ: هلاكُ يَأجوجَ ومَأجوجَ
عَنِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ويُحاصَرُ عيسى بنُ مَريَمَ وأصحابُه حَتَّى يَكونَ رَأسُ الثَّورِ لأحَدِهم خَيرًا من مِائةِ دينارٍ لأحَدِكم اليَومَ، فيَرغَبُ نَبيُّ اللهِ عيسى عليه السَّلامُ وأصحابُه، فيُرسِلُ اللهُ عليهم النَّغفَ في رِقابِهم، فيُصبِحونَ فَرْسَى كموتِ نَفسٍ واحِدةٍ، ثُمَّ يَهبِطُ نَبيُّ الله عيسى عليه السَّلامُ وأصحابُه إلى الأرضِ، فلا يَجِدونَ في الأرضِ مَوضِعَ شِبرٍ إلَّا مَلأه زَهمُهم ونَتْنُهُمْ، فيَرغَبُ نَبيُّ الله عيسى وأصحابُه إلى الله، فيُرسِلُ الله طَيرًا كأعناقِ البُختِ فتَحمِلُهم فتَطرَحُهم حَيثُ شاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ مَطرًا لا يَكُنُّ مِنه بَيت مَدرٍ ولا وَبَرٍ، فيَغسِلُ الأرضَ حَتَّى يَترُكَها كالزَّلفةِ، ثُمَّ يُقالُ للأرضِ: أنبِتي ثَمَرَتَكِ، ورُدِّي بركَتَكِ، فيومَئِذٍ تَأكُلُ العِصابةُ مِنَ الرُّمَّانةِ ويَستَظِلُّونَ بقِحْفِها، ويُبارَكُ في الرِّسْلِ حَتَّى إنَّ اللِّقْحةَ مِنَ الإبلِ لتَكفي الفِئامَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقحةَ مِنَ البَقَرِ لتَكفي القَبيلةَ مِنَ النَّاسِ، واللِّقحةَ مِنَ الغَنَمِ لتَكفي الفَخْذَ مِنَ النَّاسِ )) [2871] أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (النَّغفُ -جَمعُ نَغَفةً- وهو بفَتحِ النُّونِ والغين الْمُعْجَمةِ، وهيَ دودٌ يَكونُ في أنوفِ الإبِلِ والغَنَمِ، وهيَ وإن كانت مُحتَقَرةً، فإتلافُها شَديدٌ، ويُقالُ للرَّجُلِ الحَقيرِ: ما أنت إلَّا نَغفةٌ. وقَولُه:
((فيُصبِحونَ فَرْسى)) أي: هَلَكى قَتْلى، من فرَسَ الذِّئْبُ الشَّاةَ: إذا قَتَلَها. والفَريسةُ مِنه. والزَّهَمُ، بفَتحِ الهاءِ: النَّتْنُ والرَّائِحةُ الكَريهةُ. وأصلُه: ما يَعلقُ باليَدِ من ريحِ اللَّحمِ.
والبُختُ: إبلٌ غِلاظُ الأعناقِ، عِظامُ الأسنامِ. وقَولُه:
((لا يَكُنُّ مِنه بَيت مَدرٍ، ولا وَبَر)) أي: لا يُستَرُ من ذلك الْمَطَرِ لكَثرَتِه بَيتٌ مَبنيٌّ بالطِّينِ، ولا بَيتُ شَعرٍ ولا وَبَر. وقَولُه:
((حَتَّى يَترُكَها كالزَّلَفةِ)) الرِّوايةُ بفَتحِ الزَّايِ واللَّامِ، وقيدْتُه بالفاءِ والقافِ مَعًا، وكَذلك رُوِيَ عَنِ الأسديِّ، وزادَ فتحَ اللَّامِ وسُكونَها، فبِالقافِ: هيَ الأرضُ الْمَلساءُ الَّتي لا شَيءَ فيها، ومِنه قَولُه:
فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا وبِالفاءِ: هيَ الْمَصنعةُ الْمُمتَلِئةُ)
[2872] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 285). .
وقال
النَّوَويُّ: (
((فيَغسِلُ الأرضَ حَتَّى يَترُكَها كالزَّلَقةِ)) رُوِيَ بفَتحِ الزَّايِ واللَّامِ والقافِ، ورُويَ الزَّلْفةِ بضَمِّ الزَّاى وإسكانِ اللَّامِ وبِالفاءِ، ورُوِيَ الزَّلَفَةُ بفَتحِ الزَّايِ واللَّامِ وبِالفاءِ، وقال القاضي: رُوِيَ بالفاءِ والقافِ، وبِفَتحِ اللَّامِ وبِإسكانِها، وكُلُّها صَحيحةٌ، قال في الْمَشارِقِ: والزَّايُ مَفتوحةٌ، واختَلَفوا في مَعناه، فقال ثَعلَبٌ وأبو زيدٍ وآخَرونَ: مَعناه كالمِرآةِ، وحَكى صاحِبُ الْمَشارِقِ هذا عَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ أيضًا شَبَّهَها بالمِرآةِ في صَفائِها ونَظافَتِها، وقيلَ: كمَصانِعِ الْماءِ، أي: إنَّ الْماءَ يَستَنقِعُ فيها حَتَّى تَصيرَ كالمَصنَعِ الذي يَجتَمِعُ فيه الْماءُ، وقال
أبو عُبيدٍ: مَعناه كالإجَّانةِ الخَضراءِ، وقيلَ: كالصَّحفةِ، وقيلَ: كالرَّوضةِ)
[2873] يُنظر: ((شرح مسلم)) (18/ 68). .
وقال ابنُ عَلَّان: (
((ويُحصَرُ)) بضَمِّ التَّحتيةِ وفَتحِ الْمُهمَلةِ الثَّانيةِ، مِنَ الْمُحاصَرةِ
((نَبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه)) أي: يُمنَعونَ مَن يَأجوجَ ومَأجوجَ مِنَ النُّزولِ إلى الأرضِ حَتَّى
((يَكونَ رَأسُ الثَّورِ لأحَدِهم)) أي: عِندَه، وإنَّما ذُكِرَ رَأسُ الثَّورِ ليُقاسَ به البَقيَّةُ في ارتِفاعِ القيمةِ، وذَهَبَ بَعضُهم إلى أنَّه أرادَ برَأسِ الثَّورِ نَفسَه، أي: تَبلُغُ قيمةُ الثَّورِ إلى ما فوقَ الْمِائةِ لاحتياجِهم إليه في الزِّراعةِ. قال التوربشتيُّ: ولَم يُصِبْ؛ لأنَّ رَأسَ الثَّورِ قَلَّما يُرادُ به عِندَ الإطلاقِ نَفسُه، بَل يُقالُ: رَأسُ ثورٍ أو رَأسٌ مِنَ الثَّورِ، ثُمَّ إنَّ في الحَديثِ أنَّهم مَحصورونَ، وما للمَحصورِ والزِّراعةِ لا سيَّما على الطُّورِ؟!
[2874] يُنظر: ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (4/ 1167). اهـ.
((خيرًا من مِائةِ دينارٍ لأحَدِكِمِ اليَومَ)) وذلك لقوَّةِ حاجَتِهم للطَّعامِ واضطِرارِهم إليه)
[2875] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (8/ 625). .
وعَنِ النَّواسِ بن سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((سيُوقِدُ المسلمونَ منْ قِسِيِّ يأجوجَ ومأجوجَ ونشابِهمْ وأَتْرِسَتِهمْ سبعَ سنينَ! )) [2876] أخرجه ابن ماجه (4076) واللَّفظُ له، وابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (1495). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4076). .
قال
الصَّنعانيُّ: (
((سَيوقِدُ الْمُسلِمونَ من قِسِيِّ يَأجوجَ ومَأجوجَ))...
((ونشابِهم وأتراسِهم)) أي: بَعدَ أن يُهلِكَهم الله تعالى، كما تقَدَّمُ ذِكرُ ذلك، وفيه إبانةٌ لكَثرةِ سِلاحِهم؛ ولِذا قيلَ: إنَّهم تِسعةُ أعشارٍ والنَّاسُ عُشْرٌ)
[2877] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/ 457). .