هو العلامةُ المجتهد السيد الحسني صاحب التصانيف: الأمير محمد بن إسماعيل الكحلاني، ثم الصنعاني. ولِدَ ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة 1099هـ بكحلان ثم انتقل مع أسرته إلى صنعاء سنة 1107هـ وأخذ عن علمائها، ووالده كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا الراغبين في العمل، وله شعر جيد، مات في ثالث شهر ذي الحجة سنة 1142هـ. رحل الصنعاني إلى مكة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وأظهر الاجتهاد وعَمِل بالأدلة، ونفر عن التقليد وزيَّف ما لا دليلَ عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوبٌ ومِحَنٌ، منها في أيام المتوكل على الله القاسم بن الحسين، ثم في أيام ولده الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم، ثم في أيام ولده الإمام المهدى العباس بن الحسين، وتجمع العوامُّ لقتلِه مرة بعد أخرى، وحفظه الله من كيدهم ومكرهم، وكفاه شرهَّم، وولاه الإمامُ المنصور بالله الخطابةَ بجامع صنعاء، فاستمر كذلك إلى أيام ولده الإمام المهدي، واتفق في بعض الجمع أنَّه لم يذكر الأئمة الذين جرت العادة بذكرِهم في الخطبة الأخرى، فثار عليه جماعةٌ من آل الإمام الذين لا أنسةَ لهم بالعلم، وعضَّدهم جماعة من العوام وتواعدوا فيما بينهم على قتلِه في المنبر يوم الجمعة المقبلة، ولم يفلحوا، واستمر ناشرًا للعلم تدريسًا وإفتاءً وتصنيفًا، وما زال في محَنٍ من أهل عصره، ووقعت له فِتَن كبار وقاه الله شَرَّها, وكان الصنعاني قد بدأ بعقد حلقات العلم ولَمَّا يُتِمَّ الرابعة والعشرين من عمره, فقد كان بارعًا في الفقه والأصول، ومؤلفاته تنمُّ عن سعة علمه وجودة ذهنه، واستحضاره للأدلة ومناقشتها، واستخراج الأحكام الفقهية، وكان يدعو إلى تجديد الدين والعودة إلى أصوله وحقيقته كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ ولذلك لَمَّا بلغته دعوةُ الشيخ المجدد أيَّدَها وأرسل للشيخ قصيدةً يثني فيها عليه وعلى دعوته، ومما قاله فيها: سلامي على نجدٍ ومن حلَّ في نجـدِ وإن كان تسليمي على البعدِ لا يُجدي وقد صدرت من سفحِ صنعا سقى الحيا رباهـا وحـياهـا بقهقهة الرعـدِ سرت من أسير ينشد الريح أن سرت ألا يا صبا نجـدٍ متى هِجتَ من نجـدِ قفي واسألي عن عالمٍ حَـَّل سوحها به يهتدي من ضَلَّ عن منهج الرشدِ محمَّـد الهـادي لسنة أحمـد فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي لقد أنكرَت كلُّ الطوائف قولَهبلا صدَرٍ في الحقِّ منهم ولا وردِ وللإمام الصنعاني مؤلفات كثيرة، منها: التحبير لإيضاح معاني التيسير، وهو شرح كتاب تيسير الوصول لابن الديبع, والتنوير شرح الجامع الصغير، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار, وثمرات النظر في علم الأثر, والعدة على شرح العمدة، وهو مليء بالفوائد الفقهية والأصولية، وتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد, وحاشية على البحر الزخار في الفقه الزيدي, وسبل السلام اختصره من البدر التمام للمغربي, ومنحة الغفار جعلها حاشية على ضوء النهار للجلال, وشرح التنقيح في علوم الحديث للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وسماه التوضيح, ومنظومة الكافل لابن مهران في الأصول وشرحها شرحًا مفيدًا, وله مصنفات غير هذه، وقد أفرد كثيرًا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات، وله شعر فصيح منسجم، جمعه ولده العلامة عبد الله بن محمد في مجلد، وغالبه في المباحث العلمية والتوجع من أبناء عصره والردود عليهم، وبالجملة فهو من الأئمة المجدِّدين لمعالم الدين. أما وفاته فقد أصيب بالحمى والإسهال الشديد حتى توفي في الثالث من شعبان من هذا العام, وقد بلغ من العمر ثمانين سنة. ونظم بعضُهم تاريخه، ورثاه شعراءُ العصر وتأسَّفوا عليه.