المَبحَثُ الثَّالِثُ: صِفاتُ الصِّراطِ
1- الصِّراطُ زَلِقٌ:عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه، قُلنا: ما الجِسرُ يا رَسولَ اللهِ؟ قال:
((مَدحَضةٌ مَزِلَّةٌ)) [4024] أخرجه مطولًا البخاري (7439) واللَّفظُ له، ومسلم (183) باختلافٍ يسيرٍ. .
قال
ابنُ الأثيرِ: (في صِفةِ الصِّراطِ
((مَدحَضةٌ مَزِلَّةٌ)) المَزلَّةُ: مَفعلةٌ مِن زَلَّ يَزِلُّ: إذا زَلِقَ، وتُفتَحُ الزَّاي وتُكسَرُ، أرادَ أنَّه تَزْلَقُ عليه الأقدامُ ولا تَثبُتُ)
[4025] يُنظر: ((النهاية)) (2/ 310). .
وقال
الخَطابيُّ: (قَولُه:
((مَدْحَضةٌ)) يَعني: تَدْحَضُ عليه الأقدامُ، أي: تَزِلُّ. ومنه قَولُهم: أدحَضْتُ حُجَّةَ الرَّجُلِ، أي: أبطَلْتُها، وذلك بأن يُزِلَّها عن مَوضِعِها)
[4026] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (4/ 2356). .
وقال عياضٌ: (قَولُه في صِفَتِه:
((دَحْضٌ مَزِلَّةٌ )) أي: زَلقٌ تَزِلُّ فيه الأقدامُ)
[4027] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 551). .
وقال النَّوَويُّ: (الدَّحْضُ والمَزِلَّةُ بمَعنًى واحِدٍ، وهو المَوضِعُ الذي تَزِلُّ فيه الأقدامُ ولا تَستَقِرُّ، ومنه دَحَضَتِ الشَّمسُ، أي: مالَت، وحُجَّةٌ داحِضةٌ: لا ثَباتَ لها)
[4028] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 29). .
2- له جَنبَتانِ أو حافَتانِ وفيهما كَلاليبُعن أبي هُريرةَ وحُذَيفةَ رَضِيَ الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((وفي حافَتي الصِّراطِ كَلاليبُ مُعَلَّقةٌ مَأمورةٌ بأخذِ مَن أُمِرَت به )) [4029] أخرجه مسلم (195) مطولًا. .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه: قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، وما الجِسرُ؟ قال:
((مَدحَضةٌ مَزِلَّةٌ، عليه خَطاطيفُ، وكَلاليبُ، وحَسَكةٌ مُفَلطَحةٌ لها شَوكةٌ عُقَيفاءُ تَكونُ بنَجْدٍ يُقالُ لها السَّعدانُ)) [4030] أخرجه مطولًا البخاري (7439) واللَّفظُ له، ومسلم (183). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((وبِه كَلاليبُ مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، أمَا رَأيتُم شَوكَ السَّعدانِ؟)) قالوا: بلى يا رَسولَ اللهِ، قال:
((فإنَّها مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، غَيرَ أنَّها لا يَعلَمُ قَدرَ عِظَمِها إلَّا اللهُ )) [4031] أخرجه مطولًا البخاري (6573) واللَّفظُ له، ومسلم (182). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (قَولُه:
((في جَهَنَّمَ كَلاليبُ)) جَمعُ كَلُّوبٍ، وهو الذي يَتَناوَلُ به الحَدَّادُ الحَديدَ من النَّارِ، والخَطاطيفُ جَمعَ خُطَّافٍ، والخُطَّافُ حَديدةٌ مُعْوَجَّةُ الطَّرَفِ يُجذَبُ بها الأشياءُ... والحَسَكُ: مَعروفٌ، وهو شَيءٌ مُضَرَّسٌ ذو شَوكٍ يَنشِبُ به كُلُّ ما مَرَّ به)
[4032] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 468). .
قال
العَينيُّ: (قَولُه:
((حَسَكةٌ)) بفَتَحاتٍ، وهيَ شَوكةٌ صُلبةٌ مَعروفةٌ، قاله
ابنُ الأثيرِ [4033] يُنظر: ((النهاية)) (1/ 386). ، وقال صاحِبُ التهذيبِ
[4034] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (4/ 57). وغيرِه: الحَسَكُ: نَباتٌ له ثَمَرٌ خَشِنٌ يَتَعَلَّقُ بأصوافِ الغَنَمِ، ورَبَّما اتُّخِذَ مِثلُه من حَديدٍ، وهو من آلاتِ الحَربِ... قَولُه: مُفَلطَحةٌ:... أي عَريضةٌ... قَولُه: عُقَيفاءُ:... هيَ المُنعَطِفةُ المُعْوَجَّةُ)
[4035] يُنظر: ((عمدة القاري)) (25/ 129). .
وعن مَعنى شَوكِ السَّعدانِ: قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (السَّعدانُ: نَبتٌ كثيرُ الشَّوكِ، شَوكُه كالخَطاطيفِ والمَحاجِنِ)
[4036] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 420). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (السَّعدانُ: جَمعُ سعدانةٍ، وهو نَباتٌ ذو شَوكٍ يُضرَبُ به المِثَلُ في طِيبِ مَرْعاه، قالوا: مَرعًى ولا كالسَّعدانِ. وقَولُه:
((أمَا رَأيتُم شَوكَ السَّعدانِ؟)) هو استِفهامُ تَقريرٍ لاستِحضارِ الصُّورةِ المَذكورةِ... قال الزَّينُ بنُ المُنيرِ: تَشبيهُ الكَلاليبِ بشَوكِ السَّعدانِ خاصٌّ بسُرعةِ اختِطافِها وكَثرةِ الِانتِشابِ فيها مَعَ التَّحَرُّزِ والتَّصَوُّنِ تَمثيلًا لهم بما عَرَفوه في الدُّنيا وأَلِفُوه بالمُباشَرةِ)
[4037] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/453). .
وقَولُه:
((لا يَعلَمُ قَدْرَ عِظَمِها إلَّا اللهُ)) في رِوايةٍ:
((لا يَعلَمُ ما قَدْرُ عِظَمِها إلَّا اللهُ)) [4038] أخرجه البخاري (7436)، ومسلم (182) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال الجَوهَريُّ: (عَظُمَ الشَّيءُ عِظَمًا: كَبُرَ، فهو عَظيمٌ. والعُظامُ بالضَّمِّ مِثلُه. وعُظْمُ الشَّيءِ: أكثَرُه ومُعظَمُه)
[4039] يُنظر: ((الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)) (5/ 1987). .
وقال
ابنُ المُلقَّنِ: (فتَقديرُه: لا يَعلَمُ قَدْرَ كِبَرِها إلَّا اللهُ!)
[4040] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (30/ 108). .
3- الصِّراطُ مِثلُ حَدِّ المُوسى أو حَدِّ السَّيفِ وأدَقَّ مِنَ الشَّعرةِعن
ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((والصِّراطُ كحَدِّ السَّيفِ، دَحْضٌ مَزِلَّةٌ )) [4041] أخرجه من طرق مطولًا الطبراني (9/417) (9763)، والحاكم (8751) واللَّفظُ له، والدارقطني في ((رؤية الله)) (160). صحَّحه الحاكم، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (3591)، وحسَّنه الذهبي في ((العرش)) (76)، وابن القيم في ((حادي الأرواح)) (262)، ووثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (5/143)، وذكر ابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 583) أن إسناده متصلاً، وذكر المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/296) أنه روي من طرقٍ أحدها صحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/343): إنه روي من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة. وأخرجه محمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (278)، والطبراني (9/230) (8992)، والدارقطني في ((رؤية الله)) (162) موقوفا مطولاً صححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3627)، وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/316)، وجوده ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (6/493)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/362): رجاله رجال الصحيح غير عاصم وقد وثق. .
وعن سَلمانَ الفارِسيِّ رَضِيَ الله عنه قال: (يوضَعُ الصِّراطُ يَومَ القيامةِ وله حَدٌّ كحَدِّ المَوسى، قال: ويوضَعُ الميزانُ، ولَو وُضِعَت في كِفَّتِه السَّمَواتُ والأرضُ وما فيهنَّ لوَسِعَتْهم، فتَقولُ المَلائِكةُ: رَبَّنا لِمَن تَزِنُ بهذا؟ فيَقولُ: لِمِن شِئتُ من خَلقي، فيَقولونَ: رَبَّنا ما عَبَدْناك حَقَّ عِبادَتِك)
[4042] أخرجه ابن الأعرابي في ((المعجم)) (1827)، والآجري في ((الشريعة)) (894) واللَّفظُ له، واللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (2221). صحَّحه ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/18)، وصحَّح إسناده الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (941). .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: (بلَغني أنَّ الجِسرَ أدَقُّ من الشَّعرةِ، وأحَدُّ من السَّيفِ)
[4043] أخرجه مسلم (183). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (الصِّراطُ في اللُّغةِ: هو الطَّريقُ، وفيه لُغاتٌ: الصَّادُ والسِّينُ والزَّاي، وهو هنا: الطَّريقُ من أرضِ المَحشَرِ إلى الجَنَّةِ، وهو مَنصوبٌ على مَتنِ جَهنَّمَ أدَقَّ من الشَّعرِ وأحَدُّ من السَّيفِ، وهو المُسَمَّى بالجِسرِ)
[4044] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 419). .
وقال
القَسطَلَّانيُّ: (فتَأمَّل نَفسَك إذا صِرْتَ على الصِّراطِ، ووَقَعَ بَصَرُكَ على جَهَنَّمَ من تَحتِه، ثُمَّ قَرَعَ سَمعَك شَهيقُ النَّارِ وزَفيرُها وسَوادُها وسَعيرُها، وكَيفَ بك إذا وضَعتَ إحدى رِجْلَيك عليه فأحسَسْتَ بحَدِّه، واضطُرِرتَ إلى أن تَرفَعَ القَدَمَ الثَّانيَ، والخَلائِقُ بينَ يَدَيك يَزِلُّونَ ويَعشرونَ، والزَّبانيَةُ تَلتَقِطُهم بالخَطاطيفِ والكَلاليبِ، وأنتَ تَنظُرُ إلى ذلك، فيا له من مَنظَرٍ ما أفظَعَه! ومُرتَقًى ما أصعَبَه! ومَجازٍ ما أضيَقَه! نَسألُ اللهَ السَّلامةَ والإعانةَ والعافيةَ)
[4045] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (9/ 330). .