المَبحَثُ الثَّاني: أدِلَّةُ ثُبوتِ الصِّراطِ
1- قال اللهُ تعالى:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 71-72] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (قال ابنُ زيدٍ في قَولِه:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مَريم: 71] وُرودُ المُسلِمينَ: المُرورُ على الجِسرِ بينَ ظَهرَيها، وورودُ المُشرِكينَ أن يَدخُلوها)
[3976] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/ 597). .
وقال النَّوَويُّ: (الصَّحيحُ أنَّ المُرادَ بالوُرودِ في الآيةِ المُرورُ على الصِّراطِ، وهو جِسرٌ مَنصوبٌ على جَهَنَّمَ، فيَقَعُ فيها أهلُها ويَنجو الآخَرونَ)
[3977] يُنظر: ((شرح مسلم)) (16/ 58). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (وأمَّا الوُرودُ المَذكورُ في قَولِه تعالى:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا فقد فسَّرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَديثِ الصَّحيحِ أخرجه
مُسلِمٌ في صَحيحِه عن
جابِر:
((بأنَّه المُرورُ على الصِّراطِ))، والصِّراطُ هو الجِسرُ؛ فلا بُدَّ من المُرورِ عليه لكُلِّ مَن يَدخُلُ الجَنةَ من كان صَغيرًا في الدُّنيا ومن لَم يَكُن)
[3978] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/ 279). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اختَلَفَ المُفَسرونُ في المُرادِ بالوُرودِ المَذكورِ في قَولِه تعالى:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71] ما هو؟ والأظهَرُ والأقوى: أنَّه المُرورُ على الصِّراطِ، قال تعالى:
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 72] .
وفي الصَّحيحِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((والذي نَفسي بيَدِه، لا يَلِجُ النَّارَ أحَدٌ بايع تَحتَ الشَّجَرةِ ))، قالت
حَفصةُ: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أليسَ اللهُ يَقولُ:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مَريم: 71] ؟ فقال:
((ألَم تَسمَعيه قال: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 72] ؟)) [3979] أخرجه مسلم (2496) باختلافٍ يسيرٍ. . أشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنَّ وُرودَ النَّارِ لا يَستَلزِمُ دُخولَها، وأنَّ النَّجاةَ من الشَّرِّ لا تَستَلزِمُ حُصولَه، بَل يَستَلزِمُ انعِقادُ سَبَبِه، فمَن طَلَبه عَدوُّه ليُهلِكوه ولَم يَتَمَكَّنوا منه، يُقالُ: نَجَّاه الله منهم؛ ولِهذا قال تعالى:
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا [هود: 58] ،
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا [هود: 66] ،
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا [هود: 94] ، ولَم يَكُنِ العَذابُ أصابَهم، ولَكِن أصابَ غَيرَهم، ولَولا ما خَصَّهمُ اللهُ به من أسبابِ النَّجاةِ لأصابَهم ما أصابَ أولَئِك. وكَذلك حالُ الوارِدِ في النَّارِ، يَمرُّونَ فوقَها على الصِّراطِ، ثُمَّ يُنجِّي اللهُ الذينَ اتَّقوا ويَذَرُ الظَّالِمينِ فيها جِثِيًّا، فقد بَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ
جابِرٍ المَذكورِ: أنَّ الوُرودَ هو الوُرودُ على الصِّراطِ)
[3980] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 606). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ الوَرودَ لا يَستَلزِمُ الدُّخولَ قَولُه تعالى:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ [القصص: 23] فإنَّ المُرادَ: أشرَفَ عليه لا أنَّه دَخلَ فيه، وقَولُ زُهيرٍ:
فَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرقًا جِمامُه وضَعْنَ عصي الحاضِرِ المتخَيِّمِ
ولا يَخفي أنَّ القَولَ بأنَّ الوَرودَ: هو المُرورُ على الصِّراطِ أوِ الوُرودُ على جَهَنَّمَ وهيَ خامِدةٌ، فيه جَمعٌ بينَ الأدِلَّةِ من الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فيَنبَغي حَملُ هذه الآيةِ على ذلك؛ لأنَّه قد حَصَلَ الجَمعُ بحَملِ الوُرودِ على دُخولِ النَّارِ، مَعَ كونِ الدَّاخِلِ من المُؤمِنينَ مُبعَدًا من عَذابِها، أو بحَملِه على المُضيِّ فوقَ الجِسرِ المَنصوبِ عليها، وهو الصِّراطُ)
[3981] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/ 406). .
وقال
ابنُ عاشور: (الوُرودُ: حَقيقَتُه الوُصولُ إلى الماءِ للِاستِقاءِ. ويُطلَقُ على الوُصولِ مَطلَقًا مجازًا شائِعًا، وأمَّا إطلاقُ الوُرودِ على الدُّخولِ فلا يُعرَفُ إلَّا أن يَكونَ مَجازًا غَيرَ مَشهورٍ فلا بُدَّ له من قَرينةٍ. وجُملةُ
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا زيادةٌ في الِارتِقاءِ بالوَعيدِ بأنَّهم خالِدونَ في العَذابِ، فليس ورودُهم النَّارَ بمُوقَّتٍ بأجَلٍ. و
ثُمَّ للتَّرتيبِ الرُّتْبيِّ تَنويهًا بإنجاءِ الذينَ اتَّقوا وتَشويهًا بحالِ الذينَ يَبقونَ في جَهَنَّمَ جِثِيًّا. فالمَعنى: وعِلاوةً على ذلك نُنجي الذينَ اتَّقوا من وُرودِ جَهنَّمَ. وليس المَعنى: ثُمَّ يُنجِّي المُتَّقِينَ من بينِهم، بَلِ المَعنى أنَّهم نَجَوا من الوُرودِ إلى النَّارِ. وذِكرُ إنجاءِ المُتَّقينَ: أي المُؤمِنينَ، إدماجٌ ببِشارةِ المُؤمِنينَ في أثناءِ وعيدِ المُشرِكينَ... فليس الخِطابُ في قَولِه:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا لجَميعِ النَّاسِ مُؤمِنِهم وكافِرِهم على مَعنى ابتِداءِ كلامٍ بحَيثُ يَقتَضي أنَّ المُؤمِنينَ يَرِدونَ النَّارَ مَعَ الكافِرين ثُمَّ يَنجَونَ من عَذابِها؛ لأنَّ هذا مَعنًى ثَقيلٌ يَنبو عنه السِّياقُ؛ إذ لا مُناسَبةَ بينَه وبينَ سياقِ الآياتِ السَّابِقةِ، ولِأنَّ فضلَ اللهِ على المُؤمِنينَ بالجَنةِ وتَشريفَهم بالمَنازِلِ الرَّفيعةِ يُنافي أن يَسُوقَهم مَعَ المُشرِكينَ مَساقًا واحِدًا، كيفَ وقد صَدَّرَ الكَلامُ بقَولِه
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ [مَريم: 68] ، وقال تعالى:
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: 85، 86]، وهو صَريحٌ في اختِلافِ حَشرِ الفَريقينِ)
[3982] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/ 150). .
وقال
ابنُ بازٍ: (الوُرودُ المُرورُ كما بَيَّنَت ذلك الأحاديثُ الصَّحيحةُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ يُنجي الله المُتَّقينَ ويَذَرُ الظَّالِمينَ فيها جِثِيًّا.... فالكُفَّارُ يُساقونَ إليها والعُصاةُ منهم مَن يَنجو ومنهم مَن يُخدَشُ ويَسْلَمُ، ومنهم مَن يَسقُطُ في النَّارِ ولَكِن لا يُخلَّدُ فيها، بَل لعَذابِهم أمَدٌ يَنتَهونَ إليه، وإنَّما يُخلَّدُ فيها الكُفَّارُ خُلودًا أبديًّا)
[3983] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 245). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَدخُلُ النَّارَ أحَدٌ بايع تَحتَ الشَّجَرةِ )) قد يَقولُ قائِلٌ: كيفَ نَجمَعُ بينَه وبينَ قَولِه تعالى:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا * كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مَريم: 71] ؟
فالجَمعُ من أحَدِ وجهينِ:
الأوَّلُ: أن يُقال: إنَّ المُفَسِّرينَ اختَلَفوا في المُرادِ بالوُرودِ، فقال بَعضُهم: هو المُرورُ على الصِّراطِ؛ لأنَّ هذا نَوعُ وُرودٍ بلا شَكٍّ؛ كما في قَولِه تعالى:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [القصص: 23] ، ومَعلومٌ أنَّه لَم يَنزِلْ وسَطَ الماءِ، بَل كان حَولَه وقَريبًا منه، وبِناءً على هذا لا إشكالَ ولا تَعارُضَ أصلًا.
والوَجه الثَّاني: أنَّ من المُفَسِّرينَ مَن يَقولُ: المُرادُ بالوُرودِ الدُّخولُ، وأنَّه ما من إنسانٍ إلَّا ويَدخُلُ النَّارَ، وبِناءً على هذا القَولِ؛ فيُحمَلُ قَولُه:
((لا يَدخُلُ النَّارَ أحَدٌ بايع تَحتَ الشَّجَرةِ )): لا يَدخُلُها دُخولَ عَذَابٍ وإهانةٍ، وإنَّما يَدخُلُها تَنفيذًا للقَسَمِ:
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا، أو يُقالُ: إنَّ هذا من بابِ العامِّ المَخصوصِ بأهلِ بَيعةِ الرِّضْوانِ)
[3984] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 263). .
وقال
ابنُ عُثَيمين أيضًا في قَولِ الله تعالى
وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا: (الوُرودُ هو العُبورُ على الصِّراطِ، وهو جِسرٌ مَنصوبٌ على ظَهرِ جَهنَّمَ عافانا اللهُ منها)
[3985] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (4/ 574). .
2- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يُؤتى بالجِسرِ فيُجعَلُ بينَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ))، قُلنا: يا رَسولَ اللهِ، وما الجِسرُ؟ قال:
((مَدحَضةٌ مَزِلَّةٌ [3986] قال ابن بطال: (قوله: الجِسرٌ مَدحَضةٌ مَزِلَّة. يقال: دَحضَت رجلُه دَحْضًا: زَلِقَت، والدَّحضُ: ما يكون عنه الزَّلقُ، ودحضت الشمسُ عن كبد السماء: زالت، ودَحضَت حُجَّته: بطلَت، والمزِلَّة: موضِعُ الزَّلَل، فزلَّت القَدَمُ: سقَطَت). ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 470). ، عليه خَطاطيفُ وكَلاليبُ وحَسَكةٌ [3987] قال ابن بطال: ( (كلاليب) جمع كَلُّوب، وهو الذي يتناول به الحدَّادُ الحديدَ من النار، والخطاطيف جمع خُطَّاف، والخُطَّاف حديدة معوجَّة الطرف يجذب بها الأشياء... والحَسَك: معروف، وهو شيءٌ مُضَرَّس ذو شوكٍ يَنشِبُ به كلُّ ما مرَّ به). ((شرح صحيح البخاري)) (10/ 468). مُفَلطَحةٌ لها شَوكةٌ عُقَيفاءُ [3988] قال العيني: (قوله: مُفلَطحةٌ:... أي: عريضة... قوله: عُقَيفاء:... هي المنعَطِفة المُعوَّجة). ((عمدة القاري)) (25/ 130). تَكونُ بنَجْدٍ يُقالُ لها السَّعدانُ [3989] قال أبو العباس القرطبي: (السعدان نبتٌ كثيرُ الشَّوكِ، شوكُه كالخطاطيف والمحاجِن). ((المفهم)) (1/420). ، المُؤمِنُ عليها كالطَّرْفِ وكالبَرقِ وكالرِّيحِ وكَأجاويدِ الخَيلِ [3990] قال ابن الأثيرِ: (هي جمعُ أجوادٍ، وأجوادٌ جَمعُ جوَادٍ). ((النهاية)) (1/312). والرِّكابِ؛ فناجٍ مَخدوشٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)) [3991] أخرجه مطولًا البخاري (7439) واللَّفظُ له، ومسلم (183). .
قال عياضٌ: (قَولُه:
((ثُمَّ يُضرَبُ الصِّراطُ على ظَهْرانَي جَهَنَّمَ))، ويُروى:
((ظَهْرَي جَهَنَّمَ)) [3992] أخرجه البخاري (7437)، ومسلم (182) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. وهما لُغَتانِ، قاله الأصمَعي، وقال الخَليلُ: هو بينَ ظَهْرَي القَومِ وظَهْرانَيْهم، أي: بينَهم)
[3993] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 550). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه:
((ثُمَّ يُؤتى بالجِسرِ)) أي: الصِّراطِ، وهو كالقَنطَرةِ بينَ الجَنةِ والنَّارِ يَمُرُّ عليها المُؤمِنونَ)
[3994] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/ 98). .
وقال
القَسطلانيُّ: (
((فناجٍ مُسَلَّمٌ)) بفَتحِ اللامِ المُشَدَّدةِ
((وناجٍ مَخدوشٌ))...: مَخموشٌ مُمَزَّقٌ
((ومَكدوسٌ))...: مَصروعٌ
((في نارِ جَهَنَّمَ)).
والحاصِلُ أنَّهم ثَلاثةُ أقسامٍ: قِسمٌ مُسَلَّمٌ لا يَنالُه شَيءٌ أصلًا، وقِسمٌ يُخدَشُ ثُمَّ يَسلَمُ ويُخَلَّصُ، وقِسمٌ يَسقُطُ في جَهَنَّمَ
((حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهم)) أي آخِرُ النَّاجينَ)
[3995] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (10/ 405). .
وقد أجمَعَ أهلُ العِلمِ على ثُبوتِ الصِّراطِ وأنَّه جِسرٌ مَمدودٌ على مَتنِ جَهنَّمَ.قال
أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ: (أجمَعوا على أنَّ الصِّراطَ جِسرٌ مَمدودٌ على جَهَنَّمَ، يَجوزُ عليه العِبادُ بقَدرِ أعمالِهم، وأنَّهم يَتَفاوَتونَ في السُّرعةِ والإبطاءِ على قَدرِ ذلك)
[3996] يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: 163). .
وقال عياضٌ: (قَولُه:
((ثُمَّ يُضرَبُ الصِّراطُ على ظَهْرانَيْ جَهَنَّمَ))... فيه صِحَّةُ أمرِ الصِّراطِ والإيمانُ به، والسَّلَفُ مُجْمِعونَ على حَملِه على ظاهرِه دونَ تَأويلٍ، واللهُ أعلَمُ بحَقيقةِ صِفَتِه، وهو الجِسرُ، كما جاءَ في الحَديثِ الآخَرِ، ويُقالُ بكَسرِ الجيمِ وفَتحِها)
[3997] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 550). .
ومن أقوالِ أهلِ العِلمِ في شَأنِ الصِّراطِ:1- قال
سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: قال
سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: (السُّنَّةُ عَشَرةٌ، فمَن كُن فيه فقَدِ استَكملَ السُّنَّةَ، ومن تَرك منها شَيئًا فقد تَرَك السُّنَّةَ: إثباتُ القَدَرِ، وتَقديمُ
أبي بَكرٍ وعُمَر، والحَوضُ، والشَّفاعةُ، والميزانُ، والصِّراطُ...)
[3998] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/175). .
2- قال
أحمَدُ بن حَنبلٍ: (الصِّراطُ حَقٌّ)
[3999] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/344). .
3- قال الرَّازيانِ
أبو زُرعةَ وأبو حاتِمٍ: (أدرَكنا العُلَماءَ في جَميعِ الأمصارِ حِجازًا وعِراقًا وشامًا ويَمَنًا، فكانَ من مَذهَبِهم... والصِّراطُ حَقٌّ)
[4000] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/ 199). .
4- قال حَربُ بن إسماعيلَ الكرمانيَّ: (الصِّراطُ حَقٌّ، يوضَعُ على سَواءِ جَهنَّمَ، فيَمُرُّ النَّاسُ عليه، والجَنَّةُ من وراءِ ذلك، نَسألُ اللهَ السَّلامةَ والجَوازَ الجوازَ)
[4001] يُنظر: ((إجماع السلف في الاعتقاد)) (ص 50). .
5- قال
البَربَهاريُّ: (والإيمانُ بالصِّراطِ على جَهَنَّمَ، يَأخُذُ الصِّراطُ من شاءَ اللهُ، ويَجوزُ من شاءَ الله، ويَسقُطُ في جَهنَّمَ من شاءَ اللهُ، ولهم أنوارٌ على قَدْرِ إيمانِهم)
[4002] يُنظر: ((شرح السنة)) (ص: 47). .
6-قال ابنُ شاهينَ: (أشهَدُ أنَّ البَعثَ والنُّشورَ من القُبورِ حَقٌّ ليَومِ القيامةِ، فيُشهِدُهم أعمالَهم، ويُحضِرُهم أفعالَهم، ويُنطِقُ عليهم أفخاذَهم، وأشهَدُ أنَّ الحِسابَ والوُقوفَ حَقٌّ، وأشهَدُ أنَّ الميزانَ حَقٌّ، وهو قُدرةٌ مِن قُدَرِ الله، وأنَّ الحَوضَ لمُحَمَّدٍ حَقٌّ، وأنَّ الصِّراطَ حَقٌّ)
[4003] يُنظر: ((شرح مذاهب أهل السنة)) (ص: 320). .
7- قال ابنُ أبي زيدٍ القيروانيُّ: (وأنَّ الصِّراطَ حَقٌّ، يَجوزُه العِبادُ بقَدرِ أعمالِهم، فناجون مُتَفاوِتونَ في سُرعةِ النَّجاةِ عليه من نارِ جَهَنَّمَ، وقومٌ أوبَقَتْهم فيها أعمالُهم)
[4004] يُنظر: ((عقيدة السلف - مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة)) (ص: 59). .
8- قال
ابنُ بَطَّةَ: (نَحنُ الآنَ ذاكِرونَ شَرحَ السُّنَّةِ... مِمَّا أجمَعَ على شَرحِنا له أهلُ الإسلامِ وسائِرُ الأمَّةِ - فذَكرَ جُملةً من مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ قال-: ثُمَّ الإيمانُ بالبَعثِ والصِّراطِ)
[4005] يُنظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص: 191-221). .
9- قال ابنُ أبي زمنينَ: (أهلُ السُّنَّةِ يُؤمِنونَ بالصِّراطِ، وأنَّ النَّاسَ يَمُرُّونَ عليه يَومَ القيامةِ على قَدرِ أعمالِهم)
[4006] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 168). .
10- قال
أبو عَمْرٍو الدَّاني: (مِن قَولِهم: إنَّ الله سُبحانَه يَمُدُّ الصِّراطَ جِسرًا على شَفيرِ جَهَنَّمَ للجَوازِ عليه، أرَقَّ من الشَّعرِ، وأحَدَّ من السَّيفِ، على ما صَحَّتْ به الأخبارُ، وثَبتَت به الآثارُ، عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَجوزُه العِبادُ بقَدرِ أعمالِهم، ويَخِفُّ ويَضعُفُ جَوازُه بقَدرِ طاعَتِهم ومَعاصِيهم، وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى الصِّراطَ في غَيرِ مَوضِعٍ من كِتابِه، وتَواتَرَتِ الأخبارُ فيه عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما يَلحَقُ النَّاسَ عليه من الأهوالِ:
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر: 61] )
[4007] يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 203). والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/387)، وقال المحقق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. .
11- قال
ابنُ حَزمٍ: (وأنَّ الصِّراطَ حَقٌّ وهو طَريقٌ يوضَعُ بينَ ظَهْرانَي جَهنَّمَ، فيَنجو من شاءَ الله تعالى ويَهلِكُ من شاءَ)
[4008] يُنظر: ((المحلى)) (1/ 15). .
12- قال أبو اليسر البَزدَويُّ: (قال أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ: إنَّ الصِّراطَ حَقٌّ، وهو جِسرٌ على جَهَنَّمَ يَجوزُ عليه الخَلقُ، إلَّا أنَّ بَعضَهم يَقَعونَ في النَّارِ، وبَعضَهم يَمرُّونَ فيَدخُلونَ الجَنَّةَ، وفي كيفيَّتِه أحاديثُ، والقَولُ به أصلٌ واجِبٌ)
[4009] يُنظر: ((أصول الدين)) (ص: 164). .
13- قال
الغَزاليُّ: (وأن يُؤمِنَ بأنَّ الصِّراطَ حَقٌّ، وهو جِسرٌ مَمدودٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، أحَدُّ من السَّيفِ، وأدَقُّ من الشَّعرةِ)
[4010] يُنظر: ((قواعد العقائد)) (ص: 66). .
14-قال
ابنُ تَيميَّةَ: (الصِّراطُ مَنصوبٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، وهو الجِسرُ الذي بينَ الجَنةِ والنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدرِ أعمالِهم:
- فمنهم مَن يَمُرُّ كلَمحِ البَصَرِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالبَرقِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كالفَرَسِ الجَوادِ.
- ومنهم مَن يَمُرُّ كرِكابِ الإبلِ.
- ومنهم مَن يَعدو عَدْوًا.
- ومنهم مَن يَمشي مَشيًا.
- ومنهم مَن يَزحَفُ زَحفًا.
- ومنهم مَن يُخطَفُ فيُلقى في جَهَنَّمَ؛ فإنَّ الجِسرَ عليه كَلاليبُ تَخطِفُ النَّاسَ بأعمالِهم.
فمَن مَرَّ على الصِّراطِ دَخلَ الجَنَّةَ، فإذا عَبَروا عليه وقَفوا على قَنطَرةٍ بينَ الجَنةِ والنَّارِ؛ فيُقتَصُّ لبَعضِهم من بَعضٍ، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دُخولِ الجَنةِ)
[4011] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 99). .
15- قال ابنُ أبي العِزِّ: (قَولُه أيِ
الطَّحاويِّ: «والصِّراطُ». أي: ونُؤمِنُ بالصِّراطِ، وهو جِسرٌ على جَهَنَّمَ، إذا انتَهى النَّاسُ بَعدَ مُفارَقَتِهم مَكانَ المَوقِفِ إلى الظُّلْمةِ التي دونَ الصِّراطِ)
[4012] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 605). .
16- قال
ابنُ رَجَب: (إنَّ الإيمانَ والعَمَلَ الصَّالِحَ في الدُّنيا هو الصِّراطُ المُستَقيمُ في الدُّنيا الذي أمرَ الله العِبادَ بسُلوكِه والِاستِقامةِ عليه، وأمرَهم بسُؤالِ الهِدايةِ إليه، فمَنِ استَقامَ سَيرُه على هذا المُسقيمِ في الدُّنيا ظاهرًا وباطِنًا، استَقام مَشْيُه على ذلك الصِّراطِ المَنصوبِ على مَتنِ جَهنَّمَ، ومن لَم يَستَقِم سَيرُه على هذا الصِّراطِ المُستَقيمِ، بَلِ انحَرَفَ عنه إمَّا إلى فتنةِ الشُّبُهاتِ أو إلى فتنةِ الشَّهَواتِ، كان اختِطافُ الكَلاليبِ له على صِراطِ جَهنَّمَ بحَسَبِ اختِطافِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ له عن هذا الصِّراطِ المُستَقيمِ، كما في حَديثِ أبي هُريرةَ: إنَّها تَخطَفُ النَّاسَ بأعمالِهم
[4013] أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182) مطولًا [4014] يُنظر: ((التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار)) (ص: 240). .
وقال أيضًا: (إذا طُهِّرَ المُؤمِنُ من ذُنوبِه في الدُّنيا لَم يَجِد حَرَّ النَّارِ إذا مَرَّ عليها يَومَ القيامةِ؛ لأنَّ وِجدانَ النَّاسِ لَحرِّها عِندَ المُرورِ عليها بحَسَبِ ذُنوبِهم، فمَن طُهِّرَ من الذُّنوبِ ونُقِّي منها في الدُّنيا جازَ على الصِّراطِ كالبَرقِ الخاطِفِ والرِّيحِ ولَم يَجِد شَيئًا من حَرِّ النَّارِ ولَم يُحِسَّ بها)
[4015] يُنظر: ((لطائف المعارف)) (ص: 325). .
17- قال
ابنُ حَجَرٍ العَسقَلانيُّ: (إنَّ الصِّراطَ جِسرٌ مَوضوعٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، وأنَّ الجَنةَ وراءَ ذلك، فيَمُرُّ عليه النَّاسُ بحَسَبِ أعمالِهم، فمنهمُ النَّاجي: وهو مَن زادَت حَسَناتُه على سَيِّئاتِه، أوِ استَويا، أو تَجاوَزَ اللهُ عنه، ومنهمُ السَّاقِطُ: وهو مَن رَجَحَت سَيِّئاتُه على حَسَناتِه إلَّا من تَجاوَزَ اللهُ عنه، فالسَّاقِطُ من الموَحِّدينَ يُعذَّبُ ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ يَخرُجُ بالشَّفاعةِ وغَيرِها، والنَّاجي قد يَكونُ عليه تَبِعاتٌ وله حَسَناتٌ توازيها أو تَزيدُ عليها، فيُؤخَذُ من حَسَناتِه ما يَعدِلُ تَبعاتِه، فيُخَلَّصُ منها)
[4016] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/399). .
18- قال
العَينيُّ: (الصِّراطُ: جِسرٌ مَمدودٌ على مَتنِ جَهنَّمَ، أدَقُّ من الشَّعرِ، وأحَدُّ من السَّيفِ)
[4017] يُنظر: ((عمدة القاري)) (6/84). .
19- قال السَّفارينيُّ: (اتَّفَقَتِ الكَلِمةُ على إثباتِ الصِّراطِ في الجُملةِ، لَكِنَّ أهلَ الحَقِّ يُثبِتونَه على ظاهرِه من كونِه جِسرًا مَمدودًا على مَتنِ جَهنَّمَ، أحَدَّ من السَّيفِ وأدَقَّ من الشَّعرِ. وأنكَرَ هذا الظَّاهرَ القاضي عَبدُ الجبَّارِ المُعتَزِليُّ، وكَثيرٌ من أتباعِه زَعْمًا منهم أنَّه لا يُمكِنُ عُبورُه، وإن أمكَنَ ففيه تَعذيبٌ، ولا عَذابَ على المُؤمِنينَ والصُّلَحاءِ يَومَ القيامةِ، وإنَّما المُرادُ طَريقُ الجَنَّةِ المُشارُ إليه بقَولِه تعالى:
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [محمد: 5] ، وطَريقُ النَّارِ المُشارُ إليه بقَولِه تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23] ، ومنهم من حَملَه على الأدِلَّةِ الواضِحةِ والمُباحاتِ والأعمالِ الرَّديئةِ التي يُسألُ عنها ويُؤاخَذُ بها. وكُلُّ هذا باطِلٌ وخُرافاتٌ لوُجوبِ حَملِ النُّصوصِ على حَقائِقِها، وليس العُبورُ على الصِّراطِ بأعجَبَ من المَشي على الماءِ أوِ الطَّيَرانِ في الهَواءِ، أوِ الوُقوفِ فيه، وقد أجابَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سُؤالِ حَشرِ الكافِرِ على وَجْهِه بأنَّ القُدرةَ صالِحةٌ لذلك. وأنكَرَ العَلَّامةُ القَرافيُّ كونَ الصِّراطِ أدَقَّ من الشَّعرِ وأحَدَّ من السَّيفِ، وسَبَقَه إلى ذلك شَيخُه
العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ، والحَقُّ أنَّ الصِّراطَ ورَدَت به الأخبارُ الصَّحيحةُ، وهو مَحمولٌ على ظاهرِه بغَيرِ تَأويلٍ، كما ثَبَتَ في «الصَّحيحينِ» و«المَسانيدِ» و«السُّننِ» «والصِّحاحِ» مِمَّا لا يُحصى إلَّا بكُلفةٍ من أنَّه جِسرٌ مَضروبٌ على مَتنِ جَهنَّمَ يَمُرُّ عليه جَميعُ الخَلائِقِ، وهم في جَوازِه مُتَفاوِتونَ)
[4018] يُنظر: ((لوامع الأنوار)) (2/ 192). .
وقال السَّفارينيُّ أيضًا: (زَعَمَ بَعضُ النَّاسِ أنَّ كونَ الصِّراطِ أدَقَّ من الشَّعرةِ، وأحَدَّ من السَّيفِ راجِعٌ إلى اليُسرِ والعُسرِ على قَدرِ الطَّاعاتِ والمَعا،صي وأنكَرَ أن يَكونَ الصِّراطُ بهذه الصِّفةِ، واستَدَلَّ على ذلك بما وصفَ من أنَّ المَلائِكةَ يَقومونَ بجَنبَيه، وأنَّ فيه كَلاليبَ وحَسَكًا، وأنَّ مَن يَمُرُّ عليه يَقَعُ على بَطنِه ومنهم مَن يَبرُك ثُمَّ يَقومُ. وهذا مَردودٌ، والإيمانُ بما وصَفْنا من صِفاتِ الصِّراطِ بأنَّه أدَقُّ من الشَّعرةِ، وأحَدُّ من السَّيفِ واجِبٌ. والقادِرُ على إمساكِ الطَّيرِ في الهَواءِ قادِرٌ أن يُمسِكَ عليه المُؤمِنَ فيُجريه أو يُمشيه... وأيُّ وجهٍ يُلجِئُنا إلى العُدولِ عن الحَقيقةِ إلى المَجازِ مَعَ اعتِرافِنا بأنَّ القُدرةَ صالِح،ةٌ ولا شَيءَ يَكثُرُ على اللهِ، كيفَ وهو الفاعِلُ المُختارُ؟ فالله سُبحانَه وتعالى قادِرٌ على كُلِّ شَيءٍ، فمَنِ اعتَرَفَ بأنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ عَلِمَ أنَّ ذلك حَقٌّ، وإنَّما يُخَيلُ لبَعضِ النُّفوسِ استِحاُةَ ذلك لعَدَمِ إلْفِها ذلك مَعَ قِلَّةِ مَعرِفَتِها لله سُبحانَه، فنَسألُ اللهَ سُبحانَه وتعالى أن يَرزُقَنا عِلمًا رَبانيًّا يَقذِفُه في قُلوبِنا، ومَعرِفةً تامَّةً، ومَحَبَّةً كامِلةً، فمَن رُزِقَ ذلك فاز، ومن لا فلَه الويلُ والثُّبورُ
وَمَنْ لَمْ يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: 40] )
[4019] يُنظر: ((البحور الزاخرة)) (2/ 878). .
20- قال
مُحَمَّدُ بن عَبدِ الوِهابِ: (أؤمِنُ بأنَّ الصِّراطَ مَنصوبٌ على شَفيرِ جَهنَّمَ، يَمُرُّ به النَّاسُ على قَدرِ أعمالِهم)
[4020] يُنظر: ((الدرر السنية)) (1/ 31). .
21- قال
ابنُ بازٍ: (المُسلِمونَ إذا انتَهَوا من المَوقِفِ يَمُرونَ على الصِّراطِ، وهو مَنصوبٌ على مَتنِ جَهَنَّمَ، أصلُه في الأرضِ ونِهايَتُه إلى الجَنةِ، يَمُرُّ عليه المُؤمِنونَ ويُمنَعُ عنه الكافِرونَ، فاحرِص على العُدَّةِ التي تُيَسِّرُ لَك مُرورَك، من الإيمانِ بالله والتَّقوى، وعليه كَلاليبُ تَخطَفُ النَّاسَ بأعمالِهم، فمنهم مَن يُخدَشُ ويَنجو، ومنهم مَن يُخطَفُ ويَسقُطُ بسَبَبِ مَعاصيه. والكُفَّارُ لا يَمرونَ عليه، بَل يُساقونَ إلى النَّارِ ويُحشَرونَ إليها، كما ضَيَّعوا أمرَ اللهِ وأشَرَكوا به وكَفَروا به)
[4021] يُنظر: ((الموقع الرسمي لابن باز)). .
22- قال
ابنُ عُثَيمين: (الصِّراطُ جِسرٌ يوضَعُ على جَهنَّمَ يَصعَدُ منه المُؤمِنونَ من أرضِ المَحشَرِ إلى الجَنةِ، ولا يَصعَدُه إلَّا المُؤمِنونَ، أمَّا الكُفَّارُ فقد سِيقوا إلى جَهَنَّمَ وأُلقوا فيها، لَكِنِ المُؤمِنونَ همُ الذين يَصعَدونَ هذا الصِّراطَ. واختَلَفَ العُلَماءُ في هذا الصِّراطِ: هَل هو صِراطٌ واسِعٌ يَسَعُ أممًا عَظيمةً أو هو صِراطٌ ضَيِّقٌ؟ وذلك على قَولينِ؛ فمنهم من قال: إنَّه أدَقُّ من الشَّعرِ، وأحَدُّ من السَّيفِ، وأحَرُّ من الجَمرِ، فلَمَّا قيلَ: إنَّ هذا لا يُمكِنُ العُبورُ عليه، أجابوا بأنَّ أمورَ الآخِرةِ لا تُقاسُ بأمورِ الدُّنيا، وأنَّ الله على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وأنَّ اللهَ جَعلَه بهذه الصِّفةِ لمَشَقَّةِ العُبورِ منه كمشَقَّةِ الصِّراطِ في الدُّنيا على النُّفوسِ؛ لأنَّ الجَنَّةَ حُفَّت بالمَكارِه. ومنهم من قال: بَل إنَّه صِراطٌ واسِعٌ، فيه مَزلَّةٌ ومَدحَضةٌ، وعليه الشَّوكُ كالسَّعدانِ، لَكِن لا يَعلَمُ عِظَمَها إلَّا اللهُ سُبحانَه وتعالى، وأيًّا كان فهو مُخيفٌ غايةَ الخَوفِ؛ ولِهذا كان من دُعاءِ الرُّسُلِ وهمُ الرُّسُلُ صَلَواتُ الله وسَلامُه عليهم يومَئِذٍ
((اللهمَّ سَلِّمْ اللَّهمَّ سَلِّمْ))، كما صَحَّ ذلك عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[4022] أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182) من حديثِ أبي هُرَيرةَ بلفظ: ((اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ)). .
ويَعبُرُ النَّاسُ الصِّراطَ على قَدرِ أعمالِهم في الدُّنيا، منهم مَن يَعبُرُ كلَمحِ البَصَرِ، ومنهم مَن يَعبُرُ كالبَرقِ، ومنهم مَن يَعبُرُ كالرِّيحِ، ومنهم مَن يَعبُرُ كالخَيلِ الجَوادِ أوِ الجيادِ، ومنهم مَن يَعبُرُ كرِكابِ الإبِلِ، ومنهم مَن يَمشي، ومنهم مَن يَزحَفُ، ومنهم مَن يُكرْدَسُ في النَّارِ، كُلُّهم على حَسَبِ أعمالِهم، فالمُتَقَبِّلُ للدِّينِ في الدُّنيا المُنشَرِحُ به صَدرًا المُسابِقُ إليه، يَكونُ عُبورُه على الصِّراطِ بسُرعةٍ، والمُتَباطِئُ في دينِه يَكونُ عُبورُه على الصِّراطِ ببُطءٍ، والمُسْرِفُ على نَفسِه بفِعلِ المَعاصي رَبَّما يُلقى في جَهَنَّمَ يُطهَّرُ بما يُصيبُه من العَذابِ ثُمَّ يَخرُجُ؛ إمَّا بشفاعةٍ، وإمَّا بانتِهاءِ عُقوبَتِه، وإمَّا بفَضلِ اللهِ عليه ورَحمَتِه. وخُلاصةُ ذلك أنَّه يَجِبُ علينا أن نُؤمِنَ بأنَّه يوضَعُ على جَهَنَّمَ صِراطٌ، وهو صِراطٌ خَطِرٌ مُخيفٌ يَدعو الرُّسُلُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم أن يُسَّلَّمَهمُ اللهُ تعالى منه، وأنَّه يَمُرُّ النَّاسُ على هذا الصِّراطِ على قَدرِ أعمالِهم، وهذا المُرورُ حَسَبَ تَقبُّلِهم لدينِ اللهِ في الدُّنيا، وإنَّ من النَّاسِ مَن يَعبُرُ الصِّراطَ، ومنهم مَن يُكرْدَسُ في النَّارِ، ثُمَّ يَخرُجونَ منها إلى أن يَصِلوا إلى الجَنَّةِ)
[4023]يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 475-477). .