المَبحَثُ الثَّاني: وُجوبُ الإيمانِ بالحَوضِ وأدِلَّتُه
قال القاضي عياضٌ: (حَديثُ الحَوضِ صَحيحٌ، والإيمانُ به واجِبٌ، والتَّصديقُ به من الإيمانِ، وهو على وجهِه عِندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، لا يُتَأوَّلُ ولا يُحالُ عن ظاهرِه، خِلافًا لِمَن لَم يَقُلْ من المُبتَدِعةِ الباقينَ له، والمُحَرِّفينَ له بالتَّأويلِ عن ظاهرِه. وهو حَديثٌ ثابِتٌ مُتَواتِرُ النَّقلِ، أخرجه جَماعةٌ من الصَّحابةِ. فذَكرَه
مُسلِمٌ من رِوايةِ
ابنِ عُمرَ، وأبي سَعيدٍ، وسَهلِ بنِ سَعدٍ، وجُندَبٍ، و
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ، وحارِثةَ بنِ وهْبٍ الخُزاعيِّ، والمُستَوردِ، و
أبي ذَرٍّ، وثَوبانَ، وأبي هُريرةَ، و
أنسِ بنِ مالِكٍ، وجابِرِ بنِ سَمُرةَ. وذَكرَه غَيرُ واحِدٍ عن
أسماءِ بنتِ أبي بَكرٍ، وأبي بَرزةَ الأسلَميِّ، وأبي أُمامةَ، وزيدِ بنِ أرقَمِ، وعَبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وسُوَيدِ بن جَبلةَ، وعَبدِ اللهِ الصَّنابِحي، والبَراءِ، وأبي بَكرٍ، وخَولةَ بنتِ قَيسٍ، وغَيرِهم. وفي بَعضِ هذا ما يُخرِجُ هذا الحَديثَ عن خَبرِ الواحِدِ إلى حَديثِ الِاستِفاضةِ والتَّواتُرِ)
[4117] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (7/260). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (مِمَّا يَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ أن يَعلَمَه، ويُصَدِّقَ به: أنَّ اللهَ تعالى قد خَصَّ نَبيَّه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالكوثَرِ الذي هو الحَوضُ المُصَرَّحُ باسمِه وصِفَتِه، وشَرابِه وآنيَتِه في الأحاديثِ الكَثيرةِ الصَّحيحةِ الشَّهيرةِ التي يَحصُلُ بمَجموعِها العِلمُ القَطعيُّ، واليَقينُ التَّواتُريُّ؛ إذ قد رَوى ذلك عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الصَّحابةِ نيفٌ على الثَّلاثينَ. في الصَّحيحينِ منهم نَيِّفٌ على العِشرينَ، وباقيهم في غَيرِهما مِمَّا صَحَّ نَقلُه، واشتَهَرَت رِوايَتُه، ثُمَّ قد أخرجها عن الصَّحابةِ من التَّابِعينَ أمثالُهم، ثُمَّ لَم تَزَلْ تلك الأحاديثُ مَعَ تَوالي الأعصارِ، وكَثرةِ الرُّواةِ لها في جَميعِ الأقطارِ، تَتَوَفَّرُ هِمَمُ النَّاقِلينَ لها على رِوايَتِها وتَخليدِها في الأمَّهاتِ، وتَدوينِها، إلى أنِ انتَهى ذلك إلينا، وقامَت به حُجَّةُ الله علينا، فلَزِمَنا الإيمانُ بذلك، والتَّصديقُ به، كما أجمَعَ عليه السَّلَفُ، وأهلُ السُّنَّةِ من الخَلفِ، وقد أنكَرَته طائِفةٌ من المُبتَدِعةِ، وأحالوه عن ظاهرِه، وغَلَوا في تَأويلِه من غَيرِ إحالةٍ عَقليَّةٍ ولا عاديَّةٍ تَلزَمُ من إقرارِه على ظاهرِه، ولا مُنازَعةٍ سَمعيَّةٍ ولا نَقليَّةٍ تَدعو إلى تَأويلِه، فتَأويلُه تَحريفٌ صَدرَ عن عَقلٍ سَخيفٍ خَرَقَ به إجماعَ السَّلَفِ، وفارَقَ به مَذهَبَ أئِمَّةِ الخَلفِ)
[4118] يُنظر: ((المفهم)) (19/ 28). .
وقد ذَكَرَ
ابنُ كثيرٍ عَدَدًا من الصَّحابةِ الذينَ روَوا أحاديثَ الحَوضِ، فقال: (ذِكْرُ ما ورَدَ في الحَوضِ النَّبَويِّ المُحَمَّديِّ -سَقانا اللهُ منه يَومَ القيامةِ- من الأحاديثِ المُتَواتِرةِ المُتَعَدِّدةِ من الطُّرُقِ الكَثيرةِ المُتَضافِرةِ؛ وإن رَغِمَت أنوفُ كثيرٍ من المُبتَدِعةِ النَّافِرةِ المُكابِرةِ، القائِلينَ بجُحودِه، المُنكِرينَ لوُجودِه، وأخلِقْ بهم أن يُحالَ بينَهم وبينَ وُرودِه، كما قال بَعضُ السَّلَفِ: من كذَّبَ بكَرامةٍ لَم يَنَلْها. ولَوِ اطَّلَعَ المُنكِرُ للحَوضِ على ما سَنورِدُه من الأحاديثِ قَبلَ مَقالتِه لَم يَقُلْها) ثُمَّ شَرع في ذِكرِ أسماءِ الصَّحابةِ الذينَ روَوا أحاديثَ الحَوضِ
[4119] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/423). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ بَعدَ ما ذَكَرَ أسماءَ الصَّحابةِ الذينَ روَوا أحاديثَ الحَوضِ: (فجَميعُ من ذَكرَهم عياضٌ خَمسةٌ وعِشرونَ نَفسًا، وزادَ عليه
النَّوَويُّ ثَلاثةً، وزِدْتُ عليهم أجمَعينَ قَدْرَ ما ذَكروه سَواءً؛ فزادَتِ العِدَّةُ على الخَمسينَ، ولِكَثيرٍ من هؤلاء الصَّحابةِ في ذلك زيادةٌ على الحَديثِ الواحِدِ، كأبي هُريرةَ، و
أنسٍ، و
ابنِ عَبَّاسٍ، وأبي سَعيدٍ، و
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، وأحاديثُهم بَعضُها في مَطلَقُ ذِكرِ الحَوضِ، وفي صِفَتِه بَعضُها، وفيمَن يَرِدُ عليه بَعضُها، وفيمَن يُدفَعُ عنه بَعضُها، وكَذلك في الأحاديثِ التي أورَدَها المُصَنِّفُ في هذا البابِ، وجُملةُ طُرُقِها تِسعةَ عَشَرَ طَريقًا، وبَلَغَني أنَّ بَعضَ المُتَأخِّرينَ وصَلَها إلى رِوايةِ ثَمانينَ صَحابيًّا)
[4120] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 469). .
وهنا جُملةٌ من أحاديثِ الحَوضِ التي أخرجها عَدَدٌ من الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:1- عن
أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ قَدْرَ حَوضي كما بينَ أيلةَ [4121] قال ابن الأثير: ((أَيْلة) هو بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الياءِ: البلدُ المعروفُ فيما بين مصرَ والشَّامِ). يُنظر: ((النهاية)) (1/ 85). وقال ياقوتٌ الحمويُّ: (أَيْلةُ: بالفتحِ: مدينةٌ على ساحِلِ بحرِ القُلزمِ ممَّا يلي الشَّامَ) بَحرُ القُلزُمِ هو البَحرُ الأحمَرُ. ((معجم البلدان)) (1/292). وأيلةُ هي المسمَّاةُ الآنَ بالعَقَبةِ. يُنظر: ((فتح الباري ((لابن حجر (11/ 470). وصَنعاءَ من اليَمَنِ، وإنَّ فيه من الأباريقِ كعَدَدِ نُجومِ السَّماءِ )) [4122] أخرجه البخاري (6580) واللَّفظُ له، ومسلم (2303). .
وفي لَفظٍ:
((ما بينَ ناحيَتي حَوضي كما بينَ صَنعاءَ والمَدينةِ)) [4123] أخرجه مسلم (2303). .
وفي لَفظٍ
((تُرى فيه أباريقُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ كعَدَدِ نُجومِ السَّماءِ))، وفي رِوايةٍ: قال مِثلَه. وزادَ: أو أكثَرَ من عَدَدِ نُجومِ السَّماءِ
[4124] أخرجه مسلم (2303). .
وعن
أنسٍ رَضِيَ الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال
((لَيَردَنَّ عليَّ ناسٌ من أصحابي الحَوضَ حَتَّى إذا عَرَفْتُهمُ اختَلَجوا [4125] قال أبو العباس القرطبي: (اختلجوا: أُخرِجوا من بين الواردين). ((المفهم)) (6/ 98). وقال ابن الملقن: (يُقال: خلَجَه واختلَجَه: إذا جذَبَه وانتزَعَه). ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (32/ 277). دوني، فأقولُ: أصحابي! فيَقولُ: لا تَدري ما أحدَثوا بَعدَك )) [4126] أخرجه البخاري (6582). .
وفي لَفظٍ:
((ليَرِدَنَّ عليَّ الحَوضَ رِجالٌ مِمَّن صاحَبَني، حَتَّى إذا رَأيتُهم ورُفِعوا إليَّ اختَلَجوا دوني، فلَأقولَنَّ: أي رَبِّ، أُصَيْحابي أُصَيْحابي! فليُقالَنَّ لي: إنَّك لا تَدري ما أحدَثوا بَعدَك)) [4127] أخرجه مسلم (2304). .
2- عن
عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أمامَكم حَوضٌ كما بينَ جرباءَ وأذرحَ [4128] قال المُناوي: ( (كما بين جَرْباءَ) بفتحِ الجيمِ وسكونِ الرَّاءِ ومُوحَّدةٍ، يُقصَرُ ويُمَدُّ: قريةٌ بالشَّامِ (وأَذْرُح) بفتحِ الهمزةِ وسكونِ الذالِ المعجَمةِ وضَمِّ الراءِ، وحاءٍ مُهمَلةٍ: قريةٌ بالشَّامِ أيضًا، وفي الحديثِ حَذفٌ بيَّنَتْه روايةُ الدَّارَقُطنيِّ: وهو ما بين ناحِيَتَي حَوْضي كما بين المدينةِ وبين جَرْباءَ وأَذْرُحٍ. فالمسافةُ بين المدينةِ وبينهما ثلاثةُ أيامٍ لا بينهما، وقد غَلِط من قال: بينهما ثلاثةُ أيَّامٍ كما بيَّنه صاحِبُ القاموسِ اقتداءً ببعضِ الأعلام؛ لأنَّ بين جَرْباءَ وأذْرُحٍ مِيلًا بل أقَلَّ، بل الواقِفُ في هذه ينظُرُ هذه، كما حرَّره بعضُ الثِّقاتِ) ((فيض القدير)) (2/ 181). ) [4129] أخرجه البخاري (6577). .
وفي لفظٍ
((ما بين ناحيَتَيهِ كما بين جَرْباءَ وأذرحَ)) [4130] أخرجه مسلم (2299). .
وزادَ في رِوايةٍ:
((فيه أباريقُ كنُجومِ السَّماءِ، من ورَدَه فشَرِبَ منه لَم يَظمَأْ بَعدَها أبَدًا )) [4131] أخرجه مسلم (2299). .
وزادَ في أخرى: قال عُبَيدُ اللهِ: فسَألْتُه فقالَ: قَريَتينِ بالشَّامِ بينَهما مَسيرةُ ثَلاثِ ليالٍ، وفي حَديثِ ابنِ بشرٍ: ثَلاثة أيَّامٍ
[4132] أخرجه مسلم (2299). .
3- عن حارِثةَ بنِ وهْبٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((حَوضُه ما بينَ صَنعاءَ والمَدينةِ)). فقال له المُستَوردُ بن شَدَّادٍ رَضِيَ الله عنه: ألَم تَسمَعْه قال: الأواني؟ قا:ل لا. قال المُستَوردُ: تُرى فيه الآنيَةُ مِثلَ الكَواكِبِ
[4133] أخرجه البخاري (6592)، ومسلم (2298). .
4- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((إنِّي فرطُكُم [4134] قال ابن الملقن: (قوله: (أنا فَرَطُكم) هو بفتح الراء، أي: أتقدَّمُكم، وهو من يتقدَّم الواردَ فيهيِّئ لهم الإرشاءَ والدِّلاء، وعدد الحياض، ويسقي لهم، وهو فَعَل بمعنى فاعل، كتَبَع بمعنى تابِع؛ يقال: رجل فَرْطٌ، ومنه الدعاء للطفل الميت: اجعله لنا فَرَطًا، أي: أجرًا يتقدَّمُنا حتى نَرِدَ عليه). ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (32/277). على الحوضِ، من مَرَّ عليَّ شَرِبَ، ومَنْ شَرِبَ لم يظمَأْ أبدًا، لَيَرِدَنَّ عليَّ [4135] قال ابن الملقن: ((من يَرِد علي) أي: من يحضُرني ليشرَبَ) ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (32/276). أقوامٌ أعرِفُهم ويَعرِفوني، ثمَّ يُحالُ بيني وبينهم )). قال أبو حازمٍ: فسَمِعَني النعمانُ بنُ أبي عيَّاشٍ فقال: هكذا سمِعْتَ مِنْ سَهلٍ؟ فقلتُ: نعم. فقال: أشهَدُ على أبي سعيدٍ الخُدْريِّ لَسَمِعْتُهُ هو يزيدُ فيها:
((فأقولُ: إنَّهم مِنِّي، فيقالُ: إنَّك لا تدري ما أحدَثُوا بَعْدَك، فأقولُ: سُحقًا سُحقًا لِمن غيَّر بعدي )) [4136] أخرجه البخاري (6583، 6584) واللَّفظُ له، ومسلم (2290، 2291). ، وفي لفظٍ:
((لمن بدَّل بعدي)) [4137] أخرجه البخاري (7051)، ومسلم (2291) مطولًا. .
5- عن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ وهو بين ظَهْرانَيْ أصحابِه:
((إنِّي على الحَوضِ أنتَظِرُ من يَرِدُ عليَّ منكم، فواللهِ ليُقتَطَعَنَّ دوني رجالٌ فلأقولَنَّ: أي ربِّ، منِّي ومن أُمَّتِي! فيقولُ: إنَّك لا تدري ما عَمِلوا بعدك، ما زالوا يَرجِعون على أعقابِهم )) [4138] أخرجه مسلم (2294). .
6- عن عُقبةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرج يومًا فصلَّى على أهل أُحُدٍ صلاتَه على الميِّتِ، ثم انصرف إلى المِنبَرِ فقال:
((إنِّي فرَطٌ لَكم، وأنا شَهيدٌ عليكم، وإنِّي واللهِ لأنظُرُ إلى حَوضي الآنَ ، وإنِّي أُعطيتُ مَفاتيحَ خَزائِنِ الأرضِ -أو مَفاتيحَ الأرضِ- وإنِّي واللهِ ما أخافُ عليكم أن تُشرِكوا بَعْدي، ولَكِن أخافَ عليكم أن تَنافَسوا فيها )) [4139] أخرجه البخاري (1344) واللَّفظُ له، ومسلم (2296). .
7- عن
عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أنا فَرَطُكم على الحَوضِ، وليُرفَعَنَّ مَعي رِجالٌ مِنكم ثُمَّ ليُختَلَجُنَّ دوني، فأقولَ: يا رَبِّ، أصحابي! فيُقالُ: إنَّك لا تَدري ما أحدَثوا بَعدَك)) [4140] أخرجه البخاري (6576) واللَّفظُ له، ومسلم (2297). .
8- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ حَوضي أبعَدُ من أيلةَ مِن عَدَنٍ، لهو أشَدُّ بَياضًا من الثَّلجِ وأحلى من العَسَلِ باللَّبَنِ، ولَآنيَتُه أكثَرُ من عَدَدِ النُّجومِ، وإنِّي لأصدُّ النَّاسَ عنه كما يَصُدُّ الرَّجُلُ إبلَ النَّاسِ عن حَوضِه ))، قالوا: يا رَسولَ اللهِ أتَعْرِفُنا يَومَئِذٍ؟ قال:
((نَعَم، لَكم سِيما ليست لأحَدٍ من الأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلينَ من أثَرِ الوُضوءِ )) [4141] أخرجه مسلم (247). .
9- عن
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((حَوضي مَسيرةُ شَهرٍ، ماؤُه أبيضُ من اللَّبَنِ، وريحُه أطيبُ من المِسْكِ، وكِيزانُه كنُجومِ السَّماءِ، من شَرِبَ منها فلا يَظمَأُ أبَدًا )) [4142] أخرجه البخاري (6579) واللَّفظُ له، ومسلم (2292). .
10- عن
أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قالت: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنِّي على الحَوضِ حَتَّى أنظُرَ مَن يَرِدُ عليَّ مِنكم، وسَيُؤخَذُ أناسٌ دوني فأقولُ: يا رَبِّ، مِنِّي ومِن أمَّتي! فيُقالُ: أمَا شَعَرتَ ما عَمِلوا بَعدَك؟ واللهِ ما بَرِحوا بَعدَك يَرجِعونَ على أعقابِهم)) [4143] أخرجه البخاري (6593)، ومسلم (2293) واللَّفظُ له. .
11- عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إِنِّي لَبِعُقْرِ حوضي [4144] قال النووي: (هو موقِفُ الإبل من الحوض إذا وردته وقيل مؤخَّره). ((شرح مسلم)) (15/ 62). أذودُ النَّاسَ [4145] قال النووي: (معناه: أطرد الناسَ عنه غيرَ أهلِ اليمنِ) ((شرح مسلم)) (15/ 62). لأهلِ اليَمَنِ، أضرِبُ بعصاي حتى يَرفَضَّ عليهم [4146] قال النووي: (معنى (يَرْفَضُّ عليهم) أي: يسيل عليهم) ((شرح مسلم)) (15/ 62). )، فسُئِلَ عن عَرْضِه فقال:
((من مقامي إلى عَمَّانَ))، وسُئِلَ عن شرابِه فقال:
((أشدُّ بياضًا من اللَّبَنِ، وأحلى من العَسَلِ، يَغُتُّ [4147] قال النووي: (معناه: يدفقان فيه الماءَ دفقًا متتابعًا شديدًا) ((شرح مسلم)) (15/ 63). فيه ميزابانِ [4148] قال الفيروزآبادي: (وزب الماء يزِبُ وزوبًا: سال، ومنه: الميزابُ). يُنظر: ((القاموس المحيط)) (ص: 141). وفي المعجم الوسيط: ((المئزاب) الميزاب، وهو قناة أو أنبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضعٍ عالٍ (ج) مآزيب) ((المعجم الوسيط)) لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (1/ 15). يمدَّانِه من الجنَّةِ، أحَدُهما من ذهبٍ، والآخَرُ مِن وَرِقٍ [4149] قال ابن الأثير: (الوَرِقُ بكسر الراء: الفِضَّة) ((النهاية)) (5/ 175). ) [4150] أخرجه مسلم (2301). .
12- عن
أبي ذَرٍّ رَضِيَ الله عنه قال: قَلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما آنيةُ الحَوضِ؟ قال:
((والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه لآنيَتُه أكثَرُ من عَدَدِ نُجومِ السَّماءِ وكَواكِبِها، ألَا في الليلةِ المُظلِمةِ المُصحيَةِ، آنيَةُ الجَنةِ، من شَرِبَ منها لَم يَظمَأْ آخِرَ ما عليه، يَشخَبُ [4151] قال ابن الأثير: (الشَّخبُ: السَّيَلان) ((النهاية)) (2/ 450). فيه ميزابانِ من الجَنَّةِ، من شَربَ منه لَم يَظمَأْ، عَرضُه مِثلُ طولِه، ما بينَ عُمَان [4152] ضبَطَه النَّوويُّ بفَتحِ العينِ وتشديدِ الميمِ، وضبطه ابنُ حَجَرٍ بضَمِّ العينِ وتخفيفِ الميمِ، وقال: (في حديثِ أبي ذرٍّ: ما بين عُمَانَ إلى أيْلةَ. وعُمَان: بضَمِّ المهمَلةِ وتخفيفِ الميمِ: بَلَدٌ على ساحِلِ البَحرِ مِن جهةِ البَحرينِ) فتح الباري لابن حجر (11/ 471). إلى أيلةَ، ماؤُه أشَدُّ بَياضًا من اللبَنِ، وأحلى من العَسَلِ )) [4153] أخرجه مسلم (2300). .
13- عن
أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها قالت: كُنتُ أسمَعُ النَّاسَ يَذكُرونَ الحَوضَ ولَم أسمَع ذلك من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا كان يَومًا من ذلك والجاريةُ تُمَشِّطُني فسمِعْتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((أيُّها النَّاسُ))، فقُلتُ للجاريةِ: استَأخِري عنِّي. قالت: إنَّما دَعا الرِّجالَ ولَم يَدْعُ النِّساءَ. فقُلتُ:
((إنِّي من النَّاسِ)). فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنِّي لَكم فَرَطٌ على الحَوضِ، فإيَّاي لا يَأتِينَّ أحَدُكم فيُذَبُّ عني كما يُذَبُّ البَعيرُ الضَّالُّ، فأقولُ: فيمَ هذا؟ فيقالُ: إنَّك لا تَدري ما أحدَثوا بَعدَك، فأقولُ: سُحقًا! )) [4154] أخرجه مسلم (2295). .
14- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ألا إنِّي فرَطٌ لَكم على الحَوضِ، وإنَّ بُعْدَ ما بينَ طَرَفَيه كما بينَ صَنعاءَ وأيلةَ، كأنَّ الأباريقَ فيه النُّجومُ )) [4155] أخرجه مسلم (2305). .
15- عن حُذَيفةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ حَوضي لأبعَدُ من أيلةَ من عَدَنٍ، والذي نَفسي بيدِه إنِّي لأذودُ عنه الرِّجالَ كما يَذودُ الرَّجُلُ الإبِلَ الغَريبةَ عن حَوضِه ))، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟ قال:
((نَعَم، تَرِدُونَ عليَّ غُرًّا مُحَجَّلينَ من آثارِ الوُضوءِ ليست لأحَدٍ غَيرِكم )) [4156] أخرجه مسلم (248). .
16- عن
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((حَوضي مَسيرةُ شَهرٍ ماؤُه أبيضُ من اللبَنِ، وريحُه أطيبُ من المِسكِ، وكِيزانُه كنُجومِ السَّماءِ، من شَربَ منها فلا يَظمَأُ أبَدًا )) [4157] أخرجه البخاري (6579) واللَّفظُ له، ومسلم (2292). .
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ما بينَ بيتي ومِنبَري رَوضةٌ من رِياضِ الجَنَّةِ، ومِنبَري على حَوضي )) [4158] أخرجه البخاري (1196)، ومسلم (1391). .
قال عياضٌ: (قَولُه: ومِنبَرِي على حَوضي: قيلَ: يُحتَمَلُ أنَّ مِنبَرَه بعينِه الذي كان في الدُّنيا، وهو أظهَرُ وعليه أكثَرُ النَّاسِ، وأنكَرَ كثيرٌ منهم غَيرَه. وقيلَ: إنَّ له هناك مِنبَرًا على حَوضِه. وقيلَ: إنَّ قَصْدَ مِنبَرِه والحُضورَ عِندَه لمُلازَمةِ الأعمالِ الصَّالِحةِ، يُورِدُ الحَوضَ، ويُوجِبُ الشُّربَ منه)
[4159] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (4/ 509). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (وأمَّا قَولُه:
((ومِنبَري على حَوضي)) أي: يُنقَلُ يَومَ القيامةِ فيُنصَبُ على الحَوضِ، وقال الأكثَرُ: المُرادُ مِنبَرُه بعينِه الذي قال هذه المَقالةَ وهو فَوقَه. وقيلَ: المَرادُ المِنبَرُ الذي يوضَعُ له يَومَ القيامةِ. والأوَّلُ أظهَرُ ويُؤَيِّدُه حَديثُ أبي سَعيدٍ المُتَقَدِّمُ، وقد أخرجه
الطَّبَرانيُّ في الكَبيرِ من حَديثِ أبي واقِدٍ الليثيِّ رَفَعَه: إنَّ قَوائِمَ مِنبَري رَواتِبُ في الجَنَّةِ
[4160] أخرجه الطبراني (3/345) (3296)، والحاكم (6268). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4412). وأخرجه من طريق آخر النسائي (696)، وأحمد (26476) من حديثِ أم سلمة رَضِيَ اللهُ عنها. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (3749)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (696)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (26476). . وقيلَ: مَعناه أنَّ قَصدَ مِنبَرِه والحُضورَ عِندَه لمُلازَمةِ الأعمالِ الصَّالِحةِ يُورِدُ صاحِبَه إلى الحَوضِ ويَقتَضي شُربَه منه. واللهُ أعلَمُ)
[4161] يُنظر: ((فتح الباري)) (4/ 100). .
وقال
الصَّنعانيُّ: (
((ومِنبَري على حَوضي)): أي: يَكونُ في الآخِرةِ على الحَوضِ، أو أنَّه الآنَ على حَوضِه)
[4162] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (9/ 370). .
وقال
ابنُ بازٍ: (قَولُه:
((مِنبَري على حَوضي)) يَدُلُّ على أنَّ حَوضَه هناك، ومَوضِعُ المَسجِدِ من حَوضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[4163] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (1/ 360). .
وقال أيضًا: (المَسجِدُ من مَحالِّ الحَوضِ يَومَ القيامةِ؛ لأنَّ الحَوضَ طَويلٌ طولُه مَسيرةُ شَهرٍ)
[4164] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (2/ 115). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (هذا الحَوضُ مَوجودٌ الآنَ؛ لأنَّه ثَبَتَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه خَطَبَ ذاتَ يَومٍ في أصحابِه، وقال:
((وإنِّي واللهِ لأنظُرُ إلى حَوضي الآنَ )) [4165] أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296) مطولًا من حديثِ عقبة بن عامر رَضِيَ اللهُ عنه. . وأيضًا ثَبتَ عن النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال:
((ومِنبَري على حَوضي)) [4166] أخرجه البخاري (1196)، ومسلم (1391) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. . وهذا يُحتَمَلُ أنَّه في هذا المَكانِ، لَكِن لا نُشاهِدُه؛ لأنَّه غَيبيٌّ. ويُحتَمَلُ أنَّ المِنبَرَ يوضَعُ يَومَ القيامةِ على الحَوضِ)
[4167] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 157). .
وأجمَعَ أهلُ العِلمِ على ثُبوتِ حَوضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ القيامةِ.1- قال
أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ: (أجمَعوا... على أنَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضًا يَومَ القيامةِ تَرِدُه أمَّتُه، لا يَظمَأُ من شَرِبَ منه، ويُذادُ عنه من بَدَّلَ وغَيَّرَ بَعْدَه)
[4168] يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص: 164). .
وقال أيضًا: (أنكَرَتِ
المُعتَزِلةُ الحَوضَ، وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من وُجوهٍ كثيرةٍ، ورُوِيَ عن أصحابِه رَضِيَ الله عنهم أجمَعينَ بلا خِلافٍ)
[4169] يُنظر: ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 245). .
2- قال
ابنُ بَطَّةَ: (نَحنُ الآنَ ذاكِرونَ شَرحَ السُّنَّةِ... مِمَّا أجمَعَ على شَرحِنا له أهلُ الإسلامِ وسائِرُ الأمَّةِ -فذَكَر جُملةً من مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ قال-: ثُمَّ الإيمانُ بالحَوضِ)
[4170] يُنظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص: 191-223). .
3- قال
ابنُ عُثَيمين: (دَلَّ عليه السُّنَّةُ المُتَواتِرةُ وأجمَعَ عليه أهلُ السُّنَّةِ. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنِّي فَرَطُكم على الحَوضِ" مُتَّفَقٌ عليه
[4171] أخرجه مطولًا البخاري (6583) واللَّفظُ له، ومسلم (2290) من حديثِ سهل بن سعد رَضِيَ اللهُ عنه. وأخرجه مطولًا البخاري (1344)، ومسلم (2296) واللَّفظُ له من حديثِ عقبة بن عامر رَضِيَ اللهُ عنه. ، وأجمَعَ السَّلَفُ أهلُ السُّنَّةِ على ثُبوتِه)
[4172] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 123-125). .
ومن أقوالِ أهلِ العِلمِ في شَأنِ الحَوضِ:1- قال
سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: (السُّنَّةُ عَشَرةٌ، فمَن كُنَّ فيه فقَدِ استَكملَ السُّنَّةَ، ومن تَرك منها شَيئًا فقد تَرَك السُّنَّةَ: إثباتُ القَدَرِ، وتَقديمُ أبي بَكرٍ وعُمَر، والحَوضُ...)
[4173] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/175). .
2- قال
الشَّافِعيُّ: (الإيمانُ بعَذابِ القَبرِ، والإيمانُ بالحَوضِ والشَّفاعةِ، وخُروجُ الدَّجَّالِ حَقٌّ، ومُنكَرٌ ونَكيرٌ حَقٌّ، والإيمانُ بهذا كُلِّه حَقٌّ، فمَن تَركَ شَيئًا من هذا فهو مُخالِفٌ لكِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وسُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[4174] يُنظر: ((اعتقاد الشافعي)) للهكاري (ص: 18). .
3- قال
أحمَدُ: (مِنَ السُّنَّةِ اللازِمةِ التي من تَركَ منها خَصلةً لَم يَقُلْها ويُؤمِنْ بها لَم يَكُنْ من أهلِها... والإيمانُ بالحَوضِ وأنَّ لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضًا يَومَ القيامةِ تَرِدُ عليه أمَّتُه، عَرْضُه مِثلُ طُولِه مَسيرةُ شَهرٍ، آنيَتُه كعَدَدِ نُجومِ السَّماءِ، على ما صَحَّتْ به الأخبارُ من غَيرِ وَجهٍ)
[4175] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (1/175-178). .
4- قال
البَربَهاريُّ: (والإيمانُ بحَوضِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولِكُلِّ نَبيٍّ حَوضٌ)
[4176] يُنظر: ((شرح السنة)) (ص: 44). .
5- قال أبو بَكرٍ الإسماعيليُّ وهو يُبَيِّنُ عَقيدةَ أهلِ السُّنَّةِ: (ويَقولونَ: إنَّ اللهَ يُخرِجُ من النَّارِ قَومًا من أهلِ التَّوحيدِ بشفاعةِ الشَّافِعينَ، وأنَّ الشَّفاعةَ حَقٌّ، والحَوضَ حَقٌّ، والميزانَ حَقٌّ، والحِسابَ حَقٌّ)
[4177] يُنظر: ((اعتقاد أئمة الحديث)) (ص: 68). .
6- قال ابنُ أبي زيدٍ القَيروانيُّ: (والإيمانُ بحَوضِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، تَرِدُه أمَّتُه لا يَظمَأُ من شَرِبَ منه، ويُذادُ عنه من بَدَّلَ وغَيَّرَ)
[4178] يُنظر: ((عقيدة السلف - مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة)) (ص: 60). .
7- قال ابنُ أبي زمنينَ: (أهلُ السُّنَّةِ يُؤمِنونَ بأنَّ للنَّبيِّ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضًا أعطاه اللهُ إيَّاه، من شَرِبَ منه شَرْبةً لَم يَظمَأْ بَعدَها أبَدًا)
[4179] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 158-159)، والحديث أخرجه مسلم برقم: (400). .
8- قال
أبو عَمْرٍو الدَّاني: (مِن قَولِهم: إنَّ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَعادِ حَوضًا، شَرابُه أشَدُّ بَياضًا من اللبَنِ، وأحلى من العَسَلِ، وفيه من الآنيَةِ مِثلُ عَدَدِ نُجومِ السَّماءِ، يَقَعُ فيه ميزابانِ مِنَ الكَوثَرِ، لا يَظمَأُ من شَربَ منه من المُؤمِنينَ، ويَمنَعُ منه من انحَرَف عن الدِّينِ، وخالَفَ السَّبيلَ المُستَقيمَ، على ما صَحَّتْ به الأخبارُ عن الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[4180] يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 207). .
9- قال
ابنُ حَزمٍ: (وأنَّ الحَوضَ حَقٌّ، من شَرِبَ منه لَم يَظمَأْ أبَدًا)
[4181] يُنظر: ((المحلى)) (1/16). .
10- قال القُرطُبيُّ: (قال عُلَماؤُنا رَحمةُ اللهِ عليهم أجمَعينَ: فكُلُّ مَنِ ارتَدَّ عن دينِ اللهِ، أو أحدَثَ فيه ما لا يَرضاه اللهُ، ولَم يَأذَنْ به اللهُ؛ فهو من المَطرودينَ عن الحَوضِ المُبعَدينَ عنه، وأشدُّهم طَردًا من خالَفَ جَماعةَ المُسلِمينَ وفارَقَ سَبيلَهم، كالخَوارِجِ على اختِلافِ فِرَقِها، والرَّوافِضِ على تَبايُنِ ضَلالِها، و
المُعتَزِلةِ على أصنافِ أهوائِها، فهؤلاء كُلُّهم مُبَدِّلونَ، وكَذلك الظَّلَمةُ المُسرِفونَ في الجَورِ والظُّلمِ وتَطميسِ الحَقِّ، وقَتْلِ أهلِه وإذلالِهم، والمُعْلِنونَ بالكَبائِرِ المُستَخِفُّونَ بالمَعاصي، وجَماعةُ أهلِ الزَّيَغِ والأهواءِ والبِدَعِ، ثُمَّ البُعدُ قد يَكونُ في حالٍ ويُقَرَّبونَ بَعدَ المَغفِرةِ إن كان التَّبديلُ في الأعمالِ ولَم يَكُن في العَقائِدِ، وعلى هذا التَّقديرِ يَكونُ نُورُ الوُضوءِ يُعرَفونَ به، ثُمَّ يُقالُ لهم: سُحقًا. وإن كانوا من المُنافِقينَ الذينَ كانوا على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُظهِرونَ الإيمانَ ويُسِرُّونَ الكُفرَ، فيَأخُذُهم بالظَّاهرِ. ثُمَّ يُكشَفُ لهمُ الغِطاءُ، فيَقولُ لهم: سُحقًا سُحقًا. ولا يُخلَّدُ في النَّارِ إلَّا كافِرٌ جاحِدٌ مُبطِلٌ ليس في قَلبِه مِثقالُ حَبَّةٍ من خَردَلٍ من إيمانٍ)
[4182] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 350). .
11- قال
ابنُ تَيميَّةَ: (وما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أمرِ الجَنَّةِ والنَّارِ والبَعثِ والحِسابِ وفِتنةِ القَبرِ والحَوضِ وشفاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أهلِ الكَبائِرِ؛ فإنَّ هذه الأصولَ كُلَّها مُتَّفَقٌ عليها بينَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ)
[4183] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/486). .
12- قال
مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (أؤمِنُ بحَوضِ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَصةِ القيامةِ، ماؤُه أشَدُّ بَياضًا من اللَّبَنِ، وأحلى من العَسَلِ، آنيَتُه عَدَدُ نُجومِ السَّماءِ، من شَرِبَ منه شَرْبةً لَم يَظمَأْ بَعدَها أبَدًا)
[4184] يُنظر: ((الدرر السنية)) (1/ 30-32). .
13- قال
ابنُ بازٍ: (مِنَ
الإيمانِ باليَومِ الآخِرِ الإيمانُ بالحَوضِ المَورودِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضِ يَومِ القيامةِ، يَرِدُه النَّاسُ، حَوضٌ عَظيمٌ، طولُه شَهرٌ وعَرضُه شَهرٌ، وآنيَتُه عَدَدُ نُجومِ السَّماءِ، آنيَتُه كثيرةٌ يَرِدُه المُؤمِنونَ أتباعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَرِدونَه ويَشرَبونَ منه يَومَ القيامةِ، ويُذادُ عنه الكافِرونَ الذينَ لَم يُؤمِنوا بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوِ ارتَدُّوا بَعدَ وفاتِه، يُذادُونَ عنه ويُحرَمونَ منه، كما يُحرَمونَ من دُخولِ الجَنَّةِ، ويَرِدُه المُؤمِنونَ ويَشرَبونَ منه، من هذا الحَوضِ المَورودِ، كُلُّ هذا من أخبارِ يَومِ القيامةِ)
[4185] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 36). .
14- قال
ابنُ عُثَيمين: (هذا الحَوضُ مَوجودٌ الآنَ؛ لأنَّه ثَبتَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه خَطبَ ذاتَ يَومٍ في أصحابِه، وقال:
((وإنِّي واللهِ لأنظُرُ إلى حَوضي الآنَ )) [4186] أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296) مطولًا من حديثِ عقبة بن عامر رَضِيَ اللهُ عنه. . وأيضًا ثَبتَ عن النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال:
((ومِنْبَري على حَوضي)) [4187] أخرجه البخاري (1196)، ومسلم (1391) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وهذا يُحتَمَلُ أنَّه في هذا المَكانِ، لَكِن لا نُشاهِدُه؛ لأنَّه غَيبيٌّ، ويُحتَمَلُ أنَّ المِنبَرَ يوضَعُ يَومَ القيامةِ على الحَوضِ)
[4188]يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 157). .
وقد وقَعَ خِلافٌ في وقتِ الشُّربِ من الحَوضِ: هَل يَكونُ قَبلَ المُرورِ على الصِّراطِ أو بَعدَه؟ قال القُرطُبيُّ: (ذَهَبَ صاحِبُ القَوتِ وغَيرُه: إلى أنَّ حَوضَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما هو بَعدَ الصِّراطِ، والصَّحيحُ أنَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضينِ؛ أحَدُهما: في المَوقِفِ قَبلَ الصِّراطِ، والثَّاني: في الجَنَّةِ، وكِلاهما يُسَمَّى كوثَرًا على ما يَأتي، والكوثَرُ في كَلامِ العَرَبِ الخَيرُ الكَثيرُ، واختُلِفَ في الميزانِ والحَوضِ أيُّهما قَبلَ الآخَرِ، فقيلَ: الميزانُ قَبلُ. وقيلَ: الحَوضُ. قال أبو الحَسَن القابِسيُّ: والصَّحيحُ أنَّ الحَوضَ قَبلُ. قُلتُ: والمَعنى يَقتَضيه؛ فإنَّ النَّاسَ يَخرُجونَ عِطاشًا من قُبورِهم كما تَقَدَّمَ، فيُقَدَّمُ قَبلَ الصِّراطِ والميزانِ. واللهُ أعلَمُ. وقال أبو حامِدٍ في كِتابِ «كشْفِ عُلومِ الآخِرةِ»: وحَكى بَعضُ السَّلَفِ من أهلِ التَّصنيفِ أنَّ الحَوضَ يُورَدُ بَعدَ الصِّراطِ، وهو غَلَطٌ من قائِلِه. قال المُؤَلِّفُ: هو كما قال. وقد رَوى
البُخاريُّ عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((بينَما أنا قائِمٌ على الحَوضِ إذا زُمْرةٌ حَتَّى إذا عَرَفتُهم خَرجَ رَجُلٌ من بَيني وبينَهم فقالَ: هَلُمَّ، فقُلتُ: إلى أينَ؟ فقال: إلى النَّارِ، واللهِ، قُلتُ: ما شَأنُهم؟ فقال: إنَّهم قَدِ ارتَدُّوا على أدبارِهمُ القَهقَرى، ثُمَّ إذا زُمْرةٌ أخرى حَتَّى إذا عَرَفتُهم خَرجَ من بَيني وبينِهم رَجُلٌ، فقال لهم: هَلُمَّ. فقُلتُ: إلى أينَ؟ قال: إلى النَّارِ، واللهِ، قُلتُ: ما شَأنُهم؟ قال: إنَّهم ارتَدُّوا على أدبارِهم، فلا أُراه يَخلُصُ منهم لا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ )) [4189] أخرجه البخاري (6587) باختلافٍ يسيرٍ. قُلتُ: فهذا الحَديثُ مَعَ صِحَّتِه أدَلُّ دَليلٍ على أنَّ الحَوضَ يَكونُ في المَوقِفِ قَبلَ الصِّراطِ؛ لأنَّ الصِّراطَ إنَّما هو جِسرٌ على جَهَنَّمَ مَمدودٌ يُجازُ عليه، فمَن جازَه سَلِمْ من النَّارِ)
[4190] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 345). .
وقال أيضًا عن الحَوضِ: (إنَّما يَكونُ وُجودُه في الأرضِ المُبَدَّلةِ... وهيَ أرضٌ بَيضاءُ كالفِضَّةِ لَم يُسفَكْ عليها دَمٌ، ولَم يُظلَمْ على ظَهرِها أحَدٌ قَطُّ)
[4191] يُنظر: ((التذكرة)) (1/ 347). .
وقال السَّفارينيُّ: (رَجَّحَ القاضي عياضٌ أنَّ الحَوضَ بَعدَ الصِّراطِ، وأنَّ الشُّربَ منه يَقَعُ بَعدَ الحِسابِ والنَّجاةِ من النَّارِ. وقال ابنُ حَمدانَ في عَقيدَتِه: يَشرَبُ منه المُؤمِنونَ قَبلَ دُخولِ الجَنةِ، وبَعدَ جَوازِ الصِّراطِ. انتَهى. وقال
الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ: ظاهِرُ الأحاديثِ أنَّ الحَوضَ بجانِبِ الجَنَّةِ ليَنصَبَّ فيه الماءُ من النَّهرِ الذي داخِلَها، فلَو كان قَبلَ الصِّراطِ لحالَتِ النَّارُ بينَه وبينَ الماءِ الذي يُصَبُّ من الكوثَرِ فيه، قال: وأمَّا ما أُورِدَ عليه من أنَّ جَماعةً يُدفَعونَ عن الحَوضِ بَعدَ أن يَرَوه ويُذهَبُ بهم إلى النَّارِ، فجَوابُه: أنَّهم يُقَرَّبونَ من الحَوضِ بحَيثُ يَرَونَه ويَرَونَ الجَنَّةَ فيُدفَعونَ في النَّارِ قَبلَ أن يَخلُصوا من بَقيَّةِ الصِّراطِ، وقال القُرطُبيُّ في التَّذكِرةِ: إنَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضينِ أحَدُهما في المَوقِفِ قَبلَ الصِّراطِ، والثَّاني في الجَنَّةِ، وكِلاهما يُسَمَّى كوثَرًا، والكوثرُ في كَلامِ العَرَبِ الخَيرُ الكَثيرُ. قال
الجَلالُ السُّيوطيُّ: وقد ورَدَ التَّصريحُ في حَديثٍ صَحيحٍ عِندَ
الحاكِمِ وغَيرِه بأنَّ الحَوضَ بَعدَ الصِّراطِ، فإنْ قيلَ: إذا خَلَصوا من المَوقِفِ دَخلوا الجَنَّةَ، فلَم يَحتاجوا إلى الشُّربِ منه، فالجَوابُ: بَل يَحتاجونَ إلى ذلك؛ لأنَّهم مَحبوسونَ هناك لأجلِ المَظالمِ، فكان الشُّربُ في مَوقِفِ القِصاصِ، ويُحتَمَلُ الجَمعُ بأن يَقَعَ الشُّربُ من الحَوضِ قَبلَ الصِّراطِ لقَومٍ وتَأخيرُه بَعدَه لآخَرينَ بحَسَبِ ما عليهم من الذُّنوبِ والأوزارِ؛ حَتَّى يُهذَّبوا منها على الصِّراطِ، ولَعَلَّ هذا أقوى. انتَهى. قال العَلامةُ الشَّيخُ مَرعي في بَهجَتِه: وهذا في غايةِ التَّحقيقِ جامِعٌ للقَولينِ، وهو دَقيقٌ)
[4192] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 195). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (زَمَنُ الحَوضِ قَبلَ العُبورِ على الصِّراطِ؛ لأنَّ المَقامَ يَقتَضي ذلك؛ حَيثُ إنَّ النَّاسَ في حاجةٍ إلى الشُّربِ في عَرَصاتِ القيامةِ قَبلَ عُبورِ الصِّراطِ)
[4193] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/158). .