المَطلَب الأولُ: دَرَجاتُ الجَنَّةِ
الجَناتُ مُتَفاضِلةٌ فيما بينَها
قال اللهُ تعالى:
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه: 75] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
فأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى يَقُولُ: فأُولِئِكَ الَّذينَ لَهم دَرَجاتُ الجَنَّةِ العُلى)
[4464] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/ 119). .
وقال
السَّمعاني: (قَولُه:
فأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَمْعُ العُليا، والعُليا تَأنيثُ الأعلى)
[4465] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 344). .
وقال
السَّعْديُّ: (
فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى أي: المَنازِلُ العالياتُ، وفي الغُرَفِ المُزَخْرَفاتِ، واللَّذَّاتِ المُتَواصِلاتِ، والأنهارِ السَّارِحاتِ، والخُلُودِ الدَّائِمِ، والسُّرُورِ العَظيمِ، فيما لا عينٌ رَأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قَلبِ بَشَرٍ)
[4466] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 510). .
وفيها دَرَجاتٌ دُونَ الَّتي فوقَها كَما قال اللهُ سُبحانَه:
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ إلى أن قال:
وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن: 46- 62].
وقال
ابنُ كَثيرٍ: (هاتانِ الجِنَّتانِ دُونَ اللَّتينِ قَبلَهما في المَرتَبةِ والفَضيلةِ والمَنزِلةِ بنَصِّ القُرآنِ، قال اللهُ تعالى:
وَمِنْ دُونِهِمَا جِنَّتَانِ.
وقَد تقَدَّم في الحَديثِ:
((جَنَّتانِ مِن ذَهَبٍ آنيتُهما وما فيهما، وجَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ آنيتُهما وما فيهما )) [4467] أخرجه البخاري (4878)، ومسلم (180) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ من حديث أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ فالأُوليَانِ لِلمُقَرَّبينَ، والأُخريانِ لِأصحاب اليَمينِ)
[4468] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 506). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 95-96] .
قال
ابنُ كَثيرٍ: (أخبَر تعالى بما فضَّلَهم به مِنَ الدَّرَجاتِ، في غُرَفِ الجِنانِ العالياتِ، ومَغفِرةِ الذُّنُوبِ والزَّلَّاتِ، وحُلُولِ الرَّحمةِ والبَرَكاتِ، إحسانًا مِنه وتَكريمًا؛ ولِهذا قال تعالى:
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وقَد ثَبَتَ في الصَّحيحينِ عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ في الجَنَّةِ مِائةَ دَرَجةٍ، أعَدَّها اللهُ لِلمُجاهِدينَ في سَبيلِه، ما بينَ كُلِّ دَرَجَتينِ كَما بينَ السَّماءِ والأرضِ)) [4469] أخرجه مسلم (1884) بلفظ: ((..وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض). قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله)). [4470] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 388). .
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أهلَ الجَنَّةِ ليَتَراءَونَ أهلَ الغُرَفِ مِن فوقِهم كَما تَتَراءَونَ الكَوكَبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ مِنَ الأفُقِ مِنَ المَشرِقِ أوِ المَغرِبِ لِتَفاضُلِ ما بينَهم، قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، تِلكَ مَنازِلُ الأنبياءِ لا يَبلُغُها غيرُهم؟ قال: بلى والَّذي نَفسي بيَدِه رَجالٌ آمَنُوا باللهِ وصَدَّقوا المُرْسَلينَ )) [4471] أخرجه البخاري (3256)، ومسلم (2831) واللَّفظُ له. .
قال
ابن القَيِّمِ: (ولفظُ
البُخاريِّ
((في الأُفُقِ)) [4472] أخرجه البخاري (3256) ولفظه: ((إن أهلَ الجنَّةِ يتراءَون أهلَ الغُرَفِ مِن فوقهم كما يتراءون الكوكَبَ الدُّرِّيَّ الغابِرَ في الأفق من المشرِقِ أو المغرب؛ لتفاضُلِ ما بينهم)). وهو أبيَنُ، والغابرُ هو: الذَّاهبُ الماضي الَّذي قَد تَدَلَّى لِلغُرُوبِ. وفي التَّمثيلِ به دُونَ الكَوكَبِ المُسامِتِ لِلرَّأسِ وهو أعلى فائِدَتانِ:
أحَدُهما: بُعدُه عَنِ العُيُونِ. والثَّانيةُ: أنَّ الجَنَّةَ دَرَجاتٌ بَعضُها أعلى مِن بَعضٍ وإن لَم تُسامِتِ العُليا السُّفلى، كالبَساتينِ المُمتَدَّةِ مِن رَأسِ الجَبَلِ إلى ذيلِه. واللهُ أعلَمُ)
[4473] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 78). .
وعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عَنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أهلَ الجَنَّةِ ليَتَراءَونَ الغُرفةَ في الجَنَّةِ كَما تَراءَونَ الكَوكَبَ في السَّماءِ)) [4474] أخرجه البخاري (6555)، ومسلم (2830) واللَّفظُ له. .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أهلَ الجَنَّةِ ليَتَراءَونَ في الجَنَّةِ كَما تَراءَونَ أو تَرَونَ الكَوكَبَ الدُّرِّيَّ الغارِبَ في الأفُقِ الطَّالِعَ، في تَفاضُلِ الدَّرَجاتِ)). قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، أُولَئِكَ النَّبيُّونَ؟ قال:
((بلى، والَّذي نَفسي بيدِه وأقوامٌ آمَنُوا باللهِ وصَدَّقُوا المُرْسَلينَ )) [4475] أخرجه الترمذي (2556)، وأحمد (8471) واللَّفظُ له صحَّحه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2556)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8471)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/370): رواته محتجٌّ بهم في الصحيحِ، وقال ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (73): على شرط البخاري. .
قال
ابنُ القيِّمِ: (في هذا الحَديثِ:
((الغارِب)) وفي حَديثِ أبي سَعيدٍ:
((الغابر)) [4476] لفظ الحديث: ((إن أهلَ الجنَّةِ يتراءَون أهلَ الغُرَفِ مِن فوقهم كما يتراءون الكوكَبَ الدُّرِّيَّ الغابِرَ في الأفق من المشرِقِ أو المغرب؛ لتفاضُلِ ما بينهم)). أخرجه البخاري (3256) واللَّفظُ له، ومسلم (2831). ، وقَولُه:
((الطَّالِع)) صِفةٌ لِلكَوكَب وصفَه بكَونِه غارِبًا وبكَونِه طالِعًا)
[4477] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 78). .
وقال عياضٌ: (قَولُه:
((كَما تَراءَونَ الكَوكَبَ الدُّرِّيَّ)): دراريُّ النُّجُومِ: عِظامُها، سُمِّيَتِ الكَواكِبُ دَراريَّ لِبياضِها. وقيلَ: بإضاءَتِها. وقيلَ: لِتشبهها بالدُّرَرِ؛ لِأنَّها أرفَعُ الكَواكِب ِكالدُّرِّ في الجَواهرِ. وقَولُه في الرِّوايةِ الأُخرى:
((الكَوكَب الدُّرِّي الغابر مِنَ الأفُقِ)): كَذا في أكثَرِ نُسخِ مُسلِمٍ «مِنَ الأفُقِ». و«مِن» لِابتِداءِ الغايةِ. قال بَعضُهم: والأشبَهُ هنا ما ذَكرَه
البُخاري «في الأفُقِ»... ومَعناه: الذي تَدَلَّى لِلغُرُوب وبَعُدَ عَنِ العينِ. وقَد رُويَ في غيرِ مُسلِمٍ: الغارِب، بتَقديمِ الرَّاءِ، بمَعنى ما ذَكَرناه، ورُوي أيضًا: «العازِب» بالعينِ المُهمَلةِ والزَّايِ، ومَعناه: البَعيدُ في الأفُقِ، وكُلُّها راجِعةٌ إلى مَعنًى واحد)
[4478] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 362). .
عن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها )) [4479] أخرجه أبو داود (1464) واللفظ له، والترمذي (2914)، وأحمد (6799) صححه الترمذيُّ، وابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (766)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2914)، وصحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1464)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين )) (798). .
قال
ابنُ القيِّمِ: (هذا صَريحٌ في أنَّ دَرَجَ الجَنةِ تَزيدُ على مِائةٍ، وأمَّا حَديثُ أبي هريرةَ الَّذي أخرجه
البُخاريُّ في صَحيحِه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ في الجَنَّةِ مِائةَ دَرَجةٍ أعَدَّها اللهُ لِلمُجاهِدينَ في سَبيلِه بينَ كُلِّ دَرَجَتينِ كَما بينَ السَّماءِ والأرضِ، فإذا سَألتُمُ اللهَ فاسألُوه الفِردَوسَ؛ فإنَّه وسَطُ الجَنَّةِ وأعلى الجَنَّةِ، وفَوقَه عَرْشُ الرَّحمَنِ، ومِنه تُفجَّرُ أنهارُ الجَنَّةِ )) [4480] أخرجه البخاري (2790) باختلاف يسير ، فإمَّا أن تَكُونَ هذه المِائةُ مِن جُملةِ الدَّرَجِ، وإمَّا أن تَكُونَ نِهايَتُها هذه المِائةَ، وفي ضِمنِ كُلِّ دَرَجةٍ دَرَجٌ دُونَها)
[4481] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 79). .
قال السَّفارينيُّ مُعَلِّقًا: (قُلتُ: والثَّاني أوجَهٌ؛ لِأنَّ لَفظَ حَديثِ
البُخاريِّ مَعرِفةُ الطَّرَفينِ، فيُفيدُ الحَصرَ على رَأيِ البيانيِّينَ، وإنِ استَوجَهَ المُحَقِّقُ يَعني
ابنَ القيِّمِ الأوَّلَ)
[4482] يُنظر: ((البحور الزاخرة)) (3/ 981). .
وقال
الصَّنعانيُّ: (
((الجَنَّةُ مِائةُ دَرَجةٍ)) يُحتَمَلُ أن يُرادَ بها الرُّتبةُ، كَما يُقالُ: لِفُلانٍ دَرَجةٌ عِندَ المَلكِ: أي رُتبةٌ، ويُحتَمَلُ أن يُرادَ بها المَصاعِدُ)
[4483] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (5/ 299). .
قال
ابنُ تيميَّةَ: (الجَنَّةُ دَرَجاتٌ مُتَفاضِلةٌ تَفاضُلًا عَظيمًا، وأولياءُ اللهِ المُؤمِنونَ المُتَّقونَ في تِلكَ الدَّرَجاتِ بحَسَب إيمانِهم وتَقواهم. قال تباركَ وتعالى:
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا. فبيَّنَ اللهُ سُبحانَه وتعالى أنَّه يُمِدُّ مَن يُريدُ الدُّنيا ومَن يُريدُ الآخِرةَ مِن عَطائِه، وأنَّ عَطاءَه ما كانَ مَحظُورًا مِن بَرٍّ ولا فاجِرٍ، ثُمَّ قال تعالى:
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا. فبينَ اللهُ سُبحانَه أنَّ أهلَ الآخِرةِ يَتَفاضَلونَ فيها أكثَرَ مِمَّا يَتَفاضَلُ النَّاسُ في الدُّنيا، وأنَّ دَرَجاتِها أكبَرُ مِن دَرَجاتِ الدُّنيا...وقَد قال اللهُ تعالى:
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى، وقال تعالى:
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال تعالى:
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وقال تعالى:
أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال تعالى:
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
[4484] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 188-190). .
وأفضَلُ الأنبياءِ دَرَجةً مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمعَن
عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا سَمِعتُمُ المُؤَذِّنَ فقُولُوا مِثلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فإنَّه مَن صَلَّى عليَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عليه بها عَشرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لي الوسيلةَ؛ فإنَّها مَنزِلةٌ في الجَنَّةِ لا تَنبَغي إلَّا لِعَبدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأرجُو أن أكُونَ أنا هو )) [4485] أخرجه مسلم (384). .
قال
ابنُ القيِّمِ: (سُمِّيَت دَرَجةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوسيلةَ؛ لِأنَّها أقرَبُ الدَّرَجاتِ إلى عَرْشِ الرَّحمَنِ، وهي أقرَبُ الدَّرَجاتِ إلى اللهِ، وأصلُ اشتِقاقِ لَفظِ الوسيلةِ مِنَ القُربِ، وهي فَعِيلةٌ مِن وَسَلَ إليه: إذا تَقَرَّبَ إليه... ومَعنى الوسيلةِ مِنَ الوصلةِ؛ ولِهذا كانَت أفضَلَ الجَنَّةِ وأشرَفُها وأعظَمُها نُورًا... وإن كانَ في الوسيلةِ مَعنى التَّقَرُّب إليه بأنواعِ الوسائِلِ... وقَد كَشَفَ سُبحانَه عَن هذا المَعنى كُلَّ الكَشفِ بقَولِه:
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ فقَولُه: أيُّهم أقرَبُ، هو تَفسيرٌ لِلوسيلةِ الَّتي يَبتَغيها هَؤُلاءِ الَّذينَ يَدعُوهمُ المُشرِكونَ مِن دُونِ الله، فيَتَنافَسونَ في القُرب مِنه، ولَمَّا كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعظَمَ الخَلقِ عَبُوديَّةً لِرَبِّه وأعلَمَهم به وأشدَّهمُ لَه خَشيةً وأعظَمَهم لَه مَحَبَّةً، كانَت مَنزِلَتُه أقرَبَ المَنازِلِ إلى اللهِ، وهي أعلى دَرَجةٍ في الجَنَّةِ، وأمرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتَه أن يَسألُوها لَه؛ لينالُوا بهذا الدُّعاءِ زُلْفى مِنَ اللهِ وزيادةَ الإيمانِ. وأيضًا فإنَّ اللهَ سُبحانَه قَدَّرَها لَه بأسبابٍ مِنها دُعاءُ أمَّتِه لَه بها بما نالُوه على يَدِه مِنَ الإيمانِ والهُدى صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه)
[4486] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 82). .
وقال
ابنُ عُثيمين: (إنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام أعلى الخَلقِ مَنزِلةً في الجَنَّةِ، كَما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اسألُوا اللهَ لي الوسيلةَ؛ فإنَّها مَنزِلةٌ في الجَنَّةِ لا تَنبَغي إلَّا لِعَبدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأرجُو أن أكُونَ أنا هو )). ولا شَكَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَأواه جَنَّةُ الفِردَوسِ، وجَنَّةُ الفِردَوسِ هي أعلى دَرَجاتِ الجَنةِ، وسَقْفُها الَّذي فوقَها عَرشُ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُه، والنَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في أعلى الدَّرَجاتِ مِنها)
[4487] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (1/ 202). .