الفَرعُ الأوَّلُ: النُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ قَولَ اللِّسانِ يَدخُلُ في مُسمَّى الإيمانِ
النُّصوصُ الدَّالَّةُ على أنَّ قَولَ اللِّسانِ يدخُلُ في مُسَمَّى الإيمانِ كثيرةٌ؛ منها:
1- قَولُ الله تعالى:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 136] ، ثم قال عزَّ وجَلَّ:
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا [البقرة: 137] .
قال الحليمي: (فأمَرَ المؤمنين أن يقولوا:
آمَنَّا، ثم أخبَرَ بقَولِه تعالى:
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ أنَّ ذلك القَولَ منهم إيمانٌ، وسَمَّى قَولَهم مِثلَ ذلك إن قالوه إيمانًا؛ إذ لا معنى لقَولِه:
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ إلَّا: فإنْ آمنوا بأنْ قالوا:
((مِثلَ ما قلتُم)) فكانوا مؤمنين كما آمنتُم، فصَحَّ أنَّ القَولَ إيمانٌ)
[89] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/26). .
وقال أيضًا: (الدَّليلُ على أنَّ التصديقَ بالقَلبِ لا ينفَكُّ عن الكُفرِ دونَ أن ينضَمَّ إليه الإقرارُ باللِّسانِ إذا كان مقدورًا عليه: أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ أمَرَ بالقَولِ، فقال:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا )
[90] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/26). .
2- قَولُ اللهِ سُبحانَه:
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر: 84-85] .
فإيمانُ الأُمَمِ المكَذِّبةِ لَمَّا رأوا بأسَ اللهِ، لم ينقُلْهم من الكُفرِ، ولم ينفَعْهم، فثَبَت أنَّه لو كان قَبْلَها لنَفَعَهم بأن ينقُلَهم من الكُفرِ إلى الإيمانِ، فهذا القَولُ منهم لو كان قبل رؤيةِ البأسِ، لكان إيمانًا
[91] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/26). .
قال
ابنُ كثيرٍ: (
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا أي: عايَنوا وقوعَ العَذابِ بهم،
قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ أي: وحَّدُوا اللهَ وكَفَروا بالطَّاغوتِ، ولكِنْ حيث لا تقالُ العَثَراتُ، ولا تنفَعُ المعذِرةُ، وهذا كما قال فِرعَونُ حين أدركَه الغَرَقُ:
آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 90] ، قال اللهُ تبارك وتعالى:
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 91] أي: فلم يَقبَلِ اللهُ منه)
[92] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/160). .
3- قَولُه عزَّ وجَلَّ:
إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ [الزخرف: 86] .
قال
السعديُّ: (أي: نطَقَ بلِسانِه مُقِرًّا بقَلْبِه، عالِمًا بما شهد به، ويُشتَرَطُ أن تكونَ شَهادتُه بالحَقِّ، وهو الشَّهادةُ لله تعالى بالوَحدانيَّةِ، ولرُسُلِه بالنبُوَّةِ والرِّسالةِ، وصِحَّةِ ما جاؤوا به من أُصولِ الدِّينِ وفُروعِه، وحقائِقِه وشَرائِعِه)
[93] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 771). .
4- عن
جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فإذا قالوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، عَصَموا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها )) [94] أخرجه مسلم (21). .
فقد أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنَّ العِصمةَ المزايِلةَ للكُفرِ تَثبُتُ بالقَولِ، فبذلك يَثبتُ أنَّ القَولَ إيمانٌ؛ لأنَّ الإيمانَ هو العاصِمُ مِن القَتلِ
[95] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/27). .
وقال
ابنُ الملَقِّنِ -في فوائِدِ هذا الحديثِ-: (السَّادِسةُ: اشتراطُ النُّطقِ بكَلِمَتيِ الشَّهادةِ في الحُكمِ بإسلامِ الكافِرِ، وأنَّه لا يكُفُّ عن قتالِهم إلَّا بالنُّطقِ بهما)
[96] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (2/614). .
5- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون -أو بِضعٌ وسِتُّونَ- شُعبةً، فأفضَلُها قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ )) [97] أخرجه البخاري (9) مختصرًا، ومسلم (35) واللَّفظُ له. .
قال
ابنُ باز: (دَلَّ ذلك على أنَّ الإيمانَ يُطلَقُ على ما يكونُ في القَلبِ، وعلى ما تقومُ به الجوارحُ، وعلى ما ينطِقُ به اللِّسانُ ممَّا شرعه اللهُ ورسولُه، ... فالإيمانُ الحَقُّ هو الذي يتطابَقُ فيه القَلبُ واللِّسانُ والجوارحُ على ما شرعه اللهُ سُبحانَه وتعالى، وعلى ما أخبر اللهُ به ورَسولُه)
[98] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/160). .