تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
الرُّكنُ الثَّاني هو إقامةُ الصَّلاةِ بجميعِ حُقوقِها ولوازمِها. قال اللهُ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[النور: 56] . وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة: 5] . وفي حديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا بعثه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى اليَمَنِ قال له: ((إنَّك تأتي قومًا من أهلِ الكتابِ، فلْيَكُنْ أوَّلَ ما تدعوهم إليه شهادةُ: أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم خمسَ صَلواتٍ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن أطاعوا لذلك فأعلِمْهم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذُ من أغنيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم، فإنْ هم أطاعوا لذلك فإيَّاك وكرائمَ أموالِهم، واتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّه ليس بينها وبين اللهِ حِجابٌ )) [528] أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) واللفظ له. . وقد أجمعَ الصَّحابةُ والتَّابعون على كُفرِ وقَتْلِ تارِكِ الصَّلاةِ إذا كان تَرْكُه لها عن جحودٍ لفرضِيَّتِها أو استكبارٍ عنها، وإن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ. قال ابنُ رشدٍ: (من جَحَد فَرْضَ الصَّلاةِ فهو كافِرٌ يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِل، وكان مالُه للمُسلِمين، كالمرتَدِّ إذا قُتِلَ على رِدَّتِه بإجماعٍ مِن أهلِ العِلمِ، لا اختِلافَ بينهم فيه) [529] يُنظر: ((المقدمات الممهدات)) (1/141). . وقال ابنُ تيميَّةَ: (هنا ثلاثةُ أقسامٍ: أحَدُها: إن جَحَد وجوبَها أي: الصَّلاةِ فهو كافِرٌ بالاتِّفاقِ. والثَّاني: ألَّا يجحَدَ وُجوبَها، لكِنَّه ممتَنِعٌ من التزامِ فِعْلِها؛ كِبرًا أو حَسَدًا، أو بُغضًا لله ورَسولِه، فيقولُ: أعلَمُ أنَّ اللهَ أوجَبَها على المُسلِمين، والرَّسولُ صادِقٌ في تبليغِ القُرآنِ، ولكِنَّه ممتَنِعٌ عن التزامِ الفِعلِ؛ استكبارًا أو حَسَدًا للرَّسولِ، أو عصبيةً لدينِه، أو بغضًا لِما جاء به الرَّسولُ؛ فهذا أيضًا كافِرٌ بالاتِّفاقِ؛ فإنَّ إبليسَ لَمَّا ترك السُّجودَ المأمورَ به لم يكُنْ جاحِدًا للإيجابِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى باشَرَه بالخِطابِ، وإنَّما أبى واستكبر، وكان من الكافِرين) [530] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (20/97). . وأمَّا من تعَمَّد تَرْكَ الصَّلاةِ تهاونًا وكسَلًا، هل هو كافِرٌ أو مسلِمٌ؟ ففيه قولانِ لأهلِ العِلمِ، ولكُلِّ فريقٍ أدِلَّتُه وحُجَجُه، والقَولُ الوَسَطُ بين الطرفينِ، وبه تجتَمِعُ أدِلَّةُ الفريقين؛ أن يُقالَ: إنَّ ضابِطَ تَرْكِ الصَّلاةِ الذي يُعَدُ كُفرًا هو التَّركُ المطلَقُ الذي يتحَقَّقُ بتَرْكِ الصَّلاةِ بالكُلِّيَّةِ، أو بالإصرارِ على عَدَمِ إقامتِها، أو بتَرْكِها في الأعمِّ الأغلَبِ بما يشبِهُ التَّرْكَ المطلَقَ بحيثُ لا يُعَدُّ صاحِبُه مقيمًا ومؤدِّيًا للصَّلاةِ، وليس مناطُ التكفيرِ مُطلَقَ التَّرْكِ للصَّلاةِ بحيثُ يلزَمُ أن نكَفِّرَ كُلَّ من ترك صلاةً واحِدةً [531] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (22/49)، ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (12/54)، ((ضوابط التكفير)) لعبد الله القرني (ص: 159). . ويَشهَدُ لذلك جُملةٌ مِنَ الأدِلَّةِ؛ منها: 1- قَولُه تعـالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[مريم: 59] ، فالمرادُ من تضييعِ الصَّلاةِ هنا تَرْكُها بالكُلِّيَّةِ، كما قاله محمَّدُ بنُ كَعبٍ القُرظيُّ، وزيدُ بنُ أسلَمَ، والسُّدِّيُّ، واختاره ابنُ جريرٍ [532] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/569)، ((تفسير ابن كثير)) (5/243). . 2- حديثُ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَمْسُ صَلَواتٍ كَتَبَهنَّ اللهُ على العِبادِ، مَن جاء بهِنَّ لم يُضَيِّعْ منهنَّ شيئًا استِخفافًا بحَقِّهنَّ، كان له عندَ اللهِ عَهدٌ أن يُدخِلَه الجنَّةَ، ومَن لم يأتِ بهنَّ فليس له عندَ اللهِ عَهدٌ؛ إن شاء عَذَّبه، وإن شاء أدخَلَه الجنَّةَ )) [533] أخرجه أبو داود (1420)، والنسائي (461) واللفظ لهما، وابن ماجه (1401). صحَّحه ابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (2417)، وابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (23/288)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/447). . قال ابنُ تيميَّةَ: (فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما أدخَلَ تحت المشيئةِ من لم يحافِظْ عليها، لا من تَرَك، ونَفْسُ المحافظةِ يقتضي أنَّهم صَلَّوا ولم يحافِظوا عليها... فإنَّ كثيرًا من النَّاسِ بل أكثَرَهم، في كثيرٍ مِن الأمصارِ، لا يكونون محافِظين على الصَّلَواتِ الخَمسِ، ولا هم تاركيها بالجُملةِ، بل يُصَلُّونَ أحيانًا، ويَدَعون أحيانًا، فهؤلاء فيهم إيمانٌ ونفاقٌ، وتجري عليهم أحكامُ الإسلامِ الظَّاهرةُ) [534] يُنظر: ((مجموع الفتاوي)) (7/615-617). . وقال ابنُ تيميَّةَ أيضًا: (فأمَّا من كان مُصِرًّا على تَرْكِها لا يصَلِّي قط، ويموتُ على هذا الإصرارِ والتَّرْكِ، فهذا لا يكونُ مُسلِمًا، لكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ يُصَلُّون تارةً، ويتركونَها تارةً، فهؤلاء ليسوا يحافِظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيدِ، وهم الذين جاء فيهم الحديثُ الذي في السُّنَنِ؛ حديثُ عُبادةَ) [535] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (22/49). .