الفَرعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ الثَّالثَ عَشَر
1. أحمد العَدَويُّ أبو البركات (الدَّردير) (المالكيُّ). ت:1201هـقال الدَّردير:
((الرِّدَّة كُفرُ المُسْلِم) المتقرِّرِ إسلامُه بالنُّطقِ بالشَّهادتينِ، مختارًا، ويكونُ بأحَدِ أمورٍ ثلاثةٍ: (بصريحٍ) من القَوْلِ؛ كقَولِه: أُشْرِكُ أو أَكْفُرُ باللهِ، (أو لفظٍ) أي: قَولٍ يقتضيه، … (أو فعلٍ يتضمَّنُه) أي: يقتضي الكُفْرَ ويستلزمُه استلزامًا بيِّنًا، (كإلقاءِ مُصحَفٍ بقذَرٍ)) [1212] يُنظر: ((الشرح الكبير)) (4/301). .
2. سليمان بن عمر الجمل (الشَّافعيُّ). ت:1204هـقال الجمل:
((كتابُ الرِّدَّة) (هي) لغةً: الرُّجوعُ عن الشَّيءِ إلى غيرِه، وشَرْعًا: (قَطْعُ من يصحُّ طلاقُه الإسلامَ بكفرٍ عزمًا)، ولو في قابلٍ (أو قولًا أو فعلًا، استهزاءً) كان ذلك، (أو عنادًا أو اعتقادًا) بخلافِ ما لو اقترن به ما يخرِجُه عن الرِّدَّةِ؛ كاجتهادٍ، أو سَبْق لسانٍ، أو حكايةٍ، أو خَوفٍ) [1213] يُنظر: ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (7/567). .
3. محمَّد بن عبد الوهاب التَّميميُّ. ت:1206هـ
قال محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (لو نُقَدِّر أَنَّ السُّلطانَ ظَلَم أهلَ المغرِبِ ظُلمًا عظيمًا في أموالِهم وبلادِهم، ومع هذا خافوا استيلاءَه على بلادِهم ظُلمًا وعدوانًا، ورأَوا أَنَّهم لا يدفعونَهم إِلَّا باستنجادِ الفِرنجِ، وعلموا أَنَّ الفرنجَ لا يوافِقونَهم إلَّا أَنْ يقولوا: نحن معكم على دينكم ودنياكم، ودينُكم هو الحقُّ، ودينُ السُّلطانِ هو الباطِلُ، وتظاهروا بذلك ليلًا ونهارًا، مع أَنَّهم لم يدخُلوا في دين الفِرنج، ولم يتركوا الإسلامَ بالفِعْلِ، لكن لَمَّا تظاهروا بما ذكرنا ومرادُهم دَفعُ الظُّلمِ عنهم، هل يَشُكُّ أحدٌ أنَّهم مرتدُّون في أكْبَر ما يكونُ من الكُفْرِ والرِّدَّةِ إذا صرَّحوا أَنَّ دينَ السُّلطان هو الباطِلُ، مع علمِهم أَنَّه حقٌّ، وصرَّحوا أنَّ دينَ الفِرَنج هو الصَّوابُ، وأَنَّه لا يُتَصوَّر أنَّهم لا يتيهون؛ لأنَّهم أكثَرُ من المُسْلِمين، ولأَنَّ اللهَ أعطاهم من الدُّنيا شيئًا كثيرًا، ولأَنَّهم أهلُ الزُّهد والرَّهبانيَّة؟! فتأمَّل هذا تأمُّلًا جيِّدًا، وتأمَّل ما صدَّرْتُم به الأوراقَ من موافقتِكم به الإسلامَ، ومعرفتِكم بالنَّاقِضِ إذا تحقَّقْتُموه، وأَنَّه يكونُ بكَلِمةٍ ولو لم تُعتَقَدْ، ويكونُ بفِعلٍ ولو لم يتكلَّم، ويكونُ في القَلْبِ مِن الحُبِّ والبُغْض ولو لم يتكلَّم ولم يعمَلْ؛ تبيَّن لك الأمرُ)) [1214] يُنظر: مؤلَّفات الشيخ - قسم الرسائل الشخصية (ص: 28). .
وقال: (تجِدُ الرَّجُلَ يؤمِنُ باللهِ ورَسولِه، وملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه، وبالبَعثِ بعد الموتِ، فإذا فعل نوعًا من المكفِّراتِ، حَكَم أهلُ العِلمِ بكُفرِه وقَتْلِه، ولم ينفَعْه ما معه من الإِيمانِ. وقد ذكر الفُقَهاءُ من أهلِ كلِّ مذهبٍ "باب حكم المرتد"، وهو الَّذي يكفُرُ بعد إسلامِه، ثُمَّ ذكروا أنواعًا كثيرةً، من فَعَل واحدًا منها كَفرَ، وإذا تأمَّلْتَ ما ذكَرْناه، تبيَّن لك أنَّ الإيمانَ الشَّرعيَّ لا يجامِعُ الكُفْرَ، بخلافِ الإيمانِ اللُّغويِّ. واللهُ أعلَمُ)
[1215] يُنظر: ((الدرر السَّنِيَّة)) (10/137). .
وقال: (أمَّا إنْ لم يكُنْ له عذرٌ، وجلس بين أظهُرِهم، وأظهر لهم أنَّه منهم، وأَنَّ دينَهم حقٌّ، ودينُ الإسلامِ باطلٌ؛ فهذا كافِرٌ مرتدٌّ، ولو عرف الدِّينَ بقَلْبِه؛ لأَنَّه يمنَعُه من الهجرةِ محبَّةُ الدُّنيا على الآخِرةِ، ويتكلَّمُ بكلامِ الكُفْرِ من غيرِ إكراهٍ، فدخل في قَولِه تعالى:
وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
[1216] يُنظر: ((الدرر السَّنِيَّة)) (10/141). وانظر: كيف حكم برِدَّته رغم أَنَّه أظهر الكُفرَ محبَّة للدُّنيا لا اعتقادًا له. .
وقال أيضًا: (اعلَمْ رحِمَـك اللهُ: أنَّ دينَ اللهِ يكونُ على القَلْبِ بالاعتقادِ، وبالحبِّ والبُغضِ، ويكونُ على اللِّسانِ بالنُّطقِ، وتَرْكِ النُّطقِ بالكُفْرِ، ويكونُ على الجوارحِ بفِعلِ أركانِ الإسلامِ، وتَرْكِ الأفعالِ التي تكفِّرُ، فإذا اختلَّت واحِدةٌ من هذه الثَّـلاثِ كَفَر وارتدَّ.
مثالُ عَمَلِ القَلْبِ: أنْ يظنَّ أنَّ هذا الذي عليه أكثرُ النَّاسِ من الاعتقادِ في الأحياءِ والأمواتِ حَقٌّ، ويستدِلُّ بكون أكثَرِ النَّاسِ عليه، فهو كافِرٌ، مكذِّبٌ للنَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو لم يتكلَّم بلسانِه، ولم يعملْ إلَّا بالتَّوحيدِ، وكذلك إذا شكَّ، لا يدري مَن الحقُّ معه، فهذا لو لم يكَذِبْ فهو لم يصدِّقِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو يقولُ: عسى اللهُ أَنْ يبيِّنَ الحقَّ! فهو في شكٍّ، فهو مرتَدٌّ ولو لم يتكلَّمْ إلَّا بالتَّوحيدِ.
ومثالُ اللِّسانِ: أنْ يؤمِنَ بالحقِّ ويحبَّه، ويكفُرَ بالباطِلِ ويبغِضَه، ولكنَّه تكلَّمَ مُداراةً لأهلِ الأحساءِ، ولأهلِ مكَّةَ أو غيرِهم بوُجوهِهم؛ خوفًا من شرِّهم، وإمَّا أَنْ يكتُبَ لهم كلامًا يصرِّحُ لهم بمَدحِ ما هم عليه، أو يذكُرَ أَنَّه ترك ما هو عليه، ويظنُّ أَنَّه ماكرٌ بهم، وقلبُه موقِنٌ أَنَّه لا يضُرُّه، وهذا أيضًا لغُرورِه!
وهو معنى قَولِ اللهِ تعالى:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ إلى قَولِه:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ فقط لا لتغيُّرِ عقائِدِهم. فمن عرف هذا عرف أنَّ الخَطَرَ خطرٌ عظيمٌ شديدٌ، وعرف شدَّةَ الحاجةِ للتعلُّمِ والمذاكَرةِ، وهذا معنى قَولِه في الإقناعِ في
الرِّدَّة: نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا أو فِعلًا. واللهُ أعلَمُ)
[1217] يُنظر: ((الدرر السَّنِيَّة)) (10/87). .
وقال: (قَولُه تعالى في عمَّار بن ياسرٍ وأشباهِه:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ إلى قَولِه:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ فلم يستثْنِ اللهَ إلَّا من أُكرِهَ وقَلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ، بشَرطِ طُمأنينةِ قلبِه، والإكراهُ لا يكونُ على العقيدةِ، بل على القَوْلِ والفِعْلِ، فقد صرَّح بأنَّ من قال الكُفْرَ أو فعَلَه، فقد كفر إلَّا المُكْرَهَ، بالشَّرطِ المذكورِ؛ وذلك أنَّ ذلك بسَبَبِ إيثارِ الدُّنيا، لا بسَبَبِ العقيدةِ)
[1218] يُنظر: ((تاريخ ابن غنام)) (ص 344). .
وقال: (إذا عرَفْتَ أنَّ أعظَمَ أهلِ الإخلاصِ وأكثَرَهم حَسَناتٍ لو قال كَلِمةَ الشِّركِ مع كراهيتِه لها ليقودَ غَيرَه بها إلى الإسلامِ، حبِطَ عَمَلُه، وصار من الخاسِرينَ، فكيف بمن أظهر أَنَّه منهم، وتكلَّم بمائةِ كَلِمةٍ لأجْلِ تجارةٍ أو لأجْلِ أنْ يحجَّ لَمَّا منع الموحِّدين من الحجِّ، كما منعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه حتّى فتح اللهُ مَكَّةَ)
[1219] يُنظر: رسالة في المسائل الخمس لمحمد بن عبد الوهاب. ضمن "الرسائل والمسائل النجدية" (4/11). .
وقال: (…
السَّادِسُ: من استهزأ بشيءٍ من دينِ الرَّسولِ أو ثوابِه أو عقابِه، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى:
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66] .
السَّابعُ: السِّحرُ، ومنه الصَّرفُ، والعَطفُ، فمن فَعَله أو رَضِيَ به، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى:
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: 102] .
الثَّامِنُ: مُظاهَرةُ المُشْرِكين ومعاونتُهم على المُسْلِمين، والدَّليلُ قَولُه تعالى:
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51] .
ولا فَرْقَ في جميعِ هذه النَّواقِضِ بين الهازِلِ والجادِّ والخائِفِ، إلَّا المُكْرَهَ، وكلُّها من أعظَمِ ما يكونُ خَطَرًا، وأكثَرِ ما يكون وقوعًا؛ فينبغي للمُسلم أنْ يحذَرْها، ويخافَ منها على نَفْسِه، نعوذُ باللهِ مِن مُوجِباتِ غَضَبِه، وأليمِ عقابِه، وصلَّى اللهُ على خَيرِ خَلْقِه محمَّدٍ وآلِه وصَحْبِه وسلَّم)
[1220] يُنظر: رسالة "نَواقِض الإسلام". .
وقال: (ويقالُ أيضًا: إذا كان الأوَّلون لم يُكفَّروا إلَّا لأَنَّهم جمعوا بين الشِّركِ وتكذيبِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقُرآنِ، وإنكارِ البَعثِ، وغيرِ ذلك، فما معنى البابِ الذي ذكر العُلَماء في كلِّ مذهبٍ "باب حُكمِ المرتَدِّ"، وهو المُسْلِمُ الذي يَكفُرُ بعد إسلامِه، ثُمَّ ذكروا أنواعًا كثيرةً، كلُّ نوعٍ منها يكفِّر، ويُحلُّ دمَ الرَّجُلِ ومالَه، حتى إِنَّهم ذكروا أشياءَ يسيرةً عند من فعَلَها، مِثلُ كَلِمةٍ يَذكُرُها بلسانِه دون قَلْبِه، أو كَلِمةٍ يذكُرُها على وَجهِ المزْحِ واللَّعِب؟
ويقال أيضًا: الذين قال اللهُ فيهم:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، أَما سمعْتَ اللهَ كفَّرهم بكَلِمةٍ مع كَونِهم في زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهم يجاهِدون معه ويصلُّون معه ويزكُّون ويحجُّون ويوحِّدُون؟ وكذلك الذين قال اللهُ فيهم:
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ هؤلاء الَّذين صرَّح اللهُ أَنَّهم كَفَروا بعد إيمانِهم، وهم مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ تَبُوكَ، قالوا كَلِمةً ذكروا أَنَّهم قالوها على وَجهِ المزْحِ.
فتأمَّل هذه الشُّبهةَ، وهي قَولُهم: تكفِّرون من المُسْلِمين أُناسًا يشهدون أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويصلُّون ويصومون، ثمَّ تأمَّلْ جَوابَها؛ فإِنَّه من أنفَعِ ما في هذه الأوراقِ)
[1221] يُنظر: ((كشف الشبهات)) (ص: 41). .
وقال أيضًا: (فإذا تحقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحابةِ الذين غَزَوا الرُّومَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَفَروا بسَبَبِ كَلِمةٍ قالوها على وَجهِ المزحِ واللَّعِبِ، تبيَّن لك أَنَّ الَّذي يتكلَّمُ بالكُفْرِ، أو يعمَلُ به خوفًا من نَقصِ مالٍ، أو جاهٍ، أو مُداراةً لأحدٍ: أعظَمُ ممَّن تكلَّم بكَلِمةٍ يمزَحُ بها.
والآيةُ
الثَّانيةُ: قَولُه تعالى:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ فلم يَعذِرِ اللهُ من هؤلاء إلَّا من أُكرِهَ مع كونِ قَلْبِه مُطمئنًّا بالإيمانِ، وأمَّا غيرُ هذا، فقد كَفَر بعد إيمانِه، سواءٌ فَعَلَه خَوفًا، أو مداراةً، أو مَشحَّةً بوَطَنِه أو أهلِه، أو عشيرتِه أو مالِه، أو فَعَله على وَجهِ المزحِ، أو لغيرِ ذلك من الأغراضِ، إلَّا المُكْرَهَ. والآيةُ تدلُّ على هذا من جهتَينِ:
الأولى: قَولُه:
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ فلم يستَثْنِ اللهُ إلَّا المُكْرَهَ، ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ لا يُكرَهُ إلَّا على العَمَلِ أو الكلامِ، وأمَّا عقيدةُ القَلْبِ فلا يُكرَهُ أحدٌ عليها.
والثَّانيةُ: قَولُه تعالى:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ، فصرَّح أنَّ هذا الكُفْرَ والعذابَ لم يكُنْ بسَبَبِ الاعتِقادِ أو الجَهلِ، أو البُغضِ للدِّينِ، أو محبَّةِ الكُفْرِ، وإِنَّما سَبَبُه أَنَّ له في ذلك حظًّا من حُظوظِ الدُّنيا، فآثَرَه على الدِّينِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ. والحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أجمعينَ. آمينَ)
[1222] يُنظر: المصدر السابق (ص: 57). وكلامُه هنا صريحٌ جِدًّا في أنَّ من نطق بكَلمةِ الكُفرِ، أو فَعَل مكفِّرًا، طوعًا لا إكراهًا، كَفَر وارتَدَّ ولو كان بسَبَبِ حَظٍّ أو غرَضٍ دنيويٍّ، ولو لم يعتَقِدْ ما قال أو فعل. .
وفي تفسيرِ قَولِه تعالى:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ … الآيات. ذكَرَ
محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ مَسائِلَ؛ منها: (
الثَّانيةُ: استثناءُ المُكْرَهِ المطمئنِّ.
الثَّالثةُ: أَنَّ الرُّخصةَ لمن جمع بينَهما خلافُ المُكْرَه فقط.
الرابعةُ: أَنَّ
الرِّدَّة المذكورةَ كلامٌ أو فعلٌ من غير اعتقادٍ ...
الثَّالثــة عشرة: من فعل ذلك فقد شرح بالكُفْرِ صدرًا ولو كرِه ذلك؛ لأَنَّه لم يستَثْنِ إلَّا من ذَكَر …
السادسة عشرة: ذِكرُ سَبَبِ تلك العقوبةِ، وهي استحبابُ الدُّنيا على الآخرةِ، لا مجرَّدُ الاعتقادِ أو الشَّكِّ)
[1223] يُنظر: مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قسم التفسير (ص 229). .
وقال في تفسيرِ قَولِه تعالى:
قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلقَدْ أُوحِيَ إِليْكَ وَإِلى الذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ : (فيه مسائِلُ:
الأولى: الجوابُ عن قَولِ المُشْرِكين: هذا في الأصنامِ، وأمَّا الصَّالحونَ فلا. قَولُه:
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ عامٌّ فيما سوى الله.
الثَّانية: أَنَّ المُسْلِم إذا أطاع من أشار عليه في الظَّاهِرِ، كَفَر، ولو كان باطِنُه يَعتَقِد الإيمانَ، فإِنَّهم لم يريدوا من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تغييرَ عقيدتِه، ففيه بيانٌ لِما يكثُرُ وُقوعُه ممَّن ينتَسِبُ إلى الإسلامِ في إظهارِ الموافَقةِ للمُشْرِكين خوفًا منهم، ويظنُّ أَنَّه لا يَكفُرُ إذا كان قَلْبُه كارِهًا له)
[1224] يُنظر: المصدر السابق (ص: 344). .
وقال في تفسيرِ الآيةِ السَّابقةِ: (أمَّا الآيةُ الثَّانيةُ ففيها مسائِلُ أيضًا:
...
الثَّالِثةُ: أَنَّ الذي يكفُرُ به المُسْلِمُ ليس هو عقيدةَ القَلْبِ خاصَّةً؛ فإِنَّ هذا الَّذي ذكرهم اللهُ لم يريدوا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تغييرَ العقيدةِ كما تقدَّم، بل إذا أطاع المُسْلِمُ من أشار عليه بموافقتِهِم لأجْلِ مالِه أو بلدِه أو أهلِه، مع كَونِه يَعرِفُ كُفْرَهم ويبغِضُهم فهذا كافِرٌ إلَّا من أُكرِه))
[1225] يُنظر: المصدر السابق (ص: 345). .
4. محمَّد بن عليِّ بن غريب [1226] من كبار تلاميذ محمَّد بن عبد الوهَّاب وزوجُ ابنتِه. .ت:1209هـقال: (المرتدُّ لغةً الرَّاجِعُ، يقال: ارتَدَّ فهو مرتدٌّ: إذا رجع؛ قال تعالى:
وَلَا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، وشرعًا الذي يكفُرُ بعد إسلامِه نطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا أو فعلًا، وبعضُ هؤلاء الأئمَّةِ قال: ولو مميِّزًا فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامِه، وهم الحنابلةُ ومن وافقَهم، طَوعًا لا مُكرَهًا بأنْ فعل لِداعي الإكراه لاعتِقادِه ما أُرِيدَ منه؛ لِقَولِه تعالى:
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا الآية)
[1227] يُنظر: ((التوضيح عن توحيد الخلَّاق)) (ص: 42). وقد نُسِب هذا الكتاب خطأً لسليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. وانظر: تحقيق ذلك في كتاب ((علماء نجد خلال ثمانية قرون)) للبسَّام (2/346) (6/313)، وكتاب ((دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب)) لعبد العزيز العبد اللطيف (ص59)، وقد رجَّح نسبةَ الكتاب إلى: محمَّد بن غريب، وحمد بن معمر، وعبد الله بن محمَّد بن عبد الوهاب. .
وقال أيضًا: (كما يكونُ الكُفْرُ بالاعتقادِ يكونُ أيضًا بالقَوْلِ؛ كسَبِّ اللهِ أو رَسولِه أو دينِه أو الاستهزاءِ به؛ قال تعالى:
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْـتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَـرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وبالفِعْل أيضًا؛ كإلقاءِ المصحَفِ في القاذورات، والسُّجودِ لغيرِ اللهِ، ونحوِهما، وهذا وإن وُجِدَتْ فيهما العقيدةُ فالقَوْلُ والفِعْلُ مُغلَّبان عليها لظهورِهما)
[1228] يُنظر: المصدر السابق (ص 101). .
5. عبد الله بن حجازي الشَّرقاويُّ (الشَّافعيُّ). ت:1227هـقال الشَّرقاوي في حاشيته على التحرير لزكريا الأنصاري: («
الرِّدةُ قَطعُ من يصحُّ طلاقُه الإسلامَ بكفرٍ نيَّةً أو قولًا أو فعلًا، استهزاءً كان كلُّ ذلك أو عنادًا أو اعتقادًا».
قوله: «بكفرٍ نيَّةً أو قولًا أو فعلًا» فمثالُ النِّيَّةِ أَنْ يعزِمَ على الكُفْرِ ولو في قابلٍ… والفِعْلُ: أنْ يسجدَ لمخلوقٍ؛ كصنمٍ وشمسٍ بلا ضرورةٍ، أو يُلقيَ مُصحفًا أو كُتُب علمٍ شرعيٍّ أو ما عليه اسمٌ معظمٌ، في قاذورةٍ،… قوله: «استهزاءً» أي: استخفافًا، قوله: «أو عنادًا» بأنْ عَرَف الحقَّ باطنًا، وامتنع أنْ يُقِرَّ به)
[1229] يُنظر: ((حاشية الشرقاوي على التحرير)) (2/388). .
6. سليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1233هـقال سليمان بن عبد الله: (اعلَمْ -رحمك اللهُ- أنَّ الإنسانَ إِذا أَظهر للمُشْرِكين الموافقةَ على دينهِم؛ خوفًا منهم ومداراةً لهم، ومداهنةً لدفع شرِّهم؛ فإِنَّه كافِرٌ مِثْلُهم، وإنْ كان يَكرَهُ دينَهم ويُبغِضُهم، ويحبُّ الإسلامَ والمُسْلِمين، … ولا يُستثنى من ذلك إلَّا المُكرَهُ، وهو الذي يستولي عليه المُشْرِكون، فيقولون له: اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا، وإلَّا فعَلْنا بك وقتَلْناك. أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافِقَهم؛ فيجوزُ له الموافقةُ باللِّسانِ، مع طُمأنينةِ القَلْبِ بالإيمانِ. وقد أجمع العُلَماءُ على أَنَّ من تكلَّم بالكُفْرِ هازِلًا أَنَّه يكفُرُ، فكيف بمن أظهر الكُفْرَ خوفًا وطمعًا في الدُّنيا؟! وكثيرٌ من أهلِ الباطلِ إِنَّما يتركون الحقَّ خوفًا من زوالِ دُنياهم، وإلَّا فيعرفون الحقَّ ويَعتَقِدونَه ولم يكونوا بذلك مُسْلِمين.
… قوله تعالى:
وَقَدْ نَزَّل عَليْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم. فذكَرَ تبارك وتعالى أَنَّه نزَّل على المُؤمِنين في الكتابِ: أَنَّهم إذا سَمِعوا آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بها، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم، حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِه، وأَنَّ من جلس مع الكافِرين بآياتِ اللهِ، المستهزِئين بها في حالِ كُفْرِهم واستهزائِهم؛ فهو مِثْلُهم، ولم يفرِّقْ بين الخائِفِ وغيرِه، إلَّا المٌكْرَهَ.
هذا وهُم في بلدٍ واحدٍ في أوَّلِ الإسلامِ، فكيف بمن كان في سَعَةِ الإسلامِ وعِزِّه وبلادِه، فدعا الكافِرين بآياتِ اللهِ المُستهزئين بها إلى بلادِه، واتَّخذهم أولياءَ وأصحابًا وجُلَساءَ، وسَمِع كُفْرَهم واستهزاءَهم وأقرَّهم، وطرَدَ أهلَ التَّوحيدِ وأبعَدَهم؟!
… قَولُه تعالى:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَليْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل: 106-107] . فحكم تعالى حُكمًا لا يُبدَّلُ أنَّ من رجع عن دينِه إلى الكُفْر، فهو كافِرٌ، سواءٌ كان له عذرٌ: خوفٌ على نفسٍ أو مالٍ أو أهلٍ، أم لا، وسواءٌ كَفَر بباطِنِه وظاهِرِه، أمْ بظاهِرِه دون باطنِه، وسواءٌ كفر بفعالِه ومقالِه، أم بأحدِهما دون الآخَرِ. وسواءٌ كان طامعًا في دنيا ينالها من المُشْرِكين أمْ لا، … فهو كافِرٌ على كلِّ حالٍ، إلَّا المُكرَه. وهو في لغتنا: المغصوبُ … ثمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكُفْر، وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون: ما فعَلْنا هذا إلَّا خوفًا، فعليهم غَضَبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ، ثُمَّ أخبر تعالى أَنَّ سَبَبَ هذا الكُفْرِ والعذابِ ليس بسَبَبِ الاعتقادِ للشِّركِ أو الجَهلِ بالتَّوحيد، أو البُغضِ للدِّين أو محبَّةٍ للكُفْرِ، وإِنَّما سَبَبُه: أنَّ له في ذلك حظًّا من حظوظ الدُّنيا، فآثَرَه على الدِّينِ، وعلى رضا ربِّ العالَمين، فقال:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كَونِهم يعتَذِرونَ بمحبَّةِ الدُّنيا. ثُمَّ أخبَرَ تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجْلِ استحبابِ الدُّنيا على الآخِرةِ هم الذين طبع اللهُ على قلوبِهم وسَمْعِهم وأبصارِهم، وأنَّهم الغاِفلون. ثُمَّ أخبَرَ خَبرًا مؤكَّدًا محقَّقًا أَنَّهم في الآخِرةِ هم الخاسِرون.
وهكذا حالُ هؤلاء المرتدِّين في هذه الفِتنةِ، غرَّهُم
الشَّيطانُ، وأَوهمَهم أَنَّ الخوفَ عُذرٌ لهم في
الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفةِ الحَقِّ ومحبَّتِه والشَّهادةِ به لا يَضُرُّهم ما فعلوه، ونَسُوا أَنَّ كثيرًا من المُشْرِكين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونَه ويشهدون به، ولكنْ يترُكون متابعتَه والعَمَلَ به؛ محبَّةً للدُّنيا، وخوفًا على الأنفُسِ والأموالِ والمآكَلِ والرِّياساتِ. ثُمَّ قال تعالى:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فأخبر تعالى أنَّ سَبَبَ ما جرى عليهم من
الرِّدَّةِ وتسويلِ
الشَّيطانِ، والإملاءِ لهم، هو قَولُهم للَّذين كَرِهوا ما نزَّل الله: سنُطيعكم في بَعْضِ الأمرِ.
فإذا كان مَنْ وَعَد المُشْرِكين الكارهين لِما نزَّل اللهُ بطاعتِهم في بَعْضِ الأمرِ- كافِرًا، وإنْ لم يفعَلْ ما وعدَهُم به، فكيف بمن وافق المُشْرِكين الكارهين لما نزَّل اللهُ من الأمرِ بعبادتِه وحدَه لا شريك له؟!… وقد قال تعالى في مَوضِعٍ آخَرَ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلى الْإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: 23] . ففي هاتينِ الآيتينِ البيانُ الواضِحُ: أَنَّه لا عُذرَ لأحَدٍ في الموافَقةِ على الكُفْرِ؛ خوفًا على الأموالِ والآباءِ، والأبناءِ والأزواجِ والعَشـائِرِ، ونحـوِ ذلك ممَّا يعتذَرُ به كثيـرٌ مِن النَّاسِ.
إذا كان لم يرخِّصْ لأحَدٍ في مُوادَّتِهم، واتخاذِهم أولياءَ بأنفُسِهم؛ خوفًا منهم وإيثارًا لمرضاتِهم. فكيف بمن اتَّخذ الكُفَّارَ الأباعِدَ أولياءَ وأصحابًا، وأظهَرَ لهم الموافَقةَ على دينِهم؛ خوفًا على بَعْضِ هذه الأمورِ ومحبَّةً لها؟! ومن العَجَبِ استحسانُهم لذلك، واستحلالُهم له، فجَمَعوا مع
الرِّدَّةِ استِحلالَ المحرَّمِ)
[1230] يُنظر: ((الــدلائل في حــكم موالاة أهل الإشراك)) (ص: 29-57) مع حذفٍ غير قليل. .
وقال أيضًا: (من استهزأ باللهِ، أو بكتابِه أو برَسولِه، أو بدينِه؛ كَفرَ، ولو هازِلًا لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاءِ؛ إجماعًا. قال: وقَولُ اللهِ تعالى:
وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
الشَّرح: يقولُ تعالى مخاطبًا لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي: سألْتَ المنافقين الَّذين تكلَّموا بكَلِمة الكُفْرِ استهزاءً
ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصِدوا الاستهزاءَ والتَّكذيبَ، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديثِ واللَّعِبِ،
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لم يعبَأْ باعتذارِهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاءَ على وَجْهِ الخَوضِ واللَّعِبِ لا يكونُ صاحِبُه معذورًا، وعلى التَّقديرينِ فهذا عذرٌ باطِلٌ، فإِنَّهم أخطَؤوا موقعَ الاستهزاءِ، وهل يجتَمِعُ الإيمانُ باللهِ، وكتابِه، ورَسولِه، والاستهزاءُ بذلك في قَلب؟ٍ! بل ذلك عينُ الكُفْرِ؛ فلذلك كان الجوابُ مع ما قَبْلَه:
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، قال شيخُ الإسلامِ: فقد أمَرَه أنْ يقولَ: كفَرْتُم بعد إيمانِكم. وقَولُ من يقولُ: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كُفْرهم أوَّلًا بقُلوبِهم، لا يصحُّ؛ لأنَّ الإيمانَ باللِّسانِ مع كُفرِ القَلْبِ قد قارنه الكُفْرُ، فلا يقالُ: قد كفَرْتُم بعد إيمانِكم؛ فإِنَّهم لم يزالوا كافِرين في نفسِ الأمرِ، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكُفْرَ بعد إظهارِكم الإيمانَ، فهم لم يُظهِروا ذلك إلَّا لخوضِهم، وهم مع خوضِهم ما زالوا هكذا، بل لَمَّا نافقوا وحَذِروا أنْ تنـزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاقِ، وتكلَّموا بالاستهزاءِ، أي: صاروا كافِرين بعد إيمانِهم، ولا يدلُّ اللَّفظُ على أَنَّهم ما زالوا منافِقين، إلى أَنْ قال تعالى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فاعْتَرَفوا؛ ولهذا قيل:
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً، فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفُسِهم قد أَتَوا كُفْرًا، بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس بكُفرٍ، فتبيَّن أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله ورسولِه كفرٌ يَكفرُ به صاحبُه بعدَ إيمانِه، فدلَّ على أَنَّه كان عندَهم إيمانٌ ضعيفٌ، ففعَلوا هذا المحرَّمَ الَّذي عرفوا أنَّه محرَّمٌ، ولكنْ لم يظنُّوه كُفرًا، وكان كُفرًا كَفَروا به، فإِنَّهم لم يَعتَقِدوا جوازَه)
[1231] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص 617-619). .
7. مصطفى بن سعد بن عبدَة الرُّحيبانيُّ (الحنبليُّ). ت:1243هـقال الرحيباني: (باب حُكم المرتدِّ «وهو» لغةً: الرَّاجِعُ، يقال: ارتدَّ فهو مرتدٌّ: إذا رجعَ؛ قال تعالى:
وَلَا تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، وشرعًا: «مَنْ كفرَ» نُطقًا أو اعتقادًا أو شكًّا «ولو» كان «مميِّزًا» فتصحُّ رِدَّتُه كإسلامِه، ويأتي «طوعًا»، ولو كان هازِلًا بعد إسلامِه)
[1232] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) (6/275). .
8. عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1244هـقال عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ في رسالتِه (الكلمات النَّافعة في المكفِّرات الواقعة): (أمَّا بعدُ، فهذه فصولٌ وكَلِماتٌ نقَلْتُها من كلامِ العُلَماء المجتهدين من أصحاب الأئمَّة الأربعة الَّذين هم أئمَّةُ أهل ِالسُّنَّةِ والدِّين، في بيانِ بَعْضِ الأفعالِ والأقوالِ المكفِّرة للمُسْلِم المخرِجةِ له من الدِّينِ، وأَنَّ تلفُّظَه بالشَّهادتين وانتسابَه إلى الإسلامِ، وعَمَلَه ببعضِ شرائعِ الدِّين لا يَمْنَع من تكفيرِه وقَتْلِه وإلحاقِه بالمرتدِّين. والسَّبَبُ الحامِلُ على ذلك أَنَّ بَعْضَ من ينتسِب إلى العِلمِ والفِقهِ من أهلِ هذا الزَّمانِ غلِطَ في ذلك غلَطًا فاحشًا قبيحًا، وأنكر على من أفتى به من أهلِ العِلمِ والدِّينِ إنكارًا شنيعًا، ولم يكُنْ لهم بإنكارِ ذلك مستنَدٌ صحيحٌ لا من كلامِ اللهِ، ولا من كلامِ رَسولِه، ولا من كلامِ أئمَّةِ العِلمِ والدِّينِ،…) ثُمَّ نقل كلامًا كثيرًا لبعض الأئمَّةِ إلى أنْ قال: (وقال الشَّيخُ رحمه الله تعالى في كتابِ «الصَّارم المسلول على شاتم الرَّسول»: قال
الإمامُ إسحاقُ بنُ راهَوَيه أحَدُ الأئمَّةِ يُعدَلُ
بالشَّافعي وأحمد: أجمع المُسْلِمون أنَّ من سبَّ اللهَ أو رسولَه أو دفع شيئًا ممَّا أنزَل اللهُ؛ أنَّه كافِرٌ بذلك، وإنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل الله. وقال محمَّد بن سحنون أحدُ الأئمَّةِ من أصحابِ
مالكٍ: أجمع العُلَماءُ على أَنَّ شاتمَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كافِرٌ، وحُكمُه عند الأئمَّة القتلُ، ومن شكَّ في كُفرِه كَفَر، …. انتهى. فتأمَّلْ -رحمك اللهُ- تعالى كلامَ
إسحاقَ بن ِراهَوَيه ونَقْلَه الإجماعَ على أنَّ من سبَّ اللهَ أو سبَّ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو دفع شيئًا ممَّا أنزل الله: فهو كافِرٌ -وإنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل الله- يتبيَّنْ لك أنَّ من تلفَّظ بلسانه بسبِّ الله تعالى أو بسبِّ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو كافِرٌ مرتدٌّ عن الإسلامِ، وإنْ أقرَّ بجميعِ ما أنزل اللهُ، وإنْ كان هازلًا بذلك لم يقصِدْ معناه بقَلْبِه، كما قال الشَّافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه: من هَزَل بشيءٍ من آياتِ اللهِ فهو كافِرٌ، فكيف بمن هزل بسبِّ اللهِ تعالى أو بسبِّ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولهذا قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: قال أصحابُنا وغيرُهم: من سبَّ اللهَ، كفر -مازحًا أو جادًّا-؛ لِقَولِه تعالى:
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ الآية، قال: وهذا هو الصَّواب المقطوعُ به)
[1233] يُنظر: ((الجامع الفريد)) (33-292)، ((الدرر السنيَّة)) (10/149). .
9. محمَّد بن عليٍّ الشَّوكانيُّ. ت:1250هـقال
الشوكاني: (وكثيرًا ما يأتي هؤلاء الرَّعايا بألفاظٍ كُفريَّةٍ، فيقولُ: هو يهوديٌّ ليفعلَنَّ كذا، وليفعلَنَّ كذا، ومرتدٌّ تارةً بالقَوْلِ، وتارةً بالفِعْل، وهو لا يشعُرُ)
[1234] يُنظر: ((الدواء العاجل)) (ص: 14). .
10. محمَّد أمين ابن عابدين (الحنفيُّ). ت:1252هـقال ابنُ عابدين تعليقًا على قول الحصفكي في (الدرِّ المختار) في باب المرتدِّ بعد أنْ عرَّفه لغةً وشرعًا: (وفي «الفتح»: من هَزَل بلفظِ كفرٍ ارتَدَّ وإن لم يَعتَقِدْه؛ للاستخفافِ، فهو ككُفرِ العنادِ): (قَولُه: «من هزَلَ بلفظِ كفرٍ» أي: تكلَّم به باختيارِه غيرَ قاصدٍ معناه … وكما لو سجَد لصنمٍ أو وضَعَ مصحفًا في قاذورةٍ؛ فإنَّه يكفُرُ وإنْ كان مصدِّقًا)
[1235] يُنظر: ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (4/ 222). .
11. شهاب الدِّين محمود بن عبد الله الآلوسي. ت:1270هـقال
الآلوسي في تفسيرِ قَولِه تعالى:
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ: (واستدلَّ بعضُهم بالآيةِ على أنَّ الجِدَّ واللَّعِبَ في إظهارِ كَلِمةِ الكُفْر سواءٌ، ولا خِلافَ بين الأئمَّةِ في ذلك)
[1236] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (10/131). .
12. إبراهيم بن محمَّد بن أحمد البيجوريُّ (الشَّافعيُّ). ت:1277هـ قال البيجوري في تعريف
الرِّدَّة: (وشرعًا: قَطْعُ الإسلامِ بنيةِ كُفرٍ، أو قولِ كفرٍ، أو فعلِ كُفرٍ؛ كسُجودٍ لصنمٍ، سواءٌ كان على جهةِ الاستهزاءِ، أو العنادِ أو الاعتقادِ). قَولُه: (سواءٌ كان إلخ…) تعميمٌ في قَطعِ الإسلامِ بنيَّةِ الكُفْرِ أو قَولِه أو فِعْلِه، لكِنْ لا يظهَرُ الاستهزاءُ في النِّيَّةِ، وإِنَّما يظهَرُ في القَوْل والفِعْل. وقولُه: (جِهةِ الاستهزاءِ) أي: جِهةٍ هي الاستهزاءُ. قال تعالى:
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. وقَولُه: (أو العنادِ) أي: كأن يقولَ: اللهُ ثالثُ ثلاثةٍ، عنادًا لِمن يخاصِمُه، مع اعتقادِه أنَّ اللهَ واحدٌ؛ فيَكفُرُ بذلك)
[1237] يُنظر: ((حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم الغزي)) (2/264). .
13. عبد الله بن عبد الرَّحمن أبابطين. ت:1282هـقال أبا بطين: (ما سألْتَ عنه من أنَّه هل يجوزُ تعيينُ إنسانٍ بعينه بالكُفْرِ، إذا ارتكب شيئًا من المكفِّراتِ، فالأمرُ الذي دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ العُلَماء على أنَّه كُفرٌ، مِثلُ الشِّرْكِ بعبادةِ غيرِ اللهِ سُبحانَه، فمن ارتكب شيئًا من هذا النَّوعِ أو جِنْسِه؛ فهـذا لا شكَّ في كُفْرِه.
ولا بأسَ بمن تحقَّقْتَ منه شيئًا من ذلك، أنْ تقول: كَفَر فلانٌ بهذا الفِعْلِ، يُبَيِّن هذا: أنَّ الفُقَهاءَ يذكُرون في بابِ حُكمِ المرتدِّ أشياءَ كثيرةً، يصيرُ بها المُسْلِم كافِرًا، ويفتَتِحون هذا البابَ بقَولِهم: من أشرَكَ باللهِ كَفَر، وحُكمُه أَنَّه يُستتابُ، فإِنْ تاب وإلَّا قُتل، والاستتابةُ إنَّما تكونُ مع معيَّنٍ.
ولَمَّا قال بَعْضُ أهلِ البِدَعِ عند
الشَّافعيِّ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ، قال: كفرْتَ باللهِ العظيمِ، وكلامُ العُلَماءِ في تكفير ِالمعيَّنِ كثيرٌ، وأعظَمُ أنواعِ الكُفْرِ: الشِّرْكُ بعبادةِ غيرِ اللهِ، وهو كُفرٌ بإجماع المُسْلِمين، ولا مانعَ من تكفير من اتَّصف بذلك، كما أنَّ من زنى قيل: فلان زانٍ، ومن رابى قيل: فلانٌ مرُابٍ)
[1238] يُنظر: ((الدرر السنيَّة)) (10/416). وهذا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع. .
وسئل أيضًا: عن قَولِ
الصَّنعانيِّ: إِنَّه لا ينفَعُ قَولُ من فعلَ الشِّرْكَ: أنا لا أشرِكُ باللهِ... إلخ؟
فأجاب: (يعني: أَنَّه إذا فَعَل الشِّركَ فهو مُشْرِكٌ، وإنْ سمَّاه بغيرِ اسمِه، ونفاه عن نفسِه.
وقَولُه: وقد صرَّح الفُقَهاءُ في كُتُبِهم بأَنَّ من تكلَّم بكَلِمة الكُفْرِ يكفرُ، وإنْ لم يقصدْ معناها، فمرادُهم بذلك: أنَّ من يتكلَّم بكلام كفرٍ، مازحًا أو هازلًا، وهو عبارةُ كثيرٍ منهم، في قَولِهم: من أتى بقولٍ، أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدِّين، وإِنْ كان مازحًا؛ لقَولِه تعالى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)
[1239] يُنظر: المصدر السابق (10/419). .
وقال: (ويقالُ لِمن قال: إنَّ من أتى بالشَّهادتينِ لا يُتَصوَّرُ كفرُه، ما معنى البابِ الَّذي يذكره الفقهاءُ في كتب الفقهِ، وهو «باب حكم المرتدِّ»، والمرتدُّ هو الذي يكفُرُ بعدَ إسلامِه بكلامٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شكٍّ، وهو قبل ذلك يتلفَّظُ بالشَّهادتينِ، ويصَلِّي ويصومُ، فإذا أتى بشيءٍ ممَّا ذكروه، صار مرتدًّا مع كونِه يتكلَّمُ بالشَّهادتينِ ويصلِّي ويصومُ، ولا يمنَعُه تكلُّمه بالشَّهادتين وصلاتُه وصومُه عن الحُكمِ عليه ب
الرِّدَّة؟ وهذا ظاهرٌ بالأدلَّة من الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ.
وأوَّل ما يَذكُرون في هذا البابِ الشِّركُ بالله، فمن أشركَ باللهِ فهو مرتدٌّ، والشِّرْكُ عبادةُ غيرِ اللهِ، فمن جعل شيئًا من العبادةِ لغيرِ اللهِ، فهو مُشركٌ، وإنْ كان يصومُ النهارَ، ويقومُ اللَّيـلَ، فعَمَلُه حابطٌ)
[1240] يُنظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدي)) (1/659). .
14. عبد الرَّحمن بن حسن بن محمَّد بن عبد الوهَّاب. ت:1285هـقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن: (وأمَّا مذهَبُ
الخوارجِ فإِنَّهم يكَفِّرون أهلَ الإيمانِ بارتكابِ الذُّنوبِ؛ ما كان منها دون الكُفْرِ والشِّركِ، وأَنَّهم قد خَرَجوا في خلافةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكفَّروا الصَّحابةَ بما جرى بينهم من القِتالِ، واستدلُّوا على ذلك بآياتٍ وأحاديثَ، لكنَّهم أخطَؤوا في الاستدلالِ؛ فإنَّ ما دون الشِّركِ والكُفْرِ من المعاصي لا يُكفَّرُ فاعلُه، لكنَّه يُنهى عنه، وإذا أصرَّ على كَبيرةٍ ولم يتُبْ منها يجِبُ نهيُه والقيامُ عليه، وكلُّ مُنكَرٍ يجِبُ إنكارُه مِن تَرْكِ واجبٍ أو ارتكابِ محرَّمٍ، لكن لا يُكَفَّرُ إلَّا من فَعَل مُكفِّرًا دلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ على أنَّه كُفرٌ، وكذا ما اتَّفق العُلَماءُ على أنَّ فِعْلَه أو اعتِقادَه كُفرٌ)
[1241] يُنظر: المصدر السابق (1/380). .
15. محمَّد بن أحمد المعروف بالشيخ عليش (المالكيُّ). ت: 1299هـ قال عليش: («باب» في بيانِ حقيقةِ
الرِّدَّةِ وأحكامِها «
الرِّدَّة» أي: حقيقتُها شرعًا، «كُفْر» جِنسٌ شَمِل
الرِّدَّةَ وسائِرَ أنواعِ الكُفْر. الشَّخصِ «المُسْلِمِ»، أي: الَّذي ثبت إسلامُه ببنوَّتِه لمُسْلِمٍ، وإنْ لم ينطِقْ بالشَّهادتينِ، أو بنُطقِه بهما عالِمًا بأركانِ الإسلامِ مُلتزمًا لها، والإضافةُ فَصلٌ مُخْرِجٌ سائِرَ أنواعِ الكُفْرِ… وسواءٌ كَفَر «بـ» قَولٍ «صريحٍ» في الكُفْرِ، كقَولِه: كَفَر باللهِ أو برَسولِ اللهِ، أو بالقُرآنِ، أو الإلهُ اثنانِ أو ثلاثةٌ، أو المسيحُ ابنُ اللهِ، أو العُزَيرُ ابنُ اللهِ، «أو» بـ «لفظٍ يقتضيه» أي: يستلزِمُ اللَّفظُ الكُفْرَ استلزامًا بيِّنًا؛ كجَحْدِ مشروعيَّةِ شَيءٍ مجمَعٍ عليه، معلومٍ من الدِّين ضرورةً؛ فإِنَّه يستلزِمُ تكذيبَ القُرآنِ أو الرَّسولِ، وكاعتقادِ جِسْميَّةِ اللهِ وتحيُّزِه؛ فإِنَّه يستلزِمُ حُدوثَه واحتياجَه لِمُحْدِثٍ، ونَفْيِ صفاتِ الأُلوهيَّةِ عنه جلَّ جلالُه، وعَظُم شأنُه. «أو» بـ «فعلٍ يتضمَّنُه» أي: يستلزِمُ الفِعْلُ الكُفْرَ استلزامًا بيِّنًا؛ «كإلقاءِ» أي: رَمْيِ «مصُحَفٍ» أي: الكتابِ المشتَمِلِ على النُّقوشِ الدَّالَّةِ على كلامِ اللهِ تعالى «بـ» شيءٍ «قَذِرٍ» أي: مُستقذَرٍ مُستعافٍ، ولو طاهرًا كبُصاقٍ، ومِثلُ إلقائِه تلطيخُه به أو تَرْكُه به مع القُدرةِ على إزالتهِ؛ لأنَّ الدَّوامَ كالابتداءِ، وكالمصحَفِ جُزؤُه، والحديثُ القدسيُّ والنبويُّ ولو لم يتواتَرْ، وأسماءُ اللهِ تعالى، وأسماءُ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ)
[1242] يُنظر: ((منح الجليل)) (9/205). .