المَطْلَبُ الأوَّلُ: حُكمُ سَبِّ اللهِ تعالى أو الاستهزاءِ به
حكى غيرُ واحدٍ الإجماعَ على أنَّ سبَّ اللهِ ورسولِه كُفرٌ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ، ومن هؤلاء:
إسحاقُ بنُ راهَوَيه، ومُحَمَّدُ بن سحنون، وغيرُهما
[1834] يُنظر: ((التوسط والاقتصاد في أنَّ الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد)) لعلوي السقاف (ص: 12). .
قال
إسحاقُ بنُ راهَوَيه: (أجمع المُسلِمون على أنَّ من سبَّ اللهَ، أو سبَّ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو دفع شيئًا مما أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ، أو قتل نبيًّا من أنبياءِ اللهِ: أَنَّه كافِرٌ بذلك، وإِنْ كان مُقِرًّا بكلِّ ما أنزل اللهُ)
[1835] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (2/15). .
وقال مُحَمَّد بنُ سحنون: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ شاتِمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، المتنَقِّصَ له: كافِرٌ، والوعيدُ جارٍ عليه بعذابِ اللهِ له، وحُكمُه عند الأمَّةِ القَتلُ، ومن شَكَّ في كُفْرِه وعَذابِه كَفَر)
[1836] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (2/15). .
وقال عِياضٌ: (هذا كُلُّه إجماعٌ من العُلَماءِ وأئمَّةِ الفتوى من لَدُنِ الصَّحابةِ رِضوانُ الله عليهم إلى هَلُمَّ جَرًّا، قال أبو بكرِ بنُ المنذِرِ: أجمع عوامُّ أهلِ العِلْم على أنَّ من سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقتَلُ، ومَّمن قال ذلك:
مالِكُ بنُ أنسٍ، و
اللَّيثُ،
وأحمدُ، و
إسحاقُ، وهو مذهَبُ
الشَّافعيِّ. قال القاضي أبو الفَضلِ: وهو مقتضى قولِ
أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولا تُقبَلُ توبتُه عند هؤلاء، وبمِثْلِه قال
أبو حنيفةَ وأصحابُه، و
الثَّوريُّ وأهلُ الكُوفةِ، و
الأوزاعيُّ، في المُسلِمين، لكِنَّهم قالوا: هي رِدَّةٌ)
[1837] يُنظر: ((الشفا)) (2/ 214). .
وقال
ابنُ قُدامةَ: (من سبَّ اللهَ تعالى كَفَر، سواءٌ كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك من استهزأ باللهِ تعالى، أو بآياتِه أو برُسُلِه، أو كُتُبِه؛ قال اللهُ تعالى:
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التَّوبة: 65- 66] . وينبغي أَنْ لا يُكْتَفى من الهازئِ بذلك بمجرَّدِ الإسلامِ، حتى يؤدَّب أدَبًا يزجُرُه عن ذلك، فإنَّه إذا لم يُكتَفَ مِمَّن سبَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّوبةِ، فمِمَّن سبَّ اللهَ تعالى أَولى)
[1838] يُنظر: ((المغني)) (12/298). .
قال نجمُ الدِّينِ أحمدُ بن حمدان الحنبليُّ: (من سَبَّ اللهَ أو رَسولَه، كَفَر)
[1839] يُنظر: ((نهاية المبتدئين في أصول الدين)) (ص: 67). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (فإنَّا نعلَمُ أَنَّ من سبَّ الله ورسولَه طوعًا بغيرِ كَرْهٍ، بل من تكلَّم بكَلِماتِ الكُفْرِ طائعًا غير مُكْرَهٍ، ومن استهزأ باللهِ وآياتِه ورَسولِه، فهو كافرٌ باطنًا وظاهرًا، وأنَّ من قال: إِنَّ مِثْلَ هذا قد يكونُ في الباطِنِ مؤمنًا بالله، وإِنَّما هو كافرٌ في الظَّاهِرِ، فإنَّه قال قولًا معلومَ الفَسادِ بالضَّرورة من الدِّين، وقد ذكَرَ اللهُ كَلِماتِ الكفَّار في القرآنِ، وحَكَم بكُفْرِهم واستحقاقِهم الوعيدَ بها، ولو كانت أقوالُهم الكُفْريَّةُ بمنزلة شهادةِ الشُّهودِ عليهم، أو بمنزلةِ الإقرارِ الذي يَغلَطُ فيه المقِرُّ، لم يجعَلْهم اللهُ من أهلِ الوعيدِ بالشَّهادةِ التي قد تكونُ صِدْقًا وقد تكون كَذِبًا، بل كان ينبغي أَنْ لا يعَذِّبَهم إلَّا بشَرطِ صِدْقِ الشَّهادةِ، وهذا كقَولِه تعالى:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة: 73] ،
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 17] ، وأمثال ذلك)
[1840] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/757). .
وقال أيضًا: (إنَّ سبَّ اللهَ أو سبَّ رسولِه كُفرٌ ظاهرًا وباطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتَقِدُ أَنَّ ذلك محرَّمٌ، أو كان مُستحِلًّا له، أو كان ذاهِلًا عن اعتقادِه، هذا مَذهَبُ الفُقَهاءِ وسائِرِ أهلِ السُّنَّة القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ)
[1841] يُنظر: ((الصارم المسلول)) (3/955). .
وقال أيضًا: (السَّابُّ إن كان مُسلِمًا فإنَّه يَكفُرُ ويُقتَلُ بغيرِ خِلافٍ، وهو مَذهَبُ الأئمَّةِ الأربَعةِ وغَيرِهم، وقد تقَدَّم ممَّن حكى الإجماعَ على ذلك من الأئمَّةِ، مثلُ
إسحاقَ بنِ راهَوَيه وغَيرِه)
[1842] يُنظر: ((الصارم المسلول)) (2/16). .
وقال
ابنُ باز: (سَبُّ الدِّينِ مِن أعظَمِ الكبائِرِ ومن أعظَمِ المنكَراتِ، وهكذا سَبُّ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ، وهذان الأمران مِن أعظَمِ نواقِضِ الإسلامِ، ومن أسبابِ
الرِّدَّةِ عن الإسلامِ، فإذا كان من سَبَّ الرَّبَّ سُبحانَه أو سَبَّ الدِّينَ ينتَسِبُ للإسلامِ، فإنَّه يكونُ مُرتَدًّا بذلك عن الإسلامِ، ويكونُ كافِرًا يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ من جهةِ وَلِيِّ أمرِ البَلَدِ بواسطةِ المحكَمةِ الشَّرعيَّة. وقال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّه لا يُستَتابُ بل يُقتَلُ؛ لأنَّ جريمتَه عظيمةٌ، ولكِنَّ الأرجَحَ أن يُستتابَ؛ لعَلَّ اللهَ تعالى يمُنُّ عليه بالهدايةِ فيَلزَمُ الحَقَّ، ولكِنْ ينبغي أن يُعَزَّرَ بالجَلدِ والسِّجنِ؛ حتى لا يعودَ لمِثْلِ هذه الجريمةِ العظيمةِ)
[1843] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 387). .