المَطلَب الأوَّلُ: الكَذِبُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) [2667] أخرجه البخاري (110) مطولًا، ومسلم (3). .
قال
النَّوويُّ: (اعلَمْ أنَّ تعَمُّدَ وَضعِ الحديثِ حرامٌ بإجماعِ المُسلِمين)
[2668] يُنظر: ((شرح مسلم)) (1/56). .
وقال
الذهبيُّ: (قال
ابنُ الجوزي في تفسيرِه: وقد ذهب طائفةٌ من العُلَماءِ إلى أنَّ الكَذِبَ على اللهِ وعلى رَسولِه كُفرٌ ينقُلُ عن المِلَّة، ولا ريبَ أنَّ الكَذِبَ على اللهِ وعلى رَسولِه في تحليلِ حرامٍ وتحريمِ حلالٍ كُفرٌ مَحْضٌ)
[2669] يُنظر: ((الكبائر)) (ص: 70). .
وقال
ابنُ الملقِّن: (معنى:
((فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) فليتَّخِذْ، وقال
الخطَّابي: تبَوَّأ بالمكانِ: إِذَا أخذه موضِعًا لمقامِه، وأصلُه مِن مَباءةِ الإبِلِ، وهي أعطانُها.
والمعنيُّ بالحديثِ: لِينزِلْ مَنزِلَه منها، وإن كان بلَفظِ الأمرِ فمعناه الخبَرُ. أي: أنَّ اللهَ يُبَوِّئُه مَقعَدَه من النَّار، أو أنَّه استوجب ذَلِكَ واستحَقَّه فلْيُوَطِّنْ نَفْسَه عليه)
[2670] يُنظر: ((التوضيح)) (3/546). .
وقال
ابنُ حجر: (قد اتَّفَق العُلَماءُ على تغليظِ الكَذِبِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّه من الكبائِرِ، حتى بالغ الشيخُ
أبو مُحمَّد الجويني فحَكَم بكُفِر من وقع منه ذلك، وكلامُ
القاضي أبي بكر بن العربي يميلُ إليه)
[2671] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 499). .
وقال أيضًا: (فإن قيل: الكَذِبُ مَعصيةٌ إلَّا ما استُثني في الإصلاحِ وغيرِه، والمعاصي قد توعَّد عليها بالنَّارِ، فما الذي امتاز به الكاذِبُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الوَعيدِ على من كَذَب على غيرِه؟
فالجوابُ عنه من وجهينِ؛ أحَدُهما: أنَّ الكَذِبَ عليه يَكفُرُ متعَمِّدُه عند بعضِ أهلِ العِلمِ، وهو الشيخ
أبو مُحمَّد الجويني، لكِنْ ضَعَّفه ابنُه إمامُ الحرَمَين ومن بَعْدَه، ومال ابنُ المنَيِّرِ إلى اختيارِه، ووَجَّهَه بأنَّ الكاذِبَ عليه في تحليلِ حرامٍ مَثَلًا لا ينفَكُّ عن استحلالِ ذلك الحرامِ أو الحَملِ على استحلالِه، واستحلالُ الحرامِ كُفرٌ، والحَملُ على الكُفرِ كُفرٌ، وفيما قاله نظَرٌ لا يخفى، والجمهورُ على أنَّه لا يَكفُرُ إلَّا إذا اعتقد حِلَّ ذلك.
الجوابُ الثَّاني: أنَّ الكَذِبَ عليه كبيرةٌ، والكَذِبَ على غيرِه صغيرةٌ، فافترقا، ولا يلزمُ من استواءِ الوَعيدِ في حَقِّ من كَذَب عليه أو كذَبَ على غيرِه أن يكونَ مَقَرُّهما واحدًا أو طولُ إقامتِهما سواءً؛ فقد دلَّ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فلْيَتبَوَّأْ)) على طولِ الإقامةِ فيها، بل ظاهِرُه أنَّه لا يخرُجُ منها؛ لأنَّه لم يجعَلْ له منزلًا غيرَه، إلَّا أنَّ الأدِلَّةَ القطعيَّةَ قامت على أنَّ خُلودَ التأبيدِ مختَصٌّ بالكافرينَ)
[2672] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/202). .
وقال
ابن حجر الهيتمي: (قال بعضُ المتأخِّرين: وقد ذهبت طائفةٌ من العُلَماءِ إلى أنَّ الكَذِبَ على اللهِ ورَسولِه كُفرٌ يُخرِجُ عن المِلَّةِ، ولا رَيبَ أنَّ تعمُّدَ الكَذِبَ على اللهِ ورَسولِه في تحليلِ حرامٍ أو تحريمِ حلالٍ كُفرٌ مَحْضٌ، وإنَّما الكلامُ في الكَذِبِ عليهما فيما سوى ذلك. وقال الجلال البلقيني: جاء الوَعيدُ في أحاديثَ كثيرةٍ بأنَّ من كَذَب عليه متعَمِّدًا فلْيتبوَّأْ مَقعَدَه من النَّارِ. وقال العُلَماءُ: إنَّها بلغت حَدَّ التواتُرِ)
[2673] يُنظر: ((الزواجر)) (1/ 162). .
وقال
المناوي: (إنَّ الكَذِبَ عليه أعظَمُ أنواعِ الكَذِبِ؛ لأدائِه إلى هَدمِ قواعِدِ الدِّينِ، وإفسادِ الشَّريعةِ، وإبطالِ الأحكامِ،
((فمن كَذَب عليَّ متعَمِّدًا)) أي: غيرَ مخطئٍ في الإخبارِ عنِّي بالشَّيءِ على خِلافِ الواقِعِ،
((فلْيتَبَوَّأْ)) أي: فليتَّخِذْ لنَفْسِه
((مَقعَدَه من النَّارِ)) مَسكَنَه. أمرٌ بمعنى الخبرِ، أو بمعنى التحذيرِ، أو التهَكُّمِ، أو الدُّعاءِ على فاعِلِ ذلك، أي: بوَّأه اللهُ ذلك، واحتمالُ كَونِه أمرًا حقيقةً، والمرادُ: مَن كَذَب عليَّ فليَأْمُرْ نَفْسَه بالتبَوُّؤِ: بعيدٌ، وهذا وَعيدٌ شديدٌ يفيدُ أنَّ الكَذِبَ عليه من أكبرِ الكبائِرِ، بل عَدَّه بعضُهم من الكُفرِ. قال
الذهبيُّ: وتعَمُّدُ الكَذِبِ عليه من أكبرِ الكبائِرِ، بل عَدَّه بعضُهم من الكُفرِ، وتعَمُّدُ الكَذِبِ على اللهِ ورَسولِه في تحريمِ حلالٍ أو عَكْسِه كُفرٌ مَحْضٌ)
[2674] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/476). .
وقال أيضًا: (قال
أحمدُ: فيَفسُقُ، وتُرَدُّ شهادتُه ورواياتُه، ولو تاب وحَسُنَت حالتُه؛ تغليظًا عليه، وغالِبُ الكَذَّابين على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زنادقةٌ أرادوا تبديلَ الدِّينِ)
[2675] يُنظر: ((فيض القدير)) (6/216). .
وقال
ابنُ باز: (هذه الأحاديثُ تدُلُّ على تحريمِ الكَذِبِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتحريمِ روايةِ ما يُعلَمُ أو يُظَنُّ أنَّه كَذِبٌ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا مع التنبيهِ عليه، وقد جاء في هذا المعنى أحاديثُ كثيرةٌ متواتِرةٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تدُلُّ على شِدَّةِ الوَعيدِ في حَقِّ من كَذَب على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ الكَذِبَ عليه من الكبائِرِ العظيمةِ، وقد ذهب بعضُ أهلِ العِلمِ إلى كُفرِ من تعمَّد الكَذِبَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّ الأكثَرَ من أهلِ العِلم على خِلافِ ذلك إلَّا أن يَستحِلَّه؛ فإنِ استحَلَّه كَفَر بالإجماعِ، وعلى كُلِّ تقديرٍ فالكَذِبُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أكبرِ الكبائِرِ؛ لعِظَمِ ما يترتَّبُ عليه من المفاسِدِ الكثيرةِ، وما صاحِبُه عن الكُفرِ ببَعيدٍ)
[2676] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/316). .
وقال
ابنُ عثيمين: (الكَذِبُ على الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- هذا من الكبائِرِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توعَّد من فَعَل ذلك)
[2677] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 222). .