الفَرعُ الثَّاني: مِن أمثلةِ الشِّرْكِ الأصغَرِ في الأفعالِ: التَّمائِمُ الشِّرْكيَّةُ
التَّمائِمُ جمعُ تميمةٍ: وهي كُلُّ ما يُعلَّقُ على المرضى أو الأطفالِ أو البهائِمِ أو غيرِها من تعاويذَ؛ لدَفْعِ البلاءِ أو رَفْعِه
[408] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/162)، ((شرح السنة)) للبغوي (12/158)، ((النهاية)) لابن الأثير (1/197)، ((تفسير القرطبي)) (10/320). .
قال
ابنُ الجوزي: (إنَّ التمائِمَ مِنَ الشِّركِ، وهي خَرَزاتٌ كانت العَرَبُ تُعَلِّقُها على الصِّبيانِ يتَّقون بها العَينَ بزَعْمِهم، فلمَّا أرادوا دَفْعَ المقاديرِ بذلك كان شِرْكًا)
[409] يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/112). .
وقال
علي القاري: (التمائِمُ جمعُ تميمةٍ، والمرادُ بها التعاويذُ التي تحتوي على رُقَى الجاهليَّةِ مِن أسماءِ الشَّياطينِ وألفاظٍ لا يُعرَفُ مَعناها. وقيل: التمائِمُ خَرَزاتٌ كانت العَرَبُ في الجاهليَّةِ تُعَلِّقُها على أولادِهم يتَّقون بها العَينَ في زَعْمِهم، فأبطله الإسلامُ؛ لأنَّه لا ينفَعُ ولا يدفَعُ إلَّا اللهُ تعالى)
[410] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (7/2803). .
وقال محمَّد حامد الفقي: (أصلُ معنى القِلادةِ: ما يُوضَعُ في العُنُقِ مِنَ الحُلِيِّ والزِّينةِ للنِّساءِ، والحَبلُ يُوضَعُ في عُنُقِ الدَّابَّةِ لتقادَ به. ومِثلُ ذلك ما يعَلِّقُه بعضُ النَّاسِ اليومَ على السيَّاراتِ من صُورةِ قِردٍ ونَحوِه، وما يضَعُه بعضُهم على أبوابِ البُيوتِ والحوانيتِ مِن حدوةِ حمارٍ أو حصانٍ، وتعليقُ سنابِلَ مِن الحِنْطةِ أو غيرِ ذلك، كُلُّه من عَمَلِ الجاهليَّةِ المنهيِّ عنه أشَدَّ النَّهيِ، وقد يَصِلُ إلى الشِّرْكِ الأكبَرِ عند بعضِهم حينَ يعتَقِدُ فيه أنَّه هو الذي يدفَعُ حقيقةَ الضُّرِّ والسُّوءِ)
[411] يُنظر: حاشية ((فتح المجيد)) (1/230). .
عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقبَلَ إليه رَهطٌ، فبايَعَ تِسعةً وأمسَكَ عن واحدٍ، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، بايَعتَ تِسعةً وترَكْتَ هذا؟ قال:
((إنَّ عليه تميمةً، فأَدْخَلَ يَدَه فقَطَعَها، فبايَعَه، وقال: مَن عَلَّق تميمةً فقد أشرَكَ)) [412] أخرجه من طرقٍ أحمد (17422)، والطبراني (17/319) (885)، والحاكم (7513). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6394)، وقوَّى إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17422)، ووثَّق رواته المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/239)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/106)، وقال ابنُ باز في ((الفوائد العلمية من الدروس البازية)) (3/165): سندُه لا بأس به. .
فقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حريصًا على بِناءِ العَقيدةِ الصَّافيةِ في قُلوبِ المؤمِنينَ، وتَخليصِها من آثارِ الجاهِليَّةِ السَّيِّئةِ، فلا يَملِكُ النَّفعَ والضُّرَّ إلَّا اللهُ وَحْدَه؛ لذا فالمسلِمُ لا يتوكَّلُ إلَّا على اللهِ، ومن أعمالِ الجاهليَّةِ تَعليقُ التَّمائِمِ، وقد نهى عنها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَيَّن أنَّها مِن الشِّركِ.
ففي هذا الحديثِ يخبِرُ عُقبةُ بنُ عامرٍ الجُهَنيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقبَلَ إليه مجموعةٌ من الرِّجالِ يُبايِعونَه على الإسلامِ. وكان عددُهم عَشرةً، فبايع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تسعةً منهم، وامتنَعَ عن مُبايعةِ العاشِرِ، فسأله أصحابُه عن سبَبِ ذلك، فبَيَّن لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّبَبَ، وهو أنَّ الرَّجُلَ كان لابِسًا لتميمةٍ، وقد كان هذا من عاداتِ الجاهليَّةِ، فكانوا يعتَقِدونَ فيها أنَّها تَقِيهم وتحمِيهم مِن السُّوءِ والآفاتِ، وكانوا يُلبِسونَ الأطفالَ والخَيلَ القلائِدَ والخُيوطَ التي فيها الخَرزُ والتَّمائِمُ؛ لِتَدفَعَ عنهم السُّوءَ بزَعمِهم، فقطع الرَّجُلُ التميمةَ لمجَرَّدِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهاه عنها، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن عَلَّق تميمةً فقد أشرَكَ)) [413] أخرجه من طرقٍ أحمد (17422)، والطبراني (17/319) (885)، والحاكم (7513). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6394)، وقوَّى إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17422)، ووثَّق رواته المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/239)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/106)، وقال ابن باز في ((الفوائد العلمية من الدروس البازية)) (3/165): سَنَدُه لا بأسَ به. . ومعناه: أنَّ من عَلَّق مِثلَ تلك التَّمائِمِ مُعتقِدًا أنَّها سَببٌ مُؤثِّرٌ في جلْبِ الخيرِ أو دَفْعِ الضُّرِّ، أو أنَّها سببٌ في ردِّ العَينِ؛ كان ذلك من الشِّركِ الأصغَرِ، أمَّا مَنِ اعْتقَدَ فيها النَّفْعَ، وأنَّها تدْفَعُ الضَّرَرَ بِذاتِها مِنْ دُونِ اللهِ؛ فهذا مِن الشِّركِ الأكْبَرِ.
وهذا الحَديثُ مَحمولٌ على التَّمائمِ التي ليسَ فيها قُرآنٌ وَنَحْوُه، كالعِظامِ والطلاسِمِ، وما أشبَهَ ذلك. أمَّا إذا كان فيها قُرآنٌ أو ذِكْرٌ للهِ تعالَى، ففيها خِلافٌ بين السَّلفِ؛ فبعضُهم أجازَها للتَّبرُّكِ والتَّعوُّذِ بِأسماءِ اللهِ سُبْحانَه، وجعَلوها كالرُّقيةِ للمَريضِ، بَشرْطِ أنْ تُعلَّقَ في مَكانٍ ليس فيه إهانةٌ لها، وبعضُهم منَعَ منها ولو كانتْ مِن القُرآنِ؛ سَدًّا للذريعةِ، وحسْمًا لمادَّةِ الشِّركِ، وعملًا بالعُمومِ الذي في هذا الحديثِ وغيرِه
[414] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 81). .
قال
عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنبلٍ: (رأيتُ أبي يكتُبُ التعاويذَ للذي يَفزَعُ، والحمى لأهلِه وقَراباتِه، ويَكتُبُ للمَرأةِ إذا عَسُرَ عليها الوِلادةُ في جامٍ أو شَيءٍ لطيفٍ، ويكتُبُ حديثَ
ابنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أنَّه كان يَفعَلُ ذلك عند وُقوعِ البلاءِ، ولم أرَه يَفعَلُ هذا قبلَ وُقوعِ البلاءِ، ورأيتُه يعُوذُ في الماءِ ويشرَبُه المريضُ، ويصُبُّ على رأسِه منه)
[415] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله)) (ص: 447). .
قال
أحمدُ بنُ حَنبلٍ: (التعليقُ كُلُّه يُكرَهُ، و
الرُّقى ما كان من القُرآنِ فلا بأسَ)
[416] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه)) رواية الكوسج (9/4712). .
وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (اعلَمْ أنَّ العُلَماءَ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين فمَن بَعْدَهم اختَلَفوا في جوازِ تعليقِ التمائِمِ التي من القُرآنِ وأسماءِ اللهِ وصِفاتِه، فقالت طائفةٌ: يجوزُ ذلك، وهو قَولُ
عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ وغَيرِه، وهو ظاهِرُ ما رُوِيَ عن
عائشةَ، وبه قال أبو جعفرٍ الباقِرُ، و
أحمدُ في روايةٍ، وحملوا الحديثَ على التَّمائِمِ الشِّركيَّةِ، أمَّا التي فيها القُرآنُ وأسماءُ اللهِ وصِفاتُه، فكالرُّقيةِ بذلك. قلتُ: وهو ظاهِرُ اختيارِ
ابنِ القَيِّمِ. وقالت طائفةٌ: لا يجوزُ ذلك، وبه قال
ابنُ مسعودٍ، و
ابن عبَّاسٍ، وهو ظاهِرُ قَولِ حُذَيفةَ، وعُقبةَ بنِ عامرٍ، وابنِ عكيمٍ، رَضِيَ اللهُ عنهم، وبه قال جماعةٌ مِن التابعينَ، منهم أصحابُ
ابنِ مَسعودٍ، و
أحمَدُ في روايةٍ اختارها كثيرٌ من أصحابِه، وجزم بها المتأخِّرون، واحتجُّوا بهذا الحديثِ وما في معناه؛ فإنَّ ظاهِرَه العمومُ، لم يُفَرِّقْ بين التي في القُرآنِ وغيرِها، بخِلافِ
الرُّقى؛ فقد فَرَّق فيها، ويؤيِّدُ ذلك أنَّ الصَّحابةَ الذين رَوَوا الحديثَ فَهِموا العُمومَ)
[417] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 134). .
عن رُوَيفِعٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يا رُوَيفِعُ، لعلَّ الحياةَ ستَطولُ بك بعدي، فأخبِرِ النَّاسَ أنَّه من عَقَد لِحْيَتَه، أو تقَلَّدَ وَتَرًا، أو استَنْجَى برَجيعِ دابَّةٍ أو عَظمٍ؛ فإنَّ محمَّدًا بريءٌ منه)) [418] أخرجه أبو داود (36) واللَّفظُ له، والنسائي (5067)، وأحمد (17000). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (36)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (36)، وجَوَّدَه بطُرُقِه ابن باز في ((الفوائد العلمية)) (3/265)، وجَوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (1/292)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/352). .
وعن أبي بَشيرٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان مع رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه والنَّاسُ في مبَيتِهم، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رسولًا أن
((لا يبقَيَنَّ في رَقَبةِ بَعيٍر قِلادةٌ مِن وَتَرٍ أو قِلادةٌ إلَّا قُطِعَت )) [419] أخرجه البخاري (3005) واللفظ له، ومسلم (2115). .
قال ابنُ بَطَّال: (إنَّ الذي قلَّدها إذا اعتقد أنَّها تَرُدُّ العينَ فقد ظَنَّ أنَّها ترُدُّ القَدَرَ، ولا يجوزُ اعتقادُ هذا)
[420] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (5/159). .
وقال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (قد فَسَّر
مالِكٌ هذا الحديثَ أنَّه من أجْلِ العَينِ، وهو عند جماعةٍ مِن أهلِ العِلمِ كما قال
مالِكٌ، لا يجوزُ عِندَهم أن يُعَلَّقَ على الصَّحيحِ مِنَ البهائِمِ أو بني آدَمَ شيءٌ مِن العلائِقِ؛ خَوفَ نُزولِ العين؛ لهذا الحديثِ)
[421] يُنظر: ((التمهيد)) (17/160). .
وقال
ابنُ الأثير فيه أيضًا: (إنَّما نهاه عنها؛ لأنَّه إنَّما اتَّخَذها على أنَّها تعصِمُه من الألمِ، فكان عنده في معنى التَّمائمِ المنهيِّ عنها)
[422] يُنظر: ((النهاية)) (5/ 234). .
وقال
السيوطي: (طائفةٌ يجعَلونَ على أبوابِ بُيوتِهم ودُورهِم صُوَرَ الحَيَّاتِ والعقاربِ والصُّلبانِ، يَزعُمون أنَّها تطرُدُ الهوامَّ عنهم، وإنَّما تطرُدُ الملائكةَ؛ إذ صَحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «لا تدخُلُ الملائِكةُ بيتًا فيه كَلبٌ ولا صورةٌ»
[423] أخرجه البخاري (3322)، ومسلم (2106) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه. ، ويَقطَعونَ قُرونَ البَقَرِ والغَنَمِ والمعْزِ بالنَّورةِ لأجْلِ البركةِ، وكُلُّ هذا باطِلٌ، لا شَكَّ في تحريمِه، وقد يبلغُ التحريمُ في بَعْضِه إلى أن يكونَ مِن الكبائِرِ)
[424] يُنظر ((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) (ص: 120). .
وقال
ابن حجر الهيتمي عن
الرُّقى الشِّركيَّة والتمائِمِ: (عَدُّ هذين من الكبائِرِ هو ما يقتضيه الوعيدُ الذي في هذه الأحاديثِ، لا سِيَّما تسميتِه شِركًا، لكِنْ لم أَرَ أحدًا صَرَّح بذلك بخُصوصِه، ولكِنَّهم صَرَّحوا بما يُفهِمُ جريانَ ذلك فيه بالأَولى، نعَمْ يتعَيَّنُ حملُه على ما كانوا يفعلونَه من تعليقِ خَرَزةٍ -يُسَمُّونها تميمةً- أو نحوِها، يرون أنَّها تدفَعُ عنهم الآفاتِ، ولا شَكَّ أنَّ اعتقادَ هذا جَهلٌ وضَلالٌ، وأنَّه من أكبرِ الكبائِرِ؛ لأنَّه إن لم يكُنْ شِركًا فهو يؤدِّي إليه؛ إذ لا ينفَعُ ويضُرُّ ويمنَعُ ويدفَعُ إلَّا اللهُ تعالى)
[425] يُنظر: ((الزواجر)) (1/ 274). .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (أمَّا التمائِمُ والخُيوطُ والحُروزُ والطلاسِمُ ونحوُ ذلك ممَّا يُعَلِّقُه الجُهَّالُ؛ فهو شِركٌ يجِبُ إنكارُه وإزالتُه بالقَولِ والفِعلِ، وإن لم يأذَنْ فيه صاحِبُه)
[426] يُنظر: ((فتح المجيد)) (ص: 122). .
وقال
حافظٌ الحَكَميُّ:
وَإِنْ تَكُنْ مِمَّا سِوَى الْوَحْيَيْنِ فَإِنَّهَا شِرْكٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
بَلْ إِنَّهَا قَسِيمَةُ الأَزْلَامِ فِي الْبُعْدِ عَنْ سِيمَا أُولي الإسْلامِ
وقال في شَرْحِه لهذينِ البيتينِ: («وإن تكُنْ» أي: التمائِمُ «ممَّا سِوى الوحيَينِ» بل من طلاسِمِ اليهودِ وعُبَّادِ الهياكِلِ والنُّجومِ والملائكةِ، ومُستخدِمي
الجِنِّ ونحوِهم، أو من الخَرَز أو الأوتارِ أو الحَلَقِ مِن الحديدِ وغَيرِه؛ «فإنَّها شِركٌ» أي: تعَلُّقُها شِركٌ «بدوِن مَينِ» أي: شَكٍّ؛ إذ ليست هي من الأسبابِ المباحةِ والأدويةِ المعروفةِ، بل اعتَقَدوا فيها اعتقادًا مَحْضًا أنَّها تدفَعُ كذا وكذا من الآلامِ لِذَاتِها؛ لخصوصيَّةٍ -زعموا- فيها، كاعتقادِ أهلِ الأوثانِ في أوثانِهم «بل إَّنها قَسيمةُ» أي: شبيهةُ «الأزلامِ» التي كان يستصحِبُها أهلُ الجاهليَّةِ في جاهلِيَّتِهم ويَستَقْسِمونَ بها إذا أرادوا أمرًا، وهي ثلاثةُ قِداحٍ، مكتوبٌ على
أحَدِها: افعَلْ،
والثَّاني: لا تفعَلْ،
والثَّالِثُ: غُفلٌ. فإن خرج في يَدِه الذي فيه افعَلْ، مضى لأمرِه، أو الذي فيه لا تفعَلْ، تَرَك ذلك، أو الغُفْلُ، أعاد استقسامَه. وقد أبدَلَنا اللهُ تعالى -وله الحَمدُ- خيرًا من ذلك؛ صلاةَ الاستخارةِ ودُعاءَها.
والمقصودُ أنَّ هذه التمائِمَ التي من غيرِ القُرآنِ والسُّنَّةِ شَريكةٌ للأزلامِ وشَبيهةٌ بها، مِن حيثُ الاعتقادُ الفاسِدُ والمخالفةُ للشَّرعِ «في البُعدِ عن سِيْما أُولي الإسلامِ» أي: عن زيِّ أهلِ الإسلامِ؛ فإنَّ أهلَ التَّوحيدِ الخالِصِ من أبعَدِ ما يكونُ عن هذا وهذا، والإيمانُ في قُلوبِهم أعظَمُ مِن أن يدخُلَ عليه مِثلُ هذا، وهم أجَلُّ شأنًا وأقوى يقينًا من أن يتوكَّلوا على غيرِ اللهِ، أو يَثِقوا بغَيرِه)
[427] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/512). .