الفصلُ الثَّالِثُ: أقوالُ أهلِ العِلمِ في الاعتِصامِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ
1- عن
مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ قال: (كانوا لا يَختَلِفونَ عنِ
ابنِ مَسعودٍ في خَمسٍ: أنَّ أحسَنَ الحَديثِ كِتابُ اللَّهِ، وخيرَ السُّنَّةِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشَرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وأنَّ أكيسَ الكَيسِ التُّقَى، وأنَّ أحمَقَ الحُمقِ الفُجورُ)
[1039] رواه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1/325). .
2- عن عُثمانَ بن حاضِرٍ الأزديِّ قال: قُلتُ ل
ابنِ عَبَّاسٍ: أوصِني، قال: (عَليكَ بالاستِقامةِ، واتِّباعِ الأثَرِ، وإياكَ والتبَدُّعَ)
[1040] رواه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1/337). .
3- عن
مالِكِ بنِ أنسٍ قال: كان
عُمرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ يَقولُ: (سَنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وولاةُ الأمرِ من بُعدِه سُنَنًا، الأخذُ بها تَصديقٌ لكِتابِ اللَّهِ، واستِكمالٌ لطاعةِ اللَّهِ، وقوَّةٌ على دينِ اللَّهِ، من عَمِلَ بها مُهتَديًا بها هُدِي، ومن استَنصَرَ بها مَنصورٌ، ومن خالَفَها اتَّبَعَ غيرَ سَبيلِ المُؤمنين، ووَلَّاهُ اللَّهُ ما تولَّى)
[1041] رواه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/357)، والخلال في ((السنة)) (4/127). .
4- عنِ
الزُّهريِّ قال: (كان من مَضَى من عُلَمائِنا يَقولونَ: الاعتِصامُ بالسُّنَّة نَجاةٌ)
[1042] رواه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1/320)، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (1/106). .
5- قال أحمَدُ بن أبي الحَواريِّ: (من عَمِل عَمَلًا بلا اتِّباعِ سُنَّةِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فباطِلٌ عَمَلُه)
[1043] رواه القشيري في ((الرسالة القشيرية)) (1/68). .
6- قال
اللَّالكائيُّ: (إنَّ أوجَبَ ما على المَرءِ مَعرِفةُ اعتِقادِ الدِّين، وما كلَّفَ اللَّهُ عِبادَه من فهمِ تَوحيدِه وصِفاتِه، وتَصديقِ رُسُلِه بالدَّلائِلِ واليَقين، والتوَصُّلُ إلى طُرُقِها، والاستِدلالُ عليها بالحُجَجِ والبَراهين.
وكان من أعظَمِ مَقولٍ، وأوضَحِ حُجَّةٍ ومَعقولٍ، كِتابُ اللَّهِ الحَقُّ المُبينُ، ثُمَّ قَولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَحابَتِه الأخيارِ المُتَّقين، ثُمَّ ما أجمَعَ عليه السَّلَفُ الصَّالِحونَ، ثُمَّ التمَسُّكُ بمَجموعِها والمُقامُ عليها إلى يَومِ الدِّينِ، ثُمَّ الاجتِنابُ عنِ البِدَعِ والاستِماعِ إليها مِمَّا أحدَثَها المُضِلُّون.
فهذه الوَصايا المَوروثةُ المَتبوعةُ، والآثارُ المَحفوظةُ المَنقولةُ، وطَرائِقُ الحَقِّ المَسلوكةُ، والدَّلائِلُ اللَّائِحةُ المَشهورةُ، والحُجَجُ الباهِرةُ المَنصورةُ، الَّتي عَمِلَت عليها الصَّحابةُ والتابِعونَ، ومن بَعدَهم من خاصَّةِ النَّاسِ وعامَّتِهم من المُسلِمينَ، واعتَقدوها حُجَّةً فيما بينَهم وبينَ اللهِ رَبِّ العالِمينَ، ثُمَّ مَنِ اقتَدَى بهم من الأئِمَّةِ المُهتَدِينَ، واقتَفَى آثارَهم من المُتَّبِعينَ، واجتَهدَ في سُلوكِ سَبيلِ المُتَّقين، وكان من الَّذينَ اتَّقَوا والَّذينَ هم مُحْسِنون.
فمن أخذَ في مِثلِ هذه المَحَجَّةِ، وداوَم بهذه الحُجَجِ على منهاجِ الشَّريعةِ؛ أمنَ في دينه التَّبِعةَ في العاجِلةِ والآجِلةِ، وتمسَّك بالعُروةِ الوُثقَى الَّتي لا انفِصامَ لَها)
[1044] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (1/7). .
7- قال
ابنُ تيمِيَّةَ: (شَواهِدُ هذا الأصلِ العَظيمِ الجامِعِ من الكِتابِ والسُّنَّةِ كَثيرةٌ، وتَرجَمَ عليه أهلُ العِلمِ في الكُتُبِ كِتابَ الاعتِصامِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، كما تَرجَمَ عليه
البُخاريُّ و
البَغَويُّ وغيرُهما، فمن اعتَصَمَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ كان من أولياءِ اللهِ المُتَّقينَ، وحِزْبِه المُفلِحين، وجُندِه الغالِبينَ)
[1045] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/623). .
وقال أيضًا: (كان من أعظَمِ ما أنعَمَ اللَّهُ به عليهم اعتِصامُهم بالكِتابِ والسُّنَّة، فكان من الأصولِ المُتَّفَقِ عليها بينَ الصَّحابةِ والتابِعين لَهم بإحسانٍ: أنَّه لا يُقبَلُ من أحَدٍ قَطُّ أن يُعارِضَ القُرآنَ لا برَأيِه ولا ذَوقِهِ ولا مَعقولِه ولا قياسِه ولا وَجْدِه؛ فإنَّهم ثَبَتَ عنهم بالبَراهينِ القَطعيَّاتِ والآياتِ البيِّناتِ أنَّ الرَّسولَ جاءَ بالهُدَى ودينِ الحَقِّ، وأنَّ القُرآنَ يَهْدِي للَّتي هيَ أقومُ)
[1046] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (13/28). .
8- قال
ابنُ القيِّمِ: (الكِتابُ هو القُرآنُ، والحِكمةُ هي السُّنَّةُ، باتِّفاقِ السَّلَفِ، وما أخبَرَ به الرَّسولُ عَنِ اللهِ فهو في وُجوبِ تَصديقِه والإيمانِ به كما أخبَرَ به الرَّبُّ تعالى على لسانِ رَسولِه، هذا أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه بينَ أهلِ الإسلامِ لا يُنكِرُه إلَّا من ليسَ منهم، وقد قال النَّبيُّ:
((إنِّي أُوتيتُ الكِتابَ ومِثْلَه مَعَهُ)) [1047] لفظ الحديث: عن المقدامِ بن مَعدِيكرب الكندي، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومِثلَه معه، ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومِثلَه معه، ألا يوشِكُ رجلٌ يَنثني شبعان على أريكتِه يقول: عليكم بالقرآنِ، فما وجدتُم فيه من حلالٍ فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرامٍ فحَرِّموه..". أخرجه من طرق مطولًا: أبو داود (4604)، والترمذي (2664)، وأحمد (17174) واللَّفظُ له. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (12)، وابن تيمية في ((الإيمان)) (37)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/324). [1048] يُنظر: ((الروح)) (ص: 116). .
9- قال
السُّيوطيُّ: (من أنكَرَ كونَ حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -قَولًا كان أو فِعلًا بشَرطِه المَعروفِ في الأصولِ- حُجَّةً، كَفَرَ وخَرجَ عن دائِرةِ الإسلامِ، وحُشِرَ مَعَ اليَهودِ والنَّصارَى، أو مَعَ مَن شاءَ اللَّهُ مِن فِرَقِ الكَفَرةِ)
[1049] يُنظر: ((مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة)) (ص: 5). .
10- قال
الشَّوكانيُّ: (ثُبوتُ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ المُطَهَّرةِ واستِقلالِها بتَشريعِ الأحكامِ ضَرورةٌ دينيَّةٌ، ولا يُخالِفُ في ذلك إلَّا من لا حَظَّ لَهُ في دينِ الإسلامِ)
[1050] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) (1/97). .
11- قال
ابنُ باز: (من أنكَرَ السُّنَّةَ فقد أنكَرَ كِتابَ اللَّهِ، ومن قال: إنَّه اتَّبَعَ كِتابَ اللهِ من دونِ السُّنَّةِ فقد كذَبَ وغَلِطَ وكَفرَ؛ لأنَّ القُرآنَ أمرَ باتِّباعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمن لم يَتَّبِعْه فإنَّه لم يَعمَلْ بكِتابِ اللهِ ولم يُؤمِنْ بكِتابِ اللَّهِ؛ إذ كِتابُ اللَّهِ أمَرَ بطاعةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمرَ باتِّباعِه وحَذَّرَ من مُخالَفَتِه، فمن زَعَمَ أنَّه يَأخُذُ بالقُرآنِ، ويَتَّبِعُ القُرآنَ دونَ السُّنَّةِ، فقد كذَبَ؛ لأنَّ السُّنَّةَ جُزءٌ من القُرآنِ، فطاعةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جُزءٌ من القُرآنِ، ودَلَّ على الأخذِ بها القُرآنُ، وأمرَ بالأخذِ بها القُرآنُ، فلا يُمكِنُ أن يَنفَكَّ هذا عن هذا، ولا يُمكِنُ أن يَكونَ الإنسانُ مُتَّبِعًا للقُرآنِ بدونِ اتِّباعِ السُّنَّةِ، ولا يَكون مُتَّبِعًا للسُّنةِ دونَ اتِّباعِ القُرآنِ، فهما مُتَلازِمانِ لا يَنفَكُّ أحَدُهما عنِ الآخَرِ)
[1051] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/136). .
12- قال
ابنُ عُثيمين: (قال تعالى:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ... هذا مَنطوقُ الآيةِ، ومَفهومُها: أنَّ من يَعْصِ الرَّسولَ فقدَ عَصَى اللَّهَ.
وفي هذه الآيةِ دَليلٌ على أنَّ ما ثَبَتَ في السُّنَّةِ فإنَّه كالَّذي ثَبَتَ في القُرآنِ، أي أنَّه من شَريعةِ اللهِ ويَجِبُ التمَسُّكُ به، ولا يَجوزُ لأحَدٍ أن يُفَرِّقَ بينَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ولَقد أخبَرَ النَّبيُّ عليه الصَّلاةَ والسَّلامُ مُحذِّرًا حينَما قال:
((لا ألفَيَنَّ أحَدَكُم مُتَّكِئًا على أريكَتِه يَأتيه الأمرُ من عِندي فيَقولُ: لا نَدري، ما وجَدْنا في كِتابِ اللهِ اتَّبَعْناهُ)) [1052] أخرجه أبو داود (4605)، والترمذي (2663)، وابن ماجه (13) باختلاف يسير من حديث أبي رافع رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (13)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (368). ، يَعني أنَّه يُحذِّرُ من أنَّه رُبَّما يَأتي زَمانٌ على النَّاسِ يَقولونَ: لا نَتَّبِعُ إلَّا ما في القُرآنِ، أمَّا ما في السُّنَّةِ فلا تَأخُذُ به.
وهذا أمرٌ قد وقَعَ، فوُجِدَ من المَلاحِدةِ من يَقولُ: لا نَقبَلُ السُّنَّةَ لا نَقبَلُ إلَّا القُرآنَ، والحَقيقةُ أنَّهم كَذَبةٌ فإنَّهم لم يَقبَلوا لا السُّنَّةَ ولا القُرآنَ؛ لأنَّ القُرآنَ يَدُلُّ على وُجوبِ اتِّباعِ السُّنَّةِ، وأنَّ ما جاءَ في السُّنَّة كالَّذي جاءَ في القُرآنِ، ولَكِنَّهم يُمَوِّهونَ على العامَّةِ، ويَقولونَ: إنَّ السُّنَّةَ ما دامَت ليسَت قُرآنًا يُتْلَى ويَتَواتَرُ بينَ المُسلِمينَ، فإنَّ ما فيها قابِلٌ للشَّكِّ، وقابِلٌ للنِّسيانِ، وقابِلٌ للوَهمِ وما أشبَهَ ذلك. واللَّهُ الموَفِّقُ)
[1053] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/263). .