المطلبُ الأوَّلُ: تَرتيبُ الخُلَفاءِ الأربَعةِ في الإمامةِ كتَرتيبِهِم في الفَضلِ
فالإمامُ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ.
ومِن أقوالِ أهْلِ العِلمِ في ذلك:1- عنِ
الرَّبيعِ بنِ سُلَيمانَ قال: سَمِعتُ
الشَّافِعيَّ مُحَمَّدَ بنَ إدريسَ يَقولُ: (أقولُ في الخِلافةِ والتَّفضيلِ بأبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهم)
[2002] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 1174). .
قال
الشَّافِعيُّ: (لم تَزَلْ كُتُبُ رَسولِ اللهِ تَنفُذُ إلى وُلاتِه بالأمرِ والنَّهيِ ولَم يَكُن لِأحَدٍ مِن وُلاتِه تَركُ إنفاذِ أمْرِه... وهَكَذا كانَت كُتُبُ خُلَفائِه بَعدَهُ وعُمَّالِهم، وما أجمَعَ المُسْلِمونَ عليه مِن أن يَكونَ الخَليفةُ واحِدًا، والقاضي واحِدًا والأميرُ واحِدًا، والإمامُ، فاستَخلَفوا أبا بَكْرٍ ثُمَّ استَخلَفَ أبو بَكْرٍ عُمرَ، ثُمَّ عُمرُ أهلَ الشُّورى؛ ليَختاروا واحِدًا، فاختارَ عَبدُ الرَّحمَنِ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ)
[2003] يُنظر: ((الرسالة)) (ص: 192). .
2- عن أبي عليٍّ الحَسَنِ بنِ أحمَدَ بنِ اللَّيثِ الرَّازي قال: (سَألْتُ
أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ فقُلتُ: يا أبا عَبدِ اللهِ مَن تُفَضِّلُ؟ قال: أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعَليٌّ، وهمُ الخُلفاءُ، فقُلتُ: يا أبا عَبدِ اللهِ إنَّما أسألُكَ عنِ التَّفضيلِ، مَن تُفَضِّلُ؟ قال: أبو بَكْرٍ وعُمرُ وعُثمانُ وعَليٌّ، وهمُ الخُلفاءُ المَهْدِيُّونَ، ورَدَّ البابَ في وَجْهِي،... ثُمَّ قَدِمْتُ الرَّيَّ فقُلْتُ لِ
أبي زُرعةَ: سَألْتُ أحمَدَ وذَكَرتُ لهُ القِصَّةَ، فقال: لا نُبالي مَن خالَفَنا، نَقولُ: أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعَليٌّ في الخِلافةِ والتَّفضيلِ جَميعًا، هَذا ديني الَّذي أدِينُ اللهَ به، وأرجو أن يَقبِضَني اللهُ عليه)
[2004] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 1172). !
وعن سَلَمةَ بنِ شَبيبٍ قال: قُلتُ لِ
أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ: مَن تُقَدِّمُ؟ قال: (أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعَليٌّ في الخِلافةِ)
[2005] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 1172). .
وعن أبي بَكرٍ المِرُّوذيِّ قال: قال
أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (لَمَّا مَرِضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَدَم أبا بَكْرٍ ليُصَلِّيَ بالنَّاسِ، وقَد كانَ في القَومِ مَن هو أقرَأُ مِنهُ، وإنَّما أرادَ الخِلافةَ)
[2006] يُنظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 216). .
3- قال
الطَّحاويُّ: (نُثبِتُ الخِلافةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلًا لِأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه تَفضيلًا لهُ وتَقديمًا عَلى جَميعِ الأمَّةِ، ثُمَّ لِعُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لِعُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهمُ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ والأئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ)
[2007] يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 81). .
4- قال
أبو الحَسَنِ الأشعريُّ في سياقِ ذِكرِه لِلأدِلَّةِ عَلى أنَّ الصِّدِّيقَ هو الإمامُ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (فوَجَبَ أن يَكونُ إمامًا بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإجماعِ المُسْلِمينَ... وإذا كانَ كذلك فقَد حَصَلَ الإجماعُ والِاتِّفاقُ عَلى إمامةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه.
وإذا ثَبَتَت إمامةُ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه، ثَبَتَت إمامةُ الفاروقِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ لِأنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه نَصَّ عليه وعَقَدَ لهُ الإمامةَ واختارَهُ لها، وكانَ أفضَلَهم بَعدَ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه. وثَبَتَت إمامةُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه بعَقدِ مَن عَقَدَ لهُ الإمامةَ مِن أصحابِ الشُّورى الَّذينَ نَصَّ عليهِم عُمرُ رَضِيَ اللهُ عنه، فاختاروهُ ورَضُوا بإمامَتِه، وأجمَعوا عَلى فضلِه وعَدلِه. وتَثبُتُ إمامةُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه لِعَقدِ مَن عَقدَها لهُ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم مِن أهلِ الحَلِّ والعَقدِ، ولِأنَّه لم يَدَّعِها أحَدٌ مِن أهلِ الشُّورى غَيرُه في وقتِه، وقَدِ اجتَمَعَ عَلى فِضلِه وعَدْلِه... هَؤُلاءِ همُ الأئِمةُ الأربَعةُ المُجْمَعُ عَلى عَدْلِهِم وفَضلِهم رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ)
[2008] يُنظر: ((الإبانة عن أصول الديانة)) (ص: 257-259). .
5- قال ابنُ أبي زَيدٍ القيروانيُّ: (أفْضَلُ الصَّحابةِ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المَهْدِيُّونَ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ)
[2009] يُنظر: ((عقيدة السلف - مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة)) (ص: 61). .
6- قال
ابنُ بَطَّةَ في بَيانِ عَقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: (ثُمَّ الإيمانُ والمَعرِفةُ بأنَّ خَيرَ الخَلقِ وأفضَلَهم... وأحَقَّهم بخِلافةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ عَبدُ اللهِ بنُ عُثمانَ... ثُمَّ مِن بَعْدِه عَلى هَذا التَّرتيبِ والصِّفةِ أبو حَفصٍ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه وهوَ الفاروقُ، ثُمَّ مِن بَعدِهِما عَلى هَذا التَّرتيبِ والنَّعتِ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، وهوَ أبو عَبْدِ اللهِ وأبو عَمْرٍو ذو النُّورَينِ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ عَلى هَذا النَّعتِ والصِّفةِ مِن بَعدِهِم أبو الحَسَنِ عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه... فبِحُبِّهِم وبِمَعرِفةِ فضلِهِم قامَ الدِّينُ، وتَمَّتِ السُّنَّةُ، وعَدَلَتِ الحُجَّةُ)
[2010] يُنظر: ((الإبانة الصغرى)) (ص: 283-287). .
7- قال أبو بَكرٍ الباقِلانيُّ: (يَجِبُ أن يُعلَمَ أنَّ إمامَ المُسْلِمينَ وأميرَ المُؤْمِنين ومُقَدَّمَ خَلقِ اللهِ أجمَعينَ مِنَ الأنصارِ والمُهاجِرينَ بَعدَ الأنبياءِ والمُرْسَلينَ: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه... ثُمَّ مِن بَعْدِه عَلى هَذا أميرُ المُؤْمِنين عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه لِاستِخلافِه إيَّاهُ... وبَعدَهُ أميرُ المُؤْمِنينَ عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه... وبعدَهُ أميرُ المُؤمنين عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضاهُ... والدَّليلُ عَلى إثباتِ الإمامةِ لِلخُلفاءِ الأربَعةِ رَضِيَ اللهُ عنهم عَلى التَّرتيبِ الَّذي بَيَّنَّاه: أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا أعلامَ الدِّينِ، ومَصابيحَ أهلِ اليَقينِ، شاهَدوا التَّنزيلَ، وعَرَفوا التَّأويلَ، وشَهِدَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّهم خَيرُ القُرونِ، فقال: خَيرُ القُرونِ قَرْني
[2011] أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خيرُ الناس قرني..)). فلَمَّا قَدَّموا هَؤُلاءِ الأربَعةَ عَلى غَيرِهِم ورَتَّبوهم عَلى التَّرتيبِ المَذكورِ، عَلِمْنا أنَّهم رَضِيَ اللهُ عنهم لم يُقَدِّموا أحَدًا تَشهِّيًا مِنهم، وإنَّما قَدَّموا مَن قَدَّموه لِاعتِقادِهِم كونَهُ أفضَلَ وأصلَحَ لِلإمامةِ مِن غَيرِه في وقتِ تَولِّيه)
[2012] يُنظر: ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: 61-63). .
8- قال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ مُبيِّنًا عَقيدةَ أهلِ الأثَرِ في تَرتيبِ الخِلافةِ: (يُثبِتُ أصحابُ الحَديثِ خِلافةَ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَ وفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باختيارِ الصَّحابةِ واتِّفاقِهِم عليه... ثُمَّ خِلافةَ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضاهُ باستِخلافِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه إيَّاهُ واتِّفاقِ الصَّحابةِ عليه بَعدَهُ، وإنجازِ اللهِ سُبحانَه -بمَكانِه في إعلاءِ الإسلامِ، وإعظامِ شَأنِه- وعْدَه، ثُمَّ خِلافةَ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بإجماعِ أهلِ الشُّورى، وإجماعِ الأصحابِ كافَّةً، ورِضاهُم به، حَتَّى جَعلَ الأمرَ إلَيه، ثُمَّ خِلافةَ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه ببيعةِ الصَّحابةِ إيَّاهُ، عَرَفَهُ، ورَآهُ كُلٌّ مِنهم -رَضِيَ اللهُ عنهم- أحَقَّ الخَلقِ وأَولاهم في ذلك الوَقتِ بالخِلافةِ، ولَم يَستَجيزوا عِصيانَهُ وخِلافَهُ، فكانَ هَؤُلاءِ الأربَعةُ الخُلَفاءَ الرَّاشِدينَ الَّذينَ نَصَرَ اللهُ بهِمِ الدِّينَ، وقَهَرَ وقَسرَ بمَكانِهِمُ المُلحِدينَ، وقوَّى بمَكانِهِمُ الإسلامَ، ورَفعَ في أيَّامِهِم لِلحَقِّ الأعلامَ، ونوَّر بضِيائِهِم ونُورِهم وبَهائِهِمُ الظَّلامَ)
[2013] يُنظر: ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص: 290-292). .
9- قال
ابنُ عَبدِ البَرِّ: (الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المُهْدِيُّونَ: أبو بَكْرٍ، وعُمرُ، وعُثمانُ وعَليٌّ، وهم أفضَلُ النَّاسِ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[2014] يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1168). .
10- قال البَزدَويُّ الحَنفيُّ: (قال أهْلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ: إنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه كانَ خَليفةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ مَوتِه في تَنفيذِ الأحكامِ، ومَنعِ الظَّالِمِ عنِ الظُّلمِ، وإنصافِ المَظلومِ، وتَبليغِ الأحكامِ،... وإذا ثَبَتَت خِلافةُ أبي بَكْرٍ ثَبَتَت خِلافةُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما بَعدَهُ؛ فإنَّ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه استَخلَفَهُ، وإذا ثَبَتَت خِلافَتُهُ صَحَّ استِخلافُهُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه، وكَذا الصَّحابةُ أجمَعوا عليه؛ فإنَّ أحَدًا لم يَرُدَّ استِخلافَ أبي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما... وإذا ثَبَتَت خِلافةُ أبي بَكْرٍ وعُمرَ ثَبَتَت خِلافةُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَهما؛ فإنَّ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا قَرُبَ مِنَ المَوتِ اختارَ مِن جُملةِ الصَّحابةِ خَمسةَ نَفَرٍ، فيهِم عُثمانُ وعَليٌّ و
عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، وجَعلَ الخِلافةَ فيهِم، ولَم يَختَرْ واحِدًا مِنهم، بَل ذَكَرَ في كُلِّ واحِدٍ مِنهم... فاثنانِ مِنهم أعرَضَا عنِ الخِلافةِ وامتَنَعا عنِ الشُّروعِ فيها، وبَقيَ ثَلاثةٌ مِنهم عُثمانُ وعَليٌّ و
عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنهم، فأخرَجَ عَبدُ الرَّحمَنِ نَفسَه مِن بينهِم أيضًا، وقال: فَوِّضا أمْرَ الخِلافةِ إليَّ لِأختارَ أحَدَكما لِلخِلافةِ، ففَوَّضا الأمرَ إلَيه، ثُمَّ عاهَدَ كُلَّ واحِدٍ مِنهما أن يَرضى اختيارَهُ لوِ اختارَ صاحِبَه، ثُمَّ قال لعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: لوِ اختَرتُكَ تَعمَلُ بكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِ اللهِ وسُنَّةِ الخَليفَتينِ مِن بَعْدِه؟ فقال عليٌّ: أعمَلُ بقَدْرِ ما أُطيقُ. ثُمَّ قال لِعُثمانَ بمِثلِ ما قال لعَلِيٍّ، فقال: أعمَلُ بكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه وسُنَّةِ الخَليفَتينِ مِن بَعْدِه. ففَوَّضَ الخِلافةَ إلَيه
[2015] قِصَّة بيعةِ عثمانَ رضي الله عنه أخرجها البخاري (3700) عن عمرو بن ميمون الأودي.. قال عمر: ما أجِدُ أحقَّ بهذا الأمرِ من هؤلاء النَّفَرِ -أو الرَّهطِ- الذين توفِّي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ، فسمَّى عليًّا، وعثمانَ، والزبيرَ، وطلحةَ، وسعدًا، وعبدَ الرحمنِ. وقال: يشهدكم عبدُ اللهِ بنُ عمرَ وليس له من الأمرِ شيءٌ، كهيئةِ التعزيةِ له، فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستَعِنْ به أيُّكم ما أُمِّرَ؛ فإني لم أعزِلْه عن عجزٍ ولا خيانةٍ.. فلما قُبِض خرجنا به فانطلقنا نمشي، فسلَّم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمَرُ بن الخطاب. قالت: أدخِلوه. فأُدخِل، فوُضِع هنالك مع صاحبيه، فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهطُ، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمْرَكم إلى ثلاثةٍ منكم. فقال الزبير: قد جعلتُ أمري إلى عليٍّ. فقال طلحةُ: قد جعلتُ أمري إلى عثمانَ. وقال سعد: قد جعلتُ أمري إلى عبد الرحمنِ بنِ عوفٍ، فقال عبد الرحمن: أيُّكما تبرَّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، واللهُ عليه والإسلامُ لينظرَنَّ أفضَلَهم في نفسِه؟ فأُسكتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ، واللهُ عليَّ أن لا آلو عن أفضَلِكم؟ قالا: نعم. فأخذ بيد أحدِهما فقال: لك قرابةٌ من رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَدَم في الإسلام ما قد عَلِمتَ، فاللهُ عليكَ لئن أمَّرْتُك لتعدِلَنَّ، ولئن أمَّرتُ عثمانَ لتسمعَنَّ ولتطيعَنَّ. ثم خلا بالآخَرِ فقال له مثلَ ذلك، فلما أخذ الميثاقَ قال: ارفَعْ يدَك يا عثمانُ. فبايَعَه، فبايَعَ له عليٌّ، وولج أهلُ الدار فبايعوه. ، وأجمَعَتِ الصَّحابةُ عَلى فِعلِ عُمَرَ، وعَلى فِعلِ
عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ، فصارَ خَليفةَ حَقٍّ باعتِبارِ إجماعِ الصَّحابةِ.
فثَبَتَت خِلافةُ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه بَعدَهم باختيارِ عُمرَ وإجماعِ الصَّحابةِ حينَ رَضُوا باختيارِه رَضِيَ اللهُ عنهم.
والدَّليلُ عَلى خِلافَتِهِم: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الخِلافةُ بَعْدِي ثَلاثونَ سَنةً، ثُمَّ بَعدَهُ المُلْكُ )) [2016] أخرجه من طرق: أبو داود (4646)، والترمذي (2226)، وأحمد (21919) مطولًا باختلاف يسير من حديثِ سفينة رضي الله عنه. صحَّحه الإمام أحمد كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1169)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6943)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2226)، وحسَّنه الترمذي، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (439). وهذا المُلك الذي في الحديث أوله مُلك معاوية رضي الله عنه، قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (4/478): (اتَّفق العلماءُ على أن معاوية أفضلُ ملوكِ هذه الأمةِ؛ فإنَّ الأربعة قبله كانوا خلفاءَ نُبُوَّة، وهو أولُ الملوك؛ كان مُلكُه مُلكًا ورحمةً). ، فكانَ لِأبي بَكرٍ سَنتانِ وقَريبٌ مِن سِتَّةِ أشهُرٍ، ولِعُمرَ ثَمانِ سِنينَ وبَعضُ السَّنةِ التَّاسِعةِ، ولِعُثمانَ اثنَتا عَشَرةَ سَنةً وأشهُرٌ، ولَعليٍّ سِتُّ سِنينَ وأشهُرٌ)
[2017] يُنظر: ((أصول الدين)) (ص 183-190). .
11- قال
ابنُ قُدامةَ عن أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (هوَ أحَقُّ خَلقِ اللهِ بالخِلافةِ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِفَضلِه وسابِقَتِه، وتَقديمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ في الصَّلاةِ عَلى جَميعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وإجماعِ الصَّحابةِ عَلى تَقديمِه ومُبايَعَتِه، ولَم يَكُنِ اللهُ ليَجمَعَهم عَلى ضَلالةٍ، ثُمَّ مِن بَعْدِه عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه لِفَضلِه وعَهْدِ أبي بَكرٍ إلَيه، ثُمَّ عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه لِتَقديمِ أهلِ الشُّورى لهُ، ثُمَّ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه لِفَضلِه وإجماعِ أهلِ عَصرِه عليه. هَؤُلاءِ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ المَهْدِيُّونَ الَّذينَ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيهِم:
((عليكم بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ)) [2018] أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42) باختلاف يسير. صحَّحه الترمذي، والبزار كما في ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1164)، وابن حبان في ((صحيحه)) (5). [2019] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 36). .
12- قال
ابنُ تَيميَّةَ بَعدَ ذِكرِه الخِلافَ في تَقديمِ عُثمانَ عَلى عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما في الأفضَليَّةِ، واستِقرارِ الأمرِ عَلى تَقديمِ عُثمانَ عَلى عَليٍّ: (مَسألةُ عُثمانَ وعَليٍّ ليسَت مِنَ الأصولِ الَّتي يُضَلَّلُ المُخالِفُ فيها عِندَ جُمهورِ أهلِ السُّنَّةِ، لكِنَّ المَسألةَ الَّتي يُضَلَّلُ المُخالِفُ فيها مَسألةُ الخِلافةِ، وذلك بأنَّهم يُؤمِنونَ أنَّ الخَليفةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهم، ومَن طَعنَ في خِلافةِ أحَدٍ مِن هَؤُلاءِ الأئِمَّةِ فهوَ أضَلُّ مِن حِمارِ أهْلِه)
[2020] يُنظر: ((العقيدة الواسطية)) (ص: 118). .
وقال أيضًا: (اتَّفَقَ عامَّةُ أهْلِ السُّنَّةِ مِنَ العُلَماءِ والعُبَّادِ والأُمراءِ والأجنادِ عَلى أن يَقولوا: أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهم)
[2021] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (3/ 406). .
13- قال ابنُ أبي العِزِّ: (تَرتيبُ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ في الفَضلِ كتَرتيبِهم في الخِلافةِ)
[2022] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 727). .
14- قال
أبو الثَّناءِ مَحمودٌ الألوسيُّ: (أفضَلُ الأمَمِ أمَّتُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، كما يَشهَدُ لهُ الآياتُ والأخبارُ، وأفضَلُهم صَحابَتُهُ؛ لِلآياتِ أيضًا ولِلأحاديثِ البالِغةِ مَبلَغَ التَّواتُرِ، وإن كانَت تَفاصيلُها آحادًا، وأفضَلُهمُ الخُلفاءُ الأربَعةُ الرَّاشِدونَ، وهم في الفَضلِ... عَلى تَرتيبِهِم في الإمامةِ)
[2023] يُنظر: ((الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية)) (ص: 59). .
15- قال
صِدِّيق حَسَن خان: (أحَقُهم بالخِلافةِ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبو بَكرٍ لِفِضلِه وسابِقَتِه، وتَقديمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ في الصَّلَواتِ عَلى جَميعِ أصحابِه، وإجماعِ الصَّحابةِ عَلى تَقديمِه ومُتابَعَتِه، ولَم يَكُنِ اللهُ ليَجمَعَهم عَلى ضَلالةٍ، ثُمَّ بَعدَهُ عُمرُ لِفَضلِه، وعَهْدِ أبي بَكْرٍ إلَيه. ثُمَّ عُثمانُ لِتَقديمِ أهْلِ الشُّورى لهُ، ثُمَّ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ لِإجماعِ أهلِ عَصرِه عليه.
فهَؤُلاءِ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ، والأئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ، ومَن طَعنَ في خِلافةِ أحَدٍ مِن هَؤُلاءِ، فهوَ أضَلُّ مِن حِمارِ أهْلِه)
[2024] يُنظر: ((قطف الثمر)) (ص: 96). .
16- قال
ابنُ باز: (نُثبِتُ الخِلافةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوَّلًا لِأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ تَفضيلًا لهُ وتَقديمًا عَلى جَميعِ الأمَّةِ، ثُمَّ لِعُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لِعُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ لعَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهمُ الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ والأئِمَّةُ المُهتَدُونَ)
[2025] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 87). .
17- قال
ابنُ عُثيمين: (أفْضَلُ هَذِه الأمَّةِ هَؤُلاءِ الأربَعةُ: أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمرُ، وهَذا بالإجماعِ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عليٌّ)
[2026] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 269). .
وقال أيضًا: (يَجِبُ علينا أن نَعتَقِدَ بأنَّ الخَليفةَ بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عَليٌّ، وأنَّهم في أحقيَّةِ الخِلافةِ عَلى هَذا التَّرتيبِ؛ حَتَّى لا نَقولَ: إنَّ هُناكَ ظُلمًا في الخِلافةِ كما ادَّعَتهُ الرَّافِضةُ حينَ زَعَموا أنَّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ والصَّحابةَ كُلَّهم ظَلَمةٌ؛ لِأنَّهم ظَلَموا عليَّ بنَ أبي طالِبٍ؛ حَيثُ اغتَصَبوا الخِلافةَ مِنه!)
[2027] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 272). .