هو الإمامُ العلَّامةُ الأميرُ السيد الشريف المحقِّقُ محيي السنة وقامِعُ البدعة: أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القنوجي البخاري، نزيل بهوبال، ويرجع نَسَبُه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب. ولِدَ في بلدة "بريلي" موطِنِ جَدِّه من جهةِ الأمِّ، عام 1248هـ ولما بلغ السادسةَ مِن عمره توفِّيَ والدُه، فرحل مع أمِّه إلى قِنَّوج موطِنِ آبائهِ بالهندِ، فنشأ فيها في حجرِ أمِّه يتيمًا فقيرًا على العَفافِ والطهارة، وتلقَّى الدروس في علومٍ شتى على صفوةٍ مِن علماءِ قِنَّوج ونواحيها وغيرهم. درسَ صِدِّيق على شيوخٍ كثيرين من مشايخِ الهند واليمن، واستفاد منهم في علومِ القرآن والحديثِ وغيرهما، ولقد أجازه شيوخٌ كثيرون ذكَرَهم في ثَبتِه "سلسة العَسْجَد في مشايخ السند". وله تلاميذ كثيرون درَسوا عليه واستجازوه، وبعد عودتِه مِن الحجازِ إلى الهند انتقل العلامةُ صِدِّيق حسن خان من (قنوج) إلى مدينة (بهوبال) في ولاية (مادهيا براديش) في وسط الهند، وقد ذاع صيتُه في تلك الأيام، كإمام في العلومِ الإسلامية، ومؤلِّفٍ بارع في العلوم العقليَّةِ والنَّقلية، وكاتبٍ قديرٍ في اللغات العربية والفارسية والأوردية، ومجتهدٍ متواصلٍ في الدرس والتأليف والتدوين، ولم يلبَثْ أن تزوَّجَ بأميرة بهوبال (شاهجان بيجوم) التي كانت تحكُمُها حينذاك، تزوَّجَت به لَمَّا عَلِمَت من شَرَفِ نَسَبِه وغزارة عِلمِه واستقامة سيرتِه، سنة 1287هـ، وجعلَتْه مُعتَمِدَ المهامِّ، ومنحته أقطاعًا من الأرضِ الخراجيَّة تغلُّ له خمسين ألف ربيَّة في كلِّ سنة، وخلعت عليه ولقَّبَتْه الدولةُ البريطانيةُ الحاكِمةُ بالهند نواب أمير الملك سيد محمد صديق حسن خان بهادر، ومنحته حَقَّ التعظيم في أرض الهند بطولِها وعرضِها بإطلاقِ المدافِعِ سَبعَ عشرة طلقةً، وخلَعَت عليه بالخِلَعِ الفاخرةِ، ومنَحَه السلطانُ عبد الحميد خان الوسامِ المجيدي من الدرجةِ الثانية. عَمِلَ صديق خان وزيرًا لزوجته الأميرة (شاهجان بيجوم) ونائبًا عنها. كان زواجُ العلَّامة صديق حسن خان بالأميرة شاهجان وتلقُّبه بأمير بهوبال نقطةَ تحوُّلٍ لا في حياتِه العلميَّةِ فقط، بل في النشاطِ العلميِّ والعهد التأليفي في الهند كلِّها، فكان له موهبةٌ فائقةٌ في الكتابة وفي التأليف، حتى قيل إنَّه كان يكتُبُ عَشَرات الصفحاتِ في يوم واحد، ويكمِلُ كتابًا ضخمًا في أيام قليلة، ومنها كتب نادرةٌ على منهج جديد، وعندما ساعدته الظروفُ المَنصبيَّةُ والاقتصادية على بذل المالِ الكثيرِ في طَبعِها وتوزيعِها، تكَلَّلت مساعيه العلمية بنجاحٍ منقطعِ النظير. من مؤلَّفاتِه: فتح البيان في مقاصد القرآن، ونيل المرام من تفسير آيات الأحكام، والدين الخالص (جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن، ولم يغادر آيةً منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي)، وعون الباري بحَلِّ أدلة البخاري (شرح كتاب التجريد)، والسراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجَّاج، والحِرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون (في الحديث)، والرحمة المهداة إلى من يريد زيادةَ العلمِ على أحاديثِ المِشكاة، والجنة في الأسوة الحسنة بالسنَّة،(في اتباع السنة)، الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة، والروضة الندية شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني، وفتح العلام شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وحصول المأمول من علم الأصول (تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني) (في أصول الفقه)، وقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، وغيرها كثير، قال عبد الحي الطالبي: "له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ ومؤلَّفاتٌ شهيرة في التفسير والحديث، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، قلَّما يتَّفِقُ مثلُها لأحدٍ من العلماء، وكان سريعَ الكتابةِ حُلوَ الخَطِّ، يكتب كراستين في مجلسٍ واحدٍ بخَطٍّ خفيٍّ في ورقٍ عالٍ، ولكنه لا تخلو تأليفاتُه عن أشياءَ، إما تلخيص أو تجريد، أو نقل من لسانٍ إلى لسان آخر، وكان كثيرَ النقل عن القاضي الشوكاني، وابن القيم، وشيخه ابن تيمية الحراني، وأمثالهم، شديدَ التمَسُّك بمختاراتهم، وقد اعتراه مرَضُ الاستسقاء، واشتدَّ به المرضُ وأعياه العلاجُ واعتراه الذهولُ والإغماء، وكانت أناملُه تتحَرَّك كأنَّه مشغول بالكتابة، فلما كان نصفُ الليل فاضت على لسانِه كلمةُ أحِبُّ لقاءَ اللهِ، قالها مرة أو مرتين، وطلب الماءَ واحتُضِرَ، وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1307هـ، وله من العُمرِ تِسعٌ وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، وشُيِّعَت جنازته في جمعٍ حاشدٍ، وصلِّيَ عليه ثلاث مرات، و كان قد أوصى بأن يُدفَنَ على طريقةِ السُّنَّة، فنُفِّذَت وصيَّتُه.