المَطلَبُ الثَّالِثُ: العِلْمُ بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه هو الطَّريقُ إلى مَعرفةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ
لا سَبيلَ إلى مَعرفةِ اللهِ إلَّا بمعرفةِ أسمائِه وصِفاتِه، والتفَقُّهِ في فَهمِ مَعانيها. وقد اشتَمَل القُرآنُ من ذلك على ما لم يَشتَمِلْ عليه غيرُه، من تفاصيلِ ذلك، وتوضيحِها والتعَرُّفِ بها إلى عبادِه، وتعريفِهم لنَفْسِه؛ كي يَعرِفوه، فقد خَلَق اللهُ الخَلْقَ لِيَعبُدوه ويَعرِفوه، فهذا هو الغايةُ المطلوبةُ منهم، فالاشتغالُ بذلك اشتِغالٌ بما خُلِقَ له العَبدُ، وتَرْكُه وتضييعُه إهمالٌ لِما خُلِقَ له
[965] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 35). .
قال
العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (فَهْمُ معاني أسْماءِ اللهِ تعالى وسيلةٌ إلى مُعامَلتِه بثَمَراتِها، مِن الخَوفِ والرَّجاءِ والمهابةِ والمحبَّةِ والتَّوكُّلِ، وغيرِ ذلك من ثمراتِ مَعرفةِ الصِّفاتِ)
[966] يُنظر: ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: 67). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (من عَرَف أسْماءَ اللهِ ومعانيَها وآمَنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ مِمَّن لم يعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمَنَ بها إيمانًا مجمَلًا، أو عرَفَ بَعْضَها، وكُلَّما ازداد الإنسانُ مَعرفةً بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ)
[967] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/ 233). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (أساسُ دَعوةِ الرُّسُلِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم: مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، ثمَّ يَتْبَعُ ذلك أصلانِ عَظيمانِ:
أحَدُهما: تعريفُ الطَّريقِ الموصِلةِ إليه، وهي شريعتُه المتضَمِّنةُ لأمْرِه ونَهْيِه.
الثَّاني: تعريفُ السَّالكينَ ما لهم بعد الوُصولِ إليه؛ مِنَ النَّعيمِ الذي لا يَنفَدُ، وقُرَّةِ العَينِ التي لا تنقَطِعُ.
وهذان الأصلانِ تابعانِ للأصلِ الأوَّلِ ومَبنيَّانِ عليه؛ فأعرَفُ النَّاسِ باللهِ أتبَعُهم للطَّريقِ الموصِلِ إليه، وأعرَفُهم بحالِ السَّالِكينَ عندَ القُدومِ عليه)
[968] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (1/ 151). .
وقال
السَّعْديُّ: (أصلُ التَّوحيدِ: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأسماءِ الحُسنى، ومَعرفةُ ما احتوت عليه من المعاني الجليلةِ، والمعارفِ الجَميلةِ، والتعَبُّدُ لله بها، ودعاؤُه بها. فكُلُّ مَطلَبٍ يَطلُبُه العَبدُ مِن رَبِّه مِن أمورِ دينِه ودُنياه، فلْيتوسَّلْ إليه باسمٍ مُناسِبٍ له من أسْماءِ اللهِ الحُسنى؛ فمَن دعاه لحُصوِل رِزقٍ فلْيَسأَلْه باسمِه الرَّزَّاقِ، ولحُصولِ رَحمةٍ ومَغفرةٍ فباسمِه الرَّحيمِ الرَّحمنِ البَرِّ الكريمِ العَفُوِّ الغَفُورِ التَّوابِ، ونحوِ ذلك. وأفضَلُ مِن ذلك أن يَدعوَه بأسمائِه وصِفاتِه دُعاءَ العِبادةِ، وذلك باستِحضارِ معاني الأسماءِ الحُسْنى، وتحصيلِها في القُلوبِ؛ حتى تتأثَّرَ القُلوبُ بآثارِها ومُقتَضياتهاِ، وتمتَلِئَ بأجَلِّ المعارِفِ.
فمَثَلًا: أسماءُ العَظَمةِ والكِبرياءِ والمجْدِ والجَلالِ والهَيبةِ؛ تَملأُ القَلْبَ تَعظيمًا لله وإجلالًا له.
وأسماءُ الجَمالِ والبِرِّ والإحسانِ والرَّحمةِ والجُودِ؛ تملأُ القَلبَ محبَّةً لله وشَوقًا له، وحمدًا له وشُكرًا.
وأسماءُ العِزِّ والحِكمةِ والعِلْمِ والقُدرةِ؛ تملأُ القَلْبَ خُضوعًا لله وخُشوعًا وانكسارًا بين يَدَيه.
وأسماءُ العِلْمِ والخِبرةِ والإحاطةِ والمراقَبةِ والمشاهَدةِ؛ تملأُ القَلبَ مُراقبةً لله في الحَركاتِ والسَّكَناتِ، وحِراسةً للخواطِرِ عن الأفكارِ الرَّدِيَّةِ والإراداتِ الفاسِدةِ.
وأسماءُ الغِنى واللُّطفِ؛ تملأ القَلبَ افتقارًا واضطرارًا إليه، والتفاتًا إليه في كُلِّ وقتٍ وفي كُلِّ حالٍ.
فهذه المعارِفُ التي تحصُلُ للقُلوبِ بسَبَبِ مَعرفةِ العَبدِ بأسمائِه وصِفاتِه وتعَبُّدِه بها لله؛ لا يُحصِّلُ العبدُ في الدُّنيا أجَلَّ ولا أفضَلَ ولا أكمَلَ منها، وهي أفضَلُ العطايا مِنَ اللهِ لعَبْدِه، وهي رُوحُ التَّوحيدِ ورَوحُه، ومَن انفَتَح له هذا البابُ انفَتَح له بابُ التَّوحيدِ الخالِصِ، والإيمانِ الكامِلِ، الذي لا يَحصُلُ إلَّا للكُمَّلِ مِن الموَحِّدينَ)
[969] يُنظر: ((القول السديد)) (ص: 160). .