المَطلَبُ الرَّابعُ: العِلْمُ بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه مِن أسبابِ زيادةِ الإيمانِ
حقيقةُ الإيمانِ أن يَعرِفَ العَبدُ الربَّ الذي يُؤمِنُ به، ويَبذُلُ جُهدَه في معرفةِ أسمائِه وصِفاتِه؛ حتى يبلُغَ دَرَجةَ اليَقينِ، وبحَسَبِ مَعرفتِه برَبِّه يكونُ إيمانُه؛ فكُلَّما ازداد معرفةً برَبِّه ازداد إيمانُه، وكُلَّما نَقَصَ نَقَصَ، وأقرَبُ طريقٍ يُوصِلُ إلى ذلك تدَبُّرُ أسمائِه وصِفاتِه مِنَ القُرآنِ، والطَّريقُ في ذلك إذا مَرَّ به اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ أثبت له ذلك المعنى وكمالَه وعُمومَه، ونزَّهَه عما يُضادُّ ذلك
[970] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 35). .
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (من عَرَف أسْماءَ اللهِ ومعانيَها فآمَنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ مِمَّن لم يَعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمَنَ بها إيمانًا مُجمَلًا أو عَرَفَ بَعْضَها، وكُلَّما ازداد الإنسانُ معرفةً بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ)
[971] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/ 233). .
وقال
ابنُ رجب: (قال المَرْوَذِيُّ: قُلتُ لأحمَدَ في: مَعرفةِ اللهِ بالقَلْبِ تتفاضَلُ فيه؟ قال: نعم، قلتُ: ويزيدُ؟ قال: نعم.
ذكَرَه
الخَلَّالُ عنه... وتُفَسَّرُ زيادةُ المعرفةِ بمعنيَينِ:
أحَدُهما: زيادةُ المعرِفةِ بتفاصيلِ أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وأفعالِه، وأسماءِ الملائِكةِ والنَّبيِّينَ والكُتُبِ المنَزَّلةِ عليهم، وتفاصيلِ اليَومِ الآخِرِ. وهذا ظاهِرٌ لا يَقبَلُ نِزاعًا.
والثَّاني: زيادةُ المعرفةِ بالوَحدانيَّةِ بزيادةِ مَعرفةِ أدِلَّتِها؛ فإنَّ أدِلَّتَها لا تُحصَرُ؛ إذ كُلُّ ذَرَّةٍ مِنَ الكَونِ فيها دَلالةٌ على وُجودِ الخالِقِ ووَحْدانيَّتِه، فمَن كَثُرَت مَعرِفتُه بهذه الأدِلَّةِ زادت مَعْرِفتُه على من ليس كذلك، وكذلك المعرِفةُ بالنبُوَّاتِ واليَومِ الآخِرِ والقَدَرِ، وغيرِ ذلك مِنَ الغَيبِ الذي يجِبُ الإيمانُ به)
[972] يُنظر: ((فتح الباري لابن رجب)) (1/ 8). .
وقال
السَّعْديُّ: (اللهُ تعالى قد جَعَل لكُلِّ مَطلوبٍ سَببًا وطريقًا يوصِلُ إليه، والإيمانُ أعظَمُ المطالِبِ وأهمُّها وأعمُّها، وقد جَعَل اللهُ له موادَّ كبيرةً تَجلِبُه وتُقَوِّيه، كما كان له أسبابٌ تُضعِفُه وتُوهِيه.
وموادُّه التي تجلِبُه وتُقَوِّيه أمرانِ: مجمَلٌ ومُفَصَّلٌ.
أمَّا المُجمَلُ فهو التدبُّرُ لآياتِ اللهِ المتلُوَّةِ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، والتأمُّلُ لآياتِه الكَونيَّةِ على اختِلافِ أنواعِها، والحِرصُ على مَعرِفةِ الحَقِّ الذي خُلِقَ له العَبدُ، والعَمَلُ بالحَقِّ؛ فجَميعُ الأسبابِ مَرجِعُها إلى الأصلِ العَظيمِ.
وأمَّا التَّفصيلُ، فالإيمانُ يَحصُلُ ويَقْوى بأمورٍ كثيرةٍ.
1 - منها، بل أعظَمُها: مَعرِفةُ أسْماءِ اللهِ الحُسْنى الواردةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، والحِرصُ على فَهْمِ مَعانيها، والتعَبُّدُ لله فيها.
فقد ثَبَت في الصَّحيحَينِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((إنَّ للهِ تِسعةً وتِسعينَ اسمًا -مائةً إلَّا واحِدًا- من أحصاها دخَلَ الجنَّةَ )) [973] أخرجه البخاري (2736)، ومسلم (2677) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. أي: مَن حَفِظَها وفَهِمَ مَعانيَها، واعتَقَدَها، وتعَبَّدَ لله بها؛ دَخَل الجنَّةَ. والجَنَّةُ لا يَدخُلُها إلَّا المؤمنونَ.
فعُلِمَ أنَّ ذلك أعظَمُ يَنبُوعٍ ومادَّةٍ لحُصولِ الإيمانِ وقُوَّتِه وثَباتِه، ومَعرفةُ الأسماءِ الحُسْنى هي أصلُ الإيمانِ، والإيمانُ يَرجِعُ إليها.
ومَعْرِفتُها تتضَمَّنُ أنواعَ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ: توحيدِ الرُّبوبيَّةِ، وتوحيدِ الإلهِيَّةِ، وتوحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ. وهذه الأنواعُ هي رُوحُ الإيمانِ ورَوْحُه، وأصلُه وغايتُه. فكُلَّما ازداد العَبدُ معرفةً بأسْماءِ اللهِ وصِفاتِه، ازداد إيمانُه، وقَوِيَ يقينُه؛ فينبغي للمُؤمِنِ أن يَبذُلَ مَقدورَه ومُستطاعَه في مَعرفةِ الأسماءِ والصِّفاتِ، وتكونَ مَعْرِفتُه سالِمةً مِن داءِ
التَّعطيلِ ومِن داءِ
التَّمثيلِ اللَّذينِ ابتُلِيَ بهما كثيرٌ مِن أهلِ البِدَعِ المخالِفةِ لِما جاء به الرَّسولُ، بل تكونُ المعرِفةُ مُتلَقَّاةً مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، وما رُوِيَ عن الصَّحابةِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ، فهذه المعرِفةُ النَّافِعةُ التي لا يزالُ صاحِبُها في زيادةٍ في إيمانِه وقُوَّةِ يقينِه، وطُمَأنينةٍ في أحوالِه)
[974] يُنظر: ((التَّوضيح والبيان لشجرة الإيمان)) (ص: 71). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (لزيادةِ الإيمانِ أسبابٌ؛ منها: مَعرِفةُ أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه، فإنَّ العَبدَ كُلَّما ازداد معرفةً بها وبمُقتَضياتِها وآثارِها، ازداد إيمانًا برَبِّه، وحُبًّا له وتعظيمًا)
[975] يُنظر: ((فتح رب البرية بتلخيص الحموية)) (ص: 122). .