تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أغلَبُ آياتِ القُرآنِ الكريمِ جاءت في تقريرِ عَقيدةِ التَّوحيدِ، والدَّعوةِ إلى إخلاصِ العبادةِ للهِ وَحْدَه لا شريكَ له؛ إمَّا بصريحِ العِبارةِ، أو بالإشارةِ. إنَّ مُعظَمَ آياتِ القُرآنِ الكريمِ جاءت في تقريرِ تَوحيدِ الألوهيَّةِ، وتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ والأسماءِ والصِّفاتِ، وأُصولِ الإيمانِ والإسلامِ، وأُمورِ الغَيبِ، والقَدَرِ؛ خَيرِه وشرِّه، واليومِ الآخِرِ، والجنَّةِ وأهْلِها ونَعيمِها، والنَّارِ وأهْلِها وعَذابِها. وأصولُ العَقيدةِ تدورُ حولَ هذِه الأُمورِ. ومن أوائِلِ ما نزل به القرآنُ، وأمَرَ اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يفعَلَه: أن يكَبِّرَ اللهَ تعالى ويعظِّمَه وَحْدَه، وأن يُنذِرَ النَّاسَ مِن الشِّركِ، وأن يتطهَّرَ من الآثامِ والذُّنوبِ وغيرِها، ويهجُرَ ما هم عليه من عبادةِ الأصنامِ، ويَصبِرَ على ذلك كُلِّه. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر[المدثر: 1 - 7] وقد ذكر العُلَماءُ أنَّ القرآنَ: ثلثٌ أحكامٌ، وثلثٌ أخبارٌ، وثلثٌ توحيدٌ [42] يُنظر: ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 167). . وهذا ما فسَّروا به قَولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ)) [43] أخرجه مسلم (812) من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه. . وآياتُ الأحكامِ لا تخلو من ذِكْرٍ للعَقيدةِ وأُصولِ الدِّينِ، وذلك من خِلالِ ذِكرِ أسماءِ اللهِ وصفاتِه، وطاعتِه وطاعةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذِكرِ حِكَمِ التَّشريعِ، ونحوِ ذلك. وكذلك آياتُ الأخبارِ والقَصَص أغلَبُها في الإيمانِ والاعتقادِ، مِن خلالِ أخبارِ المغيَّباتِ والوعيدِ واليومِ الآخِرِ، ونحوِ ذلك. قال ابنُ القَيِّمِ: (الاعتناءُ في السُّوَرِ المكَيَّةِ إنَّما هو بأصولِ الدِّين؛ِ من تقريرِ التَّوحيدِ، والمَعَاد، والنُّبوَّةِ، وأمَّا تقريرُ الأحكامِ والشَّرائعِ فمَظِنَّتُه السُّوَرُ المدنيَّةُ) [44] يُنظر: ((التبيان في أيمان القرآن)) (1/332). . وقد كان غالِبُ وَقتِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عهدِ النُّبُوَّةِ في تقريرِ الاعتقادِ الصَّحيحِ، فالرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضى ثلاثًا وعِشرينَ سَنةً في الدَّعوةِ إلى اللهِ؛ منها ثلاثَ عَشرةَ سنةً في مكَّةَ، كانت في الدَّعوةِ إلى توحيدِ الله تعالى، ونَبْذِ الشِّركِ والمعتَقَداتِ الفاسِدةِ، ومنها عَشرُ سِنينَ في المدينةِ كانت موزَّعةً بين تَشريعِ الأحكامِ، وتثبيتِ العَقيدةِ، والحِفاظِ عليها، وحمايتِها من الشُّبُهاتِ، والجهادِ في سَبيلِها، أي: أنَّ أغلَبَها كذلك في تقريرِ عَقيدة التَّوحيدِ، وأصولِ الدِّينِ، ومن ذلك مجادَلةُ أهلِ الكِتابِ، وبيانُ بُطلانِ مُعتَقَداتِهم المحرَّفةِ، والتَّصَدِّي لشُبهاتِهم وشُبُهاتِ المنافِقينَ، وصَدُّ كَيدِهم للإسلامِ والمسلِمينَ، وكُلُّ هذا من حمايةِ العَقيدةِ. وقد قاتَلَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ على عَقيدة التَّوحيدِ؛ حتى يكونَ الدِّينُ للهِ وَحْدَه، رَغْمَ أنَّ سائِرَ المفاسِدِ والشُّرورِ كانت سائِدةً في ذلك الوَقتِ، فجَعل رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الغايةَ من قتالِ النَّاسِ تحقيقَ التَّوحيدِ وأركانِ الإسلامِ؛ لأن مدارَ الخيرِ على صَلاحِ العَقيدةِ، فإذا صلَحَت استقام النَّاسُ على الحقِّ والخَيرِ، وإذا فسَدَت فسدَت أحوالُ النَّاسِ، واستحكَمَت فيهم الأهواءُ والآثامُ، وسَهُلت عليهم المنكَراتُ. عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَموا منِّي دماءَهم إلَّا بحقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ )) [45] أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22). .