الموسوعة العقدية

 النَّفَسُ والتَّنْفِيسُ

صِفةٌ فعليةٌ للهِ عزَّ وجلَّ؛ والنَّفَس مِن التَّنفيسِ؛ كالفَرَجِ والتفريجِ، ثابِتةٌ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:
1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((مَن نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ ... )) [3054] أخرجه مسلم (2699). .
2- حديث سلمة بن نفيل السكوني مرفوعا: ((... وقال وهو مول ظهره إلى اليمن: إني أجد نفس الرحمن من هاهنا)) [3055] أخرجه البزار (3702)، والطبراني (7/52) (6358)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (968). صححه الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (543)، وصحح إسناده الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3367)، ووثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (14/202) وقال البزار: هذا أحسن طريقاً يروى في ذلك
قال الأزهريُّ بعدَ أنْ ذَكَر حديثَ: ((أجِدُ نَفَسَ ربِّكم مِن قِبَلِ اليَمنِ)) [3056] أخرجه أحمد (10978)، وابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2276)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4661) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ؛ قال: (أجِدُ تَنفيسَ ربِّكم عنكم مِن جِهةِ اليمنِ؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ نصَرَهم بِهم، وأيَّدَهم برِجالهم، وكذلك قَولُه: ((الرِّيحُ مِن نَفَسِ الرَّحمنِ)) [3057] أخرجه النَّسائي في ((السنن الكبرى)) (10771)، والحاكمُ (3075)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/210) موقوفاً على أبي بن كعب رضي الله عنه. ، أي: مِن تنفيسِ اللهِ بها عن المكروبينَ، وتَفريجِه عن الملهُوفِينَ) [3058] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (13/9). .
وقال الفَيرُوزَابادي: (في قَولِه: ... و((أَجِدُ نَفَسَ ربِّكم مِن قِبَلِ اليَمنِ))؛ اسمٌ وضِعَ موضعَ المصدرِ الحقيقيِّ، مِن نَفَّسَ تَنفيسًا ونَفَسًا، أي: فَرَّجَ تفريجًا) [3059] يُنظر: ((القاموس المحيط)) (ص: 578). .
وقال أَبو يَعلَى الفرَّاءُ -بعدَ ذِكرِه حديثَ: ((الرِّيحُ مِن نَفَسِ الرَّحمنِ))-: (اعلمْ أنَّ شيخَنا أبا عبدِ اللهِ ذَكَر هذا الحديثَ في كِتابه، وامتَنعَ أنْ يكونَ على ظاهرِه، في أنَّ الرِّيحَ صِفةٌ ترجِعُ إلى الذَّاتِ، والأمْرُ على ما قالَه، ويكونُ معناه أنَّ الرِّيحَ ممَّا يُفَرِّجُ اللهُ عزَّ وجلَّ بها عن المكروبِ والمغمومِ؛ فيكونُ معنى النَّفَسِ مَعنى التنفيسِ، وذلك معروفٌ في قولِهم: نَفَّسْتُ عن فلانٍ، أي: فَرَّجْتُ عنه، وكلَّمتُ زيدًا في التَّنفيسِ عن غريمِه، ويُقال: نفَّس اللهُ عن فلانٍ كُربةً، أي: فرَّج عنه، ورُوي في الخَبرِ: (مَن نفَّس عن مَكروبٍ كُربةً نَفَّس اللهُ عنه كُربةً يومَ القيامةِ) [3060] أخرجه البخاري (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) ، ...وإنَّما وجَبَ حمْلُ هذا الخبرِ على هذا، ولم يجِبْ تأويلُ غيرِه من الأخبارِ؛ لأنَّه قد رُوي في الخبرِ ما يدلُّ على ذلك؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عصَفَت الرِّيحُ قال: ((اللهمَّ إنِّي أسألُك خَيْرَها، وخَيْرَ ما فيها، وخَيْرَ ما أُرسِلَت به، وأعوذُ بك مِن شَرِّها، وشَرِّ ما فيها، وشَرِّ ما أُرسِلَت به )) [3061] أخرجه مسلم (899) ، وهذا يقتضي أنَّ فيها شرًّا وأنَّها مرسَلةٌ، وهذه صِفاتُ المحدَثاتِ) [3062] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (ص: 250). .
وبنحوِ هذا الكلامِ قال ابنُ قُتَيبةَ [3063] يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 249). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ شارحًا حديث: ((إنِّي لأجدُ نَفَسَ الرَّحمنِ مِن قِبَلِ اليَمنِ)): (فقَولُه: «مِن اليَمَن» يُبيِّنُ مقصودَ الحديثِ؛ فإنَّه ليس لليَمَنِ اختصاصٌ بصِفاتِ اللهِ تعالى حتى يُظنَّ ذلك، ولكن منها جاءَ الذين يُحبُّهم ويُحبُّونَه؛ الذين قال فيهم: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وقد رُوي أنَّه لَمَّا نزلتْ هذه الآيةُ، سُئِل عن هؤلاءِ؟ فذكَر أنهم قومُ أبي موسى الأشعريِّ، وجاءتِ الأحاديثُ الصَّحيحةُ؛ مِثلُ قَولِه: ((أَتاكم أهلُ اليَمنِ؛ أرقُّ قُلوبًا، وأَلينُ أفئدةً؛ الإيمانُ يمانٍ، والْحِكْمةُ يمانِيَةٌ )) [3064] أخرجه البخاري (4388)، ومسلم (52) مطولاً باختلاف يسير ، وهؤلاءِ هم الذين قاتلوا أهلَ الرِّدَّةِ، وفتَحوا الأمصارَ؛ فبِهم نَفَّس الرحمنُ عن المؤمنينَ الكُرُباتِ) [3065] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/398). .
وبنَحوِه قال ابنُ عُثَيمين [3066] يُنظر: ((القواعد المثلى)) (ص: 57). .

انظر أيضا: