تمهيدٌ: جَمْعُ التَّكسيرِ
جَمْعُ التَّكسيرِ هو ما دلَّ على أكْثرَ مِن اثْنينِ بتَغييرِ صُورةِ مُفْرَدِه تغييرًا ظاهرًا أو مقدَّرًا:
فالتَّغييرُ الظَّاهرُ (اللَّفظيُّ): إمَّا أنْ يكونَ بالشَّكلِ، مِثْلُ: أُسْد جَمْعُ أسَدٍ، أو بالزِّيادةِ فقطْ، مِثْلُ: صِنوان جَمْعُ صِنْو، وإمَّا بالنَّقصِ فقطْ، مِثْلُ: تُخَم جَمْعُ تُخَمةٍ، وإمَّا بالشَّكلِ والزِّيادةِ، مِثْلُ: رِجَال جَمْعُ رَجُلٍ، وإمَّا بالشَّكلِ والنَّقصِ، مِثْلُ: كُتُب جَمْعُ كِتَابٍ، وإمَّا بالزِّيادةِ والنَّقْصِ والشَّكْلِ مَعًا، مِثْلُ: غِلمان جَمْعُ غُلامٍ
[1168] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 519، 520). .
والتَّغييرُ المُقدَّرُ: مِثلُ: فُلْك للمُفْرَدِ والجَمْعِ، فزِنَتُه في المُفْرَدِ مِثْلُ (قُفْل)، وزِنتُه في الجَمْعِ مِثْلُ: (أُسْد)، وهِجان للمُفْرَدِ والجَمْعِ، فزِنتُه في المُفْرَدِ مِثْلُ: كِتاب، وفي الجَمْعِ مِثْلُ: رِجال، وهكذا دِلاص
[1169] ا الهِجانُ: الخِيارُ مِن كُلِّ شيءٍ، والنَّاقةُ الهِجانُ: خالِصةُ البَياضِ، والدِّلَاصُ: وَصفٌ للدِّرعِ اللَّيِّنةِ المَلساءِ. يُنظَرُ: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 527)، (7/ 37). .
وهذا التَّغييرُ المقدَّرُ هو قَولُ
سِيبَوَيهِ [1170] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 639). والأكْثرينَ، فـ(فُلْك وهِجان ودِلَاص) عِندَهم جُمُوعٌ ويُقدَّرُ التَّغييرُ، ويقولون في التَّثْنيةِ: هِجانانِ ودِلاصانِ وفُلْكانِ.
أمَّا الجَرْميُّ فيَرَى أنَّه لا يُثنَّى ولا يُجمَعُ، بل يكونُ المُفْرَدُ والمُثنَّى والجَمْعُ بلَفظٍ واحِدٍ؛ تقولُ: هذا هِجانٌ، وهذان هِجانٌ، وهَؤلاءِ هِجانٌ
[1171] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 135، 136). .
و
ابنُ مالِكٍ يَرَى أنَّها أسماءُ جُموعٍ ويُستَغنَى عن تَقديرِ التَّغييرِ
[1172] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 392). .
والتَّغييرُ الظَّاهرُ قِسمانِ: جُموعُ القِلَّةِ، وجُمُوعُ الكَثْرةِ. ومَجْموعُ أبْنيةِ جَمْعِ التَّكسيرِ سبْعةٌ وعِشرونَ بِناءً؛ مِنها أرْبعةٌ لأوْزانِ القِلَّةِ، وثلاثةٌ وعِشرونَ لأوْزانِ الكَثْرةِ.
وقد يكونُ للاسمِ جَمْعُ قِلَّةٍ وجَمْعُ كَثْرةٍ، مِثْلُ: كَلْب جَمْعُها للقِلَّة: أكْلُبٌ، وللكَثْرة: كِلابٌ.
قد يَنوبُ أحَدُ أوْزانِ القِلَّة عن بِناءِ الكَثْرة، والعَكْس؛ إمَّا:بالوَضْعِ: بأنْ تكونَ العَربُ قد وضَعتْ أحَدَ البِناءينِ اسْتغناءً عنه بالآخَرِ، مِثْلُ: رِجْل جَمْعُها أرْجُل، وهو جَمْعُ قِلَّةٍ، ولم يُوضَعْ لـ(رِجْل) بِناءٌ في الكَثْرة، و(رَجُل) جَمْعُها (رِجال) وهو جَمْعُ كَثْرةٍ، ولم يُوضَعْ لـ(رَجُل) غيرُه في القِلَّةِ.
أو بِالاسْتِعمالِ: بأنْ يكونَ للَّفْظٍ وَزْنَا قِلَّةٍ وكَثْرةٍ لكنَّه يُستَغنَى في بعضِ المَواضِعِ عن أحدِهما بالآخَرِ؛ اتِّكالًا على القَرينةِ، كما في قولِه تعالى:
ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البَقَرة: 228] ، وهو جَمْعُ (قُرْء) وهو جَمْعُ كَثْرةٍ، وجَمْعُه للقِلَّةِ: أقْراءٌ، لكنِ اسْتُعملَ في الآية هُنا جَمْعُ الكَثْرةِ مكانَ جَمْعِ القِلَّةِ لوُجودِ القَرينةِ: (ثَلاثةَ)
[1173] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 392 – 395). .
الفَرْقُ بينَ جَمْعِ التَّكسيرِ وجُمُوعِ التَّصحيحِ:1- أنَّ جَمْعَ السَّلامةِ مُختَصٌّ بالعُقلاءِ، والتَّكسيرُ لا يَختصُّ.
2- أنَّه يَسلَمُ فيه بِناءُ المُفْرَدِ، ولا يَسلَمُ في التَّكسيرِ.
3- أنَّه يُعرَبُ بالحُروفِ، وجمْعُ التَّكسيرِ بالحَرَكاتِ.
4- أنَّ الفِعلَ المُسنَدَ إلى جَمْعِ السَّلامةِ لا يُؤنَّثُ معَ التَّكسيرِ
[1174] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 519). .
سُمِّي هذا الجَمْعُ جَمْعَ التَّكسيرِ أو جَمْعًا مُكَسَّرًا؛ لأنَّ المُفْرَدَ فيه يُغيَّرُ عمَّا كان عَليه، فكأنَّه قد كُسِّرَ؛ لأنَّ كَسْرَ الشَّيءِ هو تَغييرُه عمَّا كان عليه
[1175] يُنظر: ((الأصول في النحو)) لابن السَّرَّاج (2/ 429). .