الفَصْلُ الثَّالِثُ: الأشْياءُ الَّتي تُحذَفُ للنَّسَبِ ممَّا يَتَّصلُ بالآخِرِ
1- الياءُ المَكْسورةُ المُدغَمُ فيها مِثْلُها:مِثْلُ: طَيِّب وهَيِّن، النَّسَبُ: طَيْبِيٌّ، وهَيْنِيٌّ.
فإنْ كانتِ الياءُ مَفْتوحةً، مِثْلُ: هَبَيَّخ -وهُو الغُلامُ المُمْتلِئُ- فلا تُحذَفُ: تقولُ: هَبَيَّخِيٌّ.
وإنْ كان بعْدَ الياءِ المَكْسورةِ ياءٌ ساكِنةٌ، مِثْلُ: مُهَيِّيم تَصغيرُ (مِهْيام أو مُهَوِّم أو مُهَيِّم)
[1341] مِهْيَام: مِفْعال من: هام على وَجْهِه من العِشْقِ، أو من هام: إذا عَطِشَ، ومُهَوِّم اسمُ فاعلٍ مِن هوَّم الرَّجُلُ: إذا هزَّ رأسَه من النُّعاسِ، ومُهَيِّم اسمُ فاعلٍ مِن هَيَّمَه الحُبُّ: إذا جعله هائمًا. ينظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 624)، و(12/ 627)، و((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 595). تقولُ في النَّسَبِ: مُهيِّمِيٌّ، بِإثْباتِ الياءِ المَكْسورةِ المُدغَمِ فيها مِثْلُها؛ لأنَّها فُصِلتْ عنِ الآخِرِ بِالياءِ السَّاكِنةِ الَّتي هي عِوَضٌ مِن ألِفِ مِهْيام، أو مِنَ الواوِ الثَّانيةِ مِن مُهَوِّم، أو مِنَ الياءِ الثَّانيةِ مِن مُهَيِّم.
شذَّ هُنا قولُهم في النَّسَبِ إلى طيِّئ: طائِيٌّ، والقِياسُ: طيْئِيٌّ بِحذْفِ الياءِ الثَّانيةِ، لكنَّهم لمَّا حذَفوا الياءَ الثَّانيةَ، قَلَبوا الياءَ الباقِيةَ ألِفًا على غيرِ قِياسٍ، فقالوا: طائِيٌّ، ويُمكِنُ أنْ يكونَ على القِياسِ إنْ قيل: إنَّهم حذَفوا الياءَ الأُوْلى وقَلَبوا الثَّانيةَ المُتحرِّكةَ ألِفًا.
2- ياءُ فَعِيلَة:بِشرطِ: ألَّا تكونَ مُضعَّفةً، وأنْ تكونَ العَينُ حرْفًا صَحيحًا.
وفي النَّسَبِ ثَلاثُ خُطواتٍ: حذْفُ تاءِ التَّأنِيثِ، وحذْفُ الياءِ مِن (فَعِيلة)، وفتْحُ عَينِ (فَعِيلة).
حَنِيفة، ورَبِيعة، وصَحِيفة: النَّسَبُ إليها: (حَنَفِيٌّ، ورَبَعيٌّ، وصَحَفيٌّ).
عَقِيدة وطَبِيعة وبَدِيهة: النَّسَبُ إليها: (عَقَدِيٌّ وبَدَهِيٌّ، وطَبَعِيٌّ).
فإنْ كانت (فَعِيلَة) مُضعَّفةً أو مُعتَلَّةَ العَينِ، ثَبَتتِ الياءُ ولم تُحذَفْ، مِثْلُ:
طَوِيلة وجَلِيلة: النَّسَبُ إليهما: (طَوِيلِيٌّ، وجَلِيلِيٌّ)، لا (طَوَليٌّ، وجَلَلِيٌّ).
شذَّ عنِ القاعِدةِ كَلِماتٌ بِإثْباتِ الياءِ ولا يُقاسُ عليها، وهِيَ:عَمِيرةُ (مِن قَبِيلَةِ كَلْب) وسَلِيمةُ (مِنَ الأَزْد): النَّسَبُ إليها: (عَمِيرِيٌّ، وسَلِيمِيٌّ)؛ لِلتَّفرِقةِ بينَهما وبينَ عَميرةَ الَّتي ليست مِن قَبِيلَةِ كَلْبٍ، وقالوا فيها (عَمَرِيٌّ)، وسَلِيمةَ الَّتي ليست مِنَ الأَزْدِ، وقالوا فيها: (سَلَمِيٌّ).
سَلِيقَة: سَلِيقيٌّ، لِلتَّنبيهِ على الأصْلِ المَرْفوضِ، في قولِه مِنَ الطَّويل:
وَلَسْتُ بِنَحْويٍّ يَلُوكُ لِسانَهُ
وَلكِنْ سَلِيقيٌّ أَقُولُ فأُعْرِبُ
عَبِيدَة وجَذِيمَة: النَّسَبُ إليه: (عُبَدِيٌّ، وجُذَمِيٌّ) فيَضُمُّون العَينَ والجِيمَ على غيرِ قِياسٍ
[1342] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 28 وما بعدها)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 612، 613). .
تَنبيهٌ هامٌّ:إذا كان النَّسَبُ إلى الثُّلاثيِّ المَكْسورِ العَينِ على (فَعِل وفُعِل وفِعِل) فالحُكمُ: يَجبُ فتْحُ الوَسَطِ في النَّسَبِ؛ تقولُ في النَّسَبِ إلى: نَمِر، ودُئِل، وإِبِل: (نَمَرِيٌّ ودُؤَلِيٌّ، وإبَلِيٌّ)، وهُناك مَنْ يَرَى جَوازَ إبْقاءِ الكَسْرةِ في نَحْوِ: إِبِل إتْباعًا، يقولُ: إبِلِيٌّ.
فإنْ زادتْ بِنيةُ الكَلِمةِ عن الثُّلاثيِّ، فلا نُغيِّرُ فيها شَيئًا، مِثْلُ: جَحْمَرِشيٍّ، ومُدَحْرِجِيِّ، في النَّسَبِ إلى (جَحْمَرِش -وهِيَ العَجوزُ الكَبيرةُ- ومُدَحْرِج)، وشذَّ (تغلَبِيٌّ) في النِّسْبةِ إلى (تَغْلِب) بِفتحِ العَينِ فيما زاد عَنِ الثُّلاثيِّ
[1343] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 40 – 42)، ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 17 وما بعدها)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 616 وما بعدها). .
3- ياءُ فُعَيلة:بِشرطِ ألَّا تكونَ مُضاعَفَةً، ولا يُشتَرطُ هُنا صِحَّةُ عَينِ الكَلِمةِ (كما في فَعِيلة)، والنَّسَبُ إليه يَكونُ بِحذْفِ التَّاءِ ثُمَّ الياءِ، أيْ: يَجري مَجرى (فَعِيلة).
مِثْلُ: جُهَينةَ وقُرَيظةَ وجُذَيمةَ ورُدَينةَ: النَّسَبُ إليه: (جُهَنِيٌّ، وقُرَظِيٌّ، وجُذَمِيٌّ، ورُدَنِيٌّ).
فإنْ كانت (فُعَيلَة) مُضاعَفةً، ثَبَتتِ الياءُ، مِثْلُ: مُدَيْدة؛ النَّسَب إليه: (مُدَيْدِيٌّ).
وشذَّ قولُهم: (خُرَيْبِيٌّ، ورُدَيْنيٌّ)، نِسْبةً إلى خُرَيْبَة، ورُدَيْنَة، بالنِّسبةِ إليه على لفْظِه دُونَ حذْفِ الياءِ.
4- واوُ فَعُولة:بِشرطِ ألَّا تكونَ مُضعَّفةً، وأنْ تكونَ العَينُ حرْفًا صَحيحًا، مِثْلُ: (شَنُوءة، وحَمُولة، ورَكُوبة)، وفيها مَذاهِبُ ثَلاثةٌ:
ف
سِيبَوَيهِ والجُمْهورُ: يَقولون في النَّسَبِ: (شَنَئِيٌّ، وحَمَلِيٌّ، ورَكَبِيٌّ) بِحذْفِ الواوِ، وتاءِ التَّأنِيثِ، وقَلْبِ الضَّمَّةِ فَتْحةً
[1344] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 339). .
وذهَب الأخْفَشُ
[1345] ينظر رأي الأخفش في: ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 365). والجَرْميُّ
[1346] ينظر رأي الجرمي في: ((التصريح)) للأزهري (2/ 597). و
المُبَرِّدُ [1347] يُنظر: ((المقتضب)) للمبرد (3/ 140). إلى وُجوبِ بَقاءِ الواوِ والضَّمَّةِ معًا، ولا يَحذِفون إلَّا التَّاءَ، يَقولون: (شَنُوئِيٌّ، حَمُولِيٌّ، ورَكُوبِيٌّ).
وابنُ الطَّراوَةِ: يَحذِفُ الواوَ والتَّاءَ، ويُبقِي الضَّمَّةَ كما كانت، يقولُ: (شَنُئِيٌّ، وحَمُلِيٌّ، ورَكُبِيٌّ)
[1348] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 597). .
ومَذْهبُ
المُبَرِّدِ قَوِيٌّ مِن حيثُ القِياسُ، لكنَّ قَولَ
سِيبَوَيهِ أقْوى مِن حيثُ السَّماعِ؛ لأنَّه لم يُسمَعْ في (فَعُولة) إلَّا (شَنَئِيٌّ)، فيكونُ أصْلًا يُقاسُ عليه.
ولا يَجوزُ كذلك حذْفُ الواوِ في (مَلُولَة) لِلتَّضْعيفِ، ولا في (قَؤُولة) لِاعْتلالِ العَينِ، إنَّما تَنسِبُ إليها بِحذْفِ التَّاءِ فقطْ.
وفي المُذَكَّرِ فلا حذْفَ، مِثْلُ: حَلُوب، يُقالُ في النَّسَبِ: حَلُوبِيٌّ
[1349] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 23)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 614). .
5- ياءُ فَعِيل المُعتَلِّ اللَّامِ (سَواءٌ كانت اللَّامُ واوًا أو ياءً):مِثْلُ: غَنِيٍّ وعَلِيٍّ، تُحذَفُ الياءُ الأُوْلى، ثُمَّ تُقلَبُ الكَسْرةُ فَتْحةً، ثُمَّ تُقلَبُ الياءُ الثَّانيةُ ألِفًا، ثُمَّ تُقلَبُ الألِفُ واوًا: غَنَوِيٌّ، وعَلَوِيٌّ.
6- ياءُ فُعَيل المُعتَلِّ اللَّامِ:مِثْلُ: قُصَيٍّ، تُحذَفُ الياءُ الأُوْلى، ثُمَّ تُقلَبُ الثَّانيةُ ألِفًا، ثُمَّ تُقلَبُ الألِفُ واوًا: قُصَوِيٌّ.
فإنْ كانت لامُ (فَعِيل) و(فُعَيل) صَحيحةً غيرَ مُعتَلَّةٍ، فمَذْهبُ
سِيبَوَيهِ والجُمْهورِ: يَرونَ بَقاءَ الياءِ فيهما في النَّسَبِ، وما يُخالِفُ ذلك يكونُ شاذًّا، مِثْلُ: (قُرَشِيٌّ، وفُقَمِيٌّ، ومُلَحِيٌّ، وهُذَلِيٌّ) نِسْبةً إلى (قُرَيش، وفُقَيم، ومُلَيح، وهُذَيل)، و(ثَقَفِيٌّ) نِسْبةً إلى (ثَقِيف)، والقِياسُ فيها على مَذْهبِ الجُمْهورِ أنْ تَبقَى الياءُ، وتكونَ: (قُرَيْشِيٌّ، وفُقَيْمِيٌّ، ومُلَيْحِيٌّ، وهُذَيْلِيٌّ، وثَقِيفِيٌّ)
[1350] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 337، 381). .
وشذَّ النَّسَبُ إلى (الخَريفِ والرَّبيعِ)، فقالوا: (خَرَفِيٌّ ورَبَعِيٌّ) بِحذْفِ الياءِ، والقِياسُ: خَرِيفِيٌّ ورَبِيعِيٌّ
[1351] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (3/ 336). .
ونسبوا إلى (أُميَّةَ) فقالوا: (أُمَيِّيٌّ)، ولم يَحذِفوا الياءَ، والقِياسُ: (أُمَوِيٌّ)، وبعضُ العَربِ يقولُ: (أَمَوِيٌّ) بِفتْحِ الهَمْزةِ، وهُو شاذٌّ
[1352] يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 20 وما بعدها)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 594 – 597). .