المَبْحَثُ الثَّالِثُ: إدْغامُ المُتقارِبَين
كما يقعُ الإدْغامُ في المِثْلَينِ يَقعُ أيضًا في المُتقارِبَينِ، ويُحكَمُ على الحرْفَينِ بأنَّهما مُتقارِبان بأمْرَينِ: تَقارُبٍ في المَخْرَجِ، وتَقاربٍ في الصِّفةِ.
تَنبيهانِ: - الإدْغامُ في حُروفِ الفَمِ واللِّسانِ هو الأصْلُ؛ لأنَّها الأكْثرُ دَورانًا في الكَلامِ، وحُروفُ الحلْقِ وحُروفُ الشَّفَةِ أبْعَدُ عنِ الإدْغامِ؛ لأنَّها أقَلُّ في الكَلامِ، وأشَقُّ على المُتكلِّمِ، وما جاء إدْغامُه منها فليس إلَّا لمُقارَبتِه حُروفَ الفمِ واللِّسانِ
[1923] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 532). .
- كيفيَّةُ إدْغامِ المُتقارِبَينِ هي قَلْبُ الحرْفِ الأوَّلِ (المُتقدِّم) إلى مِثلِ الحرْفِ المُتقارِبِ الثَّاني ليَصيرا مِثْلَينِ، فيُستساغَ الإدْغامُ
[1924] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 525). ، فإذا جاء قلْبُ الثَّاني إلى جِنْسِ الأوَّلِ في مَوضِعٍ فلِعِلَّةٍ ما
[1925] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 431). .
تَتَلخَّصُ أحْكامُ إدْغامِ تلك الحُروفِ في: أ- الوُجوبِ: يَجبُ إدْغامُ لامِ التَّعريفِ في الحُروفِ الشَّمسيَّةِ، وهي التَّاءُ والثَّاءُ، والدَّالُ والذَّالُ، والرَّاءُ والزَّايُ، والسِّينُ والشِّينُ، والصَّادُ والضَّادُ، والطَّاءُ والظَّاءُ، والنُّونُ.
يَجبُ إدْغامُ اللَّامِ السَّاكِنةِ معَ الرَّاءِ، مِثْلُ:
بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ [النِّسَاء: 158] .
يَجبُ إدْغامُ النُّونِ السَّاكِنةِ في حُروفِ (يَرمَلون)، ومنها بِغُنَّةٍ في حُروفِ (ينمو)، وبغيرِ غُنَّةٍ في اللَّامِ والرَّاءِ.
ب- الامْتناعُ: يَمْتنعُ إدْغامُ المُتقارِبَينِ في حُروفٍ يَجمَعُها "ضَوِيَ مِشْفَرٌ"، فيَمْتنعُ إدْغامُها فيما يُقارِبُها؛ لأنَّ اسْتطالةَ الضَّادِ، ولِينَ الواوِ والياءِ، وغُنَّةَ المِيمِ، وتَفشِّيَ الشِّينِ والفاءِ، وتَكرارَ الرَّاءِ- يَزولُ بالإدْغامِ
[1926] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 530). .
ويَمتَنِعُ إدْغامُ المُتقارِبَينِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ، فلا بدَّ أنْ يكونَ في كَلِمتَينِ حتَّى لا يَلتبِسَ بإدْغامِ المِثْلَينِ إلَّا إنْ كان بِناءٌ مُبيَّنًا مَعْروفًا قَبْلَ وُقوعِ الإدْغامِ، فلا يَلتبِسُ حَينئذٍ بإدْغامِ المِثْلَينِ، مِثْلُ: انْمحَى، وبالإدْغامِ: امَّحى، ولا يُمكنُ أنْ يكونَ مِن إدْغامِ المِثْلَينِ؛ لأنَّه ليس هناك وَزْنٌ على (افَّعَل)، فعُلِم أنَّ أصْلَه "انْمحى"
[1927] يُنظر: ((الممتع الكبير)) لابن عصفور (ص: 450 – 452). .
ويَمْتنِعُ الإدْغامُ إذا كان ثاني المُتقارِبَين ساكِنًا، وقد شذَّتِ العَربُ في شيءٍ مِن هذا، فحذَفوا أحَدَ المُتقارِبَين تَخفيفًا؛ لأنَّ الإدْغامَ لا يَجوزُ؛ فهُم يقولون في كلِّ قَبيلَةٍ تَظهَرُ فيه (أل) بالإدْغامِ: قالوا في بَني الحارِثِ: بَلْحارِثِ، وفي بَني العَنْبَر: بَلْعَنْبَر
[1928] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 484). .
ج- الجَوازُ: فيما عدا ذلك، مِثْلُ: إدْغامِ النُّونِ المتَحرِّكةِ في حَرْفٍ من حُروفِ: (يَرْملون)، وإدْغامِ التَّاءِ والثَّاءِ والدَّالِ والذَّالِ والطَّاءِ بعضِها في بعضٍ، أو في الزَّايِ والسِّينِ والصَّادِ، كأنْ تَقولَ: سكَت ثَّابِت، أو دَّارم، أو ذَّاكر، أو طَّالب، أو ظَّافر، أو زَّيد، أو سَّالم، أو صَّابر...
[1929] يُنظر: ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 231، 232). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش