الفَصْلُ الثَّاني: الْتقاءُ السَّاكِنينِ
الْتِقاءُ السَّاكِنين ممَّا يَشترِكُ فيه الاسمُ والفِعلُ والحرْفُ، ومِثالُه في الاسمِ: مِن الرَّجلِ، ومِثالُه في الفِعلِ: ارْدُد الجَيشَ، ومِثالُه في الحرْفِ: هل الرَّجلُ في الدَّارِ؟
والْتِقاءُ السَّاكِنَين غيرُ مُمكِنٍ؛ وذلك لأنَّ الحرْفَ السَّاكِنَ كأنَّه مَوْقوفٌ عليه، والحرْفَ الَّذي يَليه كأنَّه مَبْدوءٌ به، ولا يُمكِنُ الابْتداءُ بساكِنٍ؛ فلِذا مُنِع الْتِقاءُ السَّاكِنَينِ
[1930] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/ 286). .
شَرطُ (حدُّ) الْتِقاءِ السَّاكِنين:يُغتفَر الْتِقاءُ السَّاكِنين في الكَلِمةِ الواحِدةِ:
في الوَقْفِ مُطْلَقًا، مِثْلُ: بكْرْ، زَيْدْ.
وفي الوصْلِ إنْ كان الأوَّل ليِّنًا والثَّاني مُشدَّدًا، مِثْلُ:
الضَّالِّينَ، ومن ثَمَّ فإنَّه لا يَلتقِي ساكِنانِ في الوصْلِ إلَّا بِشَرطَينِ:
1- أنْ يكونَ أوَّلُهما حرْفَ لِينٍ.
2- أنْ يكونَ ثانيهما مُشدَّدًا
[1931] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 334). .
فإنِ التقَى ساكِنان -في كَلِمةٍ أو كَلِمتَين- ولم يَتحقَّقِ الشَّرطانِ، فإنَّه يُتخلَّصُ مِنِ التِقائِهما إمَّا بحذْفِ أحدِهما أو تَحْريكِه.
أوَّلًا: الحَذْفُإنْ كان السَّاكِنانِ في كَلِمةٍ واحِدةٍ:يَجبُ حذْفُ الأوَّلِ لفْظًا وخطًّا إنْ كان الأوَّلُ مَدَّةً، سَواءٌ كان الثَّاني جُزءًا مِنَ الكَلِمةِ، مِثْلُ: قُلْ، وبِعْ، وخَفْ، أو كان الثَّاني كالجُزءِ مِنَ الكَلِمةِ، مِثْلُ: أنتم تَغزُون وتَقضُون، ولَتَرْمُنَّ ولَتَغْزُنَّ يا رجالُ، وأنتِ تَرمِين وتَغزِين، ولَتَرْمِنَّ ولَتغزِنَّ.
فإنْ كان السَّاكِنانِ في كَلِمتينِ:فإنَّه يُحذَفُ الأوَّلُ منهما إذا كان:
- نُونَ التَّوكيدِ الخَفيفةَ، مِثْلُ: اضْربَ الرَّجلَ، والأصْل: اضْرِبَنْ الرَّجلَ.
- تَنوينَ العَلَمِ المَوصوفِ بـ(ابن) مُضافٍ إلى عَلَمٍ، مِثْلُ: مُحمَّدُ بْنُ عبدِ اللهِ.
- حَرْفَ مدٍّ، مِثْلُ: اغزُوا، واغزُنَّ يا رجالُ، وارمِي وارمِنَّ يا هندُ، وقالوا الآنَ، ويُحذَفُ هُنا لفْظًا لا خطًّا.
ثانيًا: التَّحْريكُ:الأصْلُ في التَّحْريكِ لالْتِقاء السَّاكِنين الكسْرُ.
ووَجَب الضمُّ في مِيمِ جماعةِ الذُّكورِ المُتَّصلَةِ بالضَّميرِ المَضْمومِ، مِثْلُ:
كُتِبَ عليْكُمُ الْقِصَاصُ [البقرة: 178] .
ويَترجَّحُ الضمُّ على الكسْرِ في واوِ الجَماعةِ المَفْتوحِ ما قبلَها، مِثْلُ: اخشَوُا اللهَ؛ لخِفَّةِ الضَّمَّةِ على الواوِ، ولثِقَلِ الكسْرةِ.
ويَترجَّحُ الكسْرُ على الضَّمِّ في (لو)، مِثْلُ:
لَوِ اسْتَطَعْنَا [التوَّبة: 42] .
ويَجوزُ الضمُّ والكسْرُ على حدٍّ سَواءٍ في:
أ- مِيمِ الجَماعةِ المُتَّصلَةِ بالضَّميرِ المَكْسورِ، مِثْلُ: بِهِمُ اللهُ، وبِهِمِ اللهُ.
ب- إذا انْضمَّ ما يَتلو الثَّاني ضَمًّا لازِمًا (غير حَرَكةِ إعرابٍ)، مِثْلُ: قالتِ اخرُج، وقالتُ اخرُج، فالسَّاكِنان هُما: تاءُ التَّأنِيثِ والخاءُ، وما بعدَ الخاءِ مَضْمومٌ ضمًّا لازِمًا، فيَجوزُ الضَّمُّ والكسْرُ.
ويَجبُ الفتْحُ في:
ج- تاءِ التَّأنِيثِ إنْ أتى بَعدَها ألِفُ الاثْنينِ، مِثْلُ: قالَتَا.
د- نُونِ (مِن) الجارَّةِ إذا دخلَت على ما فيه (أل)، مِثْلُ: مِنَ اللهِ، ومِنَ الكِتابِ، أمَّا إنْ كانتْ معَ غيرِ (أل)، فالكسْرُ أكثرُ، مِثْلُ: مِنِ ابنِك.
ويَترجَّحُ الفتْحُ على الكسْرِ في مِثْل:
الم * اللَّهُ [آل عِمران: 1، 2].
ويَجبُ الفتْحُ في المُضعَّفِ مع هاء الغائِبةِ (رُدَّها)، ويُرجَّحُ الضَّمُّ معَ الغائِبِ في (رُدُّه).
وفيما عدا ذلك فالكسْرُ هو الأصْلُ
[1932] يُنظر: ((نزهة الطرف في علم الصَّرْف)) لابن هشام (ص: 125 - 129)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 233 – 235). .
فائِدةٌ:إنْ كان السَّاكِنُ الأوَّلُ نونَ (لدُنْ)، والثَّاني لامَ التَّعريفِ، فإنَّ نُونَ لَدن تُحذَفُ، مِثْلُ: ما رأيتُه مِن لدُ الصَّباحِ، أيْ: مِن لَدنِ، وقد تُكسَرُ النُّونُ في (لَدُنْ) لكنْ على قِلَّةٍ
[1933] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2/ 718)، ((المساعد)) لابن عقيل (3/ 335). .