المسألةُ الرابعةُ: مَوضِعُ ثُبوتِ النُّونِ
يكونُ ثبوتُ النُّونِ علامةَ رَفعٍ في الأمثالِ الخَمسةِ، ويُطلَقُ عليها أيضًا: الأفعالُ الخَمسةُ، وهي: كُلُّ فِعلٍ مُضارعٍ اتَّصل به ألِفُ الاثنينِ أو واوُ الجماعةِ أو ياءُ المُخاطبةِ، وتُسمَّى بالأمثالِ الخَمسةِ؛ لأنَّ لها خمسَ صُوَرٍ، وهي: يَفْعلانِ وتَفْعلانِ، يَفعَلونَ وتَفعَلونَ، تَفعَلينَ؛ صورتانِ لألِفِ الاثنينِ مع الفِعْل المبدوءِ بياء الغائبَيْنِ وتاءِ المخاطبَيْنِ أو الغائِبَتَينِ، وصورتانِ للواوِ مع الغائبِينَ والمخاطَبِينَ، وصورةٌ للمُخاطَبةِ المُؤَنَّثةِ.
مثل: المجتَهِدون يُذاكِرون دُروسَهم، والمجتهدانِ يُذاكِران دُروسَهما، وأخبَرْتُها أنَّكِ تُذاكِرينَ دُروسَكِ. فالفِعْل (يُذاكِرون – يُذاكِران - تُذاكِرين) مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامةُ رَفعِه ثبوتُ النُّونِ؛ لأنَّه من الأفعالِ الخَمسةِ.
ملحوظةٌ: قد تُحذَفُ النُّونُ جوازًا مع المضارعِ المرفوعِ عند اتصالِها بنونِ الوِقايةِ التي تأتي قبلَ الياءِ للمُتكلِّم؛ تَقولُ: الأصدقاءُ يُحِبُّونَني بإثباتِ النُّونِ، والأصدقاءُ يُحِبُّوني بحَذفِها، والأصدِقاءُ يُحِبُّونِّي بإدغامِها في نونِ الوِقايةِ. وقد جاء إثباتُها مع الفكِّ في قَولِه تعالى:
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي [الأعراف: 150] ، وقَولِه تعالى:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي [الصف: 5] ، وجاء الإدغامُ في قَولِه تعالى:
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ [الأنعام: 80] .
فيكونُ إعرابُ مِثلِ: الأصدِقاءُ يُحِبُّونِي.
الأصدقاءُ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
يُحِبُّوني: فِعلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه النُّونُ المحذوفةُ للتخفيفِ جَوازًا، والواوُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعلٌ، والنُّونُ للوِقايةِ، والياءُ ضَميرٌ متَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نصبٍ مَفعولٌ به.
وهناك لغةٌ صحيحةٌ تحذِفُ النُّونَ لغيرِ نَصبٍ أو جَزمٍ، ولغيرِ دُخولِ نونِ التوكيدِ أو نونِ الوقايةِ، ومنها قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ
»
أخرجه مسلم (54)، من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ؛ فإنَّ "ولا تؤمنوا" هنا فِعلٌ مَرفوعٌ بتجَرُّدِه من الناصِبِ والجازمِ، و"لا" هنا نافيةٌ لا ناهِيةٌ، ومع ذلك حُذِفَت النُّونُ على تلك اللُّغةِ.
وعلى ذلك جاء قَولُ الشَّاعِر:
أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدلُكِي
وَجهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكِي
فالأصل: "تَدلُكين". ومنه قَولُ أبي طالبٍ عَمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
فإن يَكُ قومٌ سَرَّهم ما صنَعْتُم
سَيَحتَلِبُوها لاقِحًا غيرَ باهِلِ
فالأصلُ: "سيَحتَلِبونَها". ومنها قراءةُ الجعفيِّ عن
عاصمٍ:
قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا [القصص: 48] ؛ حيث قرأها: "ساحِرانِ تَظَّاهَرَا"
يُنظَر: ((المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر)) للمبارك الشهرزوري (ص: 677). ، أي: تتظاهَرَا، بصيغةِ المضارعِ وحَذْفِ النُّونِ، مع أنَّ الفِعْلَ حينئذٍ مَرفوعٌ
يُنظَر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (1/ 207)، ((النحو الوافي)) لعباس حسن (1/ 179). .