المَطْلَبُ الأوَّلُ: التَّشْبيهُ البَليغُ
وهُو التَّشْبيهُ الَّذي حُذِفَ منه أداةُ التَّشْبيهِ ووجْهُ الشَّبهِ، وبقِي فيه طَرَفا التَّشْبيهِ فحسْبُ.
ويُسمَّى التَّشْبيهَ البَليغَ؛ لأنَّ حذْفَ الأداةِ ووجْهِ الشَّبهِ مُبالَغةٌ في التَّشْبيهِ، حتَّى كأنَّهما كالشَّيءِ الواحِدِ. كقولِك: العلْمُ نورٌ، مُحمَّدٌ أسدٌ، فاطِمةُ بدْرٌ... ومنه قولُ
أبي فِراسٍ الحَمْدانيِّ: الطويل
إذا نِلتُ منكَ الوُدَّ فالكُلُّ هيِّنٌ
وكلُّ الَّذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الدُّنيا وما عليها إذا رضِي عنه مَحْبوبُه بالتُّرابِ؛ لعدَمِ قِيمتِها حِينَئذٍ، وقلَّةِ اهْتِمامِه بها، غيرَ أنَّه حذَفَ الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
وقولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فالأرْضُ ياقوتَةٌ والجَوُّ لُؤلؤةٌ
والنَّبْتُ فَيْرُوزجٌ والماءُ بِلَّورُ
أطلَق الشَّاعرُ عدَّةَ تَشْبيهاتٍ، حُذِف منها جَميعًا أداةُ ووجْهُ الشَّبهِ؛ فشبَّه الأرضَ بالياقوتَةِ، والجَوَّ باللُؤلؤةِ، والنَّبْتَ بالفَيْرُوزَجِ
[299] (حجر كريم غير شفاف مَعْرُوف بلونه الْأَزْرَق كلون السَّمَاء أَو أميل إِلَى الخضرة يُتحلَّى بِهِ). ينظر: ((المعجم الوسيط)) (2/ 708). ، والماءَ بالبِلَّورِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: الكامل
ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عمَّا تحتَه
فإذا الْتَحفتَ به فإنَّك عاري
حيثُ وصَف الرِّياءَ بأنَّه ثَوْبٌ شفَّافٌ، وحذَف الأداةَ ووجْهَ الشَّبهِ.
ومنه قولُ آخَرَ: الكامل
فالعَيْشُ نَومٌ والمنيَّةُ يَقْظةٌ
والمَرءُ بينَهما خَيالٌ ساري
صوَّر العَيْشَ بالنَّومِ، والموْتَ باليَقْظةِ، وأنَّ الإنْسانَ بَيْنَ الحَياةِ والموْتِ خَيالٌ سارٍ، وحذَف مِنَ التَّشْبيهاتِ الثَّلاثةِ أداةَ التَّشْبيهِ ووجْهَ الشَّبهِ.
والتَّشْبيهُ البَليغُ أعْلى مَراتِبِ التَّشْبيهِ في
البَلاغَةِ وقوَّةِ المُبالَغةِ؛ لِما فيه منِ ادِّعاءِ أنَّ المُشبَّهَ هو عَينُ المُشبَّهِ به، ولِما فيه مِنَ الإيجازِ النَّاشِئِ عن حذْفِ الأداةِ والوجْهِ معًا، هذا الإيجازُ الَّذي يَجعَلُ نفْسَ السَّامِعِ تَذهَبُ كلَّ مَذهَبٍ، ويُوحي لها بصُوَرٍ شتَّى مِن وُجوهِ التَّشْبيهِ
[300] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 238)، ((علم البيان)) لعبد العزيز عتيق (ص: 105). .
والتَّشْبيهُ البَليغُ مِنَ التَّشْبيهاتِ المُؤكَّدَةِ، وهِي الَّتي حُذِفتْ منها الأداةُ، ويُقابِلُها في ذِكْرِ الأداةِ التَّشْبيهُ المُرسَلُ، وهو ما يُذكَرُ فيه أداةُ التَّشْبيهِ، سواءٌ جاء ذِكْرُ وجِهِ الشَّبهِ أم لا.
وهُو أيضًا مِنَ التَّشْبيهاتِ المُجْملَةِ الَّتي حُذِف منْها وجْهُ الشَّبهِ، ويُقابِلُه في ذِكْرِ وجْهِ الشَّبهِ التَّشْبيهُ المُفصَّلُ والتَّمْثيليُّ والضِّمْنيُّ.